في سابقة غير مألوفة في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال جولته الإقليمية الأخيرة تحولًا جذريًا في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وفق تحليل نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية اليوم، السبت، وضع فيه إسرائيل خارج دائرة الأولوية لأول مرة منذ عقود، بل وأعاد تشكيل المشهد الإقليمي بمعزل عنها، في ما وصفه محللون بأنه تهديد مباشر لمكانة بنيامين نتنياهو ومشروعه العدواني في غزة.

ففي الوقت الذي تغرق فيه غزة تحت الحصار والقصف والمجاعة، لم يكلف ترامب نفسه عناء زيارة إسرائيل خلال جولته، بل تعمد التقارب غير المشروط مع خصومها، ووقع صفقات تاريخية مع المملكة العربية السعودية، بلغت قيمتها 142 مليار دولار من الأسلحة، ضاربًا عرض الحائط بما كان يعرف بتفوق إسرائيل العسكري "المضمون" من واشنطن.

في الرياض، خاطب ترامب ولي العهد محمد بن سلمان قائلاً: "أنا أحبك كثيرًا"، معلنًا أن السعودية هي "الشريك الأقوى" لأمريكا، وهو لقب كانت تحتكره إسرائيل لعقود.

اللافت أن ترامب لم يشترط أي تطبيع سعودي مع إسرائيل كجزء من صفقاته، في تناقض صارخ مع خطابات الإدارات الأمريكية السابقة. 

وفي تحول مفاجئ آخر، أعاد ترامب سوريا إلى الساحة الدولية، رافعًا العقوبات الأمريكية عن رئيسها أحمد الشراع، الذي كان حتى ديسمبر الماضي على قائمة "الإرهاب"، مشيدًا به بوصفه "مقاتلًا" و"قائدًا جذابًا".

لم تتوقف الضربات عند هذا الحد، فقد أبرم ترامب اتفاقًا منفصلًا مع الحوثيين في اليمن، يمنعهم من مهاجمة السفن الأمريكية لكنه لا يمنعهم من إطلاق الصواريخ على إسرائيل. 

كما تحدث عن اقتراب التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، متجاهلًا العقيدة الإسرائيلية التي تعتبر أن البرنامج النووي الإيراني لا يردع إلا بالقوة.

وزاد الطين بلة، أن ترامب تواصل فعليًا مع حركة حماس، ونجح في تأمين إطلاق سراح الرهينة الأمريكي-الإسرائيلي إيدان ألكسندر، دون التنسيق مع نتنياهو.

أظهر ترامب، عبر تحركاته، أنه لم يعد يعتبر نتنياهو شريكًا موثوقًا، بل عائقًا أمام تحقيق "الاستقرار والازدهار" في الشرق الأوسط كما يتصور. 

ويبدو أن ما يهم ترامب هو إنهاء الحرب سريعًا وإخراج صور المجازر من شاشات العالم، وهو ما يفشل فيه نتنياهو، حسب وجهة نظره.

في الوقت الذي تطالب فيه أغلبية الرأي العام الإسرائيلي بوقف فوري للحرب، يواصل نتنياهو تأجيجها، مدفوعًا باعتبارات شخصية، في محاولة لإبقاء نفسه في الحكم هربًا من المحاكمة بتهم فساد.

ولتحقيق ذلك، يتمسك بتحالفه مع المتطرفين اليمينيين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يدفعون نحو استمرار الحرب وتفريغ غزة من سكانها تمهيدًا لإعادة المستوطنات.

مع نهاية جولته، صرح ترامب بأن "الناس في غزة يتضورون جوعًا، وسنهتم بهذا الأمر".

وقد تكون هذه العبارة بداية لمحاولة فرض اتفاق ينهي الحرب ويطلق سراح الأسرى، دون الرجوع إلى إسرائيل.

طباعة شارك ترامب نتنياهو غزة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ترامب نتنياهو غزة

إقرأ أيضاً:

هل صفع ترامب نتنياهو أم زوبعة مصالح؟

هذه التوترات، التي حاولت الجزيرة نت كشف حقيقتها وأبعادها عبر مراسليها ومحللين، تُنذر بتحول جذري في طبيعة العلاقات الأميركية-الإسرائيلية.

وبدأت القصة تتكشف عندما استبقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) زيارة ترامب الخليجية بالإفراج عن الأسير الإسرائيلي-الأميركي عيدان ألكسندر، وأكدت الحركة أن الإفراج جاء نتيجة مفاوضات مباشرة مع واشنطن، وهو ما اعتبره ترامب مبادرة حُسن نية.

لكن هذا الإفراج أثار موجة انتقادات حادة في إسرائيل ضد نتنياهو، إذ قالت صحف إسرائيلية إن تل أبيب تعرضت لـ"إهانة موجعة" من الرئيس الأميركي، لأنه أجرى مفاوضات مباشرة مع حماس من وراء ظهر نتنياهو.

واعتبر محللون إسرائيليون أن الأمر يحمل دلالات سياسية عميقة وتساؤلات عدة حول مستقبل التنسيق بين تل أبيب وواشنطن، حيث يمثل سابقة دبلوماسية في ظل مخاوف من انحسار دور إسرائيل لصالح تفاهمات إقليمية ودولية تجري بمعزل عنها.

وفي خضم هذه الأزمة، دعا المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، نتنياهو إلى انتهاز الفرصة لاستعادة الأسرى.

ترامب يزيد التوتر

غير أن صحفا إسرائيلية كشفت أن نتنياهو عارض مقترحا جديدا بشأن صفقة تبادل قد تمهّد لإنهاء الحرب، وهو ما يمثل إحراجا سياسيا له، نظرا لتعارضه مع الأهداف المعلنة لحكومته.

إعلان

وزادت من حدة التوتر سلسلة قرارات اتخذها ترامب خلال جولته الخليجية، إذ سرّبت وسائل إعلام أميركية أن نتنياهو فوجئ بشدة وغضب من إعلان ترامب أن الولايات المتحدة أوقفت حملتها العسكرية ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) المدعومين من إيران في اليمن.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تبعه إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وسبق ذلك موافقته على بيع مقاتلات "إف-35" لتركيا، فضلا عن توقيع اتفاقيات إستراتيجية وتجارية ضخمة خلال الزيارة الخليجية.

هذه الخطوات التي اتخذها ترامب دون تنسيق مسبق مع تل أبيب أثارت غضب نتنياهو بشكل غير مسبوق.

وفي مواجهة هذه التطورات، مارس نتنياهو نوعا من التصعيد في الخطاب، حيث أكد أن إسرائيل ستواصل الحرب على غزة حتى لو تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار مؤقت.

وجدد تأكيده على نيته تهجير سكان القطاع إلى بلد آخر، في خطوة تصعيدية تعكس محاولته إظهار استقلالية القرار الإسرائيلي.

ورغم الفتور الكبير الذي يظهره ترامب تجاه نتنياهو، فقد تجاهل الرئيس الأميركي الحديث عن الحرب في قطاع غزة خلال زيارته الخليجية، وهو أمر يعزوه محللون إلى عدم وجود اتفاق يمكن إعلانه، ولا يعني بالضرورة تغييرا في الموقف الأميركي المؤيد لإسرائيل بشكل عام.

وبحثا عن جذور الأزمة، قال مراسل الجزيرة نت في إسرائيل إن التقارير تتحدث عن قطع ترامب اتصالاته مع نتنياهو، على خلفية ما اعتبره الأميركيون محاولات من الأخير للتلاعب بمواقف إدارتهم.

ويرى مراقبون أن هذه المقاطعة تعكس تحولا في السياسة الأميركية نحو مقاربة أكثر استقلالية في إدارة الملف الفلسطيني.

تهميش نتنياهو

وفي أميركا، أفاد مراسل الجزيرة نت بأن ترامب قام بتهميش نتنياهو بشكل متزايد، وهو ما يثير مخاوف أنصار إسرائيل من مغبة تحرك إدارة ترامب بانفراد في قضايا الشرق الأوسط، على غرار ما فعله مع إيران والحوثيين.

إعلان

وتشير تحليلات إلى أن ترامب اقتنع بأن نتنياهو ليس الشريك الذي يمكن التعامل معه، فالرئيس الأميركي "يكره من يتذاكى عليه، ومن لا يخدم مصالحه الشخصية والأميركية، وكذلك يكره من يتعامل من خلف ظهره"، وهو ما ينطبق على رئيس الوزراء الإسرائيلي في نظر الإدارة الأميركية الحالية.

ونشرت الجزيرة نت مقالا لكاتبة أميركية أوضحت فيه أن ترامب لا يكترث إنسانيا بالإبادة في غزة، بل يرى أن استمرار الحرب فيها يعيق رؤيته لما يسميه "ريفيرا الشرق الأوسط".

وقالت إن الإفراط في الحرب قد يُعد استثمارا غير مجدٍ في نهاية المطاف، على الأقل من منظور ترامب "العقاري".

ويرى محللون أن نتنياهو غير جاد وسيحاول التسويف، غير أنه في مأزق شديد جدا، لأن الإدارة الأميركية مصممة على خلق نوع من الهدوء في المنطقة.

وفي المقابل، يشير آخرون إلى أن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يعدو كونه تكتيكيا في بعض الملفات.

وفي ظل هذه التوترات، يبقى السؤال: هل ستتمكن واشنطن من فرض رؤيتها على تل أبيب وإنهاء الحرب في غزة، أم إن "الجموح الإسرائيلي" سيستمر في تهديد الأمن والسلام بالمنطقة؟

الصادق البديري17/5/2025

مقالات مشابهة

  • هل يؤثر تصاعد الانتقادات لنتنياهو داخل إسرائيل؟ محللون يجيبون
  • هل صفع ترامب نتنياهو أم زوبعة مصالح؟
  • هل ينجر ترامب لإرضاء نتنياهو أم العكس؟
  • بعد هواوي.. شاومي تطور معالج جديد يغير قواعد اللعبة في سوق الهواتف
  • ما فرص إبرام اتفاق نووي جديد بين واشنطن وطهران؟
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: هل بات السودان خارج الحسابات الأمريكية؟
  • روبيو : أبلغنا نتنياهو بقلق واشنطن إزاء الوضع الإنساني في غزة
  • الصين لا ترفع الصوت.. بل تُغير قواعد اللعبة
  • طهران والتغيير اللحظي في قواعد التفاوض