قرارات بلا حوكمة ذكية
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
سعيد بن سالم الكلباني **
في عصرٍ أصبحت فيه البيانات الضخمة (Big Data) العمود الفقري لصناعة القرار، لم تعد السياسات تُبنى على التوقعات أو التعميمات، وإنما على تحليل دقيق للبيانات المتوفرة والمتكاملة من مختلف الجهات.
البيانات الحكومية اليوم تشمل أنواعًا متعددة: بيانات وصفية Descriptive (عدد المؤسسات والموظفين ونوع النشاط)، وبيانات سلوكية Behavioral (نمط الأجور والدفع)، وبيانات مالية Financial (الإيرادات والمصروفات)، وبيانات جغرافية Location-Based (مثل توزع الأنشطة في المحافظات)، وكلها متاحة للحكومة من خلال منظومة إلكترونية مترابطة تشمل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة العمل، وجهاز الضرائب، والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، ومركز البيانات الوطني (NDC).
الطرق الحديثة لاستخدام هذه البيانات تتعدى الجمع والاحتفاظ بها أو استخراج معلومات هزيلة منها بالجمع والطرح، إذ يمكن عبر أدوات الذكاء الاصطناعي ونماذج المحاكاة الاقتصادية وتعلم الآلة أن نرسم سيناريوهات متعددة لأي قرار قبل إصداره، ونقيس أثره على المدى القصير والطويل، ونحدد الشرائح المتضررة والمستفيدة بدقة. هذا ما يسمى بـ"الحوكمة الذكية"، أي تحويل البيانات إلى قرارات تراعي الواقع، وتبني المستقبل، وتقلل من الأثر السلبي غير المقصود. وقد أكدت دراسة العمري (2024) أن وجود فريق إستراتيجية بيانات ضخمة يضم مدير مشروع البيانات، وعالم البيانات، وخبير تحليل البيانات، وخبير العمليات، ومعماري النظم، يسهم في تحويل كتل البيانات إلى قرارات إدارية دقيقة وفعالة تتماشى مع حجم المنظمة وطبيعة هيكلها التنظيمي.
وكما ذكرنا في مقالنا السابق، جاء قرار وزارة العمل، بإلزام المؤسسات التجارية التي مرّ على تأسيسها أكثر من عام بتوظيف مواطن عُماني واحد خلال 30 يومًا، كمثال صارخ على غياب هذه الحوكمة الذكية. ورغم أن الهدف الظاهري نبيل، وهو تعزيز التعمين وتوفير فرص عمل، إلا أن غياب التحليل العميق لما تملكه الدولة من بيانات أدّى إلى إصدار قرار بعيد عن واقع السوق، خصوصًا المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر.
وبحسب بيانات هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإن أكثر من 90% من المؤسسات المسجلة في سلطنة عُمان تقع ضمن هذه الفئة. وتشير إفصاحات جهاز الضرائب إلى أن عددًا كبيرًا من هذه المؤسسات لا يحقق أرباحًا شهرية تتجاوز 500 ريال عُماني؛ بل إن بعضها يُدار من قبل صاحب العمل فقط دون أي موظفين. ووفقًا لبيانات نظام حماية الأجور المشترك بين وزارة العمل والبنك المركزي العُماني، فإن آلاف الأنشطة تُدار بفرد واحد، ولا تظهر عليها مؤشرات نمو تسمح بالتوسع.
ومع كل هذا، جاء القرار بصيغة إلزامية عامة تطلب من كل مؤسسة أن توظف عُمانيًا واحدًا خلال شهر، دون النظر إلى حجم المؤسسة أو نشاطها أو ربحيتها أو قدرتها التشغيلية، وعلى كل من يريد التظلم التوجه إلى لجنة التظلمات. في المقابل، كان يمكن للوزارة أن تستخدم البيانات الضخمة المتوفرة لديها بشكل أكثر كفاءة. وكان يمكن تصنيف المؤسسات إلى ثلاث شرائح: القادرة على التوظيف فورًا، والمؤهلة للتوظيف بدعم جزئي، وغير المؤهلة مؤقتًا. وكان يمكن بناء نماذج استهداف ذكية، مع إدخال معايير كالإيراد السنوي، وعدد الأنشطة النشطة في السجل التجاري، وسجلات الضرائب، وحالة التوظيف في حماية الأجور؛ بل كان يمكن إشراك مركز البيانات الوطني ليُصدر تقارير محاكاة اقتصادية دقيقة تُقدَّم لصانعي القرار قبل أي إجراء.
ما حدث لم يكن غيابًا في البيانات، بل غيابًا في الإرادة المؤسسية لاستخدام هذه البيانات بشكل علمي. فبينما تتجه دول العالم إلى تحويل وزاراتها إلى وحدات تفكير مدعومة بالذكاء الاصطناعي والتحليل الاستباقي، لا تزال بعض قراراتنا تُبنى على المراسلات والاجتماعات لا على مؤشرات الأداء والتوقعات. وقد أظهرت دراسة نوف بن جمعة (2023) أن اعتماد إدارة نظم البيانات الضخمة يُعد من أقوى أدوات دعم التميز المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي والتشغيلي المستند إلى الوقائع.
حين تكون البيانات موجودة، لكن القرار لا يعكسها، فنحن أمام فجوة ليست في التقنية؛ بل في الوعي الإداري الحديث بالاستفادة من البيانات الضخمة التي تعد كنزًا يُباع بالملايين لم يُقدَّر ثمنه بعد. وما لم يُعاد النظر في طريقة صنع القرارات نفسها، فإن أي نية طيبة قد تتحول إلى عبء اقتصادي لا يُحتمل.
اليوم.. نحتاجُ إلى قرارات لا تتحدث فقط عن الأهداف؛ بل تُجيد قراءة التفاصيل.. نحتاج إلى حكومة ذكية، لا فقط حكومة إلكترونية، والفارق بينهما هو ما يُميِّز قرارًا وطنيًا واعيًا من قرارات بلا حوكمة ذكية، تُدير كل هذه البيانات، بإنتاج قرارات شاملة ومُستدامة لكل فروع مصالح الوطن والمواطن.
** باحث دكتوراة في فلسفة الإدارة والقيادة
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مجموعة زين تعقد ورشة عمل “البيانات والذكاء الاصطناعي” في عمّان
صراحة نيوز :عقدت مجموعة زين ورشة عمل بعنوان “البيانات والذكاء الاصطناعي”، ركزت خلالها على الابتكارات التكنولوجية، وتطبيقات البيانات والذكاء الاصطناعي، وذلك في ظل الأهمية المتزايدة لهذه التقنيات الحديثة على مستوى العالم.
وقام “مكتب زين للبيانات” Data Office Zain بالتعاون مع مؤسسة Cloudera والذراع التكنولوجي لمجموعة زين ” ZainTECH”، بتنظيم هذه الورشة التي امتدت على مدار 3 أيام في العاصمة الأردنية عمّان.
ويعتبر “مكتب زين للبيانات” إحدى المبادرات الاستراتيجية التي أطلقتها إدارة التكنولوجيا في المجموعة كخطوة استباقية للارتقاء بثقافة العمل، وتطبيق برنامج حوكمة البيانات لإطلاق العنان لقوة البيانات، إذ يركز على إدارة البيانات بشكل فعال في جميع جوانب العمليات لضمان المساءلة والتوافر وقابلية الاستخدام والتدقيق، ويستهدف تعزيز إدارة البيانات من خلال تنفيذ سياسات حوكمة فعالة، وتوحيد الممارسات عبر الإدارات، وتحسين جودة وخصوصية البيانات.
وأوضحت زين الشركة الرائدة في الابتكارات التكنولوجية في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا أنها استضافت في هذه الورشة العديد من الخبراء والمتخصصين وقادة الفكر في قطاع تكنولوجيا المعلومات، حيث قدمت من خلالها فرصة فريدة لمواهب زين في هذا المجال الثوري في علوم البيانات ومجالات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مبينة أن هذه الورشة ركزت على هدف رئيسي وهو تسريع تبني البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وفق مستهدفات رؤيتها الاستراتيجية الجديدة WARD4 مع التركيز على محوري “سعادة العملاء” و”الخدمات الرقمية”.
وأكدت أن الأفكار والنقاشات التي دارت على مدار الأيام الثلاثة في هذه الدورة أكسبت الحضور رؤى قيمة ومتعمقة حول أفضل الممارسات في تطبيقات البيانات والذكاء الاصطناعي، التي تستعين بها الشركات والمؤسسات لتعزيز الابتكار وتحسين تجربة العملاء.
وأفادت أنها ستعمل على بلورة هذه الأفكار وتطبيقها بشكل يخدم التوجهات الاستراتيجية لتسريع مبادرات زين نحو المزيد من “الخدمات الرقمية” المبتكرة، حيث ستواصل مبادراتها في تطوير التقنيات الناشئة، والتوسع في أعمال البنية التحتية الرقمية.
وقال الرئيس التنفيذي لشؤون التكنولوجيا في مجموعة زين محمد المرشد “أصبحت القدرات الهائلة التي تقدمها إمكانات الذكاء الاصطناعي، تمثل القوة الدافعة للعديد من الصناعات، حيث أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي الآن شريكا مؤثرا في تحسين الكفاءة، وتنفيذ المهام واتخاذ القرارات، وذلك بفضل قدرات هذه التطبيقات في تحليل كميات هائلة من البيانات بدقة وبسرعات فائقة”.
وأضاف “أتاحت هذه الورشة فرصة فريدة لفهم الإمكانات الحقيقية للذكاء الاصطناعي، ووضع استراتيجيات عمل مشتركة مع مؤسسة Cloudera و ZainTECH لدفع الابتكارات التكنولوجية للمجموعة نحو آفاق جديدة في هذه المجالات المتطورة، حيث الهدف تحسين تجربة العملاء ومساعدة العملاء في اتخاذ القرارات الصحيحة.”
الجدير بالذكر أن مجموعة زين استعرضت في ورشة العمل استراتيجيتها في مجالات البيانات والذكاء الاصطناعي، ففي اليوم الأول ركزت على الرؤى الاستراتيجية، واستعراض اتجاهات الصناعة وإمكانات منصات الذكاء الاصطناعي المتقدمة من Cloudera، وفي اليوم الثاني كان أبرز ما قدمته أجندة العمل مسابقة “داتاثون” حيث عملت الفرق بشكل تعاوني على تطوير حالات استخدام واقعية، بينما استعرضت ورشة العمل في اليوم الثالث النتائج المحققة أمام لجنة تحكيم، مما عزز التركيز على التطبيق العملي والابتكار والتكامل الإقليمي بين عمليات زين، حيث أكمل الفريق الفائز في مسابقة الداتاثون الخطوات العملية للفكرة بأكملها، بداية من طرح الحالة إلى آليات الاستخدام التجارية، حتى إثبات قيمة الفكرة ونشرها بشكل مذهل في أقل من 48 ساعة، مع الاستفادة من Cloudera Agent Studio.
واستعرضت ورشة العمل أنظمة Cloudera التي تقدم مفهوم Data Lake ومنصتها الهجينة المتكاملة للبيانات والتحليلات والذكاء الاصطناعي، حيث تعمل هذه المنصات على تحويل البيانات إلى رؤى موثوقة وقيمة على أي سحابة عامة أو خاصة، مع ضمان توافر الخصوصية والنشر المسؤول للذكاء الاصطناعي.
وتستخدم مجموعة زين تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء الشبكات، وتحسين تجارب العملاء، والتنبؤ بالأعطال قبل حدوثها، مما أدى إلى جودة خدمة أعلى وتقليل الأعطال وتوفير التكاليف، بالتالي تعزيز النمو والتنافسية في السوق، ومن خلال شراكتها الاستراتيجية مع Cloudera، تمكن “مكتب زين للبيانات” من إزالة الحواجز التي تحيط بالبيانات واعتماد نهج شمولي في التحليل، مع توحيد إطار إدارة البيانات، وتعزيز الثقافة الرقمية، وترسيخ ثقافة البيانات التي تدعم الابتكار والكفاءة التشغيلية وتطوير الخدمات الموجهة للعملاء.
وتستهدف زين من توجهاتها الاستراتيجية في هذه المجالات المتطورة أن يفهم كل فرد في منظومة العمل قيمة البيانات ويعاملها كأصول، لتعزيز مكانتها كشركة رائدة في مجال حوكمة البيانات، وفي الوقت الحالي يعزز مكتب زين للبيانات من التزام المجموعة بالاستفادة من البيانات كمُحرّك رئيسي للابتكار والنمو والميزة التنافسية.