جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-10@01:30:12 GMT

قرارات بلا حوكمة ذكية

تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT

قرارات بلا حوكمة ذكية

 

 

سعيد بن سالم الكلباني **

في عصرٍ أصبحت فيه البيانات الضخمة (Big Data) العمود الفقري لصناعة القرار، لم تعد السياسات تُبنى على التوقعات أو التعميمات، وإنما على تحليل دقيق للبيانات المتوفرة والمتكاملة من مختلف الجهات.

البيانات الحكومية اليوم تشمل أنواعًا متعددة: بيانات وصفية Descriptive (عدد المؤسسات والموظفين ونوع النشاط)، وبيانات سلوكية Behavioral (نمط الأجور والدفع)، وبيانات مالية Financial (الإيرادات والمصروفات)، وبيانات جغرافية Location-Based (مثل توزع الأنشطة في المحافظات)، وكلها متاحة للحكومة من خلال منظومة إلكترونية مترابطة تشمل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة العمل، وجهاز الضرائب، والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، ومركز البيانات الوطني (NDC).

الطرق الحديثة لاستخدام هذه البيانات تتعدى الجمع والاحتفاظ بها أو استخراج معلومات هزيلة منها بالجمع والطرح، إذ يمكن عبر أدوات الذكاء الاصطناعي ونماذج المحاكاة الاقتصادية وتعلم الآلة أن نرسم سيناريوهات متعددة لأي قرار قبل إصداره، ونقيس أثره على المدى القصير والطويل، ونحدد الشرائح المتضررة والمستفيدة بدقة. هذا ما يسمى بـ"الحوكمة الذكية"، أي تحويل البيانات إلى قرارات تراعي الواقع، وتبني المستقبل، وتقلل من الأثر السلبي غير المقصود. وقد أكدت دراسة العمري (2024) أن وجود فريق إستراتيجية بيانات ضخمة يضم مدير مشروع البيانات، وعالم البيانات، وخبير تحليل البيانات، وخبير العمليات، ومعماري النظم، يسهم في تحويل كتل البيانات إلى قرارات إدارية دقيقة وفعالة تتماشى مع حجم المنظمة وطبيعة هيكلها التنظيمي.

وكما ذكرنا في مقالنا السابق، جاء قرار وزارة العمل، بإلزام المؤسسات التجارية التي مرّ على تأسيسها أكثر من عام بتوظيف مواطن عُماني واحد خلال 30 يومًا، كمثال صارخ على غياب هذه الحوكمة الذكية. ورغم أن الهدف الظاهري نبيل، وهو تعزيز التعمين وتوفير فرص عمل، إلا أن غياب التحليل العميق لما تملكه الدولة من بيانات أدّى إلى إصدار قرار بعيد عن واقع السوق، خصوصًا المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر.

وبحسب بيانات هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإن أكثر من 90% من المؤسسات المسجلة في سلطنة عُمان تقع ضمن هذه الفئة. وتشير إفصاحات جهاز الضرائب إلى أن عددًا كبيرًا من هذه المؤسسات لا يحقق أرباحًا شهرية تتجاوز 500 ريال عُماني؛ بل إن بعضها يُدار من قبل صاحب العمل فقط دون أي موظفين. ووفقًا لبيانات نظام حماية الأجور المشترك بين وزارة العمل والبنك المركزي العُماني، فإن آلاف الأنشطة تُدار بفرد واحد، ولا تظهر عليها مؤشرات نمو تسمح بالتوسع.

ومع كل هذا، جاء القرار بصيغة إلزامية عامة تطلب من كل مؤسسة أن توظف عُمانيًا واحدًا خلال شهر، دون النظر إلى حجم المؤسسة أو نشاطها أو ربحيتها أو قدرتها التشغيلية، وعلى كل من يريد التظلم التوجه إلى لجنة التظلمات. في المقابل، كان يمكن للوزارة أن تستخدم البيانات الضخمة المتوفرة لديها بشكل أكثر كفاءة. وكان يمكن تصنيف المؤسسات إلى ثلاث شرائح: القادرة على التوظيف فورًا، والمؤهلة للتوظيف بدعم جزئي، وغير المؤهلة مؤقتًا. وكان يمكن بناء نماذج استهداف ذكية، مع إدخال معايير كالإيراد السنوي، وعدد الأنشطة النشطة في السجل التجاري، وسجلات الضرائب، وحالة التوظيف في حماية الأجور؛ بل كان يمكن إشراك مركز البيانات الوطني ليُصدر تقارير محاكاة اقتصادية دقيقة تُقدَّم لصانعي القرار قبل أي إجراء.

ما حدث لم يكن غيابًا في البيانات، بل غيابًا في الإرادة المؤسسية لاستخدام هذه البيانات بشكل علمي. فبينما تتجه دول العالم إلى تحويل وزاراتها إلى وحدات تفكير مدعومة بالذكاء الاصطناعي والتحليل الاستباقي، لا تزال بعض قراراتنا تُبنى على المراسلات والاجتماعات لا على مؤشرات الأداء والتوقعات. وقد أظهرت دراسة نوف بن جمعة (2023) أن اعتماد إدارة نظم البيانات الضخمة يُعد من أقوى أدوات دعم التميز المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي والتشغيلي المستند إلى الوقائع.

حين تكون البيانات موجودة، لكن القرار لا يعكسها، فنحن أمام فجوة ليست في التقنية؛ بل في الوعي الإداري الحديث بالاستفادة من البيانات الضخمة التي تعد كنزًا يُباع بالملايين لم يُقدَّر ثمنه بعد. وما لم يُعاد النظر في طريقة صنع القرارات نفسها، فإن أي نية طيبة قد تتحول إلى عبء اقتصادي لا يُحتمل.

اليوم.. نحتاجُ إلى قرارات لا تتحدث فقط عن الأهداف؛ بل تُجيد قراءة التفاصيل.. نحتاج إلى حكومة ذكية، لا فقط حكومة إلكترونية، والفارق بينهما هو ما يُميِّز قرارًا وطنيًا واعيًا من قرارات بلا حوكمة ذكية، تُدير كل هذه البيانات، بإنتاج قرارات شاملة ومُستدامة لكل فروع مصالح الوطن والمواطن.

** باحث دكتوراة في فلسفة الإدارة والقيادة

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حظر السوشيال ميديا على الأطفال رد فعل مبالغ أم تربية ذكية.. إليك كيفية حمايتهم؟

خلال ساعات تطبق أستراليا رسمياً حظر السوشيال ميديا على الأطفال دون 16 عاماً إلا أن تلك القرار أثار الكثير من الجدل  فهل هو رد فعل مبالغ فيه، أم تربية ذكية؟ فتُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً ممتعةً وسهلةً للمراهقين للتواصل مع أصدقائهم. وبينما تشترط معظم المنصات أن يكون عمر المستخدمين ١٣ عامًا أو أكثر لإنشاء حساب، فمن الشائع أن يرغب الأطفال في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في سنٍّ مبكرة.

فيعد من المهم وفقا لموقغ "mayoclinichealthsystem" تعليم الأطفال أنه على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون ممتعة، إلا أن هناك مخاطر محتملة وهي كالتالي:

عرضة للتنمر 

يجعل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الأطفال والمراهقين عرضة للتنمر الإلكتروني  ويوفر الفرصة للتنمر على الآخرين عبر الإنترنت.
على الجانب الاخر تتمتع الهواتف الذكية بقدرة تحديد الموقع الجغرافي، لذا ما لم يتم إعداد إعدادات الخصوصية بشكل صحيح، يمكن للمستخدمين الآخرين رؤية موقع طفلك عندما يستخدمون تطبيقات الوسائط الاجتماعية.

حظر السوشيال ميديا على الأطفالمحتوى غير مناسب

من السهل على الأطفال الوصول إلى محتوى غير مناسب ومتابعة مستخدمين لا يعرفونهم أو متابعتهم.
قد يكون هناك إغراء لإرسال نصوص أو صور أو مقاطع فيديو صريحة.
وفي السنوات الأخيرة، أظهرت الأبحاث أن الاستخدام المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة العقلية للشباب .
تذكر أن ما يحدث على الإنترنت يبقى على الإنترنت.

مساعدة أطفالك على البقاء آمنين

كيف يمكنك مساعدة أطفالك على البقاء آمنين على وسائل التواصل الاجتماعي؟
تعد الخطوة الأولى هي بدء محادثة حول سلامة الإنترنت وتفاعلات طفلك على الإنترنت ويعد من المفيد التعرف على المنصات التي يستخدمها طفلك وإنشاء حساب خاص بك اطلبي من طفلك أن يُطلعك على ملفه الشخصي ويراجع قائمة أصدقائه على كل منصة وتحدثي عن أهمية اختيار الأصدقاء أو متابعتهم بعناية على الإنترنت.

بعد ذلك، ضعي قواعد و اجعلي من عدم استخدام كلمات مرور سرية قاعدة. واطلبي من طفلك كتابة اسم المستخدم وكلمة المرور في ظرف لا يمكنك الوصول إليه إلا في حالة الخوف على سلامته. 

تطبيق رقابة أبوية

فكّر في استخدام تطبيق رقابة أبوية. الهواتف الذكية مزودة بميزات أمان، والعديد من تطبيقات الرقابة الأبوية متاحة للتنزيل. إذا قررت مراقبة استخدام طفلك لوسائل التواصل الاجتماعي بهذه الطريقة، فعليك أن تكون صريحًا وصادقًا معه بشأن استخدامك لأدوات الرقابة الأبوية.

نصائح لوقت الشاشة
 

أصبحت الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة الكمبيوتر المحمولة جزءًا من الحياة اليومية للأطفال في المنزل والمدرسة.

ضع في اعتبارك هذه النصائح للسماح لأطفالك بالاتصال والتعاون على الأجهزة التي تخضع للشاشة بطريقة آمنة:
-حدد وقت الشاشة للأغراض الترفيهية بساعتين في اليوم.
-قم بإغلاق أو التوقف عن استخدام الأجهزة التي تحتوي على شاشات قبل ساعة على الأقل من موعد النوم.
-فكر في تنفيذ قاعدة عدم استخدام الشاشات في غرفة النوم لتشجيع عادات النوم الجيدة .
-إن معرفة المخاطر واتباع هذه النصائح سيساعد أطفالك على الاستمتاع والبقاء آمنين أثناء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

طباعة شارك وسائل التواصل الاجتماعي الهواتف الذكية محتوى غير مناسب مقاطع فيديو أجهزة الكمبيوتر

مقالات مشابهة

  • «جوجل» تطلق نظارات ذكية العام المقبل
  • وفد خليجي يطّلع على ممارسات حوكمة منظومة التعليم العالي في الإمارات
  • اجتماع عربي لدعم حوكمة الإنترنت.. وتنظيم الاتصالات يطلق مبادرة نوعية لـ IPv6
  • حظر السوشيال ميديا على الأطفال رد فعل مبالغ أم تربية ذكية.. إليك كيفية حمايتهم؟
  • تطوع بتخصصك: حلول ذكية لـ «فخاخ» الروابط الوهمية ورعاية لأسر الغائبين
  • حرامية بيسرقوا كل حاجة.. حاتم صلاح وزوجته يكشفان خدعة ذكية للقرود في بالي
  • رئيس جامعة قنا يتابع إجراءات تطبيق حوكمة المشتريات" شراء"
  • عاجل: الشرعية تكسر الصمت: لا مكان لخطوات الانتقالي خارج قرارات مجلس الأمن وإعلان نقل السلطة ولا يمكن القبول بها كأمر واقع ولن نقبل بأي خطوات أحادية
  • رقعة ذكية مرنة تُحوِّل اللمس مباشرةً إلى نصوص رقمية
  • انتخاب أول عُماني عضوًا بمجلس إدارة "المنظمة الدولية للمؤتمرات"