البنك المركزي يقف عاجزا عن وقف انهيار الريال.. ويتهم الصرافين
تاريخ النشر: 2nd, May 2025 GMT
يبدو البنك المركزي اليمني عاجزاً أمام مسار انهيار الريال وكأنه يشاهد تدهوره متهماً الصرافين بالمسؤولية. فماذا في التفاصيل؟ ففي الوقت الذي وصل فيه اضطراب سوق الصرف إلى ذروته في عدن ومناطق إدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مع انهيار سعر صرف الريال وتخطيه عتبة 2600 ريال مقابل الدولار، قررت "جمعية الصرافين" إيقاف صرف العملات الأجنبية، في محاولة منها لوقف هذا الانهيار غير المسبوق.
وأصدرت الجمعية تعميماً موجهاً لشركات ومنشآت الصرافة والشبكة الموحدة للأموال يقضي بوقف عمليات بيع وشراء العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني بصورة كاملة حتى إشعار آخر، إضافة إلى وقف أي تعاملات نقدية بالعملات الأجنبية تجاه الريال اليمني للمصلحة العامة، مثلما قالت الجمعية وتجنباً للعواقب كافة.
في السياق، يرى الباحث الاقتصادي والمالي وحيد الفودعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قرار جمعية الصرافين إيقاف التداول لا يُعد حلاً جذرياً بقدر ما هو انعكاس لحالة الارتباك في إدارة السوق، فمثل هذه القرارات المؤقتة قد تُخفف من حدة المضاربة آنياً، لكنها لا تُعالج جوهر المشكلة المتمثل في غياب السياسة النقدية الفاعلة والرقابة السيادية على السوق"، مضيفاً أن نجاح أي قرار يتوقف على ما إذا كان جزءاً من حزمة إصلاحات متكاملة أم مجرد ردة فعل. وإذا بقيت الإجراءات تُدار من خارج الإطار المؤسسي الرسمي، فإن أثرها سيكون مؤقتاً، وربما سلبياً على المدى المتوسط.
وتسارعت عملية انهيار العملة المحلية في اليمن خلال اليومين الماضيين، إذ وصل سعر الصرف في عدن إلى حدود 2600 ريال للدولار، ونحو 680 مقابل الريال السعودي. ويأتي التطور وسط توقعات تشير إلى استمرار الانهيار الذي قد يتجاوز الألف الثالث خلال 30 يوماً، في حال استمرت المؤسسات النقدية الحكومية في موضع المتفرج لما يحصل، وهو مؤشر واضح لعجزها التام عن التدخل لضبط سوق صرف العملة المحلية، ورمي الكرة في ملعب الصرافين الذين توجه لهم الانتقادات كثيراً بالمضاربة بالعملة المحلية، بدليل بيان الجمعية الممثلة لهم بوقف صرف العملات الأجنبية.
وقال مصرفيون ومراقبون وخبراء اقتصاد إن الوضع الحالي يؤكد أن الحكومة، ممثلة بالبنك المركزي في عدن، لم تعد عاجزة عن التدخل فقط، فقد رفعت الراية البيضاء بشكل رسمي وسلم الأمر لشركات ومنشآت الصرافة المتحكمة بشكل كلي بسوق الصرف وإدارة السياسة النقدية التي تعتبر من صلب ومهام البنك المركزي.
لكنّ للكاتب والمحلل الاقتصادي في عدن عبدالرحمن أنيس، رأياً آخر في هذا الخصوص، حيث يشير في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن البنك المركزي اليمني قد رمى الكرة قبل فترة في ملعب الصرافين منذ اتخاذ قرار التعويم الذي يعني ضبط سعر صرف العملة وفق احتياج السوق، وبالتالي توقف البنك عن التدخل لإنقاذ العملة وضخ الدولار في السوق.
ويعتبر قرار جمعية الصرافين في عدن التدخل الوحيد حتى الآن لمواجهة أكبر انهيار تشهده العملة المحلية في اليمن، مقابل صمت تام غير مسبوق من البنك المركزي اليمني والحكومة، علماً أن البنك الذي يرى خبراء اقتصاد ومصرفيون أن تدخله يتطلب ضخ الدولار في السوق كلما استدعى الأمر ذلك وارتفع سعر الصرف، وهذا ليس بإمكان البنك المركزي في الوقت الحالي نظراً للظروف الراهنة التي تشهدها البلاد.
بحسب أنيس، فإن سعر صرف الريال سيظل يتصاعد ما لم يكن هناك تدخل خارجي بتوفير شحنات وقود مجانية أو دعم البنك المركزي في عدن بمنحة مناسبة يمكن أن تعيد التوازن إلى سوق الصرف.
من جانبه، يبيّن الباحث وحيد الفودعي أن تخلّي البنك المركزي اليمني عن دوره، كما يرى البعض، فيه قدر من التبسيط؛ فإذا كان هناك تنسيق بينه وبين جمعية الصرافين لإيقاف التداول مؤقتاً بهدف كبح جماح المضاربات، فإن ذلك جزء من إدارة الأزمة، لا دليل على الانسحاب، فيما يكمن التحدي الحقيقي في تحويل هذه الإجراءات من ردات فعل مؤقتة إلى سياسة نقدية متماسكة تستعيد السيطرة المؤسسية على السوق.
ووفق الفودعي، "كل تراجع في سعر العملة يعني تآكلاً مباشراً في القدرة الشرائية للمواطن، وارتفاعاً في معدلات الفقر، واتساع فجوة الثقة بين الناس والحكومة، وكذا على مستوى التوافق الحكومي، فاستمرار الانهيار يُقوّض الشرعية الاقتصادية التي تُبقي الحكومة قائمة، ويُعزز مناخ السخط الاجتماعي".
وبينما يتهمه الكثيرون بجزء كبير من المسؤولية عن الوضع الحاصل في عدن ومحافظات أخرى في الجنوب اليمني، حمّل المجلس الانتقالي الجنوبي، الشريك في الائتلاف الحكومي الذي قال إنه يتابع الأوضاع عن كثب عقب تهاوي سعر صرف الريال بشكل غير مسبوق؛ رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس الحكومة المعترف بها دولياً أحمد عوض بن مبارك، مسؤولية انهيار الأوضاع الخدمية والمعيشية للمواطنين، مؤكداً أن وزراء "الانتقالي" يعتزمون عقد مؤتمر صحافي في قادم الأيام، لتوضيح الأسباب الحقيقية لهذه الانهيارات المتواصلة.
ويؤكد المحلل الاقتصادي وفيق صالح، لـ"العربي الجديد"، أن الهبوط المستمر في قيمة العملة اليمنية ألقى بتداعيات سلبية على الوضع المعيشي للمواطنين، وأحدث اضطرابات في أسعار السلع والمواد الغذائية، علاوة على تأثيراته المختلفة على زعزعة الثقة بالاقتصاد الكلي وهروب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتراجع الإنتاج المحلي.
وبالتالي، فإن الحلول الشاملة لأزمة الريال اليمني تبدأ بمعالجة الانقسام النقدي، ونقص الإيرادات وتعزيز الحوكمة في الجهاز المصرفي الرسمي، عبر إعادة الثقة لهذا القطاع ومكافحة السوق السوداء، وتنفيذ سياسات نقدية صارمة، تمنع حدوث أي تلاعب بالعملة من الكيانات الخارجة عن القانون، بحسب صالح الذي يتحدث عن أن وقف بيع وشراء العملات الأجنبية، إجراء يهدف إلى تقليل حدة المضاربة بالعملة وكبح عملية الطلب على شراء النقد الأجنبي من السوق المصرفية، خصوصاً بعدما اقترب سعر صرف الدولار الواحد من تجاوز حاجز 2600 ريال. فهذه الخطوة، صحيح أنها قد تنجح في وقف عملية التداول بالعملات الصعبة، بشكل مؤقت، مما يخفف الضغط على قيمة الريال اليمني، إلا أن هذا النجاح أيضاً مرهون بتنفيذ حزمة من الحلول الشاملة، مثل توفير احتياجات السوق من النقد الأجنبي، وتنفيذ سياسات صارمة للسيطرة على الأنشطة المصرفية والمالية، وتحجيم دور السوق السوداء.
أما من وجهة نظر الفودعي، فإن أهم حل هو استعادة تصدير النفط المتوقف بسبب هجمات الحوثيين، والذي أفقد الموازنة أكثر من 60% من الإيرادات بالعملة الصعبة كانت ستعزز من الاحتياطيات وتدعم البنك المركزي اليمني في تدخلاته النقدية في سوق الصرف وكبح جماح التضخم. ويردف أنه لا يمكن كسر حلقة الانهيار إلا عبر استعادة البنك المركزي وظيفته الأساسية في إدارة السوق، ووقف التوسع غير المنضبط في الكتلة النقدية، وربط السياسة المالية والنقدية بسياسات واقعية تتواءم مع هيكل الاقتصاد اليمني الهش.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن البنك المركزي الحكومة العملة المحلية اقتصاد البنک المرکزی الیمنی العملات الأجنبیة العملة المحلیة جمعیة الصرافین الریال الیمنی سوق الصرف سعر صرف فی عدن
إقرأ أيضاً:
الريال اليمني يسجّل تحسنًا كبيرًا وشركات صرافة تغلق أبوابها
سجّل الريال اليمني تحسنًا كبيرًا ومفاجئًا أمام العملات الأجنبية، ما دفع كثيرًا من شركات الصرافة إلى الإغلاق المؤقت ورفض تسليم الحوالات بالعملة الأجنبية، في خطوة أثارت غضب المواطنين، لا سيما من يعتمدون على التحويلات من الخارج كمصدر دخل رئيسي.
وبحسب عاملون في قطاع الصرافة ان أسعار الصرف الأربعاء في العاصمة عدن وباقي المحافظات المحررة سجلت 2682 ريال للشراء، و 2727 ريال للبيع، فيما الريال السعودي 705 ريال للشراء، و 715 ريال للبيع. وسط استمرار التراجع مع تداولات المساء ليسجل الريال اليمني تحسنًا لافتًا عقب انهيار غير مسبوق في الأيام الماضية وصلت إلى نحو 3000 ريال للدولار الواحد، ونحو 780 ريال للسعودي.
وأكد العاملون أن العملة الوطنية حققت مكسبًا سريعًا خلال أقل من 24 ساعة، وسط مؤشرات على استمرار التحسن إذا ما واصل البنك المركزي جهوده الرقابية والهيكلية.
ووفق مصادر محلية في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، أغلقت بنوك وشركات صرافة معروفة اليوم الأربعاء أبوابها، ورفضت عمليات السحب والصرف، رغم أن معظم المواطنين يحملون حوالات موثّقة بالعملة الصعبة.
وقال مواطنون إن "هذا السلوك غير المبرر من شركات الصرافة يأتي نتيجة محاولتها تفادي الخسائر بعد الانخفاض المفاجئ في أسعار العملات"، مطالبين البنك المركزي بـ"فرض عقوبات صارمة على الشركات الممتنعة عن أداء التزاماتها تجاه العملاء".
وتؤكد قيادة البنك المركزي في عدن أن استعادة السيطرة على القطاع المصرفي أولوية وطنية، مشددة على أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من الإجراءات، بما فيها الإفصاح عن قائمة سوداء بأسماء الشركات المخالفة، وتعزيز الشفافية المالية، وربط كل أنشطة الصرافة بمنظومة إلكترونية مركزية.
في سياق خطوات متصاعدة لإعادة ضبط السوق المصرفية وتحقيق استقرار نقدي في المناطق المحررة، أصدر البنك المركزي اليمني في العاصمة عدن، الأربعاء، قرارًا قضى بإيقاف تراخيص شركتين للصرافة ضمن حملة أوسع تطال الجهات المالية المخالفة.
القرار الصادر عن المحافظ أحمد غالب المعبقي قضى بإيقاف كل من شركة خليفة للصرافة وشركة الحميد للصرافة، نتيجة مخالفات وصفها البنك بـ"الجسيمة"، دون الكشف عن تفاصيلها، في وقت يُرجح فيه مراقبون أن تكون على صلة بالمضاربة في العملة أو عدم الامتثال لأنظمة البنك.
ويأتي القرار في إطار سلسلة من الإجراءات اتخذها البنك المركزي خلال الفترة الماضية، شملت عشرات شركات ومنشآت الصرافة المخالفة، في محاولة لاستعادة التوازن إلى السوق المالية المحلية، وتعزيز الثقة بالعملة الوطنية. وتضمنت الإجراءات السابقة الربط الإلكتروني الإلزامي، وتفعيل التفتيش المباشر، وتجميد حسابات شركات صرافة لم تلتزم باللوائح المنظمة.
وأكد مصدر في البنك أن الخطوات الجارية "ليست مرحلية بل مستمرة، وتهدف إلى إعادة هيكلة السوق المصرفية وضمان التزام جميع المؤسسات المالية بالأنظمة والإجراءات القانونية".
ويرى خبراء اقتصاديون أن التحسن الأخير للريال "يعكس بداية تحوّل إيجابي"، لكنه "يظل هشًا ما لم يتم إلزام شركات الصرافة بالتعامل بالأسعار الرسمية وتقديم خدماتها دون تعطيل أو انتقائية".
وقال الإعلامي المهتم بالشأن الاقتصادي ياسر اليافعي إن تحسن سعر صرف العملة المحلية ليس سوى وهم مؤقت، ناتج عن إجراءات شكلية لا تمت بصلة إلى واقع الاقتصاد اليمني المتردي، محذرًا من تداعيات تجاهل الأسس الحقيقية للاستقرار النقدي.
وأوضح اليافعي في تصريح صحافي أن “أي حديث عن استقرار في سعر الصرف لا يمكن فصله عن مؤشرات الاقتصاد الكلي، التي لا تزال تعاني من اختلالات حادة”، مشيرًا إلى أن الميزان التجاري ما يزال يشهد عجزًا كبيرًا، والفجوة بين الصادرات والواردات تموّل من مصادر غير مستقرة.
وأكد أن “غياب الاستقرار السياسي والتصعيد المتواصل في المشهد الوطني يجعلان البيئة طاردة للاستثمار وغير جاذبة لأي دعم خارجي حقيقي”، مضيفًا أن “هيكل الحكومة الحالي يعاني من ضعف مزمن، في ظل غياب الشفافية وعدم توريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن”.
وشدد اليافعي على أن البنك المركزي شبه عاجز عن التدخل لضبط السوق، بسبب خزينته الخاوية من النقد الأجنبي، ومحدودية إمكاناته بالعملة المحلية، معتبرًا أن “كل ما نشهده حاليًا هو مجرد انعكاس لتدخلات مؤقتة لا يمكن أن تصمد طويلًا”.
وختم بالقول: “التحسن الحقيقي في سعر العملة يبدأ بإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة، لا بإجراءات تجميلية ومسكنات إعلامية لا تغير من الواقع شيئًا”.