وزير إسرائيلي: مهاجمة الحكومة للجيش تضعفه وتقلّل فرص نجاح الحرب على غزة
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
في الوقت الذي تتواصل فيه الصراعات الداخلية بدولة الاحتلال، ما يُهدد سير العدوان على غزة، فإن الشكاوى ضد جيش الاحتلال تستمر، ممّا ينذر بعدم تحقيق النتائج المرجوة، في ظل حكومة يمينية تُضعف تحقيق فرص النصر المزعوم.
وقال وزير القضاء الأسبق، دانيال فريدمان، إنّ "وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي هاجم رئيس هيئة الأركان إيال زامير، يفتقر للثقافة السياسية مع شخص كرّس عقودًا من حياته للخدمة في أدوار قتالية في الجيش".
وتابع في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، وترجمته "عربي21": "مهاجة سموتريتش لزامير تكشف عن انفصاله عن الواقع، وليس لديه السلطة السياسية للقيام باستبداله، كما هدّده بذلك، بل يفتقر لأي منطق في حديثه هذا".
استبدال نتنياهو
أضاف فريدمان بأن: "هجوم سموتريتش على زامير يُغفل عوامل خارجة عن سيطرته تمنع تحقيق "النصر المزعوم" في غزة، فحماس ليس لها أعداء في الساحة الداخلية، حكمها في غزة مطلق، ولديها شبكة طويلة من الأنفاق، وهي مسألة مؤلمة تُثقل كاهل إدارة الحرب، وطوال الحرب الطويلة، لم يسع نتنياهو لتشكيل حكومة تُنافس حماس، وهكذا، ظلّت الحركة الحاكم الوحيد في القطاع".
وأشار إلى أنّ: "الصعوبات في غزة تفاقمت على الاحتلال، بسبب إدارة نتنياهو للحرب، المسؤول الأول عن السابع من أكتوبر، والأقل ملاءمة لإدارة الحرب، ودعونا نتذكر ما حدث في دول أخرى، في إنجلترا على سبيل المثال، حين وقّع رئيس الوزراء نيفيل تشامبرلين، اتفاقية ميونيخ مع ألمانيا، التي عززت هتلر، وسلّمته تشيكوسلوفاكيا".
"كانت خطوة على طريق الحرب العالمية الثانية، وبعد اندلاعها، تم استبداله، في عملية داخل الحزب دون انتخابات عامة، وعُيّن ونستون تشرشل مكانه، وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية" وفقا لفريدمان.
وأوضح أنه: "لو بقي تشامبرلين في منصبه، فمن المشكوك فيه ان تكون إنجلترا نجت من الحرب، هذا ما كان يجب أن يحدث بدولة الاحتلال، لو ظلّ الليكود عمودًا فقريًا، وعمل بشكل صحيح، وعمل على استبدال زعيمه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تدير الحرب، ولهذا، لم تكن هناك حاجة للانتخابات".
وأردف: "لكن عدم حدوث ذلك يُظهر ضعف النظام السياسي الإسرائيلي، الذي دخل في حربٍ عصيبة مع قائدٍ لا يحظى بثقة الجمهور، لأنه لو أُجريت انتخاباتٌ قرب السابع من أكتوبر، لكان الليكود بقيادة نتنياهو تجاوز العتبة الانتخابية بفارقٍ ضئيل".
أكتوبر
أكد أنه "كما حدث في إنجلترا في عهد تشامبرلين، فقد شهد الاحتلال استبدال الحكومة بإجراءاتٍ حزبيةٍ داخلية عقب حرب 1973، بحيث انتهت الحرب الصعبة على الجبهة المصرية في غضون ثلاثة أسابيع تقريبًا، على عكس الحرب الحالية التي لا تزال بلا نهاية في الأفق".
ومضى بالقول إنه: "نتيجةً لهذا الفشل الذريع، اضطرت رئيسة الوزراء، غولدا مائير للاستقالة، تحت ضغط شعبي، ومن خلال عملية داخلية للحزب، ودون انتخابات عامة، وأُجريت الانتخابات بعد الحرب، فاستقالت غولدا في أبريل 1974، وانتُخب زعيم جديد مكانها هو إسحاق رابين".
وأكد أنّ: "عجز الليكود، بعد السابع من أكتوبر، عن القيام بخطوة مماثلة، يشير لضعف النظام السياسي الإسرائيلي مقارنةً بوضعه آنذاك، والنتيجة أن نتنياهو يُدير الحرب، وله مصلحة واضحة بإطالتها قدر الإمكان، للحفاظ على حكمه، والنأي بنفسه عن أحداث السابع من أكتوبر".
"بذلك، وجد نفسه في صراع مصالح حاد بين مصلحته الشخصية في إطالة أمد الحرب، ومصلحة الدولة في خوض حرب في أقصر وقت ممكن" أكد فريدمان خلال المقال نفسه.
وأضاف: "نتنياهو كان لديه عدد من الشخصيات في الجيش والمؤسسة الأمنية المسؤولة عن السابع من أكتوبر بجانبه، وكان من الضروري استبدال بعضهم على الأقل في أسرع وقت ممكن، ومن بين أمور أخرى، تعيين رئيس أركان جديد ورئيس جديد لجهاز الأمن العام (الشاباك)".
واسترسل: "لكن حكومة جديدة فقط هي القادرة على القيام بذلك، لأن نتنياهو وحكومته فقدت كل شرعية شعبية، ولم تتمكن من تفسير سبب الحاجة لاستبدال رئيسي الأركان والشاباك، مع بقاء رئيس الوزراء في منصبه".
لجنة التحقيق
أكد أنّ: "عذر نتنياهو في التهرب من تحمل المسؤولية، ضرورة انتظار لجنة تحقيق، ومن المشكوك للغاية أنه كان ينوي تشكيلها، والنتيجة أنه لم يتم إجراء التغييرات اللازمة، وشُنّت الحرب بالكامل من قبل المسؤولين عن السابع من أكتوبر، حتى باتت الحكومة اليوم في مواجهة الجيش".
واستدرك: "لا عجب أن نتائج حرب غزة غير مُرضية، ولذلك نشهد موجة من الهجمات من أنصار نتنياهو على الجيش، خاصةً على من ترأسه حتى وقت قريب، رئيس الأركان هرتسي هاليفي، لكن هذا ارتدّ على نتنياهو".
وذكر أنّه: "إذا فشل رئيس الأركان فعلاً في إدارة الحرب، فلماذا لم يُعيّن رئيس الوزراء بديلاً له، أليس هذا فشلاً ذريعاً آخر له، فيما يشنّ صراعا جديدا ضد رئيس الشاباك، رونين بار، بدعوى فشله في منع السابع من أكتوبر، التي وقعت قبل أكثر من عام ونصف".
وأكد أنه "في الوقت نفسه، يُطلق أنصاره دعايةً مُضادة لسلسلة من أنشطة الشاباك، بما فيها الاعتقالات الإدارية ضد المتطرفين اليهود، ورفض تعيين لجنة تحقيق رسمية، وإنكار شرعيّتها، والآن، فُتحت جبهة جديدة ضد زامير، الذي عيّنته الحكومة مؤخرًا، وبالتالي فإن الحكومة تخوض صراعًا ضد مؤسسات الدولة بزعم أنها فاسدة تمامًا".
واختتم فريدمان المقال بالقول إنّ: "الوقت، عنصر محوري في إدارة الحرب، لأن تكاليفها في غضون أسابيع قليلة تختلف إن استمرت لعام ونصف، لذا، من الواضح أن الصراع الذي تخوضه الحكومة ضد القيادة العسكرية والأمنية يُضعف فرص نجاح الحرب".
واستطرد: "مع أنها مسؤولة عن عوامل إضافية أضرت بالاحتلال، وفاقمت وضعه، بما في ذلك اختيار استراتيجية أدت لإطالة أمد الحرب، ومنع تشكيل حكومة بديلة لحماس، وليس من المستغرب أن تظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الجمهور تعتقد أن اعتبارات نتنياهو في إدارة الحرب حزبية أكثر منها جوهرية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية الاحتلال غزة حماس المصرية مصر حماس غزة قطاع غزة الاحتلال المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السابع من أکتوبر إدارة الحرب
إقرأ أيضاً:
ثلاثة سيناريوهات: مستقبل حكومة نتنياهو بعد انسحاب أحزاب الحريديم
تواجه الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، حالياً، حلقة جديدة من الأزمة التاريخية المتجددة لتجنيد المتدينين؛ لكنها تبدو الحلقة الأكثر اضطراباً منذ وصول هذه الحكومة إلى السلطة في ديسمبر 2022؛ حيث قرر حزبا “يهدوت هتوراه” (7 مقاعد في الكنيست) و”نوعام” (مقعد واحد)، منذ منتصف يوليو 2025، الانسحاب من الحكومة والائتلاف، بينما فضّل حزب “شاس” (11 مقعداً) الانسحاب من الحكومة فقط، مع البقاء في الائتلاف، وذلك لمنع الحكومة من الانهيار؛ وهو ما قلّص أغلبية نتنياهو في الكنيست من 68 مقعداً إلى 60 مقعداً فقط.
ومع ذلك، لا يبدو نتنياهو مستعداً حالياً للتخلي عن شركائه الحريديم في الائتلاف الحاكم؛ ومن ثم إسقاط الحكومة والتوجه إلى انتخابات مُبكرة. كذلك لا يبدو أن أحزاب الحريديم تميل إلى إسقاط الحكومة حالياً، خاصةً أن وصول المعارضة إلى الحكم سيحول دون تنفيذ مطالبهم. ومن المُرجح أن الحكومة ستشهد هدوءاً لبعض الوقت، في فترة العطلة الصيفية للكنيست، والممتدة حتى 19 أكتوبر 2025. وقد تدفع هذه الفترة مختلف الأطراف إلى مراجعة حساباتها؛ مما يجعل مستقبل الحكومة مفتوحاً على أكثر من احتمال.
جذور الأزمة:
تعود جذور أزمة تجنيد المتدينين في إسرائيل إلى سنوات التأسيس الأولى، حينما منح أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن غوريون، طلاب المدارس الدينية (اليشيفات)، إعفاءً من الخدمة العسكرية، وتم وضع بند في قانون الخدمة العسكرية يُجيز لوزير الدفاع إعفاء الأفراد من الخدمة الإلزامية.
وعلى الرغم من تعدد الحروب التي خاضتها إسرائيل في تلك الفترات؛ فإن مسألة إعفاء طلاب المدارس الدينية لم تكن بالأمر الجلل؛ لأن أعداد منْ شملهم الإعفاء لم يكن يتعدى بضع مئات، إلا أن الوضع اختلف مع وصول مناحم بيغن إلى الحكم عام 1977، وقيامه برفع الحد الأقصى لعدد طلاب المدارس الدينية المؤهلين للإعفاء، ليصبح عدة آلاف.
لاحقاً، في عام 1998، جرّدت المحكمة العليا في إسرائيل، منصب وزير الدفاع، من الصلاحية التي اكتسبها عام 1948، وصار غير قادر على إصدار إعفاء شامل لجميع طلاب المدارس الدينية. ولكن تم التحايل على هذا الحكم، من خلال إصدار “قانون تال” عام 2002، والذي سمح للطلاب المتدينين بتأجيل التجنيد العسكري إلى عمر 23 سنة، وبعد ذلك يمكنهم اختيار أداء خدمة عسكرية قصيرة، أو خدمة وطنية مدنية، أو مواصلة الدراسة الدينية. ولكن قضت المحكمة العليا، مُجدداً، بإلغاء هذا القانون عام 2012.
في عام 2014، تم تعديل قانون الخدمة العسكرية، بما يسمح بزيادة سنوية تدريجية في أعداد المتدينين الملتحقين بالجيش الإسرائيلي. لكن في عام 2015، وتحت ضغوط الأحزاب الحريدية، ألغت حكومة نتنياهو آنذاك هذه التعديلات، بما يسمح باستمرار إعفاء المتدينين من التجنيد. لتأتي المحكمة العليا من جديد عام 2017، وتقوم بإلغاء قانون الإعفاء الأخير، بدعوى عدم دستوريته.
واستمر الشد والجذب بين حكومات نتنياهو المتعاقبة من جهة، والمحكمة العليا من جهة أخرى، دون التوصل إلى تسوية أو قانون جديد، وصولاً إلى 30 يونيو 2023، حينما انتهت صلاحية القانون القاضي بتأجيل الخدمة العسكرية لطلاب المدارس الدينية.
وجاء التحرك التالي من قِبل المحكمة العليا، وتحديداً في 26 يونيو 2024؛ حيث قضت بأنه لم يعد بإمكان الحكومة إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، ولا الاستمرار في تمويل المدارس الدينية التي لم يُمنح طلابها إعفاءات رسمية. ومنذ ذلك التاريخ، صار الجيش الإسرائيلي مُلزماً بإصدار إشعارات تجنيد لطلاب المدارس الدينية.
موقف الجيش:
يرى الجيش الإسرائيلي ضرورة تجنيد جميع طلاب المدارس الدينية، خاصةً في ظل الحروب التي يخوضها حالياً؛ حيث أشار قادة الجيش إلى حاجتهم الماسة إلى نحو 10 آلاف جندي مقاتل إضافي، ونحو 3 آلاف جندي لمهام أخرى. ومنذ منتصف عام 2024، أرسل الجيش بالفعل أكثر من 20 ألف “إشعار تجنيد” لطلاب المدارس الدينية، مستهدفاً رفع عدد المجندين الحريديم لديه سنوياً من 1800 حالياً إلى نحو 4800 مجند. لكن خلال عام كامل (من يونيو 2024 حتى يونيو 2025)، لم يستطع الجيش تجنيد سوى 2700 شخص فقط من الحريديم.
وتشير الإحصاءات إلى أن هناك نحو 80 ألف رجل من اليهود المتشددين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، مؤهلون حالياً للخدمة في الجيش الإسرائيلي؛ لكنهم لم يلتحقوا به. وقال إسحاق جولدنوبف، رئيس حزب “يهدوت هتوراه”، في معرض حديثه عن تلك الأزمة، إنه إذا تم تطبيق أوامر التجنيد على 54 ألف طالب في المدرسة الدينية، “فلن يكون هناك سلام”.
وتصاعدت الأزمة بشكل كبير منذ يونيو 2024، ومع إرسال الجيش إشعارات التجنيد؛ تم تصنيف الآلاف من طلاب المدارس الدينية على أنهم هاربون من الخدمة العسكرية؛ مما يعرضهم لخطر الاعتقال كلما واجهوا الشرطة، ويمنعهم من مغادرة إسرائيل، ويحرمهم من عدة مزايا مالية، على رأسها الحرمان من إعانات رعاية الأطفال؛ وهو ما يضع أسر الحريديم في ضغوط مالية كبيرة. فوفقاً لبيانات وزارة المالية الإسرائيلية، تلقّى نحو 10 آلاف طفل صغير، يُصنف آباؤهم وأمهاتهم كطلاب في المدارس الدينية، إعانات رعاية أطفال خلال العام الدراسي الماضي، بتكلفة إجمالية بلغت نحو 200 مليون شيكل.
وتفاقم الوضع أكثر مع محاولات يولي إدلشتاين، عضو الكنيست عن حزب “الليكود”، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست؛ إقرار تشريعات تُشدِّد الخناق على الطلاب المتدينين الفارين من الخدمة العسكرية، وتفرض عليهم المزيد من العقوبات، خاصةً في ضوء عجز الجيش والشرطة عن التعامل مع هذا العدد الكبير من الأشخاص الفارين من الخدمة العسكرية.
وتصاعد غضب الأحزاب الحريدية (يهدوت هتوراه، وشاس)، ورأت أن العقوبات التي اقترحها إدلشتاين “قاسية”، واعترضت تحديداً على فكرة تطبيقها تلقائياً، دون منح وزير الدفاع صلاحية تقييم الحالات الفردية. وطالب قادة هذه الأحزاب، نتنياهو، بحسم هذا الملف، وإقرار تشريع يُقنن رسمياً إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية.
ووجّهت الأحزاب الحريدية إنذارين إلى نتنياهو؛ الأول كان في يناير 2025، حين صرّح أرييه درعي، رئيس حزب “شاس”، بأنه “إذا لم يتم حسم قانون الإعفاء من التجنيد خلال شهرين، سنذهب إلى الانتخابات”. والإنذار الثاني كان في مارس الماضي؛ حيث حدّدت هذه الأحزاب “عيد الشفوعوت” (1 إلى 3 يونيو 2025)، كموعد نهائي جديد لإقرار قانون الإعفاء.
تحركات نتنياهو:
بعد استنفاد حكومة نتنياهو للمهل الزمنية التي حددتها الأحزاب الحريدية، دون تقديم نسخة جديدة من مشروع قانون الإعفاء؛ أعلن حزب “يهدوت هتوراه”، في 14 يوليو الجاري، انسحابه من الحكومة والائتلاف. وبعد يومين، في 16 يوليو الجاري، قرر حزب “شاس” أيضاً الانسحاب من الحكومة، لكن مع بقائه في الائتلاف، ودون أن يدعم اقتراح حجب الثقة عن الحكومة. وبالنظر إلى انسحاب آفي ماعوز، العضو الوحيد في الكنيست الذي يمثل حزب “نوعام”، فقد صار ائتلاف نتنياهو مدعوماً بـ60 عضواً فقط في الكنيست، بعد أن كان يمتلك 68 عضواً.
صحيح أن أي من الحزبين (يهدوت هتوراه، وشاس)، لم يعلن نيته التوجه إلى انتخابات مُبكرة؛ لكن ستظل أعمال سن القوانين في الكنيست معطلة، فالحزبان إمّا سيمتنعان عن التصويت لصالح القوانين التي تطرحها الحكومة، أو سيقومان بالتصويت ضدها، وذلك لتعطيل أعمال التشريع.
ولا يبدو، وفق حسابات اللحظة الراهنة، أن الأحزاب الحريدية تنوي إسقاط الحكومة الحالية؛ بالنظر إلى أن الحكومة القادمة، وخاصةً إذا جاءت من المعارضة، لن تخضع لمطالب المتدينين، وتحديداً في ملف التجنيد وتمويل مؤسساتهم المختلفة.
في المقابل، يبدو نتنياهو غير قادر على حسم هذا الملف، أو ربما يرى أن إدارته دون حله هي الخيار الأنسب، فهو لا يرغب في خسارة شركائه من الأحزاب الحريدية، وفي الوقت نفسه لا يبدو عازماً على سن تشريع يدينه أمام الرأي العام، ويضعه في معركة جديدة أمام المحكمة العليا.
لذلك، اتجه نتنياهو إلى كسب المزيد من الوقت، عن طريق إقصاء إدلشتاين من رئاسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست، والذي تم تصويره خلال الأشهر الأخيرة على أنه الخصم الأساسي للأحزاب الحريدية في ملف التجنيد، على أن يكون خلفه أكثر استعداداً لتقديم تنازلات لم يكن إدلشتاين مستعداً لتقديمها؛ مما يسمح بالمُضي قدماً في مشروع قانون التجنيد.
وخطوة نتنياهو هذه قد تُهدئ الشارع الحريدي، وتمنحه المزيد من الوقت، لكن بالتأكيد لن تحل الأزمة. والدليل على ذلك هو رد فعل حزب “شاس” على تلك الخطوة، والتي رآها “قليلة جداً ومتأخرة للغاية”، وأصر على إحراز تقدم فوري في مشروع قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية.
سيناريوهات الحكومة:
وفقاً لمعطيات اللحظة الراهنة، وبالنظر إلى احتمالية تغير حسابات مختلف الأطراف السياسية في إسرائيل؛ يمكن القول إن هناك ثلاثة سيناريوهات مُحتملة قد ترسم مستقبل حكومة نتنياهو في ظل أزمة التجنيد، هي كالآتي:
1- اتجاه الأحزاب الحريدية إلى حلّ الكنيست: هو سيناريو مُرجّح حال فشل نتنياهو في التوصل إلى تسوية مع الأحزاب الحريدية في فترة العطلة الصيفية للكنيست، وهذا الفشل ربما يؤثر في مصداقية هذه الأحزاب أمام قواعدها الانتخابية. ووفقاً لهذا السيناريو، قد تدعو تلك الأحزاب، مع عودة الجلسات في 19 أكتوبر المقبل، إلى حلّ الكنيست. وينص القانون على إجراء الانتخابات بعد ثلاثة أشهر فقط، كحد أدنى من حلّ الكنيست؛ مما يعني – طبقاً لهذا السيناريو- أن الحكومة ستظل في منصبها على الأقل حتى يناير 2026.
ويظل هناك احتمال ضعيف ضمن هذا السيناريو، وهو أن يطلب 61 عضواً في الكنيست، بدعم من الأحزاب الحريدية، عقد جلسة طارئة استثنائية خلال العطلة الصيفية، للتصويت على حلّ الكنيست، لكن لا يبدو أن الأحزاب الحريدية ستتبنّى هذا الخيار؛ لأنها ربما ترغب في منح نتنياهو فرصة العطلة الصيفية، لتسوية الأزمة.
2- تسوية الأزمة واستمرار الحكومة حتى نوفمبر 2026: تعتمد فرص تحقيق هذا السيناريو على نجاح نتنياهو في استغلال فترة العطلة الصيفية للكنيست، لتسوية الأزمة مع الأحزاب الحريدية وترتيب قانون جديد للتجنيد، وربما يكون إقصاء إدلشتاين عاملاً مساعداً في هذا الصدد.
ويبدو أن ثمة قناعة بين أوساط المراقبين في إسرائيل أنه سيكون من الصعب وضع قانون جديد للتجنيد يُرضِي الحاخامات، وفي الوقت نفسه يجتاز تدقيق المحكمة العليا؛ لذلك ربما يُركز نتنياهو جهوده على حزب “شاس”، الذي يمتلك 11 مقعداً في الكنيست، خاصةً أن زعيم الحزب، أرييه درعي، مُقرّب من نتنياهو، ويُعد أكثر براغماتية من نظرائه في حزب “يهدوت هتوراه”.
بجانب ما سبق، ربما يحاول نتنياهو تدعيم حكومته عن طريق ضم أحد الأحزاب من خارج الائتلاف، كما فعل في سبتمبر 2024، حينما ضم حزب “أمل جديد” برئاسة جدعون ساعر، إلى حكومته. وفي تلك الحالة، ربما يكون الطريق أمام نتنياهو ممهّداً لاستكمال ولايته القانونية حتى نوفمبر 2026.
3- ذهاب نتنياهو إلى انتخابات مُبكرة بإرادته الشخصية: قد يصل نتنياهو في مرحلة ما إلى قناعة بصعوبة تسوية أزمة تجنيد الحريديم، ويحاول الفكاك من الضغوط التي تمارسها عليه الأحزاب الحريدية من جهة، وأحزاب اليمين المتطرف من جهة أخرى. وهنا ربما يكون خيار الانتخابات المُبكرة هو الحل المُتاح.
لكن من المؤكد أن نتنياهو لن يذهب إلى هذا الخيار إلا حينما يكون متأكداً من قدرته على تشكيل الحكومة القادمة، أو أنه استنفد كافة الحلول الأخرى؛ ومن ثم إذا قرّر الذهاب إلى الانتخابات المُبكرة، فسيعمل على إدارة ملف أزمة التجنيد لحين الوصول إلى التوقيت المناسب لحلها.
ويبدو أن نتنياهو يستعد بالفعل لهذا الخيار؛ حيث أفادت تقارير صحفية، في يوليو الجاري، بأنه يدرس طرح تشريع لخفض “نسبة الحسم الانتخابي لدخول الكنيست”؛ وهو تشريع يهدف إلى مساعدة حزب “الصهيونية الدينية” بزعامة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، والذي تشير كافة استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه سيتراجع عن نسبة الـ3.25% اللازمة حالياً لدخول الكنيست؛ ومن ثم فمن مصلحة نتنياهو ألا يخسر مقاعد حزب “الصهيونية الدينية”، أحد أهم حلفائه في الائتلاف الحالي.
وتبدو العقبة التي تواجه نتنياهو في هذا الخيار هي أن أحزاب ائتلافه الحاكم (الليكود، والصهيونية الدينية، وعوتسماه يهوديت، وشاس، ويهودت هتوراه) ما زالت عالقة في مكانها في معظم استطلاعات الرأي الأخيرة. وبالرغم من أن حزب “الليكود” شهد ارتفاعاً طفيفاً في بعض استطلاعات الرأي عقب حرب الـ12 يوماً مع إيران؛ فإن هذا الارتفاع جاء على حساب أحزاب أخرى في الائتلاف. ويتراوح نصيب أحزاب الائتلاف في استطلاعات الرأي بين 48 و53 مقعداً، ولا يزال أقل بكثير من الأغلبية المطلوبة، بل إن استطلاع “القناة 12” الإسرائيلية، الذي أجري في 16 يوليو الجاري، أظهر حصول الائتلاف على نحو 49 مقعداً فقط.
وربما يكون مخرج نتنياهو الوحيد لضمان نجاح سيناريو الانتخابات المُبكرة، هو إقناع خصمه نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الأسبق، وزعيم الحزب الجديد “بينيت 2026″، والذي بات يلاحق حزب “الليكود” بشراسة مؤخراً؛ بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وهذا أمر نجح فيه نتنياهو سابقاً، بعد انتخابات الكنيست في مارس 2020، حينما شكّل “حكومة وحدة” مع خصمه السياسي آنذاك، بيني غانتس، رئيس تحالف “كاحول لافان” سابقاً ورئيس حزب “المعسكر الوطني” حالياً.
إجمالاً، وفقاً للسيناريوهات السابقة، قد تستمر حكومة نتنياهو حتى يناير 2026، وربما تستمر أبعد من ذلك حتى موعد الانتخابات المقبلة في نوفمبر 2026، وقد يعود نتنياهو مرة أخرى إلى مقعد رئيس الوزراء في الانتخابات القادمة؛ فالأزمة الحالية تجعل مصير هذه الحكومة مفتوحاً على كل الاحتمالات. كذلك قد تكون مسارات الحرب على قطاع غزة، أو عودة التصعيد العسكري مع إيران مُجدداً؛ عوامل مؤثرة؛ فإما أن تُطيل أمد الحكومة الحالية، أو تُعجّل برحيلها.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”