التطرف في تكييف علاقتنا بالدولة المصرية
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
التطرف في تكييف علاقتنا بالدولة المصرية
صلاح شعيب
من نافلة القول إن الإنسان السوداني متساوٍ مع الإنسان المصري الذي يشاركه الجوار، واللغة العربية، والإسلام، والمسيحية.
بمثلما لدينا من أناس أشرار، وعنصريين، ومتطرفين، ومجرمين، فإن مصر تملك أمثالهم. فكل المجتمعات الإنسانية مجبولة على أعمال الخير والشر ضمن محيطها المجتمعي.
عشت في مصر زهاء العامين، وكانت من أخصب فترات حياتي. صاحبت فيها مصريين من أدنى السلم الطبقي، إلى أواسطه، فأعلاه. ومثلما جلست مع أحد البوابين الأقباط، وآخيته، وكان يزورني وأزوره، فقد دعاني المفكر الراحل محمود أمين العالم إلى منزله، وأجريته معه حواراً، وأكرمني بشكل فياض مع أسرته. ولاحقًا كنت أزوره في مكتبه بمجلة “قضايا فكرية”، ويكرمني بالحديث معه لساعات. وكل ما أنوي المغادرة ذهب إلى مخزن المجلة، ومنحني كيساً يحوي أعداداً قديمة من مجلته الرائعة.
على المستوى الآخر تُعد المصاهرات بين السودانيين والمصريين من الأكثر رواجاً عبر التاريخ المشترك للبلدين. فكثير من السودانيين تعود أصولهم إلى مصر، والعكس هو الصحيح، وإن كان بقدر أقل. ولكن هذا الرابط الاجتماعي متوغل في التاريخ. وما يزال إلى يوم الناس هذا يتقوى بظروف الهجرات السودانية الأخيرة لمصر ما قبل وبعد الحرب. ونذكر أن الرئيس محمد نجيب وُلد في السودان، وكانت أمه من مدينة أمدرمان. أما الرئيس المصري محمد أنور السادات فتعود جذور أمه أم البرين إلى كردفان. هذا التداخل الدمي المصري السوداني ملحوظ من قمة الطبقات الاجتماعية السودانومصرية إلى أدناها.
اعتقد أن معظم السودانيين الذين عاشوا، أو درسوا، أو استثمروا في مصر ولو لمدى شهر يحملون مشاعر طيبة تجاه المصريين. كما أن الذين لم يزوروها يقدرون أن مصر بثقلها السياسي التاريخي أثرت فينا ثقافيا بآدابها، وسينماها، ومسرحها، ومسلسلاتها، ونقادها، وغنائها. بل إنها أثرت على كل تخوم الدول المنضوية تحت منظمة الدول العربية بأقدار متفاوتة. ولكن المآخذ السياسية التي تحملها النخبة السياسية السودانية تجاه الدولة المصرية تاريخياً تمثل معضلة كبيرة تنخلط فيها المواقف مع الشعب المصري ودولته في لحظات التوتر السياسي بين البلدين، أو قل تضطرم في لحظات المنافسة الكروية الحامية التي تجمع المنتخب المصري والسوداني.
من ضمن المسائل التي تثيرها النخب السودانية نجد مسائل مثل تأثير مصر على السياسيين قبل الاستقلال للوحدة مع مصر، أو اتهامها برشوة مسؤولين سودانيين لإغراق مدينة حلفا على حساب قيام مشروع السد العالي، وعدم الالتزام بتحقيق كل شروط الاتفاق الذي وقع بين الحكومتين في ١٩٦٣. هناك أيضا احتلال مصر حلايب، وشلاتين، وعداء مصر للأنظمة الديمقراطية السودانية، أو تدخلها فيها، أو الاتهام بتورطها في الحرب الدائرة. وكثير من السودانيين يظنون أن الرؤساء المصريين باختلاف مواقفهم، أو قل طبيعة السياسة المصرية ماضياً، وحاضراً، تقوم على تعميق التبعية السودانية الحكومية لكل مواقف مصر سواء التي تعلقت بالموقف من إسرائيل، والقضايا العربية والإسلامية، أو بالموقف من الحفاظ على حصة مصر من مياه النيل كما هي.
تقريباً هذه هي المآخذ التي تعلو وتهبط في مسار العلاقات بين البلدين في لحظات المد والجزر. فكلما شاب العلاقات الرسمية نوع من التوتر انفتح المجال للسودانيين والمصريين الإعلاميين والنشطاء للعراك. ومتى ما هدأ التوتر حاول البلدان تفعيل العلاقة لما يخدم مصالحهما، وذلك في وقت تتراجع إثارة المآخذ السودانية، وتصبح المشكلة الحدودية في آخر سلم الأولويات.
تعد فترة الحركة الإسلامية من أكثر الفترات التي شهدت تطوراً خطيراً في هذه العلاقة التاريخية ما دعا مصر لاحتضان المعارضة السودانية للعمل بشكل علني لتقويض نظام الترابي الذي صنعه ليحقق استقلالاً ثانياً من المصريين، وهو في المرة الأولى خرج عن جماعة الإخوان المسلمين رسميا حتى لا يأتمر بأمر الإسلام السياسي في نسخته المصرية.
إن تدخل الدولة المصرية في السودان يتم بناءً على مصالحها، وليس على مصالحنا. وهذه طبيعة العلاقات الدولية إذ تقوم على الندية متى ما توفرت نخبة سياسية في القطر المعين لصيانة المصالح السياسية.
ولئن حكمت علاقتنا بالجوار مع تشاد، وإثيوبيا، واريتريا، تدخلات في شؤونها، وتغييراً، لأنظمتها، فعلينا توقع أن مصالح الدولة الإقليمية، والدولية، تحذونا حافراً عن حافر.
القادة السياسيون السودانيون – عسكريون ومدنيون – الذين حكمونا منذ الاستقلال ملامون على تفريطهم في خلق معادلة متزنة مع الحكومات المصرية المتعاقبة تعود بالخير إلى شعب بلادنا. فإذا نحن قبلنا بهؤلاء القادة الحكام، وهم يستخدمون هذه العلاقة لتحقيق نفوذهم السياسي أكثر من تحقيق مصلحة الشعب السوداني فإننا لا نلومن إلا أنفسنا.
متى ما توفرنا على نظام سياسي مقبول جمعياً، ويقوده رؤوساء حكماء، وحريصون على المصلحة السودانية، فإن طبيعة السياسة بين البلدين ستنضبط وفقاً لمردود العلاقات الدبلوماسية بين بلد وآخر. وظني أن دولتي السودان ومصر لا تتدخلان في علاقاتهما بالدول المجاورة الأخرى إلا إذا توفر المجال المغري. وبهذا المستوى فإن الأرضيات الخصبة للتدخل في الشأن السوداني ظلت معمقة بأيدي قادتنا لا بأيدي عمرو، ولم يكن أمام القادة المصريين إلا تحقيق تطلعاتهم السياسية.
لدى السودانيين والمصريين آلاف الأسباب لتحويل علاقة الجوار بينهما إلى مجال لخدمة الشعبين. وهناك عوامل متوفرة كثيرة لأن تكون هذه العلاقة نوعية، ومثمرة، إذا وجدنا قادة سياسيين في سدة السلطة يقدمون مصلحة بلادنا العليا. ولذلك علينا أن نتحمل مسؤوليتنا، والاعتراف بتفريط هؤلاء القادة في حفظ حقوق السودان، ثم من بعد ذلك يجوز أن نلوم الأنظمة المصرية أنها لم تمارس فضيلة التطهر السياسي إزاء التعامل مع بلادنا.
الوسومالتطرف السودان العلاقات مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: التطرف السودان العلاقات مصر
إقرأ أيضاً:
عقد الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية المشتركة المصرية السويسرية
ترأست وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية المشتركة المصرية السويسرية، التي انعقدت على المستوى الفني، بمدينة برن السويسرية، بمشاركة وزارات الخارجية، والمالية، والاستثمار والتجارة الخارجية، والعمل، والبنك المركزي، بالإضافة إلى ممثلي مجتمع الأعمال وشركات القطاع الخاص، ونظرائهم من الجانب السويسري.
ويأتي انعقاد تلك اللجنة، عقب توقيع اتفاقية اللجنة الاقتصادية المشتركة بين جمهورية مصر العربية والاتحاد السويسري، التي وقعتها الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والسيدة/ هيلين بودليجر، وزيرة الدولة للشئون الاقتصادية بسويسرا، وذلك ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» في يناير الماضي.
وأكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن انعقاد اللجنة الاقتصادية المصرية السويسرية المشتركة، يعكس حرص البلدين على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والانتقال بها إلى آفاق أوسع، واستكشاف الفرص الجديدة للوصول إلى الأسواق، ومعالجة التحديات لدفع العلاقات الاقتصادية الثنائية، فضلًا عن تقييم وتحديث الاتفاقيات الاقتصادية الحالية، والعمل على تحسين تطبيقاتها بما يتماشى مع احتياجات واهتمامات الطرفين، مضيفة أن اللجنة الاقتصادية المشتركة تُعد منصة فعالة لدفع وتنمية العلاقات بين البلدين، وفتح مجالات الاستثمار.
وأضافت أن العلاقات المصرية السويسرية شهدت تطورًا كبيرًا على مدار السنوات الماضية، حيث تُعد مصر أكبر شريك تجاري لدولة سويسرا في قارة أفريقيا، كما أن أكثر من 100 شركة سويسرية تستثمر بشكل مباشر في مصر في قطاعات متنوعة مثل الأدوية، والأغذية، والمشروبات، والخدمات اللوجستية، وغيرها، لافتة إلى حرص مصر على دفع العلاقات المشتركة واستكشاف المزيد من مجالات التعاون المشترك.
وناقشت اللجنة الاقتصادية المصرية السويسرية، سبل تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، كما استعرض ممثلو الدولتين تطورات الأوضاع الاقتصادية في ظل التطورات الاقتصادية العالمية، وفي هذا الصدد استعرض الوفد المصري، جهود الدولة في تنفيذ البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، واتباع سياسات مالية ونقدية قابلة للتنبؤ.
كما تم التطرق إلى نتائج تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، ونتائج المراجعة الرابعة للبرنامج المشترك مع صندوق النقد الدولي، وبحثت اللجنة تنمية العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين، خاصة في ظل ما تتمتع به مصر من اتفاقية للتجارة الحرة مع قارة أفريقيا، وكذلك اتفاقية التجارة الحرة الأوروبية. وفي سياق متصل ناقشت اللجنة العلاقات التجارية متعددة الأطراف، وأولويات مصر وسويسرا في إطار منظمة التجارة العالمية.
وأكد وفد وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، على الجهود التي تقوم بها الدولة لتهيئة مناخ الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال، وتوفير بيئة عمل متكافئة، وفتح المجال للقطاع الخاص، مشيرًا إلى حرص الدولة المصرية على فتح المجال للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تعمل على حوكمة تواجد الدولة في بعض الأنشطة الاقتصادية، وزيادة جهود تمكين القطاع الخاص.
وفي ختام اللجنة، اتفق الجانبان على مواصلة الحوار وتعزيز التنسيق لتسهيل الاستثمارات في البلدين، ودعم تنفيذ برنامج التعاون السويسري الجديد في مصر، بما يتماشى مع رؤية مصر التنموية 2030، ودفع جهود التعاون بين البلدين لتعزيز الاستثمار في رأس المال البشري، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
وضمن فعاليات اجتماع اللجنة، تم عقد ٣ اجتماعات مع كل من الوكالة السويسرية للتعاون الدولي لمناقشة الاستعدادات الخاصة ببرنامج التعاون الجديد ٢٠٢٥-٢٠٢٨ وكذا مشروعات التعاون الجارية والمستقبلية بين الجانبين، واجتماع مع غرفة الأعمال الأفريقية السويسرية لمناقشة كيفية التعاون في أفريقيا من خلال مصر والتنسيقات القائمة بالفعل مع عدد من الشركات المصرية والحدث المزمع تنظيمه في يونيو في جنيف في حضور عدد كبير من الشركات السويسرية العاملة في أفريقيا، واجتماع مع شركة Swiss Re للتأمينات حيث تم استعراض نطاق عمل الشركة ومقترحات التعاون مع مصر في قطاعات ادارة المخاطر والزراعة.
جدير بالذكر أن العلاقات المصرية السويسرية تمتد لأكثر ن 45 عامًا، ومنذ عام 1979 تعد سويسرا شريكًا في مجال التعاون الإنمائي، وتطورات العلاقات المصرية السويسرية في مجال الاستثمار والتجارة بشكل كبير في السنوات الماضية، حيث سجلت الصادرات المصرية لسويسرا 470 مليون دولار في عام 2023، بينما بلغت الصادرات السويسرية لمصر نحو مليار دولار، وتجاوز عدد السياح الوافدين من سويسرا نحو 82 ألف سائح.