أكد عدد من التربويين أن تدريس القيم الأخلاقية في المناهج الحالية ما زال متفاوتًا؛ ويكتفي بالطرح النظري دون ربطه بتطبيقات عملية، مما يحد من تأثيره الحقيقي، داعين إلى العمل على مراجعة شاملة للمناهج لضمان توازن وشمولية أكبر في غرس القيم، مشيرين في استطلاع أجرته "عمان" إلى أن المؤسسات التعليمية تلعب دورًا جوهريًا في ترسيخ هذه القيم، وأن التحديات الحديثة تتطلب تعاونًا أوثق وشراكة أعمق مع الأسرة للحفاظ على السلوكيات الإيجابية للطلبة.

تقول الدكتورة فاطمة بنت عبدالله الحمادية، أخصائية تربوية: للمؤسسات التعليمية في سلطنة عُمان دور محوري في ترسيخ القيم الأخلاقية لدى الناشئة، فهي ليست مركزًا للعلم والمعرفة فقط، وإنما بيئة تربوية تسهم في إعداد جيل واعٍ ومتمسك بأصالته وهويته الوطنية والدينية، ويُعدّ غرس القيم مثل الأمانة، والاحترام، والتعاون، وحب الوطن من الأسس التي تقوم عليها العملية التعليمية، مشيرة إلى أنه بالرغم من أهمية هذا الدور، فإن فعالية تدريس القيم الأخلاقية في المناهج الحالية ما زالت متفاوتة؛ فبعض المناهج تكتفي بالطرح النظري دون ربطه بتطبيقات عملية، مما يحد من تأثيرها الحقيقي، إذ نلاحظ أن قيمًا مثل الانضباط والاحترام تلقى اهتمامًا كبيرًا داخل المدارس، لكن تبقى الحاجة قائمة لتعزيز قيم الحوار والتفكير النقدي.

وتضيف: إن سلوك المعلمين والإداريين يلعب دورًا جوهريًا في ترسيخ هذه القيم كونهم يعكسون القدوة الحسنة، خاصة في ظل التقاليد المجتمعية التي تولي للمعلم مكانة مرموقة، لكن تبقى الحاجة قائمة لتعزيز هذا السلوك بما يواكب تطلعات الشباب، ويضاف إلى ذلك دور الأسرة العُمانية المكمل في دعم هذه القيم، موضحة أن التحديات الحديثة تتطلب تعاونًا أوثق وشراكة أعمق بين الأسرة والمؤسسات التعليمية؛ وذلك لوجود اختلاف في درجات الوعي الأسري، واختلاط المجتمع العُماني بثقافات مختلفة تمتلك قيمًا غير القيم التي يؤكد عليها المجتمع العُماني، الأمر الذي يؤكد أهمية تعزيز الشراكة بين الطرفين.

من جانب آخر، تُعد وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مؤثرة بدرجة كبيرة، سواء في دعم أو إضعاف الرسائل التربوية، مما يتطلب تعزيز الوعي الرقمي، موضحة أهمية سد الفجوة بين الجانب النظري والممارسة الفعلية التي تفرضها المستجدات والمؤثرات الحالية على أفراد وقيم المجتمع، التي يمكن تقليصها من خلال تعزيز التفاعل العملي عبر الأنشطة اللاصفية مثل المسرح، والعمل التطوعي، والحوار المفتوح، حيث تثبت هذه الأنشطة فعاليتها في ترسيخ القيم عبر التجربة المباشرة، واقترحت لتعزيز التعاون بين المدرسة والأسرة، تنظيم لقاءات دورية وورش توعوية مشتركة، لتعميق الحوار وبناء شراكة فاعلة في تربية جيل متمسك بقيمه العُمانية الأصيلة.

بيئات حيوية

من جهتها تقول الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية، أخصائية تربوية ونفسية: تعد المدرسة والجامعة بيئات حيوية لبناء الشخصية المتوازنة وتعزيز الهوية الوطنية، التي من خلالها تُساعد على نشر مبادئ الاحترام، والتسامح، والانتماء الوطني، مما ينعكس إيجابًا على سلوكيات النشء والمجتمع بأسره، مشيرة إلى أن المناهج التعليمية تسعى إلى تضمين القيم الأخلاقية، خاصة في مواد التربية الإسلامية واللغة العربية، ومع ذلك، تشير بعض الدراسات إلى وجود تفاوت في تقديم هذه القيم، مما يستدعي مراجعة شاملة للمناهج لضمان توازن وشمولية أكبر في غرس القيم الأخلاقية، كما أن المعلمين والإداريين يُعتبرون قدوة للطلبة في المؤسسات التعليمية، ويُتوقع منهم تجسيد القيم الأخلاقية في سلوكهم اليومي.

وتوضح الدكتورة وفاء أن الأسرة العُمانية تُعد شريكًا أساسيًا في ترسيخ القيم الأخلاقية، حيث تُعد المصدر الأول لتنشئة الأبناء على المبادئ السليمة، ومع ذلك، تواجه الأسر تحديات في مواكبة التغيرات الاجتماعية والثقافية، مما يتطلب تعزيز التعاون بين الأسرة والمدرسة لضمان تنشئة متوازنة، مبينة أن هناك فجوة بين التعليم النظري والتطبيق العملي للقيم الأخلاقية في بعض المؤسسات التعليمية، ويُعزى ذلك إلى نقص في الممارسات العملية والتدريب المستمر، مما يستدعي تطوير استراتيجيات تعليمية تُركز على التطبيق العملي للقيم.

وحول سؤالنا، كيف يمكن تحسين دور المؤسسات التعليمية في ترسيخ القيم الأخلاقية بشكل أعمق وأكثر تأثيرًا، تُفيد الدكتورة: لا بد من تطوير المناهج لتشمل أنشطة تطبيقية تُعزز القيم الأخلاقية، وتدريب المعلمين والإداريين على القيادة الأخلاقية، إلى جانب تعزيز الشراكة بين المدرسة والأسرة والمجتمع المحلي، واستخدام التكنولوجيا ووسائل الإعلام بشكل إيجابي لنشر القيم، كما تُعد الأنشطة غير الصفية مثل المسرح، والعمل التطوعي، والنقاشات المفتوحة أدوات فعالة في ترسيخ القيم الأخلاقية، حيث تُوفر بيئة تفاعلية تُعزز من فهم الطلبة وتطبيقهم للقيم في مواقف حياتية حقيقية، إلى جانب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير على سلوكيات وقيم الشباب، حيث يمكن أن تُعيق الجهود التعليمية في ترسيخ القيم، لذا من الضروري توعية الطلبة بكيفية استخدام هذه الوسائل بشكل إيجابي، وتضمين التربية الإعلامية في المناهج الدراسية.

وتقترح الدكتورة وفاء ضرورة تعزيز التعاون بين الأسرة والمدرسة لترسيخ القيم الأخلاقية في نفوس الناشئة، من خلال تنظيم حلقات عمل وندوات مشتركة بين الأسرة والمدرسة، وإنشاء قنوات تواصل فعالة بين أولياء الأمور والمعلمين، وتطوير برامج توعوية تُعزز من دور الأسرة في التنشئة الأخلاقية، وتشجيع المشاركة الأسرية في الأنشطة المدرسية.

وفي السياق ذاته، تقول كلثم بنت حمود المقبالية، أخصائية توجيه وإرشاد أسري: المؤسسات التعليمية ليست مجرد مكان لتلقي العلوم والمعرفة، بل بيئة يتعلم فيها الطالب كيف يكون فردًا صالحًا في المجتمع، وذلك من خلال التفاعل اليومي مع المعلمين والزملاء، بالإضافة إلى اكتساب الخبرات من الأنشطة المدرسية، التي من خلالها يكتسب الطلبة سلوكيات إيجابية مثل التعاون، والاحترام، وتحمل المسؤولية، كما أن المدرسة تسهم في الحد من الظواهر السلبية كالعنف والغش، وتغرس في نفوسهم أهمية الصدق والانتماء للمجتمع، لذلك، فإن دور المؤسسات التعليمية في هذا الجانب لا يقل أهمية عن دورها الأكاديمي، بل هو الأساس في إعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات الحياة بقيم راسخة وسلوك قويم.

طرق التدريس

وتشير إلى أن فعالية تدريس القيم الأخلاقية تختلف بين المناهج التعليمية حسب تصميمها وطريقة التدريس واهتمام المعلمين بتطبيقها عمليًا، ففي بعض الأنظمة تُدمج القيم بوضوح، مما يسهل فهمها وتطبيقها، بينما في أخرى تكون محدودة أو غير مباشرة، مما يقلل من تأثيرها، كما أن دور المعلم كقدوة مهم جدًا لتعزيز هذه القيم بشكل فعال، فبالرغم من وجود تقدم في بعض الأماكن، لا تزال هناك حاجة لتحسين طرق التدريس وجعلها أكثر واقعية وتأثيرًا، وأعتقد أن المناهج في المؤسسات التعليمية في السلطنة بحاجة إلى تطوير وإعادة صياغة بحيث يكون هناك وضوح أكبر وارتباط أقوى بالقيم الأخلاقية.

وهناك عدد كبير من القيم الأخلاقية المهمة ولا يمكن حصرها في قيمة أو اثنتين فقط، فالقيم مثل الصدق، والاحترام، والمسؤولية، والتعاون وغيرها من القيم تحظى باهتمام كبير داخل المدارس والجامعات، وتتفاوت التوعية بهذه القيم من مؤسسة لأخرى، ولا عجب في ذلك، فكلها تلعب دورًا أساسيًا في بناء شخصية الطالب وتهيئة بيئة تعليمية إيجابية، ولا ننسى دور المعلمين كقدوة في تطبيق هذه القيم بشكل عملي.

وتوضح أن دور الأسرة ليس تكميليًا فحسب، بل هو أساسي في هذا الأمر، حيث إن لها الدور الأكبر في دعم غرس القيم لدى الطالب، بمعنى آخر، إن الأسرة هي البيئة الأولى التي يتعلم فيها الطفل المبادئ والسلوكيات الأخلاقية من خلال القدوة والتربية اليومية، بالإضافة إلى التعاون المستمر مع المدرسة، والذي بدوره يعزز ترسيخ القيم والسلوكيات الإيجابية، مضيفة: "لا نستطيع إنكار أنه في كثير من الأحيان توجد فجوة بين ما يُدرس نظريًا من قيم أخلاقية وما يُمارس فعليًا داخل المؤسسات التعليمية، فالمناهج قد تركز على شرح القيم بشكل نظري، لكن التطبيق العملي لها قد يكون محدودًا أو غير متسق مع ما يُقال، ويعود أحيانًا إلى أن الضغوط الأكاديمية والبيئة الاجتماعية قد تؤثر على التوسع في تطبيق هذه القيم وقياسه على سلوك الطلبة، مما يجعل من الصعب ترجمة القيم النظرية إلى ممارسات فعلية، لذلك، من المهم أن تكون هناك جهود مستمرة لتعزيز التوافق بين التعليم النظري والسلوك العملي، من خلال بيئة مدرسية داعمة، وتدريب المعلمين، وتشجيع الطلبة على تطبيق القيم في حياتهم اليومية".

التفاعل الصحي

وعرجت قائلة: لا بد من تطوير المناهج لتشمل القيم بشكل واضح وعملي، مع توفير بيئة مدرسية إيجابية تشجع التفاعل الصحي بين الطلبة والمعلمين، يمكنه تحسين دور المؤسسات التعليمية في ترسيخ القيم الأخلاقية بشكل أعمق وأكثر تأثيرًا، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة تربوية تطوعية وتعاونية تتيح لهم تطبيق القيم عمليًا، وتعزيز التعاون بين الأسرة والمدرسة يعد أيضًا أمرًا ضروريًا ولا يقل أهمية لضمان استمرارية غرس القيم، بالإضافة إلى تدريب المعلمين بشكل مستمر على مهارات التربية الأخلاقية وأساليب غرس القيم بفعالية، مما يساهم في بناء شخصية الطالب وتنشئة جيل قادر على المساهمة في مجتمع متماسك ومستقر.

وترى أن دمج الأنشطة غير الصفّية يُعد من أفضل الطرق لترسيخ القيم الأخلاقية، حيث إنها توفر بيئة حقيقية يستطيع فيها الطلبة ممارسة القيم بشكل عملي، وبالطبع، فإن ما يتم ممارسته بشكل عملي يعزز من فهمه له ويسهل جعله جزءًا من سلوكهم اليومي، مضيفة إن وسائل الإعلام الرقمية تسهم في نشر قيم جديدة وتعزز الوعي الاجتماعي والثقافي، مما يدعم منظومة القيم في المجتمع ويتيح فرصًا لتنمية التفكير والعلاقات الاجتماعية البناءة بين الشباب، ومن جهة أخرى، قد تؤدي بعض المحتويات السلبية أو الاستخدام غير المنضبط لهذه الوسائل إلى ظهور سلوكيات غير أخلاقية.

وتختتم حديثها بقولها: يجب تعزيز التواصل المستمر والمفتوح بين الأسرة والمدرسة، وذلك لمتابعة سلوك الطالب وتوجيهه بشكل فعال، كما يجب أن يكون هناك توافق في الرسائل والقيم التي تُغرس في المنزل والمدرسة، إلى جانب دعم المدرسة للأهل من خلال تقديم إرشادات تربوية تساعدهم في تعزيز تأثير التربية الأخلاقية. بهذا التكامل والتنسيق، يمكن بناء بيئة متكاملة تدعم نمو الناشئة على أسس أخلاقية قوية ومستدامة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات التعلیمیة فی بین الأسرة والمدرسة القیم الأخلاقیة فی تعزیز التعاون بین بالإضافة إلى القیم بشکل ا فی ترسیخ هذه القیم غرس القیم تأثیر ا من خلال التی ت إلى أن

إقرأ أيضاً:

أزمة النزاهة الأكاديمية في الجامعات.. معركة القيم بين التشريع والتطبيق

صراحة نيوز- بقلم / د.عبدالله سرور الزعبي

في عصر تتسارع فيه المعرفة وتتزاحم فيه الأوراق العلمية، تتعرض إحدى أقدس القيم الجامعية لتهديد خطير في نزاهته الأكاديمية، التي تعد حجر الزاوية في المنظومة التعليمية والبحثية، حيث باتت الأبحاث العلمية في كثير من الحالات عبارة عن سلعة في سباق نحو الترقية أو الشهرة والتفاخر، مما يشكل كارثة في منظومة الأخلاق الاكاديمية.

في الوقت الذي تُرفع فيه شعارات التميز والابتكار، تكشف الوقائع أن العديد من هذه الأبحاث تعاني من تفشي الانتحال، وتلفيق النتائج، والتحايل والسرقات العلمية، والأسوأ أن مثل هذه السلوكيات تمرّ دون رقيب، إما بسبب تواطؤ ضمني، أو تقاعس عن المحاسبة، او غيرها من الأسباب من قبل من يفترض بهم ان يكونوا قيادات اكاديمية مميزة، متناسين بان النزاهة الاكاديمية ليست رفاهية أخلاقية، بل هي شرط وجودي لأي نظام أكاديمي يسعى لإنتاج المعرفة والكفاءات والمحافظة على ثقة المجتمع.

لقد بات من المألوف أن نرى باحثين ينشرون عشرات الأوراق العلمية سنويًا، باستخدام الذكاء الاصطناعي والانتحال، مع غياب الرقابة الصارمة (عندما كنت عميداً للبحث العلمي، زارني أحد أعضاء الهيئة التدريسية محتجاً على عدم اعتماد عددا من كتبه التي أصدرها، 26 كتاباً في سنتين، وقد طالبت عندها بتشكيل لجنة تحقق لمراجعة مؤلفاته، الا انه ومع كل اسف قوبل الطلب بالرفض آنذاك).

في ظل تصاعد الأزمات الأخلاقية التي تعصف بالمنظومات الاكاديمية، وبعيداً عن التصنيفات التقليدية، يبرز مؤشر قياس مخاطر سلامة البحث العلمي (Research Integrity Risk Index RI) كمقياس ثوري، يكشف الوجه الآخر للمشهد العلمي، ويهدف إلى رصد مستوى النزاهة والانحرافات المنهجية في المؤسسات الأكاديمية، بهدف المحافظة على الثقة بالمنظومة التعليمية، وضمان جودة الأبحاث، وتعزيز منظومة الابتكار والإبداع.

يعتبر مؤشر RI²، مقياس مركب (لا مكان فيه للتمويه)، يُوظف خوارزميات تحليلية وبيانات كمية ونوعية، للكشف عن أنماط السلوك البحثي غير النزيه، فهو لا يقيس فقط الوقائع المثبتة للانتهاكات، بل يحلل احتمالات الانحراف بناءً على سلوكيات النشر، وشفافية البيانات، وأخلاقيات التجريب (هو رادار أخلاقي قادر على بناء ملفات تعريف المخاطر للمؤسسات البحثية، استناداً إلى مؤشرات دقيقة تتجاوز الشكل لتصل المضمون، ويظهر درجة مخاطر النزاهة من صفر “خطر منخفض” إلى 100 “خطر مرتفع”، ما يجعل من المؤشر RI² أداة رقابية ووقائية، ومشكلاً خط الدفاع الأول، لكشف الخلل قبل وقوع الفضيحة، ولمنع اتخاذ قرارات ادارية خاطئة، خاصة بالتمويل أو الترقيات.

يركز مؤشر RI² على معايير دقيقة تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، عدد الأبحاث التي تم سحبها أو إلغاؤها نتيجة أخطاء جسيمة أو التلاعب، او السرقة، او النشر في مجلات ثبت افتقارها للمصداقية أو تم حذفها من قواعد البيانات الأكاديمية العالمية، كونها فاقدة للمصداقية العلمية.

وبخلاف التصنيفات التقليدية للجامعات (مثل QS وغيرها)، اعتمد مؤشر RI² على جمع البيانات بتاريخ محدّد من قواعد البيانات، ويتم تنظيف وتوحيد البيانات بإزالة التكرارات، وتحليل النسبة المتداخلة لكل مصدر، وعرض التداخل في جداول توضّح نسبة التطابق.

وبناءً عليه، فقد تم تصنيف الجامعات (معتمداً نتائج قابلة للتحقق، معدل المنشورات المسحوبة، وحصة الإنتاج في المجلات التي شطبت من القائمة)، إلى خمس فئات، فئة جامعات الخطر الكبير، وفئة الجامعات الخطر المرتفع، وفئة جامعات تحت الرقابة، وفئة جامعات الوضع الطبيعي، وفئة جامعات آمنة ومنخفضة الخطورة.

لقد تم تقيم الجامعات العالمية التي حققت الحد الأدنى للنشر العلمي وبما لا يقل عن 1500 بحث خلال آخر عامين (هذا الشرط لضمان أن التحليل الإحصائي للمخاطر البحثية لا يتأثر بتقلبات النسب الصغيرة)، وبينت النتائج ان 648 جامعة صنفت بان ابحاثها امنه ومنخفضة الخطورةLow Risk، و382 جامعة تتمتع بحوثها بالوضع الطبيعيNormal variation، و253 جامعة تحت الرقابة Watch List(منها جامعة اردنية واحدة، حكومية، في المرتبة 230)، و93 جامعة في منطقة الخطر المرتفع  High Risk (منها جامعتين حكوميتين في المرتبة 133 و164)، و 124 جامعة ضمن فئة الخطر الكبير Red Flag (منها 5 جامعات اردنية، جامعتين

حكوميتين، في المرتبة 27 و 122، وثلاث جامعات خاصة في المرتبة 16، 34، 72).
وتحريا للمصداقية والدقة وللأمانة العلمية، ولمن يرغب بالاطلاع على قائمة الجامعات (ومنها الجامعات الأردنية)، فإننا نرفق الرابط الخاص والمنشور بتاريخ 13/6/2025، ().
وعند تحليل قائمة الجامعات الوطنية، فإننا نجد بأن 8 جامعات وردت اسماؤها في القائمة، حيث صدر عنها اوراقاً علمية منشورة تجاوزت 1500 ورقة خلال عامين، وان الجامعات التي لم يذكر اسمها، يعكس غيابها عن خريطة البحث العلمي العالمي، وهو واقع مؤلم يستدعي وقفة تأمل ومراجعة من قبل أصحاب القرار.

كما ان الأرقام تبين بان 62.5 % من الجامعات الأردنية التي ظهرت ضمن القائمة كانت ضمن المنطقة الحمراء (الخطر الكبير)، وان 25℅ منها ضمن قائمة عالية الخطورة، 12.5 % ضمن قائمة الجامعات تحت الرقابة، وهذا يستوجب دق ناقوس الخطر، في واقع تتفشى فيه المجاملة الأكاديمية، ويغيب فيه التقييم المحايد، ويُستخدم فيه النشر كأداة للترقية، فإن العديد من الجامعات الوطنية مرشحة لكي تصنف ضمن مناطق الخطر المرتفع، وعندها سنطرح التساؤلات، لماذا حصل هذا؟ والى اين نحن ذاهبون؟ ولعل السؤال الأخطر، هل تستطيع جامعاتنا الصمود أمام شفافية RI²؟
في هذه المقال، فإنني لن اعيد ما سبق لي ان كتبت في مقالات سابقة وتحدثت فيها بالتفصيل، مثل “ويحدثونك عن البحث العلمي” (الجزء 1 و2) منشور بتاريخ
29و30/4/2023، حيث تم فيه تصنيف الباحثين الأردنيين، واشرت الى ان احد المجموعات البحثية، جل همهم حمل الرتب الأكاديمية (شراء البحوث، سرقتها، استلالها او عن طريق التحميل مع الآخرين)، وهم جل همهم قرار مجلس العمداء الذي يمنحهم الرتبة والزيادة في الراتب، والوصول الى مواقع قيادية، وأنه لمن المؤسف أن عدداً منهم قد تسلل الى أعلى المواقع الاكاديمية وأصبحوا من راسمي السياسة التعليمية أو من منفذيها (موثق)، ومنهم المنظرين في الاعلام المرئي والمسموع والمواقع الاليكترونية للنهوض بالبحث والتطوير والمطالبين بتطبيق النزاهة الأكاديمية، وموثقة افعالهم بانعدام النزاهة الاكاديمية لديهم، وفي مقال اخر بعنوان “محور التعليم العالي في الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية” 2016 – 2025، والمنشور بتاريخ 3/2/2025، وتحدثت فيه عن جودة البحث العلمي في الأردن، ومقال “القيادات الاكاديمية والجامعات العظيمة” بأجزائه الأربعة والمنشورة بتاريخ 14 و15 و18 و19/3/2023، حيث بينا فيه عن دور رؤساء الجامعات في وضع الجامعات على طريق الوصول للقمة، عندما تكون القيادة لا تتطلع لقوى الشد العكسي من اصحاب المصالح ومن اصحاب التاريخ الحافل بالسرقات العلمية، وقدمنا امثلة كثيره، وسبق لي شخصياً ان استفدت منها، وكذلك مقابلة مع جريدة الدستور، منشور بتاريخ 5/5/2013، طالبت فيها بضرورة هيكلة التعليم العالي، واشرت الى ان الجسم الاكاديمي تسلل اليه البعض، ما كان لهم ان يدخلوا أبواب الجامعات.

ولكي نعيد للنزاهة الأكاديمية اعتبارها، لا يكفي أن نكتب المواثيق، بل يجب أن تُترجم إلى قرارات صارمة، وعقوبات رادعة، ومحاسبة علنية لكل من يثبت عليه التزوير أو الانتحال او السرقة، ويجب ان يدرك التعليم العالي (وزارة التعليم، وهي تعلم بهذه الممارسات، حسب ما هو منشور في جفرا نيوز “التعليم العالي، توضح حول تشكيل لجان لمتابعة أبحاث علمية مسروقة، بتاريخ 2/4/2023) وان تدرك الجامعات أن زمن الصمت قد انتهى، فكما تقيم جودة التعليم، يجب أن تقيم نظافة اليد والعقل الأكاديمية، وها هو اليوم مؤشر RI² جاء لإنقاذ شرف المهنة الأكاديمية (فمعركة النزاهة الأكاديمية، ليست معركة تعليم فقط، بل معركة قيم وبقاء)، ويجب النظر الى الجامعة بانها لم تُبنَ لتكون مصنع للشهادات، والترقيات (فالجامعات التي تتساهل في الانتحال، لا تُخرج علماء، بل تُخرّج مقلدين بألقاب)، بل لغاية خلق معرفة حقيقية وإنتاج كفاءات مسلحة بالمهارات لبناء الوطن.

اليوم، نحن بأمس الحاجة لمراجعة ملفات اعضاء مجالس الحاكمية والقيادات الاكاديمية من رأس الهرم الى مستوى رئيس القسم الأكاديمي وغيرهم من أعضاء الهيئة التدريسية، للاطلاع على مستوى النزاهة الاكاديمية لديهم، واتخاذ الإجراءات ومنها سحب الرتب الاكاديمية واسترداد الأموال التي منحت لهم مقابلها (وهنا يأتي دور أجهزة الرقابة لمراقبة القرارات الإدارية كونها لها انعكاسات مالية)، وضرورة استئصال من يثبت عليه أي شبهة من الجسم الأكاديمي، ومستشهداً باستقالة وزراء من الحكومة الألمانية في عام 2011 و2013 وسحب الشهادات منهم لاستلالهم فقرات في رسائل الدكتوراه لهم قبل حوالي ثلاثة عقود قبل ذلك التاريخ، وهذا ما كنا نمارسه فعلياً في الجامعة، الامر الذي اغضب البعض من أصحاب المصالح.

وهنا فإننا نتخوف بأن يكون المعلن عنه في الجامعات الثمانية لا يمثل سوى قمة جبل الجليد، الامر الذي يتطلب المباشرة الفورية في اتخاذ الإجراءات الرادعة، وانشاء هيئة وطنية مستقلة للنزاهة في البحث، مماثلة لـ Office of Research Integrity، وتفعيل أنظمة كشف الانتحال والسرقات، كجزء من المنظومة، وإنشاء وحدة تحقيق داخلية مستقلة للرقابة قادرة على الاستجابة السريعة لأي خروقات اكاديمية وتفعيل دور كافة الأجهزة الرقابية ذات العلاقة لاتخاذ الإجراءات الرادعة، وإجراء تقيم لواقع النزاهة الاكاديمية في كافة المؤسسات، وعن البحوث المسحوبة، للوقوف على الأسباب ومعالجتها ووضع عقوبات رادعة للذين تسحب بحوثهم او تثبت عليهم سرقات او استلال علمي (لا مكافئتهم بتعينهم بمواقع قيادية كونهم مطواعين لأصحاب المصالح)، وتفعيل الذكاء الاصطناعي للوقاية من الإخلال بأخلاقيات البحث العلمي.
إن الالتزام بالشفافية واعتماد الكفاءة وتفعيل الحوكمة هو الامر الذي يحقق الرؤى الملكية السامية في اصلاح المنظومة السياسية والادارية والاقتصادية في مؤسسات الدولة.

مقالات مشابهة

  • البحرين تفعّل التعليم الرقمي احترازيًا لجميع المؤسسات التعليمية
  • وزير الخارجية الإيراني: الغرب فقد بوصلته الأخلاقية تمامًا
  • أزمة النزاهة الأكاديمية في الجامعات.. معركة القيم بين التشريع والتطبيق
  • منصور بن محمد: الأب الحقيقي يغرس القيم
  • بدء النسخة الرابعة من "ملتقى نور على نور" لتعزيز القيم التربوية في نخل
  • خطر التلوث الإشعاعي.. والمسؤولية الأخلاقية العالمية
  • تربويون لـ"الرؤية": رقمنة المناهج التعليمية "ضرورة حتمية" لتفادي التخلف الحضاري
  • غدا.. «مجلس الشيوخ» يناقش ظاهرة التنمر وآليات غرس القيم الأخلاقية والإنسانية بالمدارس
  • تكوين الأساتذة في الأطوار التعليمية الثلاثة
  • أيمن عاشور يفتتح عددًا من المشروعات التعليمية والصحية بجامعة بنها.. ويتفقد موقع الجامعة الفرنسية.. أبرز أنشطة وزارة التعليم العالي خلال أسبوع