#نور_على_نور
د. #هاشم_غرايبه
من ضمن ما يستوقف المتفكر في كتاب الله قوله تعالى: “وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةً” [المؤمنون:50]، فجمعهما معا في آية واحدة، مع أنهما شخصان مختلفان في التكوين والنشأة والوظيفة والمهمة التي وجدا لأجلها، فيما يقول عن الليل والنهار: “وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ” [الإسراء:12]، فجعلهما آيتين منفصلتين مع أنهما ظاهرتان لشيء واحد هو حالة الأرض بالعلاقة مع الشمس، ومرتبطان جذريا بحركة دورانها حول نفسها.
لا شك أن ذلك لحكمة أرادها الله من ذلك.
لو استعرضنا نشأة كل من المسيح وأمه عليهما السلام منذ البدء:
مريم ابنة عمران، ومنذ أن حملت أمها بها وقبل أن تعرف أذكر هي أم أنثى، نذرتها لله، ولما ولدتها أنثى حافظت على نذرها، فتقبلها ربها قبولا حسنا ورعاها، وشاءت ارادته تعالى أن تفقد أبويها صغيرة، ولما كانت منذ صغرها متفرغة للعبادة، فقد تنافس الناس على نيل شرف كفالتها، ففاز بذك زوج خالتها زكريا، والذي عرف مدى قربها من الله عندما كان يأتيها بالطعام وهي بالمحراب تصلي، فيجد عندها طعاما وفيرا، هو من عند الله.
ان ذكر القرآن الكريم لتفصيلات نشأة مريم منذ حملت أمها به، والكرامات التي نالتها، فيما لم يذكر لنا شيئا عن حياتها بعد أن أنجزت المهمة العظيمة التي أوكلها لها وهي ولادة المسيح بغير ما يجري على سائر البشر من زواج الذكر بالأنثى، يبين لنا أن هذه هي مهمتها التي أوجدها الله من أجلها، وأنه أراد بهذه الولادة أن تكون آية للناس، لذا كان الجمع بينهما بآية واحدة.
بالطبع بإمكان الخالق أن يوجد المسيح بلا حاجة للتزاوج الذي جعله سنة ولادة كل البشر، فقد خلق آدم من غير أب وأم، لكنه اراد بهذا الخلق الاستثنائي ابتلاء المؤمنين، ليميز الصادق في إيمانه فيؤمن به ويوحده ولا يتأثر بالشبهات، ممن يشرك به فيكفر، ويبحث عن الذريعة لذلك.
ودائما ما يقدّر الله عدة سنن تتقاطع معا لتحقيق مبتغياته، وفي هذه الحالة تداخلت سنة قدرها في سابق علمه عندما وعد ابراهيم عليه السلام أن يكون الأنبياء التالون له من ذريته، فشاء أن يكون أنبياء بني يعقوب بن اسحق (بنو اسرائيل) أولا، ثم تنتقل النبوة الى ذرية اسماعيل، التي اراد أن يختلط نسبه مع العرب مجاوري بيته الحرام (قاطني مكة)، لذلك أمر ابراهيم بأن يسكن اسماعيل وهو ما زال رضيعا وأمه في الحجاز، وبعد قرون ينتج من هذه السلالة أهم الأنبياء دورا وأعظمهم مكانة محمد صلى الله عليه وسلم، ولأن الله شاء أن يكون خاتم الرسل، فلم يرزقه بأبناء ذكور، فانقطعت بذلك سلالة الأنبياء من الأرض نهائيا.
إذا لانتقال النبوة الى فرع اسماعيل يجب أن تنقطع سلسلة الأنبياء من اسحق، فكان تقدير الله ان لا يبقى من بني إسرئيل ذكورا لأن النبوة محددة بالذكور، ويثبت ذلك أن زكريا دعا ربه أن يرزقه ذكرا: “يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ” [مريم:6]، لذلك كان يحيى بن زكريا آخرهم، وشاء الله أن يموت قبل أن يتزوج، وأما المسيح فرغم أن الله قدر أن يولد بكلمة منه وليس عن زواج أمه، فهو لا ينتسب لبني اسرائيل، بل أمه كذلك، إلا أن الله شاء أن لا يتزوج حتى لا يكون له نسل.
نتوصل الى أن جمع المسيح وأمه عليهما السلام في آية واحدة، ليؤكد بشرية المسيح، فهو لعلو شأنه عند الله فقد جعل ولادته على غير المعتاد، لكنه جعلها كولادة كل البشر: حمل ومخاض وولادة ورضاعة، لكي لا يدعي أحد أنه نزل من السماء.
فكل الذين يتقولون على الله الكذب فيقولون أن المسيح هو الله ذاته، أو أنه ابن منجب منه، هم مشركون وكافرون بآيات الله.
إنهم بقولهم أن ذلك لكي يخلص الله البشر من خطيئة عصيان آدم يخالفون المنطق، فما حاجة الله أن يتجسد بهيئة البشر، فيضع نفسه أو ابنه بيد من لعنهم ليعذبوه ويصلبوه، وبزعمهم ليقتلوه؟.
أليست المغفرة والخلاص بيده وحده؟، فهل هو بحاجة ليقنع ذاته؟.
ولماذا ذلك العناء أصلا إن كان الله قد غفر لآدم معصيته؟، ثم أن الله لا يأخذ أحدا بذنب غيره، فهل يحمّل ذريته وزرها!؟. مقالات ذات صلة تأملات قرآنية 2025/05/01
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: نور على نور هاشم غرايبه أن الله
إقرأ أيضاً:
الصواريخ المدارية جسر فضائي لنقل البشر والأقمار الصناعية
الصواريخ المدارية هي مركبات موجهة تُستخدم لنقل الحمولات الفضائية مثل الأقمار الصناعية والمسابير العلمية إلى مدارات ثابتة حول الأرض، وتتميز بقدرتها على إيصال هذه الحمولات إلى سرعات ومدارات تُمكنها من الاستمرار في الدوران حول الكوكب من دون العودة أو السقوط مجددا.
تاريخ الظهورظهرت الصواريخ المدارية في منتصف القرن الـ20، ضمن سياق التنافس الفضائي بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي أثناء فترة الحرب الباردة.
وقد سطر الاتحاد السوفياتي أول نجاح في هذا المجال بإطلاق الصاروخ المداري "آر-7 سميوركا"، الذي حمل القمر الصناعي "سبوتنك 1" إلى مدار الأرض في الرابع من أكتوبر/تشرين الثاني 1957.
في المقابل نجحت الولايات المتحدة في إطلاق أول قمر صناعي لها وهو "إكسبلورر 1" بصاروخ "جونو 1" في يناير/كانون الثاني 1958، وذلك بعد محاولات عدة غير ناجحة.
التصنيعيُصنع الهيكل الخارجي للصواريخ المدارية من مواد تجمع بين القوة وخفة الوزن، أبرزها الألمنيوم والتيتانيوم، ومعادن مقاومة للصدأ (ستانلس ستيل)، كما تُستخدم سبائك نحاسية عالية الكفاءة في توصيل الحرارة، إلى جانب مواد أخرى مقاومة لدرجات الحرارة المرتفعة.
وتُختار هذه المواد بعناية فائقة لتحمّل الظروف القاسية أثناء الإطلاق، من قوى ديناميكية هوائية عنيفة وحرارة شديدة، مع الحفاظ على وزن إجمالي منخفض قدر الإمكان، لضمان قدرة الصاروخ على تجاوز الجاذبية الأرضية والوصول إلى المدار المطلوب بكفاءة.
إعلان آلية العملتعتمد الصواريخ المدارية على مبدأ الدفع الناتج عن احتراق المواد الدافعة داخل محركاتها، وتولّد هذه العملية غازات ساخنة تُطرد بسرعة عالية عبر الفوهة العادمة، مما يُنتج قوة تدفع الصاروخ إلى الأمام، ونتيجة لذلك يتمكّن الصاروخ من اختراق الغلاف الجوي والوصول إلى المدار المطلوب.
ولتحقيق رحلة مدارية ناجحة، لا يكفي مجرد تجاوز الغلاف الجوي، بل يجب أن تبلغ المركبة السرعة المدارية، وهي السرعة التي تتيح للجسم أن يبقى في مدار مستقر حول الأرض من دون أن يسقط متأثرا بالجاذبية.
وتُعرّف السرعة المدارية بأنها السرعة التي تجعل الجسم في حالة توازن ديناميكي بين قوتين متضادتين، قوة القصور الذاتي التي تدفع الجسم في خط مستقيم، وقوة الجاذبية التي تجذبه نحو مركز الكوكب أو الجسم السماوي، ونتيجة لهذا التوازن يتخذ الجسم مسارا مداريا إما دائريا أو بيضاويا.
نماذج صواريخ مدارية آر-7 سميوركاصاروخ باليستي عابر للقارات، تم اختباره لأول مرة في 21 أغسطس/آب 1957، يتميز بقدرته العالية على رفع الحمولات الثقيلة، بفضل تصميم الرؤوس النووية السوفياتية الثقيلة.
ومع تحويله إلى قاذفة فضائية، كسب الاتحاد السوفياتي أفضلية مبكرة في مجال إطلاق الحمولات إلى المدار، وإرسال بعثات إلى القمر والكواكب القريبة.
شهد الصاروخ "آر-7" تطوير عدد من النسخ اختلفت أسماؤها تبعا لطبيعة المهام التي صُممت لأجلها. فقد استُخدمت النسخة الأصلية لإطلاق "سبوتنيك 1″، أول قمر صناعي في التاريخ، في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 1957.
أما النسخة المعدلة "فوستوك"، فقد كانت مسؤولة عن إرسال أول رواد الفضاء السوفيات، وعلى رأسهم يوري غاغارين، أول إنسان يدور حول الأرض في 12 أبريل/نيسان 1961.
مركبة إطلاق فضائية مثّلت أول نجاح فعلي للولايات المتحدة في إيصال قمر صناعي إلى مدار الأرض، وهو نسخة مطورة من صاروخ "ريدستون" متوسط المدى، بعد تعديله لنقل حمولات خفيفة إلى مدار الأرض.
وبلغ طول صاروخ جونو1 نحو 20.9 مترا، وقطره 1.78 مترا، وأُطلق للمرة الأولى من قاعدة كيب كانافيرال في يناير/كانون الثاني 1958، حاملا القمر الصناعي "إكسبلورر 1″، وذلك بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة.
نيوغلينصاروخ مداري بدأت شركة "بلو أوريجن" عملية تطويره عام 2010 وأعلنت عنها رسميا عام 2016، يبلغ ارتفاعه نحو 98 مترا، وهو مدعوم بمحركات قادرة على توليد قوة دفع عالية.
ويتكون صاروخ نيو غلين من جزأين ينفصلان في الهواء، يعود أحدهما إلى قاعدة إطلاق مثبتة في المحيط من أجل إعادة استخدامه، والجزء الثاني ينطلق إلى هدفه في الفضاء، وهو مصمم لنقل رواد الفضاء والحمولات المدارية، وكذا لنقل البشر الآخرين غير رواد الفضاء، وهو نسخة مطورة من الصاروخ "نيو شيبرد".
أول صاروخ مداري يُطلَق من أوروبا، وتحديدا من قاعدة أندويا الفضائية النرويجية في القطب الشمالي، ابتكرته شركة "إسار أيروسبايس" الألمانية.
وفي رحلته التجريبية الأولى التي جرت في مارس/آذار 2025، أقلع الصاروخ من دون حمولة، لكنه بدأ في التأرجح والانحراف عن مساره قبل أن يتحطم على الأرض، محدثا انفجارا عنيفا، كما أظهرت مشاهد بثّت عبر مواقع التواصل.
أصغر صاروخ مداريفي عام 2018، نجحت وكالة استكشاف الفضاء اليابانية بإطلاق أصغر صاروخ مداري وهو "إس إس -520-5".
يتميز هذا الصاروخ بحجمه الصغير، إذ يبلغ طوله 9.54 مترات، بينما لا يتجاوز قطره 0.52 متر (قدم و8 بوصات)، أما وزنه فيبلغ 2600 كيلوغرام، وهو وزن يُعد ضئيلا مقارنة بالصواريخ الفضائية التقليدية.
إعلانانطلق الصاروخ من مركز أوتشينورا الفضائي في محافظة كاجوشيما في اليابان، في الثالث من فبراير/شباط 2018، وكان يحمل قمرا صناعيا صغيرا من نوع كيوب سات، أطلق عليه حينها اسم "تريكوم- آر 1" يزن 3 كيلوغرامات، ثم أعيدت تسميته إلى "تاسُكي" بعد وصوله إلى المدار بنجاح.