الأورومتوسطي .. الآلية الإسرائيلية لإدخال المساعدات إلى غزة تهدف إلى شرعنة تجويع السكان
تاريخ النشر: 4th, May 2025 GMT
#سواليف
قال المرصد #الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ #الخطة_الإسرائيلية المتداولة حاليًا بشأن #المساعدات_الإنسانية في قطاع #غزة لا تعدو كونها مناورة جديدة تهدف إلى إطالة أمد #الحصار الشامل وغير القانوني المفروض على القطاع، عبر إعادة تقديم #جريمة_التجويع في صيغةٍ مضللة تُضفي طابعًا إنسانيًا زائفًا عليها، وتُشرعن استخدامها المتواصل كسلاح ضمن #جريمة_الإبادة_الجماعية المستمرة منذ أكثر من 19 شهرًا.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي اليوم أنّ الخطة الإسرائيلية تقوم على ترسيخ هيمنة شاملة على الدورة الكاملة للمساعدات الإنسانية، بدءًا من تحديد طبيعة المساعدات وكمياتها وآلية إدخالها، وصولًا إلى مواقع تخزينها، وآليات توزيعها، والفئات التي يُسمح لها بالوصول إليها، ما يعكس عمليًا نيّة إسرائيلية واضحة لإدارة جريمة التجويع لا إنهائها، وترسيخ السيطرة الإسرائيلية على مقومات الحياة الأساسية للفلسطينيين في قطاع غزة.
وبحسب تقارير صحافية إسرائيلية، تعمل إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة على إنشاء آلية جديدة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من خلال “صندوق دولي” تدعمه دول ومؤسسات مانحة، يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بموجبها ببناء مجمّعات لتوزيع المساعدات في أجزاء من القطاع، يُسمح للعائلات الفلسطينية بالوصول إليها مرة واحدة أسبوعيًا لاستلام طرد مساعدات واحد لكل عائلة يكفي لمدة سبعة أيام، على أن تتولى شركة أمريكية خاصة إدارة الجوانب اللوجستية وتوفير الأمن داخل المجمعات وفي محيطها، بينما يتولى الجيش الإسرائيلي تأمين المناطق المحيطة بها.
مقالات ذات صلة الأمن العام يحذر من حالة عدم الاستقرار الجوي 2025/05/04الخطة الإسرائيلية تقوم على ترسيخ هيمنة شاملة على الدورة الكاملة للمساعدات الإنسانية، بدءًا من تحديد طبيعة المساعدات وكمياتها وآلية إدخالها، وصولًا إلى مواقع تخزينها، وآليات توزيعها، والفئات التي يُسمح لها بالوصول إليها، ما يعكس عمليًا نيّة إسرائيلية واضحة لإدارة جريمة التجويع لا إنهائها
وبينما تزعم إسرائيل أنّ الآلية الجديدة تهدف إلى الحؤول دون وصول #المساعدات إلى “حماس” أو استخدامها في دعم أنشطتها، فإنّها في الواقع تكرّس نموذجًا يُبقي السيطرة الكاملة على حياة السكان المدنيين في يد الاحتلال، ويحوّل الغذاء والدواء والماء إلى أدوات ابتزاز جماعي تُدار بمنظومة عسكرية–أمنية، لا إنسانية–قانونية.
وقال إنّ هذه الآلية تُشكّل امتدادًا لسياسة الخنق الشامل التي تطبقها إسرائيل منذ أكثر من شهرين، ومناورة لصرف الأنظار عن الحاجة الملحّة للنفاذ الفوري وغير المشروط لجميع أشكال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بما يمنح إسرائيل مزيدًا من الوقت لتجويع السكان، وتطبيع جرائم الإهلاك المنهجي والتدمير الجسدي، في إطار جريمة الإبادة الجماعية.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الآلية الجديدة، وفقًا للتفاصيل المتداولة، تقوم على إنشاء مرافق لتسليم المساعدات في أماكن محددة، بعيدة عن الكثافة السكانية وقريبة من مواقع تمركز الجيش الإسرائيلي، وهو ما يُنذر بخطر بالغ يتمثل في استخدام المساعدات كأداة لنقل السكان قسرًا تحت غطاء إنساني، إذ من المرجّح أن تُجبر العائلات الجوعى، في ظل سياسة التجويع المنهجي منذ تشرين أول/أكتوبر 2023، على الانتقال إلى مناطق قريبة من تلك المواقع لإنقاذ حياتها، بما يتيح لإسرائيل تفريغ مناطق سكنية واسعة وفرض واقع ديمغرافي جديد يمنع العودة إليها.
ولفت إلى أنّ سجلّ إسرائيل في هذا السياق يوفّر أسبابًا قوية للاعتقاد بأنّ الآلية المقترحة لن تكون حيادية أو إنسانية، بل أداة جديدة في مشروع التهجير القسري، إذ وثّق المرصد الأورومتوسطي استخدام الجيش الإسرائيلي، وبخاصة خلال اجتياحه وتدميره لمحافظة شمال غزة في تشرين أول/أكتوبر 2024، أساليب مركبة ومتكاملة لدفع السكان على مغادرة مناطقهم نحو الجنوب بذريعة الحصول على الطعام والمساعدات، حيث ترافق القصف الكثيف والحصار الكامل مع توزيع آلاف المناشير الورقية وإجراء مكالمات هاتفية مباشرة لحثّ الأهالي على التوجه إلى ما يُعرف بـ”المنطقة الإنسانية” في المواصي، تحت التهديد بعدم تلقي أية مساعدات إذا بقوا في مناطقهم المصنفة كمناطق قتال.
ونوّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الآلية المقترحة تمثّل خرقًا مزدوجًا لأحكام القانون الدولي؛ فهي تنتهك، أولًا الالتزامات القانونية الواقعة على إسرائيل بصفتها قوة احتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تُلزمها بضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية دون تأخير أو تمييز أو اشتراطات سياسية. كما تنتهك، ثانيًا، المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، التي تحظر استخدام المساعدات كأداة للضغط السياسي أو وسيلة للسيطرة والإخضاع، وتؤكد على ضرورة توزيعها وفق مبادئ الحياد وعدم التمييز وضمان الوصول الفوري والكافي إليها، وهي جميعها معايير تغيب كليًا عن الآلية المقترحة.
كما حذّر المرصد الأورومتوسطي من أنّ الآلية المقترحة تفتح مسارًا فعليًا لفرض سيطرة إسرائيلية دائمة على أجزاء من قطاع غزة، بما يُمهّد لضمٍّ زاحف مقنّع؛ إذ إنّ اختيار مواقع “المجمّعات الإنسانية” وإقامتها في مناطق مفتوحة وقريبة من نقاط تمركز جيش الاحتلال الإسرائيلي يُحوِّل تلك المساحات إلى أحزمة أمنية مغلقة يُمنع المدنيون من دخولها، في خطوة تمهّد فعليًا لفصلها جغرافيًا وسكانيًا عن بقية مناطق القطاع.
وأشار إلى أنّه يُخشى أن يُعاد لاحقًا تصنيف هذه المناطق كمناطق عسكرية مغلقة أو ممرات لوجستية، تُربط ببنية تحتية عسكرية ومدنية تموّلها جهات دولية تحت غطاء إنساني، ما يضفي على الوجود الإسرائيلي فيها طابعًا مشروعًا بحكم الأمر الواقع، ويجعل التراجع عنه شبه مستحيل. وبهذا تتحوّل السيطرة المؤقتة المرتبطة بتوزيع المساعدات إلى مدخل لإعادة رسم الواقع الجغرافي في غزة، بذريعة تلبية “الاحتياجات الإنسانية”.
إلى جانب ذلك، فإن إدارة إسرائيل لتلك الآلية، بشكل مباشر أو غير مباشر، له أغراض أخرى غير معلنة، من بينها الحصول على قاعدة بيانات محدثة أولًا بأول لتفاصيل السكان المدنيين وأماكن سكناهم وأماكن تنقلهم ونزوحهم، وبالتالي توظيفها لاحقًا – كما يحدث منذ عقود—في ملاحقتهم ومراقبتهم واستهدافهم وابتزازهم.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ تقييد كل عائلة بطرد مساعدات واحد أسبوعيًا، وفق ما تنص عليه الآلية المقترحة، لا يلبّي الحد الأدنى من متطلبات مواجهة المجاعة أو استعادة الأمن الغذائي، بل يُضفي غطاءً شكليًا على استمرارها، فبدلًا من ضمان تدفّق المساعدات بشكل مستقر وكافٍ، كما يقتضيه القانون الدولي، تُستخدم المساعدات كأداة ابتزاز تُخضع الحصول على الغذاء لمحددات أمنية إسرائيلية، وتحوّل الاحتياجات الأساسية إلى امتياز مشروط بمزاج الاحتلال، مع تصفير كامل لأي قدرة لدى السكان أو المؤسسات على التخزين أو التكيّف.
ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الشواهد الميدانية، لا سيما منذ استئناف إسرائيل لعمليات الإبادة الجماعية بالقتل المباشر في 18 آذار/مارس 2025، تُظهر بوضوح أنّ المساعي الجارية لفرض آلية جديدة للمساعدات الإنسانية لا تستهدف التخفيف من الكارثة أو إغاثة السكان، بل تسعى إلى تعميق السيطرة عليهم وإعادة هندسة المشهد الإنساني تحت إشراف عسكري–أمني، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل دأبت خلال الفترة الماضية على استهداف التكايا الخيرية ومرافق الطعام، وقتلت خلال اليومين الأخيرين ما لا يقل عن ثمانية من العاملين في المجال الإغاثي في وسط وشمال القطاع، كما شنّت هجمات ممنهجة على عناصر الحماية المكلّفين بتأمين مخازن الغذاء، وسهّلت نهبها وإفراغ محتوياتها، رغم محدوديتها الشديدة أصلًا.
ونوّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الآلية المقترحة تستهدف كذلك تقويض وكالة الأونروا والمؤسسات الإغاثية الفلسطينية والدولية، من خلال استبعادها المتعمّد بحجّة “التحييد السياسي”، في خطوة تُقصي عمدًا الجهات الأكثر خبرة وانتشارًا ميدانيًا، والتي أثبتت قدرتها على توزيع المساعدات بفعالية وعدالة، ما سيؤدي إلى تجريد السكان من القنوات الإغاثية القادرة على توفير استجابة منتظمة وشفافة، واستبدالها بمنظومة مستحدثة خاضعة لسيطرة سياسية–أمنية، تُقصي في الوقت نفسه البنى التي شكّلت شريان الحياة في غزة على مدار سنوات، في لحظة هي الأكثر احتياجًا إلى الكفاءة والسرعة، لا إلى هندسة آليات مُفصّلة لتكريس أهدافًا سياسية وجرمية على حساب حياة المدنيين.
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ انخراط الولايات المتحدة في التخطيط والترويج للآلية المقترحة لا يُمثّل تطورًا عرضيًا، بل يأتي امتدادًا مباشرًا لمسار دعمها السياسي والعسكري لجريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة، إذ شكّلت الإدارة الأمريكية الغطاء الدبلوماسي الرئيس الذي حال دون اتخاذ أي إجراء دولي فعّال لوقف الجرائم عبر استخدامها المتكرر لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من المساءلة، ووفّرت في الوقت ذاته تدفّقًا مستمرًا للأسلحة والذخائر التي استُخدمت بشكل مباشر في قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وقصف الملاجئ والمنازل والمدارس والمستشفيات، وها هي اليوم، من خلال رعايتها لآلية إغاثية مُلتوية، تُمعن في الانخراط في سياسة تجويع جماعي منهجي، عبر آلية ظاهرها إنساني وباطنها تعميق السيطرة وتقويض فرص النجاة، بما يضعها بوضوح في موضع الشريك الفعلي في جريمة تُعد من أخطر الجرائم الدولية.
ولفت الأورومتوسطي إلى أنّ محاولة إسرائيل التظاهر بالحياد عبر تفويض توزيع المساعدات لشركة أمريكية خاصة لا تعدو كونها تحايلًا مكشوفًا يهدف إلى إسقاط التزاماتها كقوة احتلال دون التخلّي عن سيطرتها، إذ تبقى السيطرة الفعلية على الأرض وعلى المشهد الإغاثي بيدها، ولا يُغيّر وجود طرف وسيط من حقيقة أنّ المسؤولية القانونية الكاملة عن ضمان وصول المساعدات دون عوائق تظل ملقاة على عاتقها بموجب القانون الدولي.
وطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بعدم الانخراط في الآلية المقترحة وعدم التعامل معها أو تمويلها بأي شكل، والضغط على إسرائيل لإلغائها فورًا، باعتبارها تشكّل إعادة صياغة منهجية للحصار في قالب إنساني زائف، وتمنح الغطاء لاستمرار جريمة التجويع الجماعي في قطاع غزة.
وطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي باتخاذ كافة الوسائل الممكنة، القانونية والسياسية والإنسانية، لرفع الحصار غير القانوني المفروض على قطاع غزة، وضمان السماح الفوري والفعّال بتدفّق المساعدات الإنسانية عبر جميع المعابر البرّية والبحرية والجويّة المؤدية إلى القطاع، بما يضمن توزيعًا محايدًا وفعّالًا يلبي الاحتياجات الفعلية للسكان، ويُنهي حالة التحكّم الإسرائيلي الإجرامي بالمواد الإغاثية، باعتبار أن استمرار هذا الحصار يُشكّل خرقًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني وأداة من أدوات جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين هناك.
ودعا الأورومتوسطي إلى توفير حماية حقيقية للعاملين في المجال الإغاثي ومرافق توزيع الغذاء، ووقف الاستهداف المتعمّد للتكايا والمخازن والعناصر الإنسانية، باعتبار هذه الهجمات انتهاكًا مباشرًا لمبدأ الحماية للمرافق المدنية والحماية الخاصة للمساعدات الإنسانية المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني، وتهدف إلى تعطيل أي محاولة لتخفيف حدة المجاعة.
وطالب المرصد الأورومتوسطي جميع الدول، منفردة ومجتمعة، بتحمل مسؤولياتها القانونية والتحرك العاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة بأفعالها كافة، واتخاذ جميع التدابير الفعلية لحماية الفلسطينيين المدنيين هناك، وضمان امتثال إسرائيل لقواعد القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، وضمان مساءلتها ومحاسبتها على جرائمها ضد الفلسطينيين، داعيًا أيضا إلى تنفيذ أوامر القبض التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع في أول فرصة وتسليمهم إلى العدالة الدولية، ودون إخلال بمبدأ عدم الحصانة أمام الجرائم الدولية.
ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على إسرائيل بسبب انتهاكها المنهجي والخطير للقانون الدولي، بما يشمل حظر تصدير الأسلحة إليها، أو شرائها منها، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها، وتجميد الأصول المالية للمسؤولين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، والتحريض عليها، وفرض حظر السفر عليهم، إلى جانب تعليق الامتيازات التجارية والاتفاقيات الثنائية التي تمنح إسرائيل مزايا اقتصادية تمكنها من الاستمرار في ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين.
وطالب المرصد الأورومتوسطي جميع الدول بمساءلة ومحاسبة الدول المتواطئة والشريكة مع إسرائيل في ارتكاب الجرائم، وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول التي تزود إسرائيل بأي من أشكال الدعم أو المساعدة المتصلة بارتكاب هذه الجرائم، بما في ذلك تقديم العون والانخراط في العلاقات التعاقدية في المجالات العسكرية والاستخباراتية والسياسية والقانونية والمالية والإعلامية والاقتصادية، وغيرها من المجالات التي تساهم في استمرار هذه الجرائم.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الأورومتوسطي الخطة الإسرائيلية المساعدات الإنسانية غزة الحصار جريمة التجويع جريمة الإبادة الجماعية المساعدات جریمة الإبادة الجماعیة المساعدات الإنسانیة للمساعدات الإنسانیة توزیع المساعدات ضد الفلسطینیین القانون الدولی جریمة التجویع ة إسرائیلیة فی قطاع غزة توزیع ا وصول ا
إقرأ أيضاً:
سوريا التي أربكت إسرائيل
لعب الواقع الجيوسياسي السوري وما يزال دورا مهما في علاقات سوريا الإقليمية والدولية بقطع النظر عن نظام الحكم، وقد أفاد النظام السابق من تلك الميزة في نسج علاقات مختلفة بين الأضداد، وإن كان يُحسب حتى سقوط الشيوعية على المنظومة الاشتراكية.
فقد كان على علاقة جيدة- حسب الحاجة- مع الولايات المتحدة الأميركية، وتجلّى ذلك في حدثين:
الأول: السماح له بوضع لبنان- في الحرب الأهلية- تحت سيطرته العسكرية والتفاهم مع المنظمات هناك، مع إبقاء بعضها أو إبعاد من يخالفه. والثاني: في وقوفه مع التحالف بعد غزو الكويت.ومع بدء الألفية الجديدة انضم إلى ما يُطلق عليه محور المقاومة والممانعة، أو إحدى ركائز ذلك المحور!
زيارة تاريخية أم مقايضة سياسية؟شكّلت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقاء الرئيس ترامب علامة فارقة عند المهتمين بالشأن السوري، وفتحت عهدا جديدا بين البلدين، فهي أول زيارة لرئيس سوري للولايات المتحدة.
وتأتي بعد رفع اسم الرئيس الشرع من قوائم الإرهاب، وفي ظل وضع اقتصادي خانق تعيشه سوريا؛ بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على البلد زمن النظام السابق "قانون قيصر"، وتموضع قوات قسد المدعومة أميركيا في مناطق الثروة السورية، واختراقات إسرائيلية متكررة للأراضي السورية بعد استيلائها على مرتفعات جبل الشيخ الإستراتيجية عقب سقوط النظام السابق.
رغم التفاؤل الذي ساد الشارع السوري بأن العقوبات في طريقها للزوال، فإن ثمّة حقيقة واضحة في استخدام هذا القانون ورقة ضغط على دمشق، فرغم أن قانون قيصر فُرض على النظام السابق نصرة للشعب السوري- وهذا يقتضي زواله عن الشعب السوري وبقاء مفاعيله على الذين ارتكبوا تلك المجازر- فإن القانون ظل سيفا مُصْلَتا على الشعب السوري، وعائقا أمام إعادة الإعمار، واستُخدم ورقة ابتزاز سياسي للنظام الحالي.
إعلانأكثر الأسئلة التي طُرحت بعد دخول قوات الثورة دمشق، وقيام إسرائيل بتدمير السلاح السوري الثقيل والنوعي: كيف ستكون العلاقة بين دمشق وتل أبيب؟ نزاع أم سلام؟ وقبل هذا السؤال: ما موقف إسرائيل من سقوط نظام بشار الأسد؟
الثورة السورية وموقف تل أبيب منهامنذ أن بدأت الثورة السورية في مارس/آذار 2011، وقفت إسرائيل منها موقفا مختلفا عن بقية الثورات العربية؛ موقفا أقرب إلى العداء، فسوريا الجزء الأكبر من بلاد الشام، وقد ظلّت الحدود معها هادئة طيلة حكم النظام السابق، رغم رفعه شعارات الصمود والتصدي والتوازن الإستراتيجي والمقاومة والممانعة، فقد كانت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 آخر الحروب.
ومع سقوط النظام وغياب الدولة العميقة التي يمكن أن تقود ثورة مضادة، دفع ذلك إسرائيل لتقديم نفسها حامية للأقليات، فالنظام السابق كان يقوم على حكم طائفي، مستندا إلى قوة عسكرية وأمنية تقود المراكزَ الحسّاسة والمؤثرة فيها قيادات علوية، مع تحالفات داخلية تقوم على مبدأ المنفعة، وأخرى خارجية كتحالفه مع إيران، وهذا يعني حكما التحالف مع أذرعها في لبنان، والعراق، واليمن.
أصبحت إسرائيل بذلك بين خيارين: إما الموافقة على سحق الثورة وإبقاء النظام، أو سحق الدولة في حال الفشل في إنهاء الثورة، وتحويلها إلى دولة ضعيفة، وبدل أن تكون دولة تحكمها أقلية، تنتهي إلى دولة تسيطر عليها الأقليات في كيانات مجتمعية تكون الأطراف فيها أقوى من المركز، ولا تسيطر على حدودها ولا ثرواتها. وحتى يتحقق ذلك، كانت عمليات التهجير للكتلة الصلبة، مع تغيير ديمغرافي وعقدي.
وقد كان واضحا منذ البداية أن إسرائيل ستكون صاحبة الكلمة العليا في بقاء النظام والتغطية على جرائمه، فقد توقّف المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، عند ما أسماه بموجة التظاهرات التي حدثت في سوريا، معتبرا أن هذه التظاهرات تقرّب الثورة العربية من الحدود الإسرائيلية، بحكم الموقع الجغرافي لمدينة درعا، وتطرق إلى إمكانية فشل الحكم في سوريا في وضع حدّ للتظاهرات، وأن سقوط نظام بشار الأسد سيدخل إسرائيل في حال من الغموض وعدم اليقين.
وردّ رامي مخلوف مختصرا الوضع مخاطبا إسرائيل: أمنكم من أمننا. وقد رُفعت لافتات في إسرائيل تصف بشار الأسد بأنه ملك ملوك بني إسرائيل، ونقلت صحيفة التايم البريطانية في 30 مايو/أيار 2013، عن إسرائيل قولها: الأسد يجب أن يبقى.
وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة جارٍ يحكمه الأكثرية، ونظام قادم من ثورة شعبية
وقد اتضح فيما بعد أن كل التدخلات التي جرت في سوريا لمقاتلة الثورة السورية، تمت برضا إسرائيل، وذلك من خلال الصمت، أو الموافقة الأميركية.
فقد ذكر بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي زمن أوباما، في كتابه؛ "العالم كما هو"، أن أوباما كان معجبا بإيران، محتقرا للعرب، وكان يهمّه توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ولم تكن الثورة السورية في اهتماماته.
وكذلك كان التدخل الروسي، حيث تمّ بطلب من نتنياهو، بعد أن تقهقر النظام السوري ومن معه في مواجهة الثورة السورية. ففي مقال له في "يديعوت أحرونوت" في 17 سبتمبر/أيلول 2015، قبيل الغزو الروسي بأسبوعين، كتب ألون بن ديفيد: "لا يسافر نتنياهو إلى موسكو كي يوقف انتشار قوات الجيش الروسي في سوريا، بل يسافر كي ينسق فقط".
إعلانولا يختلف الموقف الأميركي في الموافقة على ذلك، فقد ذكر أندرو أكسوم، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، في شهادته أمام الكونغرس الأميركي عام 2017، أن أميركا سمحت لروسيا بالدخول إلى سوريا ودعم نظام بشار الأسد، بعد أن وصل المتمردون- حسب وصفه- إلى مسافة قريبة من قصر المهاجرين، وأن بشار الأسد كافح طويلا من أجل بقاء الدولة الوطنية العلمانية التي بنيناها في المنطقة!
السقوط المفاجئ والتوغل الإسرائيلي في جنوب سورياكانت كل المعطيات تشير إلى أن النظام السوري باقٍ، فقد تم له، بمساعدة حلفائه، استعادة كل الأراضي التي كانت تحت سيطرة الثوار، وبقيت منطقة إدلب وأقصى الشمال الشرقي بيد الثوار، في حين يسيطر تنظيم "بي كا كا" الإرهابي، المتخفي باسم "قسد"، بدعم أميركي وغربي، على 40% من مساحة سوريا التي تحوي مناطق الثروة السورية من نفط وغاز وزراعات إستراتيجية.
وهو لا يشكل تهديدا للنظام، فقد نشأ على عينه وتعاون معه منذ بداية الثورة السورية، وأصبح خوف السوريين على المناطق المحررة، فقد تمت إعادة تأهيل بشار الأسد عربيا، وكانت ثمّة دول تسعى لإعادة تأهيله دوليا، وبدا أنه المنتصر على المؤامرة الكونية كما كان يصف الثورة، بل يُجهز نفسه لأبعد من ذلك باستعادة مناطق المحرر السوري.
لكن ثمّة تغييرات في المنطقة والعالم كانت تفتّ في عضد النظام وحلفائه، فقد غرقت روسيا في حرب أوكرانيا، وتلقّت هزائم متكررة، ما دعاها لسحب جلّ طائراتها من قاعدة حميميم، ولم يبقَ لديها ما يمكن أن يشكّل خطرا حقيقيا على الثوار السوريين.
كذلك حزب الله الذي فقد خيرة مقاتليه في عملية "البيجر"، ومن ثم الضربات الساحقة التي تلقّاها من إسرائيل، وهي الغارقة في حرب غزة وتبحث عن نصر معنوي. ظروف كثيرة لعبت دورا مهما في استغلال الثوار السوريين تلك الظروف، مع حنق تركي من أسلوب بشار الأسد في الردّ على دعوة الرئيس التركي للاجتماع معه.
لقد أدّى الانتصار الساحق للثورة السورية في إطلاقها عملية "ردع العدوان"، وإسقاط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى صدمة ليست في المحيط العربي فحسب، بل إلى زلزال حقيقي عند قادة إسرائيل.
وقد صرّح نتنياهو بأن إسقاط النظام السوري كان خطأ جسيما، لذلك سارعت إسرائيل إلى تدمير السلاح النوعي السوري؛ حتى لا يقع بيد الثوار ويشكّل خطرا عليها. ولم تكتفِ بهذا، بل استمرت غاراتها بشكل شبه يومي بتدمير المقرات العسكرية، ووصل الأمر بها إلى تدمير مراكز مدنية، والتقدم في جنوب سوريا، مع محاولة خلق واقع جديد بعد أن أعلنت تخلّيها عن اتفاقية فك الاشتباك الموقّعة مع الجانب السوري عام 1974.
معوقات صناعة منطقة عازلة في الجنوبوجدت إسرائيل نفسها في مواجهة جارٍ يحكمه الأكثرية، ونظام قادم من ثورة شعبية قدّمت أكثر من مليون شهيد، وملايين المهجّرين، وبلد مدمّر، مع رغبة عارمة ببناء بلد مستقر مزدهر.
يتنافى هذا الأمر مع الإستراتيجية الصهيونية في أن تكون دول الجوار حامية لحدودها، فإمّا أن تملك جيوشا تقوم بحماية الحدود، أو مناطق عازلة تحت قيادة عملاء تابعين لها. لذلك فقد أغرت الأقليات بعدم التعاون مع النظام الجديد، وأنها ستكون حامية للدروز والأكراد، ودعت لتعاون وثيق بين العلويين والدروز والأكراد إبّان أحداث الساحل، وهددت بالتدخل العسكري في حال فكّرت الدولة السورية ببسط نفوذها على السويداء، وقصفت مراكز سيادية في دمشق في أحداث السويداء.
واتضح دور الهجري ومجلسه العسكري في العمل على استفزاز الدولة السورية وعدم التعاون معها بدعم إسرائيلي، وهذا يعني أن غياب الدولة العميقة التي قضت عليها الثورة يستوجب التنسيق مع الأقليات، ولا سيما الجيب الكردي والجيب الدرزي.
لكن المشكلة التي تواجه إسرائيل في ذلك، رغم إعلان الهجري رغبته بانفصال السويداء وصناعة "باشان"، تكمن في أمرين:
إعلان الأول: لا توجد حدود للسويداء مع إسرائيل، وهذا يعني احتلال مناطق الجنوب السوري للوصول إلى السويداء. الثاني: أن موقف الهجري لا يُمثّل موقف الدروز بشكل عام، فهناك قوى مختلفة لديها موقف وطني رافض موقف الهجري.وما الأحداث الأخيرة إلا دليل على أن إسرائيل تضغط على دمشق من خلال ورقة السويداء، والتهديد بصناعة قوس درزي يكون فاصلا بينها وبين نظام دمشق، في الوقت الذي صرّحت فيه القيادة السورية بأنّها لا ترغب في الحرب ولا تريدها، بل تريد أن تنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عقب سقوط النظام، وأن تعود إلى اتفاقية 1974 المعروفة بفضّ الاشتباك، والتفرّغ لبناء سوريا المدمّرة.
أما ما يُشاع عن التطبيع مع إسرائيل، فقد كان ردّ الرئيس الشرع واضحا: ليس مطروحا في الوقت الحالي، وإسرائيل تحتل جزءا مهما من سوريا "الجولان" منذ عام 1967.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline