جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-27@01:47:05 GMT

عندما يحين الوقت

تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT

عندما يحين الوقت

 

 

سلطان بن ناصر القاسمي

ليس كل ما نريده يتحقق، حتى لو اجتهدنا وسعينا نحوه بكل قوتنا. كثير من أحلام الإنسان وأهدافه وتطلعاته ترتبط بموعد خفي، توقيت لا يعلمه إلا الله، يُطلق عليه "حين الوقت". هذا المفهوم قد يبدو غامضًا للبعض، لكنه في الواقع مفتاح لفهم كثير من مشاهد الحياة التي نعيشها، وكم من أمر تمنيناه ولم يتحقق، ثم تحقق بعد سنوات في صورة أجمل، أو لم يتحقق إطلاقًا لأنه لم يكن خيرًا لنا.

ومن هنا يبدأ الوعي الحقيقي بأن كل ما نسعى إليه لا يتحقق فقط بالرغبة أو الطموح، وإنما عندما يأذن الله له أن يكون. فكم من إنسان وضع خطة دقيقة لحياته، وحدد أهدافه المستقبلية، إلا أن كثيرًا منها تأخر أو تبدّل، لا لقصور في الجهد أو ضعف في الإرادة، ولكن لأن الوقت المناسب لم يحن بعد. فالأشياء لا تأتي إلا حين يكتمل وقتها، ويحين أوانها، ويكتمل نضج الإنسان الداخلي لاستقبالها.

وعندما نتمعن في حياتنا نجد أننا كبشر نعيش في سباق مستمر مع الزمن. نحتاج وقتًا للعمل، وقتًا لتناول الطعام، للنوم، للتأمل، ووقتًا لفهم من حولنا، ونحتاج وقتًا لنتعرف على شركاء حياتنا وأبنائنا وأصدقائنا، ووقتًا أعمق لبناء هذه العلاقات وتنميتها. وغالبًا ما نشعر أننا لا نملك الوقت الكافي لكل ذلك، لكن الحقيقة أن الوقت موجود، فقط نحتاج أن نؤمن أنه يحمل لكل منا نصيبه عندما يحين.

وقد ربط القرآن الكريم بين السعي الإنساني وبين النتيجة، في قوله تعالى: "وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى" (النجم: 39). هذه الآية تبين أن السعي مطلوب، لكنه ليس وحده كافيًا لتحقيق كل شيء؛ بل هو أحد العوامل، أما تحقيق النتائج فهو مرهون بحكمة الله وتقديره. فكم من مجتهد لم ينل، وكم من إنسان بُسط له الطريق بعد طول انتظار، دون أن يدري أن ذلك التأخير كان في صالحه.

ولذلك علينا أن نستوعب أن الوقت والقدر يسيران معًا؛ فمثلًا، نرى شابًا يسعى للزواج، يطرق الأبواب، ويتقدم أكثر من مرة، لكن لا يتم له الأمر، إلى أن يأتي اليوم الذي يشاء الله فيه أن يفتح له بابًا ما كان يتوقعه، فيُرزق بشريكة حياة لم تخطر على باله. وكذلك الأمر مع الفتيات، فبعضهن يظن أن فرص الزواج قد ولّت، وأنهن فاتهن قطار العمر، لكن الله يخبئ لهن موعدًا أجمل مع شخص يقدّر قيمتهن حين يحين الوقت.

وفي مواقف كثيرة في حياتنا، نرى أمثلة حية تدعم هذا المعنى. نأخذ مثلًا قصة عالم الفيزياء إسحاق نيوتن، الذي لم يكتشف قانون الجاذبية من أول مرة؛ بل بعد تسع وتسعين محاولة، حتى جاء الوقت المناسب، وحلت اللحظة التي تتجمع فيها المعطيات وتنكشف الحقيقة. وهذا ينطبق علينا نحن أيضًا، فكم من مشروع بدأناه وفشل، ثم أعدنا المحاولة مرة بعد مرة، حتى نجح، لا لأننا أصبحنا أذكى فجأة، بل لأن "الوقت قد حان".

وفي الحديث الشريف الذي رواه ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله "إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه، ولا يردُّ القدرَ إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البِر".  هذا الحديث يرسم مشهدًا دقيقًا بين القدر والدعاء والعمل. فالدعاء وسيلة لتسريع تحقق الأمور، والبر -وخاصة بر الوالدين- سبب في بركة العمر وزيادة الخير.

إننا نخطط ونطمح ونسعى، وهذا أمر محمود ومطلوب، ولكن في الوقت نفسه يجب أن نزرع في قلوبنا الرضا بأن الأمور لا تأتي كلها في الوقت الذي نريده، بل في الوقت الذي يناسبنا من حيث لا ندري. وكلما تعلمنا الانتظار الجميل دون استعجال، كلما رأينا الأمور تأتي بتوقيت عجيب يدهشنا.

ولعل من أجمل القصص التي تجسّد هذا المعنى، قصة شاب كان يحلم منذ صغره بالالتحاق بمجال مرموق يخدم من خلاله وطنه، فاختار تخصصًا دقيقًا يحتاج إلى شروط خاصة. تقدم أكثر من مرة لتحقيق هذا الهدف، لكن لم يُكتب له التوفيق، فشعر بالحزن، إلا أن عزيمته لم تخبُ. أعاد توجيه مساره نحو مجال قريب من حلمه الأصلي، واستمر في السعي، حتى جاءته فرصة مميزة في مؤسسة وطنية رائدة، حقق من خلالها جزءًا كبيرًا من طموحه. هذه القصة تؤكد أن الطريق إلى الهدف ليس دائمًا مستقيمًا، وأن الأقدار تعرف موعد الوصول أكثر مما نعرف نحن.

وبالمثل، تأتينا أحيانًا قصص لفتيات يئسن من فكرة الزواج، ثم يأتي في وقت غير متوقع شخص كريم يطرق الباب، وتبدأ قصة جديدة تُنسينا الانتظار كله، وتبين لنا أن كل تأخير كان في الحقيقة تجهيزًا لاختيار أنسب.

إن الأقدار حين تأتي لا تستأذن، ولكنها تأتي بحكمة. وربما نتمنى شيئًا الآن، ونبكي لعدم حصوله، ثم بعد سنوات نحمد الله أنه لم يتحقق حين تمنيناه. ولهذا، فإن الإيمان بارتباط الوقت بالقدر، والتسليم لحكمة الله، لا يعني الاستسلام؛ بل يعني أن نستمر في العمل والسعي والدعاء، ولكن دون أن نحمل هم التوقيت.

ولذلك، فلنحرص على العمل، ونحرص على تحسين أنفسنا، وعلى الدعاء المتواصل، دون يأس أو استعجال. ولنعلم أن ما نطلبه من خير سيتحقق، متى ما شاء الله له أن يتحقق. فقط علينا أن نكون على الموعد من حيث لا ندري، أن نكون مستعدين عند لحظة الوصول، فقد يحين الوقت، ونحن في غفلة.

ختامًا، تذكّر دومًا أن ما تأخر عنك، لم يكن شرًا لك، وأن ما لم تحصل عليه الآن، قد يكون في طريقه إليك، فقط اصبر، واسعَ، وأدعو، وتمسك بالأمل.. فكل شيء جميل يتحقق حين يحين الوقت.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حدث في ويمبلدون.. عندما تجد الميداليات المفقودة على ضفاف نهر التايمز


لندن (د ب أ)
قال بيتر فليمنج، نجم التنس الأميركي السابق، إنه كان يظن أن ميدالياته التي فاز بها في شراكته في مباريات الزوجي ببطولة ويمبلدون مع مواطنه جون ماكنرو قد ضاعت للأبد حينما تمت سرقتها من منزله. ولكنه أصيب بالدهشة حينما اكتشف أن شخصاً رث الثياب عثر على ميدالياته على ضفاف نهر التايمز.
وروى فليمنج، الذي فاز بأربع بطولات في زوجي الرجال مع زميله ماكنرو في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كما فاز بثلاث بطولات في أميركا المفتوحة للتنس، القصة الغريبة وقال فليمنج 70 عاماً الذي يعمل كمحلل تلفزيوني: «كنت قد انتقلت للتو إلى منزل جديد في ويمبلدون ولسبب ما ظننت أنني يجب أن أغلق الباب باحكام ثم خرجت للعب الجولف».
وأضاف: «عدت بعد ست ساعات وكان منزلي قد تعرض للسرقة، لقد تمت سرقة العديد من الأشياء والأغراض، أنه أمر سيئ أن تتعرض للسرقة حيث تشعر بأنه تم انتهاك خصوصيتك». وتابع فليمنج: «لديّ تسع ميداليات فزت بها في ويمبلدون، وحينما تصل إلى قبل النهائي يمنحوك ميدالية برونزية أو فضية أو ذهبية».
وأوضح: «بعد ستة أشهر تواصل معي شخص ما، وأعتقد أنهم تواصلوا مع النادي أولاً، كانت بعض الميداليات في حالة ممتازة وكان بعض منها مكتسياً باللون الأخضر». وقال فليمنج: «كان موقفاً غريباً بعض الشيء، كنت أظن أنها ضاعت وكانت مفاجأة حقيقية بالنسبة لي أن أسمع أحدهم يقول لي وجدت ميدالياتك».

أخبار ذات صلة بطولة ويمبلدون.. ألكاراز «تم تفعيل إعدادات الملاعب العشبية» كريتشيكوفا تنقذ النقاط رغم «آلام الفخذ» في «تنس إيستبورن»

مقالات مشابهة

  • فيديو.. ميسي في التاسعة من عمره يظهر موهبته الاستثنائية
  • حدث في ويمبلدون.. عندما تجد الميداليات المفقودة على ضفاف نهر التايمز
  • هل لكل مجتهد نصيب؟!
  • محاولة اسقاط فكرة الدولة والهوية
  • ناصر أبوديب: إحاطة المبعوثة الأممية “مكررة” ولم تأتي بجديد
  • لبنان أمام اختبار الوقت...فهل يتشدد الحزب؟
  • بيان صادر عن تكتل قبائل بكيل بشأن القصف الذي استهدف قاعدة العديد في دولة قطر الشقيقة
  • بيان ملتقى مشايخ ووجهاء اليمن بشأن القصف الإيراني الذي طال دولة قطر
  • ماذا تعرف عن الفتق؟
  • أذكار الصباح مكتوبة.. حصن المسلم الذي يحفظه من الشرور