القاهرةـ في جلسة حافلة بالتباين والاعتراضات، أقرت لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس النواب المصري، مبدئيا، مشروع قانون تنظيم الفتوى، رغم اعتراض الأزهر الشريف على المادة التي تمنح وزارة الأوقاف تشكيل لجان فتوى دون تمثيله.

وأكد المركز الإعلامي للأزهر، في بيان، تمسك "هيئة كبار العلماء" بموقفها الرافض لمشروع القانون بصيغته الراهنة، موضحا أن الهيئة أخطرت الجهات المختصة رسميًا بهذا الرفض.

وعن سبب الاعتراض، أوضح وكيل الأزهر، محمد الضويني، أن رفض إنشاء لجان فتوى تابعة لوزارة الأوقاف يأتي انطلاقا من حرص الأزهر على انضباط الشأن الديني، وإسناد مسؤولية الفتوى إلى الجهات المؤهلة دستوريا وقانونيا، تجنّبا لأي تداخل في الاختصاصات بين المؤسسات المعنية.

الأزهر يتولى مهمة الإفتاء من خلال نحو 250 لجنة رئيسة موزعة في أنحاء الجمهورية (الجزيرة) رفض أزهري وإصرار نيابي

ورغم رفض الأزهر المتكرر منذ عام 2018، والمتمثل في مطالباته باستبعاد وزارة الأوقاف من صلاحية إصدار الفتوى، نجحت الوزارة مؤخرًا في نيل الموافقة المبدئية على مشروع قانون يمنحها هذا الحق.

ويثير هذا الإصرار النيابي والحكومي، رغم التحفظات الصادرة عن واحدة من أعرق المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، تساؤلات جوهرية حول مستقبل المرجعية الدينية وسلطة الإفتاء في مصر.

وبحسب المركز الإعلامي للأزهر، يتولى الأزهر مهمة الإفتاء من خلال نحو 250 لجنة رئيسة موزعة في أنحاء الجمهورية، تعمل باستقلالية ومهنية تحت إشراف هيئاته المختصة.

إعلان الأوقاف تُدافع

في المقابل، دافع وزير الأوقاف أسامة الأزهري عن المادة الثالثة من مشروع القانون، مشيرًا إلى أن العاملين في الوزارة هم من خريجي الأزهر، وأن حق الإفتاء لن يُمنح إلا لمن يجتاز برامج تدريب وتأهيل تنظمها دار الإفتاء، وفقًا لشروط يحددها الأزهر.

وينص مشروع القانون على قصر الفتوى العامة على هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء، فيما تتيح المادة الرابعة منه إنشاء لجان للفتوى في وزارة الأوقاف لإصدار الفتاوى الخاصة، على أن تتولى اللائحة التنفيذية تحديد الشروط والقواعد المنظمة لذلك.

ويُذكر أن المادة السابعة من الدستور المصري تنص على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية".

مجلس النواب يوافق من حيث المبدأ على تعديلات قانون دار الإفتاء والتي تقضي بتبعيتها لوزارة العدل بدلًا من الأزهر الشريف وهو ما تعتبره هيئة كبار العلماء عدوانًا على الأزهر pic.twitter.com/qeYyn1pSGq

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) July 19, 2020

معارك استقلال الأزهر

تتصاعد منذ سنوات شكوى الأزهر مما يصفه بـ"التغوّل" على اختصاصاته، من قبل مؤسسات دينية حكومية أخرى، مثل وزارة الأوقاف ودار الإفتاء. وكان تصويت البرلمان عام 2020 على تعديل قانون دار الإفتاء، بنقل تبعيتها من الأزهر إلى وزارة العدل، قد شكل محطة مفصلية في هذا الصراع.

وقد بعث حينها شيخ الأزهر أحمد الطيب برسالة اعتراض رسمية، مدعومة بمذكرة من مجلس الدولة، أكدت مخالفة التعديلات للدستور وتعارضها مع اختصاصات الأزهر الدستورية.

وحذّر وكيل الأزهر، محمد الضويني، في تصريحاته آنذاك من أن التعديلات تنشئ كيانًا موازيًا للأزهر وتتجاوز خلافًا إداريا إلى تهديد لوحدة الخطاب الديني، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء كثيرًا ما تحيل المسائل الكبرى لهيئة كبار العلماء، مما يفنّد ادعاء استقلالها التام.

إعلان

كما أكد الأزهر أن الحديث عن انفصال تاريخي بين الإفتاء والأزهر غير دقيق، مشيرًا إلى أن المقر التقليدي للإفتاء كان داخل الجامع الأزهر، وأن كبار علماء الأزهر تولوا مناصب الإفتاء تاريخيًا.

تعدد جهات الإفتاء

يرى عميد كلية الدعوة الإسلامية سابقًا الدكتور جمال فاروق الدقاق، أن حق إصدار الفتوى يجب ألا يُقصر على جهة بعينها، ما دام أن الشخص مؤهل شرعيًا. واقترح، في حديث للجزيرة نت، وضع نظام لاعتماد المفتين بعد اجتيازهم اختبارات دقيقة وتدريب عملي، بما يحد من الفتاوى العشوائية ويضمن أهلية المتصدين لها.

لكنه شدد في المقابل على أن القضايا العامة التي تمس شؤون الناس كافة، ينبغي أن تبقى من اختصاص هيئة كبار العلماء وحدها، حفاظًا على وحدة الرأي الفقهي وتجنبًا للتضارب.

من جانبه، أيّد عضو لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا الشيخ هاشم إسلام، موقف الأزهر الرافض لمنح وزارة الأوقاف صلاحية تشكيل لجان للفتوى، معتبرًا أن ذلك يخالف الدستور ويمثل انتقاصًا من دور الأزهر بوصفه المرجعية الدينية العليا في البلاد.

وحذّر إسلام، في حديثه للجزيرة نت، من أن تعدد جهات الإفتاء قد يؤدي إلى فوضى وبلبلة في المجتمع، مشددًا على أن الفتوى تحتاج إلى تأهيل علمي عميق، وهو ما عُرف عن علماء الأزهر تاريخيًا، وأكد أن دور وزارة الأوقاف ينبغي أن يظل مقتصرًا على إدارة المساجد وتنظيم الشعائر، دون التداخل مع اختصاصات الأزهر.

تحذير من تضارب في الفتوى نظرا لتنوع جهات الإفتاء (الجزيرة) تسييس الفتوى

من جهته، حذّر الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي، عمار علي حسن، من أن منح وزارة الأوقاف، التابعة للسلطة التنفيذية، صلاحية إصدار الفتوى، قد يؤدي إلى تسييس الفتوى وتحويلها إلى أداة لخدمة أجندات سياسية.

وقال حسن، في حديثه للجزيرة نت، إن تعدد جهات الإفتاء، من الأزهر ودار الإفتاء إلى وزارة الأوقاف، من شأنه أن يُحدث تضاربًا في الرؤى ويؤثر سلبًا على استقرار الخطاب الديني، مؤكدًا أن هذا التعدد لا يخدم المصلحة العامة، وقد يُعد مخالفة دستورية.

إعلان

وأشار إلى أن المجتمع المصري عانى طويلًا من فوضى الفتاوى الصادرة عن جماعات متشددة ودعاة غير مؤهلين، مشيرًا إلى أن إضافة جهة رسمية جديدة للإفتاء، مثل وزارة الأوقاف، قد يفاقم الأزمة بدلًا من احتوائها، ويكرّس خطابًا دينيًا رسميًا أحاديًا، ما ينعكس سلبًا على التنوع الفقهي والديني في المجتمع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات هیئة کبار العلماء وزارة الأوقاف مشیر ا إلى أن دار الإفتاء على أن

إقرأ أيضاً:

حظر تداول الفتاوي لغير المؤهلين..مشروع قانون جديد لتنظيم الفتوي في مصر

يستعد مجلس النواب خلال جلستيه العامتين يومي الأحد والإثنين 11 و12 مايو 2025 لمناقشة مجموعة من الملفات والقوانين ذات الأهمية البالغة، تشمل مشاريع قوانين جديدة والتي ابرزها مشروع قانون تنظيم الفتوي.

ويقدم موقع صدى البلد أهم تفاصيل مواد مشروع القانون بعد موافقة لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، خلال اجتماعها برئاسة النائب علي جمعة فيما يلي:

ماذا أفعل إذا سمعت أكثر من فتوى في مسألة واحدة؟ أمين الفتوى يجيبالفتوى والصيدلة في الصدارة| مجلس النواب يستعد لجلسات مكثفة الأسبوع المقبلمركز الأزهر للفتوى يحاور طلاب جامعة السويس حول الحرية وقيم الحياةلماذا سميت الأشهر الحرم بهذا الاسم؟.. الأزهر للفتوى يوضحهاابرز مواد مشروع قانون تنظيم الفتوي

ويضع مشروع القانون إطارًا قانونيًا منظِّمًا لإصدار الفتوى الشرعية العامة والخاصة، محددًا الجهات المخولة بذلك، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء، دار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية، بالإضافة إلى لجان الفتوى التابعة لوزارة الأوقاف.

كما ينص المشروع على إنشاء لجان فتوى بالأوقاف بقرار من الوزير المختص، شريطة استيفاء شروط تأهيلية ومؤهلات علمية محددة لمن يتولون الإفتاء، أبرزها أن يكون من خريجي الأزهر، وأن يتلقى تدريبًا معتمدًا في مجال الإفتاء.

وفي حال تعارض الفتاوى الشرعية، أعطى المشروع حق الترجيح لهيئة كبار العلماء بالأزهر، كما ألزم وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بعدم بث أي فتاوى إلا من الجهات المعتمدة بالقانون، مع فرض عقوبات على المخالفين تصل إلى الحبس 6 أشهر وغرامة 100 ألف جنيه.

طباعة شارك دار الإفتاء المصرية هيئة كبار العلماء وزارة الأوقاف الإفتاء الفتاوى الشرعية خريجي الأزهر

مقالات مشابهة

  • بعد موافقة دينية النواب.. الجهات الرسمية المختصة بالإفتاء| مشروع القانون
  • لا يقل عن 20 عامًا.. تعرف على شروط الالتحاق بلجان الفتوى التابعة لوزارة الأوقاف
  • حظر تداول الفتاوي لغير المؤهلين..مشروع قانون جديد لتنظيم الفتوي في مصر
  • "الأوقاف والشؤون الدينية" تستعرض "خطة 2025" في البريمي
  • متحدث الأوقاف: لا خلاف مع الأزهر بشأن قانون تنظيم الفتوى
  • الأزهر يعلن رفضه الكامل لمشروع قانون تنظيم الفتوى.. واللجنة الدينية توافق عليه نهائيًا
  • رسميا.. مشروع قانون يسمح للجان في الأوقاف بإصدار الفتوى
  • علي جمعة يلوم ممثل الأزهر: بلغ رؤساءك أننا مستاؤون بعد رفض قانون الفتوى
  • دينية النواب توافق نهائياً على مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية