لا تتوقف الدعاية الصهيونية يتقدمها رئيس مجرمي الكيان، بنيامين نتنياهو عن وصف حرب الإبادة التي يقودها في غزة على أنها "انتصار للحضارة اليهودية ـ المسيحية ضد الهمجية"، وينخرط معها في الغرب في الترويج لهذه الأكذوبة أوساط ـ وإن لا تخفي معاداتها للإسلام والمسلمين ـ فإنها تدّعي أنها علمانية، ولا دينية وملحدة حتى، لا تؤمن مثل "الصهاينة الذين لا يؤمنون بالله، لكن يؤمنون بأنه وعدهم بالأرض الموعودة في فلسطين!".



لكن المفارقة أن هذه الدعاية الصهيونية سقطت مرة أخرى أمام موقف إسرائيل من وفاة البابا فرنسيس، حيث أوعزت لسفرائها بدول العالم بعدم التوقيع على دفاتر التعازي برحيل البابا في سفارات الفاتيكان، بسبب مواقفه الرافضة لحرب الإبادة والتجويع التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين بقطاع غزة، وفق ما كشفته صحيفة “هآرتس” العبرية.

وذكرت "هآرتس" أن "وزارة الخارجية الإسرائيلية حذفت منشورات تعزية بالبابا الراحل من حسابها الرسمي، ووجّهت بعثاتها حول العالم للقيام بالمثل، إلى جانب أمر داخلي يمنع السفراء من التوقيع على دفاتر التعازي في سفارات الفاتيكان".

من مفارقات الموقف الصهيوني، أن رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ، كان سارع بعد إعلان وفاة البابا فرنسيس إلى نشر تعزية عبر حسابه على "اكس" قال فيها " إن البابا كان رجلا يتحلى بإيمان عميق وسلام ورحمة وعمل على تعزيز العلاقات مع العالم اليهودي". وأضاف “آمل صادقا أن تُستجاب دعواته من أجل السلام في الشرق الأوسط".وأضافت الصحيفة: "زعمت الوزارة لاحقا أن الرسالة الأصلية نُشرت بالخطأ".

وفي إطلالته الأخيرة بمناسبة "عيد الفصح" المسيحي، قال البابا فرنسيس إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة "تولد الموت والدمار"، وتسبب وضعا إنسانيا "مروعا ومشينا".

وقبل رحيله بيوم، دعا البابا فرنسيس في خطاب قرأه أحد معاونيه، أمام حشد من على شرفة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان إلى “وقف إطلاق النار بقطاع غزة، والإفراج عن الأسرى، وتقديم المساعدة للشعب الذي يتضوّر جوعا ويتوق إلى مستقبل يسوده السلام”.

مفارقات الموقف الصهيوني

ومن مفارقات الموقف الصهيوني، أن رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ، كان سارع بعد إعلان وفاة البابا فرنسيس إلى نشر تعزية عبر حسابه على "اكس" قال فيها " إن البابا كان رجلا يتحلى بإيمان عميق وسلام ورحمة وعمل على تعزيز العلاقات مع العالم اليهودي". وأضاف “آمل صادقا أن تُستجاب دعواته من أجل السلام في الشرق الأوسط".

والحقيقة أن البابا فرنسيس دعا مرارا للسلام، لكن إسرائيل هي من تواصل حرب الإبادة والتجويع، التي انتقدها البابا في أكثر من مناسبة، ووصف الوضع في غزة بالمخزي للغاية.

وفي مقابل الموقف الإسرائيلي أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رسالة تعزيته أن البابا فرنسيس كان "صديقا مخلصا للشعب الفلسطيني.. ومدافعا قويا عن قيم السلام والمحبة والإيمان في العالم أجمع… اعترف بدولة فلسطين ورفع العلم الفلسطيني في حاضرة الفاتيكان".

من جهتها قدمت حركة حماس تعازيها إلى الكنيسة الكاثوليكية في العالم وعموم المسيحيين في وفاة البابا فرنسيس.

وقالت الحركة في بيان، إنها تتقدم بأحر "التعازي وأصدق مشاعر المواساة إلى الكنيسة الكاثوليكية في العالم، وإلى عموم المسيحيين، في وفاة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة في خدمة القيم الإنسانية والدينية".

وأشادت الحركة بمناقب البابا فرنسيس ومواقفه في “تعزيز قيم الحوار بين الأديان، والدعوة إلى التفاهم والسلام بين الشعوب، ونبذ الكراهية والعنصرية".

وذكرت أن "البابا فرنسيس عبّر في أكثر من مناسبة عن رفضه للعدوان والحروب في العالم، وكان من الأصوات الدينية البارزة التي نددت بجرائم الحرب والإبادة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”.

كما أشارت الحركة إلى مواقفه "الأخلاقية والإنسانية"، وأكدت على أهمية "مواصلة الجهود المشتركة بين أصحاب الرسالات السماوية والضمائر الحيّة في مواجهة الظلم والاستعمار، ونصرة قضايا العدالة والحرية وحقوق الشعوب المظلومة".

من ناحيته، أعرب مفوض عام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني عن حزنه لوفاة بابا الفاتيكان، الذي "ساهم دائما في دعم اللاجئين الفلسطينيين و"الأونروا".. وفي لفت الانتباه إلى أن الحرب في غزة تجريد كبير للإنسانية".

وبقدر ما لا يثير الموقف الإسرائيلي من البابا فرانسيس بقدر ما يعري ويفضح أكذوبة "الحضارة المسيحية ـ الصهيونية"، فقد أعرب كبار مسؤولي الفاتيكان عن "ألمهم وخيبة أملهم" تجاه موقف إسرائيل بتمثيلها في جنازة البابا إلا بسفيرها في الفاتيكان، واعتبر مسؤولو الفاتيكان أن "التمثيل الإسرائيلي المحدود يُعدّ إهانة للمجتمع المسيحي العالمي".

تشريح خديعة

وفي مقابل أكذوبة نتنياهو ومن لف لفه عن "حلف الحضارة المسيحية ـ الصهيونية"، ارتفعت أصوات ولو قليلة من مثقفين، بينهم باحثون ومؤرخون يهود، ضد هذه الأكذوبة، ضمنهم المؤرخة اليهودية الفرنسية (التونسية الأصل) صوفي بسيس، التي نشرت كتابا بعنوان "الحضارة المسيحية ـ الصهيونية.. تشريح خديعة". وفيه تأكيد على أن الوقائع والشواهد التاريخية توثق العداء وحتى المذابح التي ارتكبها المسيحيون وخاصة الكاثوليك في حق اليهود، مثلما حدث في الأندلس، وقد وجد اليهود الفارين من بطش المسيحيين ملجأ لدى المسلمين في شمال إفريقيا وعند العثمانيين. ويعترف اليهود أنهم عاش أفضل فتراتهم خلال حكم المسلمين في الأندلس.

والعداء التاريخي موثق فالمسيحيون يعتبرون اليهود قتلة المسيح، رغم أن الفاتيكان وتحت ضغط الأوساط الصهيونية، أصدر في ستينات القرن الماضي تبرئة لليهود من دم المسيح، ثم قدم اعتذارا عن دور الكنيسة الكاثوليكية في مذابح النازية في حق اليهود في الهولوكست.

والمفارقة هنا بالحديث عن النازية أن نتنياهو، وفي أكذوبة تاريخية أخرى، ادعى في 2015، أن مفتي القدس والزعيم الفلسطيني في الأربعينيات، الحاج أمين الحسيني، هو الذي أقنع زعيم النازيين هيتلر بتنفيذ محرقة اليهود في أوروبا. وقال نتنياهو للمؤتمر الصهيوني العالمي في القدس المحتلة، حينها، "إن هتلر إنما كان يريد في 1941 طرد اليهود من أوروبا فقط، ولكن مفتي القدس آنذاك الحاج أمين الحسيني قال له إن اليهود ينبغي أن يزالوا من الوجود وإلا فإنهم سينتقلون إلى فلسطين". ومضى نتنياهو في كذبته ليقول إن هتلر سأل مفتي القدس: "ماذا عساي أن أفعل؟" فأجابه الأخير: "أحرقوهم"!

العداء التاريخي موثق فالمسيحيون يعتبرون اليهود قتلة المسيح، رغم أن الفاتيكان وتحت ضغط الأوساط الصهيونية، أصدر في ستينات القرن الماضي تبرئة لليهود من دم المسيح، ثم قدم اعتذارا عن دور الكنيسة الكاثوليكية في مذابح النازية في حق اليهود في الهولوكست.وقد أثار كلام نتنياهو حينها إدانات حتى من غلاة الصهيونية، الذين اعتبروه تزويرا للتاريخ، ومحاولة لتبرئة هتلر، وتحميل مسؤولية جريمة المحرقة النازية في حق اليهود للفلسطينيين!

وتسقط "خديعة الحضارة اليهودية ـ المسيحية" أمام حقيقة أن اليهود لا يعترفون فقط بالمسيح، بل يقولون كلاما مسيئا في حقه وحق مريم البتول، ويعتبرون "البصق على المسيحيين تقليدا قديما محمودا يجب ممارسته"، كما برر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، هذه الممارسة التي يقوم بها اليهود المتطرفون في القدس المحتلة بشكل خاص ضد المسيحيين، إلى جانب التضييقات والاستفزازات التي يتعرض لها هؤلاء مثل المسلمين ومقدساتهم خاصة في المسجد الأقصى.. المسلمون الذين في المقابل يعتبرون المسيح نبياً ويعلون شأنه هو وأمه مريم التي نزلت سورة كاملة باسمها في القرآن الكريم.

المسيحيون الصهاينة

من جهة أخرى فإن المسيحيين الإنجيليين، الذين يوصفون بالمسيحيين الصهاينة، وأكثرهم في أمريكا، حيث يبلغ عددهم نحو 80 مليونا، لا يرون في اليهود إلا "مطية" فقط، إذ أنهم يدعمون إسرائيل ليس حباً في اليهود، الذين يكرهونهم في الحقيقة، إنما بمعتقدات غريبة وتفسيرات عجيبة للإنجيل يعتقدون فيها بأن تجمع اليهود في الأرض المقدسة في فلسطين عبر إنشاء دولة الكيان الصهيوني، هو علامة من علامات عودة المسيح المخلص وحرب نهاية العالم، وأنه عندما يعود المسيح فإنه سيخير اليهود بين التحول إلى المسيحية أو الذهاب إلى الجحيم، حيث سيتحولون "إلى كباب"، كما قال حرفيا، المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه!

إن المسيحيين الإنجيليين، الذين يوصفون بالمسيحيين الصهاينة، وأكثرهم في أمريكا، حيث يبلغ عددهم نحو 80 مليونا، لا يرون في اليهود إلا "مطية" فقط، إذ أنهم يدعمون إسرائيل ليس حباً في اليهود، الذين يكرهونهم في الحقيقة، إنما بمعتقدات غريبة وتفسيرات عجيبة للإنجيل يعتقدون فيها بأن تجمع اليهود في الأرض المقدسة في فلسطين عبر إنشاء دولة الكيان الصهيوني، هو علامة من علامات عودة المسيح المخلص وحرب نهاية العالم..المفارقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك تحدث في مقابلة مع القناة الفرنسية LCI عن عودة المسيح المخلص هو الآخر، حيث صرح أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو يوجد تحت تأثير وزرائه المسيحانيين (اليهود) العنصريين لحماية مكانته في السلطة، ولأنه لا يريد فقدان السيطرة على البلد. وقد تحول إلى أشبه بعبد لدى هؤلاء الوزراء الاستعباديين، الذين يفرضون خياراتهم عليه، مع أن الخيار الأفضل لإسرائيل هو العمل إلى جانب الحلفاء الأمريكيين. ولكن على العكس من ذلك فهؤلاء الوزراء يريدون مزيدا من التصعيد نحو حرب أوسع لتسريع مجيء المسيح المخلص".

المسيح المنتظر ولعنة زوال إسرائيل

وتجدر الإشارة إلى أن المشيح أو المِسّيّا بالعبرية، ومعناها المسيح، في الإيمان اليهودي هو إنسان مثالي من نسل الملك داود، يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي.

والمفارقة هنا أيضا أن باراك الصهيوني العلماني المزعوم مثل نتنياهو وكثير من الصهاينة (الذين لا يؤمنون بالله، ولكن يؤمنون بأنه وعدهم بالأرض المقدسة!)، يتحدث أيضا بالمرجعيات الدينية اليهودية. ففي أيار/ مايو 2022، أبدى إيهود باراك مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا في ذلك بـ"التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين".

وفي مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قال باراك: "على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن".

وأكد باراك أن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وأنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.


وذكر أن "العقد الثامن لإسرائيل أنذر بحالتين: بداية تفكك السيادة ووجود مملكة بيت داود التي انقسمت إلى يهودا وإسرائيل، وبوصفنا كيانا وصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن يتملكنا العصف، في تجاهل فظ لتحذيرات التلمود".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء إسرائيل البابا فرنسيس العلاقات إسرائيل علاقات البابا فرنسيس رأي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکنیسة الکاثولیکیة فی وفاة البابا فرنسیس المسیح المخلص العقد الثامن فی حق الیهود الیهود فی فی الیهود فی العالم أکثر من

إقرأ أيضاً:

الهيمنة على المسجد الإبراهيمي: الاحتلال يكافئ الصهيونية الدينية بالسيطرة على المقدسات

غزة- «عُمان»- بهاء طباسي:

في خطوة اعتبرها الفلسطينيون انقلابًا على الوضع القائم وانتهاكًا صارخًا للاتفاقيات الدولية، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا سحب صلاحيات وزارة الأوقاف الفلسطينية وبلدية الخليل في إدارة المسجد الإبراهيمي الشريف، ونقلها إلى ما يُعرف بـ«المجلس الديني اليهودي» في مستوطنة كريات أربع.

هذه الخطوة غير المسبوقة قوبلت برفض شعبي ورسمي واسع، وسط مخاوف متصاعدة من أن تكون تمهيدًا لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الحرم الإبراهيمي، بل وامتدادًا لسيناريو تهويد المسجد الأقصى لاحقًا.

أن القرار الذي صدر دون أي تنسيق مع الجهات الفلسطينية، يضرب بعرض الحائط كل التفاهمات الدولية حول المدينة القديمة في الخليل، ويضع المسجد الإبراهيمي، ثاني أقدس مسجد في فلسطين، على رأس أولويات مشروع التهويد الاستيطاني الذي تقوده حكومة يمينية متطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو وبدفع مباشر من وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش.

الخطورة لا تكمن فقط في نقل الصلاحيات الإدارية، بل في التداعيات الرمزية والسياسية لهذه الخطوة؛ إذ تمثل إعلانًا ضمنيًا بأن إسرائيل قررت تجاوز سلطة الأوقاف الإسلامية وبلدية الخليل، ومباشرة أعمالها التهويدية من خلال جهة دينية استيطانية لا تعترف أصلًا بهوية المكان وتاريخه الإسلامي.

التطور الجديد يأتي بعد أكثر من ثلاثة عقود على صدور قرار لجنة «شمغار» الإسرائيلية، التي قسمت المسجد الإبراهيمي عقب المجزرة التي نفذها المستوطن باروخ جولدشتاين عام 1994، لتصبح 60% من المساحة خاضعة لليهود، فيما تبقى للمسلمين مساحة محدودة يتحكم بها الاحتلال إداريًا وأمنيًا.

ومع قرار نقل الصلاحيات الجديد، تفتح إسرائيل الباب أمام تغييرات بنيوية في طبيعة الحرم، مثل تركيب نظام إطفاء متطور وكاميرات مراقبة وبناء سقف في ساحة يعقوب، وكلها أعمال تهدف إلى تعزيز الوجود اليهودي في المسجد، تحت ذريعة السلامة أو التنظيم، لكنها في الحقيقة تجسيد فعلي لسياسة فرض الأمر الواقع.

وتزامنًا مع هذا القرار، حذّرت جهات فلسطينية رسمية ودينية من أن يكون هذا التحول مجرد مقدمة لفرض سيطرة مماثلة على المسجد الأقصى المبارك، ضمن سياسة «التهويد أو الأسرلة المتدرج» التي بدأت بهدوء في الحرم الإبراهيمي، لكنها لا تنوي التوقف عنده.

رفض شعبي

في الأسواق القديمة للخليل، وتحت ظلال مآذن المسجد الإبراهيمي، يغلي الغضب الشعبي من القرار، الذي قد يحرم الفلسطينيين من الصلاة في حرم إبراهيم تدريجيًا.

يقول المواطن الخمسيني سعيد الجعبري: «لم نعد نثق بأي وعود دولية. كل يوم نخسر جزءًا من الحرم، واليوم الاحتلال يعلن صراحة أنه لم يعد يعترف بأي صلاحية فلسطينية. هذا احتلال ديني بلباس إداري».

يستذكر الجعبري لحظات الطفولة حين كانت ساحة المسجد مفتوحة للمصلين والزائرين دون حواجز، ويقول: إن الاحتلال منذ مجزرة 1994 يعمل على تقطيع الحرم وتمزيق حضوره الإسلامي، والقرار الأخير جاء ليُكمل هذا المشروع القديم الجديد.

ويضيف بغضب خلال حديثه لـ«عُمان»: «نحن نعيش في الخليل لكننا محرومون من الصلاة بحرية في مسجدنا. كل زاوية فيه مراقبة، وكل خطوة تحتاج لتصريح. والآن، يريدون أن يديروه من كريات أربع، هذه وقاحة ما بعدها وقاحة».

أما ناهد سويطي، وهي معلمة تسكن قرب المسجد، فتقول: «كأن الاحتلال يريد أن يقول لنا: إن صوتنا لم يعد له قيمة، وإن المسجد لم يعد لنا. هذا القرار يدوس على مشاعرنا الدينية والوطنية، ويفتح الباب لمزيد من الاقتحامات والتغييرات».

وتضيف خلال حديثها لـ«عُمان»: إن سكان الخليل اعتادوا العيش في حصار دائم، لكن ما يجري في المسجد الإبراهيمي تجاوز الحصار إلى الاستئصال: «الآن يدير شؤوننا مستوطنون، لا يعترفون بنا أصلًا.. كيف نقبل ذلك؟».

صلاحيات مغتصبة

من جهة رسمية، اعتبر رئيس بلدية الخليل، تيسير أبو سنينة، أن القرار الإسرائيلي «يمثل اعتداءً صارخًا على حقوق المواطنين الفلسطينيين، وعلى الصلاحيات التاريخية لبلدية الخليل ووزارة الأوقاف، التي تمثل الوصاية الدينية على المسجد الإبراهيمي منذ قرون».

وأضاف : إن «نقل الإدارة إلى مجلس مستوطنة كريات أربع هو عدوان على الإرث الإنساني المسجل في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ويشكّل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي والمواثيق التي تحفظ للمدنيين حقوقهم في الأماكن المقدسة».

وأشار أبو سنينة إلى أن البلدية كانت على الدوام المسؤولة عن تقديم الخدمات العامة للمنطقة، والإشراف على محيط الحرم، وأن قرار الاحتلال يعني عمليًا تقويض هذا الدور وإفراغه من مضمونه.

وشدّد على أن ما يجري «لا يهدف إلى التنظيم أو الصيانة كما يروّج الاحتلال، بل إلى تثبيت سيطرة استيطانية على مكان إسلامي خالص، وتحويله تدريجيًا إلى كنيس يهودي مغلق أمام المسلمين».

موقف الأوقاف

أما وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني الدكتور محمد نجم، فقد اعتبر أن الخطوة الإسرائيلية «تندرج ضمن سلسلة من الإجراءات التعسفية التي لا يمكن أن تمنح الاحتلال أي شرعية في الحرم الإبراهيمي».

وقال نجم، في تصريح لـ«عُمان»: إن «الاحتلال يسعى جاهدًا لإلغاء الوجود الإسلامي في الحرم، من خلال التحكم في أوقات الصلاة، ومنع رفع الأذان، وفرض قيود على الحركة، والآن يريد استكمال السيطرة عبر إدارة تابعة للمستوطنين».

وأضاف: إن وزارة الأوقاف لن تتعامل مع هذا القرار، وستواصل أداء دورها التاريخي والديني، وستلجأ إلى كل المحافل الدولية من أجل وقفه.

وأكد نجم أن «تهويد الحرم الإبراهيمي لن يمر، وأنه كما سقطت قرارات أخرى ظالمة بحق مقدساتنا، فإن هذا القرار سيُفشل بإرادة أبناء الخليل وكل أحرار العالم».

شكوى اليونسكو في ظل هذه التهديدات المتزايدة للمسجد الإبراهيمي، أعلنت السلطة الفلسطينية أنها قدّمت شكوى رسمية إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، باعتبار أن المسجد مدرج ضمن قائمة التراث العالمي كممتلك حضاري إنساني.

وأشارت الشكوى إلى أن التغييرات التي تعتزم إسرائيل إجراءها، مثل بناء السقف جديد وتركيب الكاميرات، تُعد تعدّيًا مباشرًا على الطابع المعماري والديني للمكان، ومحاولة لإيجاد واقع جديد لا يعكس الحقيقة التاريخية.

وأكدت السلطة في شكواها أن هذه التدخلات لن تنجح في طمس هوية المسجد، ولن تمنح إسرائيل أحقية في إدارة مكان ليس لها فيه أي جذور شرعية أو دينية.

استهداف مقدسات

من جهته ، يرى الدكتور عبد الله معروف، الباحث المتخصص في شؤون القدس والمسجد الأقصى أن القرار الإسرائيلي بنقل إدارة الحرم الإبراهيمي ليس سوى محطة في مسلسل طويل من السياسات التهويدية التي تستهدف الهوية الدينية الإسلامية في فلسطين.

ويقول معروف : إن «ما يحدث في الخليل هو بالضبط ما تحاول إسرائيل تنفيذه في القدس: فرض السيادة الدينية بالقوة، وتحويل الأماكن الإسلامية إلى رموز يهودية رغمًا عن أصحابها».

ويُذكّر بأن لجنة «شمغار» الإسرائيلية التي قسّمت الحرم بعد مجزرة 1994، كانت أول خطوة لشرعنة الاقتحامات، وأن القرار الجديد يُكمل هذه الخطة، ويمهّد لتجارب مماثلة في المسجد الأقصى.

ويؤكد أن الخطر الحقيقي يتمثل في تمرير هذه القرارات تحت غطاء «الصيانة» أو «الإدارة»، بينما الهدف الحقيقي هو فرض السيطرة الكاملة على أحد أبرز المعالم الإسلامية في فلسطين.

ويختم معروف بأن «الصمت الدولي والعربي، أو الاكتفاء بالشجب، يشجّع الاحتلال على مواصلة خطواته، وأنه إذا لم يتحرك المجتمع الدولي اليوم لحماية الحرم الإبراهيمي، فإن الدور سيأتي على المسجد الأقصى».

مشروع الضم

من جهته، يربط الباحث الفلسطيني في شؤون الاستيطان أحمد حنيطي هذا القرار بما يُعرف بمشروع الضم التدريجي للضفة الغربية، الذي يروّج له وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.

ويقول حنيطي، في تصريح لجريدة لـ«عُمان»: إن «إسرائيل تحاول اليوم إدارة المناطق الفلسطينية من خلال المستوطنين، وقرار نقل صلاحيات المسجد الإبراهيمي يؤكد هذا التوجه».

ويضيف: إن الهدف ليس فقط السيطرة الدينية، بل أيضًا فرض وقائع سياسية جديدة، بحيث تصبح البلديات الفلسطينية بلا سلطة فعلية، ويتم استبدالها بهياكل استيطانية تُدار من داخل المستوطنات.

ويحذر من أن هذا النمط من الإدارة قد يتم تعميمه لاحقًا على مناطق أخرى مصنفة (ج)، خاصة في شمال الضفة الغربية، ما يعني تقويض كامل لاتفاق أوسلو.

ويختم حنيطي بأن «الرد يجب أن يكون شعبيًا ودوليًا، عبر التحرك القانوني والإعلامي، والضغط لوقف هذا المخطط قبل أن يتحول إلى نموذج يُطبّق في كل مكان».

مقالات مشابهة

  • درجة انحطاط الحضارة
  • الهيمنة على المسجد الإبراهيمي: الاحتلال يكافئ الصهيونية الدينية بالسيطرة على المقدسات
  • بابا الفاتيكان يعرب عن حزمه لوفاة فتاة مصرية أثناء رحلتها إلى روما
  • مليون شاب في الفاتيكان لسماع عظة البابا ليون الرابع عشر
  • الصهيونية تعبّر عن نفسها بقتل الأطفال جوعا
  • عبد المسيح هنّأ الطلاب الناجحين ودعا للامتناع عن إطلاق النار ابتهاجًا
  • الهيئات الإسلامية بالقدس تستنكر انتهاكات الاحتلال والجماعات اليهودية ضد الأقصى
  • عبد المسيح: لا ضمانة بوجه العدوان إلا سلاح الجيش
  • مكتبة الفاتيكان.. صرح تاريخي وإرث معرفي يمتد لقرون
  • انقراض الطائفة اليهودية في اليمن برحيل بدرة يوسف إلى إسرائيل