مثلما ابرزت هذه الحرب وكشفت القناع عن أوجه كثيرة على كافة الصعد داخليا من لدن أهل السودان نفسه وخارجيا من دول كانت تدعى الأخوة أو طيب الصلات حتى إذا جاءت هذه الحرب سقط القناع ما يشي بان ما وراء الحجب كان مشوها. وان العلاقة ربما بنيت على مقتضيات برزت مع الحرب فضرب أهلها على كل آصرة عرض الحائط وكشروا عن انيابهم لنستدرك كم كانت ضحكاتهم صفراء.

اقول قولي هذا وفي ذهني وكثيرين دول بعينها قلبت للسودان وإنسانه ظهر المجن في محنته، وبعيدا عن السياسة، ومعترك الحرب وما لازمه منها أمنيا وعسكريا اكتفى بالاجتماعى منها وكيف قابلت هذه الدول مواطن السودان الذي دفعته الحرب للجؤ، ونزعت من قلبها كل رحمة ورأفة به وهي تصده عبر العديد من المتاريس الاجرائية في دخوله غير آبهة لمشاعره وما يختلجها، فجعلته كالمستجير من الرمضاء بالنار وجرحته في كبريائه رغم ادعائها الصداقة والأخوة قبل يوم الكريهة.

وبالمقابل هنالك من ترجم علاقته الطيبة بالسودان قولا وفعلا واظهر معنى الأخوة الحقة مترجما اياها في عدة أوجه سوى بالدعم العيني من خلال المساعدات الإنسانية التي تدفقت تترى خلال الأربعة أشهر الماضية أو فتح ابوابها على مصراعيها لتدفق اللاجئين السودانين، كما فتحت احضانها مرحبة ترحابا حارا.

ودعوني هنا اخص بالشكر الشقيقة معنى ومبنى مصر التي ومنذ الشرارة الأولى للحرب فتحت ابوابها دون شرط أو قيد قبيل ان تعود وتشدد على إجراءات الدخول لدواعى أمنية وليس تمنعا بل العكس.

تدفق اللاجئون إلى العزيزة مصر وكانت أول مقصدهم كونها الأقرب إلى وجدانهم وحدودهم، وكونها وجهتهم الأمثل حتى من قبل الحرب والشاهد ان عدد السودانيين هناك بالملايين (5 مليون قبل الحرب و300 بعدها)

لم تتضجر مصر أو تسيء المعاملة رغم التصرفات السالبة من بعض السودانيين هناك احتملتها بكل صبر ولم تبال كثيرا. التدفق إليها ما زال سيال حتى اللحظة والمعابر تشهد بآلاف المسافرين في انتظار التأشيرة أو كيفية الدخول فضلا عن آخرين بنتظرون الجوازات وغيرهم ما يعنى مزيد من التدفق.

قلت ان مصر لم تتصجر بل العكس تعمل بجدية وحب على استقبال اللاجئين قيد السفر وتسهيل وتسخير سبل الراحة لهم على أعلى مستوى رئاسة الجمهورية تجلى ذلك عندما قام المشير “عبد الفتاح السيسي” بابتعاث مستشاره أحمد جمال الدين لتفقد المناطق النائية والحدودية رفقة محافظ اسوان “أشرف عطية” مساء الخميس، حيث وقف على جهود الدولة في تقديم كافة الخدمات اللوجستية للقادمين إليها من السودان.

اي اخلاص وإنسانية وحب ذلكم الذي تغمرنا به الشقيقة مصر وبلا اي من أو اذى؟!. مصر ظلت بعيدة عن المسائل المقلقة للسودان في حربه ولم تحشر انفها في شأنها الخاص مما يلي الحرب، بل حتى المبادرة التي تقدمت بها كانت شافية ووافية وجدت قبولا وترحيبا عظيما من السودان وأهله والمحيط الإقليمي. مصر قصدها القاصى والداني بما فيهم من كانوا يقفون نحوها موقف مضاد، فقد استطاعت بافعالها ان تلقمهم حجر، وتخجلهم.

اعتقد وكما ان هذه الحرب عقب نهايتها التي باتت قاب قوسين أو ادني تمخضت عن دروس وعبر لا تحصى ولا تعد فعلى الدولة الاعتبار بها ومعالجتها جذريا وعلى رأسها تدفق الأجانب وفتح الحدود لهم بلا شرط أو قيد ما شكل لها عبء على كافة الصعد وضغط أمنى واقتصادى وسياسي والكثير الذي نفرد له مساحة لاحقا.

شكرا كثيرا الشقيقة البارة مصر، شكرا لكل من وقف مع السودان ماديا ولوجستيا وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وتركيا، قطر، البحرين وغيرهم ممن فاتني ذكرهم ولا عزاء ل(لاخوة الاعداء) أو كما قال الزعيم عادل إمام في واحدة من مسرحياته.

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: الوقت وبينما

إقرأ أيضاً:

السودان وفروقات الوعي السياسي

أن الحرب تعتبر أعلى درجات الأزمة في أية مجتمع، و العقل السياسي الذي تسبب في الأزمة حتى وصلت إلي الحرب، لا يستطيع أن يحدث تغييرا في واقعها، إلا إذا استطاع تغيير طريقة تفكيره.. و التغيير لا ينتج بعقول خاملة لا تستطيع أن تنتج أفكار جديدة، فقط تعيد إنتاج ذات المقولات التي تسببت في الحرب.. المطلوب عقول جديدة، تنتج أفكار جديدة، تستطيع من خلالها أن تحدث تنشيط في الفعل السياسي يتجاوز سلبيات الماضي.. لكن محاولات إعادة ذات العقليات برفع ذات الشعارات القديمة سوف تعيد إنتاج الأزمة.. أن النخب السياسية السودانية تتخوف من نقد ممارساتها التي أوقعتها في الأخطاء التي قادت إلي الأزمة.. لذلك الكل يميل للتبرير الذي يغيب معرفة الأسباب و يعيد إنتاج الأزمة بصور مغايرة..
أن أغلبية النخب السودانية السياسية، أو المثقفة التي تدور في المحور السياسي، لا يفكرون إلا من خلال مصالحهم الخاصة، أو مصالح أحزبهم، لذلك ينظرون لواقع الأحداث من خلال عدسات ضيقة لا تساعد على النظرة الكلية للأزمة.. مثالا لذلك نشرت سودان اندبندنت خبرا يقول ( طالب نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ز جعفر الميرغني رئيس الوزراء كامل إدريس بالعمل على تهيئة المناخ للانتخابات العامة في السودان) و أضاف قائلا ( إقامة مؤسسات انتخابية تضمن انتقال السلطة عبر انتخابات حرة و نزيهة) أن جعفر الميرغني لم يجد ما يقوله إلي رئيس الوزراء غير الانتخابات الأداة الموصلة للسلطة.. رغم أن البلد ماتزال الحرب مستمرة فيها، المؤامرات الخارجية تنوع في تحدياته.. فالعقل الذي لا ينظر للأزمة بكلياتها لا يكون مفيدا في معالجة الأزمة.. و أيضا هناك أحزاب و سياسيين متمسكين بالتفاوض ليس قناعة منهم إنه طريقا ناجعا للحل، بل لأنهم يعتقدون أن أنتصار الجيش على الميليشيا سوف يحدث واقعا سياسيا جديدا يصعب عليهم شروط الالتحاق به.. و أيضا هناك قوى سياسية تريد أن تنتهي الحرب لكي تواصل فعلها الثوري.. الأمر الذي يؤكد خمول العقل السياسي في إنتاج أفكار جديدة تتجاوز بها الأزمة..
أن الحرب ليست عملية سياحة للترفيه، أو حالة من حالات الغضب و بعدها ترجع الأشياء كما كانت قبل الحرب.. الحرب تستخدم فيها كل أدوات القتل و التدمير، و يظهر السلوك السالب بكل تفاصيله، و كلها أشياء سوف يكون لها انعكاسات على حياة الناس و سلوكهم و علي طريقة تفكيرهم.. الحرب حتما سوف تظهر قوى جديدة من الشباب الذين شاركوا في القتال، هؤلاء يجب أن يكون لهم دورا في مستقبل البلاد السياسي.. الجيش بعد الانتصار أيضا لديه مهمة أخرى.. هي حفظ الأمن و جمع السلاح من كل المقاتلين و فرض السلام الاجتماعي و السياسي في البلاد.. و وضع حد لتدخل النفوذ الخارجي في الشأن السياسي السوداني.. و كلها قضايا في حاجة للتفكير العقلاني الموضوعي... و ليس التفكير القائم على المصالح الضيقة..
معلوم في الفكر السياسي أن عملية البناء و النهضة تؤسس عن طريقين.. الأول أن تكون هناك أحزاب ناضجة و فاعلة، على رأسها قيادة لها مشروع سياسي، يلتف حولها الشعب و تعمل بجد، و عمل إداري بخبرات عالية، و نزاهة و شفافية. و التزام قوى بتطبق القوانين، و استطاعت أن تنجح في ذلك حدث ذلك في البرازيل و الهند و تركيا و ماليزيا و رواندا.. و هناك دول نهضت من خلال حزب واحد أو قيادات عسكرية أيضا استطاعوا أن يلتزموا بمعايير النهضة.. المشروع السياسي و حسن الإدارة و النزاهة و الشفافية و تطبيق القوانين و حدث ذلك في الصين و سنغافورة و كوريا الجنوبية و فيتنام.. و النجاح في الثاني الرهان عليه في التحول غلي الديمقراطية مرتبط بالتطور الاقتصادي الذي يبرز طبقة أوسطى جديدة تقود إلي تحول ديمقراطي من خلال دورها السياسي و الفكري و الثقافي في المجتمع..
إذا أردنا أن نقارن العملية السياسية في السودان.. بالتطورات التي حدثت بعد ثورة ديسمبر نجد أن الشارع كان أكثر وعيا من القوى السياسية، التي فشلت في إدارة الأزمة السياسية، لأسباب عديدة.. اولا - أنها لم تكن لديها مشروعا سياسيا.. ثانيا - القيادات التي قدمتها للمواقع الدستورية " الوزارات" أغلبيتهم كانت ذات خبرات ضعيفة، و بعض منهم أول وظيفة له في حياته و حياتها كانت وزارة.. ثالثا - خسارتهم للشارع الذي جاء بهم للسلطة.. رابعا – راهنوا على الخارج أن يعيدهم للسلطة.. خامسا - تحالفهم مع الميليشيا و أصبحوا جناحها السياسي.. سادسا - فشلوا في تقييم التجربة و مايزالون يرهانوا حتى الآن لكيفية العودة للسلطة، دون أن يكون لهم تصورا مقنعا للشارع... سابعا – عندما تفشل قيادة الأحزاب في معركتها و تخسر الشارع تبدأ بتغيير قياداتها في محاولة من أجل كسب الشارع، لكن قلة الخبرة، و عدم وجود قيادات أفضل ظلت الأحزاب تصارع بذات القيادات التي باتت غير مقبولة في الشارع..
أن البلد ليس كما قال جعفر الميرغني (بإنها في حاجة إلي مؤسسات انتخابية تضمن انتقال السلطة عبر انتخابات) البلد حتى يكون فيها أحزاب قادرة على تحمل المسؤولية الوطنية، هي في حاجة لتشريعات " قانون الأحزاب" أن تجرى الأحزاب مؤتمراتها قبل كل أنتخابات على أن لا يترشح أي عضو أكثر من دورتين.. و في الفترة الانتقالية أن تجري الأحزاب انتخاباتها مرتين قبل الانتخابات.. لكي يضمن الشعب ليس هناك احتكارية للأحزاب من قبل شلة أو مجموعات بعينها، أو بيوتات، أو أفراد، و بالتالي يضمن تداول القيادة في الأحزاب، و الانتخابات تضمن تجديد للأفكار و البرامج، و النافسة هي التي تخلق الوعي، و تقدم قيادات مدركة لدورها، إلي جانب مراقبة ألأموال حتى لا يتدخل النفوذ الخارجي عبر التمويل.. أن أهم خطوة قبل الانتخابات قانون الأحزاب.ز حتى تأتي قيادة ضعيفة القدرات لأنها لم تصعد لقمة الحزب إلا بسبب علاقة الأبوة و المحسوبية و الشللية و غيرها.. نسأل الله حسن البصيرة

zainsalih@hotmail.com

 

مقالات مشابهة

  • المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
  • قصة الحاج القذافي الذي عادت الطائرة مرتين لتقلّه إلى السعودية – فيديو
  • السودان وفروقات الوعي السياسي
  • الإعيسر: أمريكا سارعت باتهام السودان في الوقت الذي تم فيه ضبط أسلحة أمريكية بيد المليشيا المتمردة
  • وكالة الريفي التي تبيض ذهباً ولا يراقبها أحد.. التنمية الفلاحية تحت مجهر البرلمان
  • بودوارة: ليبيا تحتاج دعم الدول الشقيقة والصديقة بعد فشل الأمم المتحدة
  • هناك فرق – التاريخ يعيد نفسه بقناع كيميائي..!
  • ألم يحن الوقت؟
  • سوال : هل نظام الجباية الذي اسسه المستعمر صالح ليكون نظاما للتنمية الوطنية ؟!
  • وهم اسمه السودان !