لجريدة عمان:
2025-06-25@03:57:36 GMT

طفولة .. على مقصلة الحرب والحصار

تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT

طفولة .. على مقصلة الحرب والحصار

غزة- «عُمان»- بهاء طباسي: في غرفة رطبة بمستشفى مكتظ بجراح الغزيين، يتناهى صوت بكاء متقطع، أشبه بنداء خافت يخرج من جسد صغير أنهكه الألم. الطفلة ملك صالحية، ابنة العشر سنوات، لا تبكي فقط لأنها موجوعة، بل لأنها باتت تعيش في جسد مهدد بالبتر، بين جدران عجزت عن توفير دواء، وتحت سماء لم تعرف الطفولة فيها طريقًا إلى النجاة.

حين تُجتث الحياة من أطراف الأطفال

لا شيء يُخفف أوجاع الطفلة الصغيرة، لا مهدئات ولا مسكنات، بعدما أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس 2025، تاركة آلاف الجرحى – وأغلبهم أطفال – يصارعون الألم بأجساد عارية من أي قدرة على المقاومة.

ملك لم تكن تلعب في ساحة قتال، بل كانت داخل منزلها عندما سقط صاروخٌ حوّل دفء العائلة إلى مقبرة مفتوحة، فاستشهد والدها وشقيقها، فيما خرجت هي بأطراف مجروحة وملتهبة، تكاد تنفجر من شدة الألم، وتهددها العدوى بفقدان قدميها ويدها.

في غزة، لا تنتهي المأساة عند مشهد القصف، بل تبدأ بعدها فصولٌ أخرى من الموت البطيء. وملك، بصرخاتها المرتجفة، صارت وجهًا آخر لهذه المأساة: فتاة صغيرة تتوسل الحياة ولا تجد من يسمع نداءها، ولا من يمنحها الحق في البقاء كما هي – طفلة بقدمين ويدين، لا أنصاف أطرافٍ تُجرُّ على أسِرّة الخذلان.

على سرير الألم

على سرير الجراح التقت «عُمان» بها، كانت ملك تتوجع بشدة، أوجاعها كسكاكين تُقطع في صدر الإنسانية الطبيبة العاجزة. ودار بينها وبين أمها هذا الحوار المؤلم: ملك (تبكي): ماما بتوجعني يا ماما.. بتوجعني يا ماما. أمها (تحاول تهدئتها): وجع؟ أم إنك مش قادرة تتحركي؟ ملك: وجع. أمانة يا ماما خلي الدكتور يخفف الوجع!

أمها: إيش بيوجعك يا روحي؟ ملك: إيدي! أمها: خليني أشوف طيب... (تلمس يد ابنتها المغطاة بالأربطة فتصرخ الأخيرة ألمًا). ملك (تصرخ): آه.. آه.. آه! أمها (بوجع): طب نادي على الدكتور.. ملك (منهارة): دكتور.. دكتور.. دكتور... ولا يأتي أحد. لا بسبب الإهمال، بل لأن الطبيب نفسه لا يملك شيئًا يقدّمه. لا دواء، لا مخدر، لا مضاد حيوي. وحده الصمت يملأ الفراغ بين الصرخة والصرخة، في مشهد تختزل فيه غزة مآسي العالم كله، وتُرفع فيه الطفولة على مقصلة الحصار. الأم تحكي: «صراخها لا يغيب عن أذني»

تجلس الأم بجوار سرير ملك، تحتضنها كلما هدأ الألم قليلاً، وتمسح دموعها حين تنهار من شدته. «منذ أصيبت ابنتي، وأنا أعيش في كابوس لا ينتهي. صراخها المستمر يمزق قلبي، ولا أملك لها شيئًا سوى الدعاء. الأطباء لا يستطيعون فعل شيء، والدواء مفقود، والمعابر مغلقة. أشعر بالعجز والخذلان، وأتساءل: هل هذا هو مصير أطفالنا؟».

تحاول أن تتمالك دموعها، لكنها تنكسر: «ملك كانت تحلم أن تصبح طبيبة. كانت تحب أن تضع السماعة على صدر أبيها وتقول له: (أنا الدكتورة ملك). والآن، هي من ترقد على السرير، تطلب أن يخف الألم، ولا تجد طبيبًا قادرًا على إنقاذها. مات حلمها مع أول دفقة دم».

تضيف لـ«عُمان»: «كل دقيقة تمر أشعر أنها قد تكون الأخيرة. أراقب أطرافها تتغير ألوانها، أسمع الأطباء يتمتمون: البتر وارد... البتر وارد. وأنا أمسك يدها وأخشى أن أفقدها كما فقدت والدها وأخيها».

وتنهي حديثها: «نحن لا نطلب المستحيل. نطلب فقط أن تنجو ملك. أن تُفتح المعابر. أن يُسمح بدخول العلاج. أن لا تموت طفولتنا بصمت كما مات أحباؤنا تحت الركام».

الطبيب المعالج: «نواجه العجز الطبي بأيدٍ فارغة»

في مستشفى ناصر الطبي بخان يونس، حيث تتكدس الإصابات على الأسرّة، يتحدث الطبيب سليم صقر، المشرف على حالة ملك وهو يطالع صورًا بالأشعة تُظهر تآكل الأنسجة في يدها وساقها: «إصابة ملك خطيرة ومعقدة. التلوث في أطرافها تجاوز الحد الذي يمكن التعامل معه محليًا، وهي بحاجة عاجلة لتحويلها للعلاج في الخارج، وإلا فإن البتر هو الخيار الوحيد».

ثم يضيف خلال حديثه لـ«عُمان»: «المشكلة ليست فقط في تعقيد حالتها، بل في استحالة علاجها داخل غزة. نحن محرومون من المضادات الحيوية، من مسكنات الألم القوية، من أدوات الجراحة الدقيقة، بل حتى من أدوات التعقيم».

يتنهد الطبيب ثم يكمل: «كل يوم يتأخر فيه تحويل ملك للعلاج، نقترب خطوة من اتخاذ قرار كارثي ببتر أطرافها. وهذا ليس قسوة، بل إنقاذ لحياتها. لكنها طفلة، هل تستحق أن تُبتَر لأنها ولدت في قطاع محاصر؟».

ويختم بصوت يملؤه القهر: «ملك ليست الوحيدة. لدينا عشرات الأطفال في نفس الوضع، ومع كل يوم إغلاق للمعابر، نخسر المزيد منهم. العدو يقتل بصواريخه، ونحن نُترك لنكمل المهمة دون أدوات، دون دواء، دون حتى أمل».

ضحايا بلا توقف

منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023 وحتى كتابة هذه السطور، تحوّلت غزة إلى مكان هو «الأكثر دموية للأطفال في القرن الحادي والعشرين»، وفق توصيف مشترك لوكالات أممية عدة، من بينها «اليونيسف» و«الأونروا» و«الأوتشا».ففي تلك المدة، فقد أكثر من 17400 طفل فلسطيني حياتهم تحت القصف الإسرائيلي، بمعدل مأساوي يُقدّر بوفاة طفل كل 45 دقيقة.ولم تقتصر المأساة على من فارقوا الحياة، بل سُجلت إصابات متفاوتة الخطورة لدى أكثر من 25000 طفل، فيما تشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 19000 يعانون من سوء تغذية حاد بسبب الحصار الخانق ومنع دخول المساعدات الغذائية والدوائية.

وتُعد هذه النسبة غير المسبوقة من الأطفال الضحايا – التي تجاوزت 30% من إجمالي القتلى– علامة سوداء في سجل الحروب الحديثة، لم تُسجل حتى في أكثر النزاعات دموية خلال العقود الماضية.

خنقٌ للحياة

في الثاني من مارس 2025، أغلقت إسرائيل بشكل كامل جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، بما في ذلك معبر رفح البري، الذي كان يُمثّل المنفذ الأخير لآلاف المرضى والجرحى في القطاع المحاصر.نتيجة لذلك، تُرك أكثر من 12,000 مريض – من بينهم نحو 4700 طفل – يواجهون مصيرًا مجهولًا، بعد أن توقفت إجراءات تحويلهم لتلقي العلاج في الخارج.

ترافق ذلك مع انهيار شبه تام للمنظومة الصحية في غزة، حيث تعمل 90% من المستشفيات بطاقات تشغيلية تقل عن 30%، بفعل انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود والمستلزمات الطبية.

في بعض المرافق، توقفت جلسات الغسيل الكلوي للأطفال بشكل كامل، كما تعثرت خدمات الطوارئ بعد انقطاع دخول الأدوية بشكل تام منذ مارس، ما دفع وزارة الصحة إلى إعلان عجزها الكامل عن الاستجابة للحالات الحرجة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

لماذا تتفاقم أعراض الصداع النصفي عند المرضى الذين لا ينامون جيدا؟

كشفت دراسة جديدة عما يحدث في أدمغة الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي عندما لا يحصلون على قسط كاف من النوم، وأظهرت أن القشرة المخّية (cerebral cortex) لدى المصابين بالصداع النصفي تستجيب للألم بشكل مختلف عن غيرهم عندما لا يحصلون على نوم جيد.

والقشرة المخّية تتكون من تجمع معقد من الخلايا العصبية المترابطة بإحكام، والتي تغطي الجزء الخارجي الأبعد من الدماغ.

وأجرى الدراسة باحثون من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، ونشرت نتائجها في مجلة سيفاليجيا (Cephalalgia) في مارس/آذار الماضي وكتب عنها موقع يوريك أليرت.

يتميز الصداع النصفي بصداع نابض، وتحسس من الضوء، وقيء، وغثيان، وزيادة الحساسية للصوت، ويعد الصداع النصفي السبب الرئيسي للإعاقة عن ممارسة الأنشطة اليومية لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و50 عاما.

يقول بيتر مو أوملاند، الطبيب وزميل ما بعد الدكتوراه في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا والباحث المشارك في الدراسة: "هذه سنوات مهمة في حياة المرء عندما يتعلق الأمر بالدراسة والتعليم العالي والمهنة. يشكل الصداع النصفي عبئا كبيرا على الفرد والمجتمع."

ويضيف "من المعروف أن النوم يمكن أن يخفف من الصداع النصفي، ويمكن أن تبدأ نوبات الصداع النصفي أثناء النوم أو بعده، ويقول العديد من المصابين بالصداع النصفي إن اضطراب النوم هو ما يحفز النوبات".

ويعاني مرضى الصداع النصفي من انخفاض جودة النوم، وزيادة التعب أثناء النهار، واضطرابات النوم مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون من الصداع. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الأرق بزيادة خطر الإصابة بالصداع النصفي.

التضحية بالنوم

ضحى المشاركون في الاختبار بالكثير لمساعدة الباحثين على إيجاد إجابات للسؤال، خلال دراستين خضع 140 شخصا لاختبارات النوم، وخضعوا لفحوصات لأدمغتهم. تعدّ هذه الفحوصات قياسات سريعة وآمنة لما يحدث في الدماغ.

إعلان

قسّم المشاركون في الدراسة إلى مجموعتين، إحداهما مصابة بالصداع النصفي، والأخرى من أفراد أصحاء.

فحص المشاركون مرتين في أيام مختلفة، فحصوا جميعا بعد ليلتين من النوم الطبيعي، وبعد ليلتين من قلة النوم. كما طلب من جميع المشاركين كتابة مذكرات عن نومهم، بالإضافة إلى استخدام جهاز إلكتروني لتسجيل النوم.

خلال الفحص الفعلي، ارتدى المشاركون قبعة مزودة بأقطاب كهربائية لتخطيط كهربية الدماغ. استخدمت أقطاب تخطيط كهربية الدماغ لقياس نشاط الدماغ أثناء نوعين من تحفيز الألم، أحدهما بالليزر والآخر بالتحفيز الكهربائي. بهذه الطريقة، تمكّن الباحثون من قياس نشاط الدماغ ودراسة كيفية تعامله مع إشارات الألم بعد قلة النوم.

يقول أوملاند "لم يكن أيٌّ من هذا خطيرا، ولكنه كان مزعجا بشكل واضح، الآليات التي يفترض أن تخفف الألم لا تعمل تماما كما هو الحال لدى غير المصابين بالصداع النصفي، لا يخفّ الألم بقدر ما يخفّض لدى الأصحاء".

مقالات مشابهة

  • العصب ثلاثي التوائم.. ما هو مرض الممثل الهندي سلمان خان وما علاجه؟
  • دعوة للتفاؤل وسط تقلبات الحياة: ابتسم فالغد قد يحمل ما يسعدك
  • تفاصيل جلسة الاستئناف المقبلة بقضية الطفل ياسين بحضور الطبيب الشرعى
  • كيس اللثة يستلزم استشارة الطبيب فورا
  • "فريدا" تضيء مسرح الجمهورية بثلاث ليالٍ من الرقص الحديث
  • لماذا تتفاقم أعراض الصداع النصفي عند المرضى الذين لا ينامون جيدا؟
  • تقلل الألم والتقلبات.. 10 أطعمة لمرضى جرثومة المعدة
  • بعد تعافي ابنه.. أحمد السقا لم ينس دور الطبيب المعالج لـ حمزة السقا
  • شاهد بالفيديو.. اللقاء الذي أثار غضب المطرب شريف الفحيل.. الفنان محمد بشير يقتحم بث مباشر للناشطة الشهيرة “ماما كوكي” والأخيرة تصفه بإبن الأصول
  • الأنيميا المنجلية.. ألم يولد مع الإنسان ومسؤولية العالم تتجدد