ملوث بالنفط لعقود..هذا النهر المقدس في بيرو يتمتع الآن بحقوق مثل الإنسان
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تسرّب في عام 2000 أكثر من 5،000 برميل من النفط الخام من بارجة إلى نهر مارانيون، الذي يمتد لمسافة 1450 كيلومترًا عبر بيرو، من جبال الأنديز المغطاة بالثلوج وصولًا إلى نهر الأمازون العظيم. وانتشرت طبقة سوداء على سطحه بصمت، مسببة كارثة بيئية حيث تلوث النهر، الذي يُعد مصدرًا أساسيًا للمياه للمجتمعات المحلية، ما أدى إلى نفوق بعضًا من الكائنات الحية فيه.
لم تكن هذه الحادثة الأولى ضمن سلسلة من تسربات النفط التي أصابت نهر مارانيون وسكان ضفافه، إذ أن النهر الذي يُعتبر شريان حياة لغابات بيرو الاستوائية المطيرة، ويأوي أنواعًا مهددة بالانقراض مثل الدلافين الوردية اللون، وثعالب الماء العملاقة، يشق أيضًا طريقه عبر مناطق النفط والغاز في بيرو.
يمتد خط أنابيب النفط الشمالي في بيرو بمحاذاة النهر. ووقع أكثر من 80 تسربًا نفطيًا بحسب وكالة الاستثمار في الطاقة والتعدين البيروفية "Osinergmin"، على طول هذا الخط بين عامي 1997 و2022.
رغم أن التسرّب الذي حدث في عام 2000 لم يكن حالة فريدة من نوعها، إلا أنه دفع امرأة واحدة إلى التحرك.
وأسست ماري لوز كاناكيري موراياري، من مجتمع كوكاما الأصلي، والتي نشأت على ضفاف نهر مارانيون، جمعية "نساء وايناكانا كاماتاهوارا كانا" ("جمعية النساء المجتهدات" أو "HKK"). وقد كرّست هذه المنظمة، بقيادة النساء، أكثر من عقدين من الزمن للدفاع عن حماية النهر.
في مارس/ آذار من العام الماضي، أثمرت جهود النساء، بعدما حكمت المحكمة الفيدرالية في بيرو بأن للنهر شخصية قانونية، مما منحه الحق الأساسي في أن يظل حر الجريان وخاليًا من التلوث البيئي.
اليوم، حصلت كاناكيري موراياري، التي تبلغ من العمر 56 عامًا، على جائزة غولدمان البيئية تكريمًا لجهودها، وهي جائزة تُمنح سنويًا لستة من القادة البيئيين المحليين، كل منهم يعمل في قارة مختلفة.
روح النهريُعد نهر مارانيون مقدسًا بالنسبة لشعب الكوكاما، حيث يعتقد هؤلاء أن أرواح أجدادهم تقيم في قاع النهر.
وقالت كاناكيري موراياري إنه عندما بدأت تسريبات النفط، زارت روح عمها المتوفى جدتها ذات ليلة، وحذرتها من الأذى الذي سيجلبه "الذهب الأسود".
بعد وقت قصير، بدأت الدلافين والأسماك بالنفوق.
وأضافت: "كانت الأسماك النافقة تطفو على سطح النهر، مختنقة بالنفط".
بدأ ذلك يؤثر على سبل عيش شعب الكوكاما، حيث يعتمدون على النهر في التنقل، والزراعة، والمياه، وصيد الأسماك. لذلك وبسبب الضرورة، استمر المجتمع في تناول الأسماك وشرب المياه من النهر الملوث.
وتقول: "بدأ أفراد المجتمع المحلي يشعرون بالمرض أيضًا".
وقد أظهرت الدراسات أن المجتمعات التي تعيش بالقرب من مواقع الحفر أو تسرّب النفط تحتوي على مستويات مرتفعة من الرصاص في مجرى الدم، بينما تم الكشف عن مستويات مرتفعة من الزئبق، والزرنيخ، والكادميوم في بول الأشخاص الذين يستهلكون الأسماك من النهر أو الذين تقع حدائقهم النباتية بالقرب من مواقع تسرّب النفط.
وقد دفع ذلك جمعية كاناكويري موراياري إلى التحرّك. فأرسلت رسائل إلى السلطات، ونظّمت مسيرات في العاصمة الإقليمية إكيتوس، وعرقلت حركة المرور في النهر، ولكن دون جدوى.
بدلاً من ذلك، بدأت في البحث عن طرق أخرى، إذ تواصلت في عام 2014 مع معهد الدفاع القانوني، وهو منظمة غير حكومية بيروفية. وبدأوا معًا في استكشاف استراتيجيات قانونية لحماية نهر مارانيون، واستلهموا من حركة "حقوق الطبيعة" العالمية المتنامية، والتي من خلالها مُنحت الأنهار مثل نهر أتراتو في كولومبيا، ونهر ونجانوي في نيوزيلندا، ونهر ماغباي في كندا، صفة الشخصية القانونية.
في عام 2021، رفعت جمعية "HKK"، بدعم من معهد الدفاع القانوني ومركز قانون الأرض، دعوى قضائية تطالب بالاعتراف بالشخصية القانونية لنهر مارانيون، بهدف حمايته من تسربات النفط وأشكال التدمير الأخرى مثل التجريف، ومشاريع الطاقة الكهرومائية.
بعد أكثر من عامين من الدعاوى، حكمت المحكمة الفيدرالية في مارس/آذار 2024 لصالح شعب الكوكاما، ولأول مرة في تاريخ البلاد، تم منح نهر صفة الشخصية القانونية، مما يعطيه الحق في الوجود، والجريان بحرية من دون تلوث، وممارسة وظائفه الأساسية داخل النظام البيئي، وغيرها من الحقوق.
وأمرت المحكمة شركة النفط الحكومية بيتروبيرو (التي لم ترد على طلبات CNN للتعليق) بمعالجة تسربات النفط على الفور، ووضع خطة لحماية النهر وروافده. كما اعترفت المحكمة بشعب الكوكاما ومجموعات السكان الأصليين الأخرى كـ "أوصياء ومدافعين وممثلين عن نهر مارانيون وروافده"، مما يتيح لهم التصرف نيابة عن النهر ومصالحه.
حقوق الطبيعةمن جانبه قال خافيير رويز، وهو خبير في السياسات البيئية وتغير المناخ في برنامج أمريكا اللاتينية القانوني التابع لمركز قانون الأرض لـ CNN: "كانت لحظة تاريخية للبلاد... إنها أول قضية من نوعها في بيرو... وستشكل نموذجاً يُحتذى به في القضايا المستقبلية للاعتراف بحقوق الطبيعة".
وأضاف أن نساء الكوكاما هنّ "البطلات في هذه القضية القانونية"، وأن دفاعهن القوي عن النهر نابع من أن "النهر هو العمود الفقري لثقافتهن".
مع ذلك، اعتبرت كاناكويري موراياري أن الدعوى كانت بمثابة "الخطوة الأولى". ولا يمنع الحكم على الفور استخراج النفط على طول النهر، لكنه يمنح شعب الكوكاما الفرصة للطعن في الأنشطة الجارية أو المستقبلية التي تنتهك حقوق النهر.
بيرونشر الثلاثاء، 29 ابريل / نيسان 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: بيرو النفط ا أکثر من فی بیرو فی عام
إقرأ أيضاً:
هل يمضي الزمن في خط مستقيم أم دائرة مغلقة؟
هل الزمن حقيقة نعيشها، أم بناء ذهني نستخدمه كأداة مفروضة لتنظيم حياتنا وفهم وجودنا، ولكن في جوهره لا يمتلك وجودا وكيانا واضحا. بالرغم من أن التصنيف الزمني الذي أوجد وحدات بتعريفات واضحة ومحددة (مثل ساعات، وأيام، وأسابيع، وأشهر، وسنوات) قد أقام حياة الإنسان، فجعله يُتقن تحديد مواعيد الزراعة والحصاد، وتنظيم الأعياد والطقوس الدينية، وتنسيق الأنشطة التجارية.
كما أن التقسيم الزمني ساعد في تطوير العلوم، مثل الفلك والرياضيات. ونُدين بذلك إلى المصريين القدامى، فمنهم بدأت الحكاية. عندما لاحظ المصريون القدماء بسبب ارتباطهم العميق بدورة النيل، أن القمر يكمل حوالي 12 دورة خلال ما نعتبره «سنة»، لكنهم لم يتوقفوا عند القمر فقط، بل راقبوا نجم الشعرى اليمانية وعلاقته بفيضان النيل. فاستنتجوا أن السنة الشمسية أطول من 12 دورة قمرية، فاعتمدوا تقويما شمسيا من 365 يوما، وقسموه إلى 12 شهرا، كل شهر 30 يوما، وأضافوا 5 أيام كأيام أعياد خارج التقويم.
في حين أن الرومان في البداية كانوا يستخدمون تقويما قمريا من 10 أشهر فقط، وكانت السنة تبدأ في مارس وتنتهي في ديسمبر. (من هنا جاء اسم ديسمبر أو decem بمعنى عشرة باللاتينية). ثم جاء يوليوس قيصر في القرن الأول قبل الميلاد، وقرر إصلاح هذا العبث. فأمر بتعديل التقويم، وأنشأ التقويم اليولياني (أساس التقويم الميلادي الحالي)، وهو تقويم شمسي يتكون من 12 شهرا. عندما أضاف إليه شهرين هما يناير وفبراير. ثم قسم المصريون القدماء اليوم إلى 24 ساعة. فأصبح نصيب النهار من الزمن هو 12 ساعة بناء على حركة الشمس، والليل قُسّم إلى 12 ساعة باستخدام النجوم العشرينية. وبذلك، وُلد مفهوم اليوم المكون من 24 ساعة، رغم أن طول الساعة كان يتغير حسب الموسم.
يقول الإمام الشافعي عن الزمن: «إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا ولم أقتبس علما فما ذاك من عمري فهذا اليوم الذي لم أجد فيه قربا من الله، ولم أصنع يدا أو معروفا، ولم أكتسب فيه علما جديدا، فلا يحتسب ذلك اليوم من عمري». ويقول بورخيس في كتاب التفنيد الجديد للزمن: «الزمن هو المادة التي خُلقتُ منها. الزمن نهرٌ يجرفني، وأنا النهر؛ هو نمرٌ يُدمرني، وأنا النمر؛ هو نارٌ تلتهمني، وأنا النار». يبدو أن الزمن هو تجربة الإنسان للحظة. شيء غير مرئي ولكنه يسكننا ونسكنه. لأنه فينا وقبلتنا أينما توجّهنا. منه نبتنا ومعه نتماهى، حتى نقف عند نقطة لا نختلف فيها أبدا وعندها المنتهى. وكما قال أوجسطين «الزمن هو شيء نولد منه».
أستخلص من هذا كله، بأن الزمن هو تفاعل مستمر بين الإنسان والأدوات الكونية. يجعلنا نركن إلى أن نعيش في إطاره المنظم كدائرة لا تعترف بالزوايا. ولو لم يكن هناك سطوة زمنية، لأصبح العيش فوق هذه الأرض عبثيّا بشكل مطلق.