مايو 17, 2025آخر تحديث: مايو 17, 2025
رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي
أعرب رئيس الوفد الروسي المشارك في المفاوضات بإسطنبول فلاديمير ميدينسكي عن ارتياحه من سير المفاوضات مع الجانب الأوكراني.
وأضاف ميدينسكي، في تصريحاته للصحفيين، عقب انتهاء مفاوضات استمرت ساعتين يوم أمس الجمعة، أن الأيام المقبلة ستشهد تبادلا للأسرى بين روسيا وأوكرانيا بصيغة “ألف مقابل ألف” كإجراء أولي لبناء الثقة، وذكر أن الوفد الأوكراني طلب إجراء مفاوضات مباشرة بين زعيمي البلدين، وقد أخذت روسيا الأمر بعين الاعتبار.
وتعليقا على نتائج اليوم الأول من المفاوضات قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: “كان اليوم شوطا مهما للسلام العالمي، ونتيجة للجهود الدبلوماسية المكثفة عقد الوفدان الروسي والأوكراني اجتماعا في إسطنبول، اتفقوا في أعقابه على تبادل الأسرى بصيغة ألف مقابل ألف واتفقا أيضا على إطلاع الطرف الآخر كتابيا على الشروط التي من شأنها أن تجعل من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار”.
كذلك اتفق الطرفان من حيث المبدأ على الاجتماع مرة أخرى، وأعرب فيدان عن استعداد تركيا لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق السلام الدائم بين روسيا وأوكرانيا.
بدوره يلتقي وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في روما، اليوم السبت، برئيس أساقفة بولونيا ورئيس مؤتمر الأساقفة الإيطاليين، المبعوث البابوي إلى أوكرانيا الكاردينال ماتيو زوبي، وذلك في أعقاب إعلان الفاتيكان نيته تقديم منصة للمحادثات بين موسكو وكييف.
من جانبه، أكد رستم عميروف وزير الدفاع الأوكراني ورئيس الوفد الأوكراني للتفاوض أنه يتم دراسة إمكانية تنظيم لقاء على مستوى زعيمي البلدين.
وقد صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه يعتزم لقاء الرئيس الروسي “بمجرد أن يتم ترتيب الأمر”، وأخبر الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية بأنه قد يتصل بالرئيس بوتين وقال إنهما “يجب أن يلتقيا”، وأضاف: “أعتقد أننا سنحل المشكلة”. وكان ترامب قد ألمح من قبل إلى استعداده الذهاب إلى إسطنبول، إذا ما ذهب بوتين إلى هناك.
أعتقد فيما أعتقد أن نتيجة المباحثات الروسية الأوكرانية في إسطنبول، إذا جاز القول إنها إيجابية، تعود بالدرجة الأولى لسير العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، والتقدم الذي تحرزه على الأرض في تحرير الأراضي التي يتم إعادتها إلى وطنها من جهة، ومن جهة أخرى لجهود الوساطة التي تبذلها الأطراف المختلفة وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا من الرئيسين ترامب وأردوغان شخصيا، اللذان قاما بالتدخل ومتابعة التحضير حتى يحدث اللقاء والخروج ولو بأدنى قدر من النتائج لمتابعة السير على طريق بناء الثقة والتفاوض.
إلا أن التفاوض، ومع كل ما يحمله من إيجابيات، إلا أنه لا يعني حتما وقطعا التنازل عن أهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، وعن شبر واحد من الأراضي التي فقدتها أوكرانيا بسبب عناد وتكبر ونازية قادتها الذين انقضوا على السلطة في البلاد بانقلاب متكامل الأركان في 2014.
ولا بد العودة إلى الأسباب الجذرية التي أدت إلى الحرب بالأساس، وعلى رأس تلك الأسباب تمدد حلف “الناتو” شرقا، واتخاذه النظام الأوكراني العميل قفازا لاستنزاف وتهديد روسيا. اليوم وبعدما اتضحت للجميع حقيقة أن روسيا لا تهزم، وأنها تصبر ما استطاعت حتى إذا ما نفد صبرها انقضت بلا هوادة لاستعادة حقوقها وحقوق شعوبها، وبينما قد تبدي روسيا بعض المرونة بخصوص تورط دول “الناتو” والأضرار التي لحقت بروسيا في المجالات المختلفة، إلا أن المرونة لن تتضمن التنازل عن التراب الوطني.
ولا أظن أن اللقاء والتفاوض سيحرز تقدما يذكر دون أن تسترجع روسيا كامل أراضيها التي كانت لتوافق على إبقائها في حوزة أوكرانيا، في إطار اتفاقيات مينسك، قبل 2014، مع الحفاظ على حقوق القومية الروسية داخل من لغة وثقافة ومعتقد، لكن العنف والقتل والتعذيب والاستهداف على الهوية زهاء 8 سنوات وأكثر، بل والقيام بعمليتين عسكريتين ضد المواطنين الأوكرانيين من ذوي القومية الروسية في دونباس كان نتيجتها انفصال الإقليم ثم انضمامه إلى روسيا في استفتاء شرعي وفقا للمواثيق والأعراف الدولية، ولا عزاء للنازيين والحمقى والمتكبرين والمحتمين بالغرب.
لا زال البعض في أوروبا، وتحديدا في ألمانيا، يعانون من رواسب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، ولا زالت جينات الفاشية تمرح في عقلية هؤلاء، في الوقت الذي تمرح جينات الانسحاق والنقص في عقلية آخرين. وما يدفع أوروبا للتعامل بهذا القدر من الإجرام والاستهتار بأرواح الشعب الأوكراني يعود إلى تلك الرغبات المريضة التي تعد تجسيدا حيا لهذه الجينات.
ربما لهذا السبب نستمع إلى طبول الحرب التي تدقها دول حررها الاتحاد السوفيتي من نير النازية والفاشية، ودعمها بعد الحرب وأعاد إعمارها وتدريب كوادرها وتعليم أبنائها وتبادل معلوماته وتقنياته ومنجزاته معها. ولهذا السبب أيضا نستمع إلى تصريحات نارية لدول لا يتعدى حجمها أو وزنها السياسي حجم ضاحية من ضواحي موسكو.
من هنا تأتي المبادرة الروسية للتفاوض في إسطنبول لإعطاء المجال لمن تورط من الغرب للخروج من المأزق الراهن بالحفاظ على قليل من ماء الوجه، قبل أن يضطر هؤلاء أنفسهم على التوقيع على وثيقة استسلام كتلك التي وقعها النازي عام 1945. ولا تتمنى روسيا أن تنتهي الأمور إلى ذلك.
ربما يلتقي الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في وقت قريب، ليناقشا استئناف العلاقات الطبيعية بين القوتين العظميين، وسيكون على الطاولة، ضمن ملفات أخرى كثيرة، الملف الأوكراني، الذي لن يكون “الطبق الرئيسي”، لكنه أحد الملفات الهامة والمحورية التي يتعين على الزعيمان الاتفاق بشأنها، لينفذ بعد ذلك الطرف الأوكراني وسائر الأطراف الأوروبية ما يأمرهم به بعد ذلك الأخ الأكبر من البيت الأبيض.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
روسيا تؤكد إمكانية اجتماع بوتين وزيلينسكي.. وأردوغان يعلق على مباحثات إسطنبول
شدد الكرملين، السبت، على إمكانية عقد لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مشترطا التوصل إلى عقد اتفاقيات بين البلدين قبل عقد أي لقاء، وذلك في أعقاب مفاوضات احتضنها إسطنبول أفضت إلى توافق على تبادل الأسرى دون وقف إطلاق النار.
وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن استمرار المباحثات مع كييف ممكنة فقط بعد تبادل الأسرى الذي اتفق عليه الطرفان خلال المباحثات المباشرة في إسطنبول.
وأضاف بيسكوف، أن "مثل هذا اللقاء الذي هو ثمرة عمل الطرفين وإبرام الاتفاقات، ممكن. لكن فقط بعد التوصل إلى اتفاقات بين الجانبين".
وكانت إسطنبول احتضنت، الجمعة، أول مقابلات مباشرة بين وفدي روسيا وأوكرانيا منذ ربيع 2022، ما أسفر عن اتفاق الجانبين على تبادل ألف أسير مقابل ألف أسير، كما جرى قضايا وقف إطلاق النار واجتماع محتمل على مستوى القادة.
وقال رئيس الوفد الروسي في مفاوضات إسطنبول، فلاديمير ميدينسكي، إن بلاده راضية عن نتائج المفاوضات مع أوكرانيا ومستعدة لمواصلة المحادثات، حسب وكالة الأناضول.
وأضاف في مؤتمر صحفي، "طلب الجانب الأوكراني إجراء محادثات مباشرة على مستوى القادة. وقد سجلنا هذا الطلب. ستقدم روسيا وأوكرانيا وجهات نظرهما بشأن وقف إطلاق النار المحتمل بالتفصيل، ثم ستُستأنف المفاوضات. ونرى هذا منطقيا".
وفي السياق، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أهمية المباحثات التي احتضنتها بلاده بين روسيا وأوكرانيا، قائلا إن "جمع وفدي البلدين في إسطنبول مهم جدا لإنهاء الحرب (..) وإحلال السلام في المنطقة".
وقال في تصريحات صحفية على متن الطائرة عائدا من ألبانيا، أنه أجرى مباحثات مع نظيره الأوكراني الذي وصل العاصمة التركية أنقرة قبل يوم من اجتماع الوفدين في إسطنبول "لإنهاء الحرب يجب إسكات الأسلحة وترك الدبلوماسية تتكلم".
وأشار الرئيس التركي إلى أنه "يتعين عدم تفويت هذه الفرصة"، موضحا أنه "من غير الممكن إنهاء الحرب (بين روسيا وأوكرانيا) بالصراع والأسلحة".
يأتي ذلك على وقع إعلان السلطات الأوكرانية عن مقتل 9 أشخاص وإصابة آخرين بجروح مختلفة جراء هجوم روسي نفذ بواسطة طائرات مسيرة واستهدف حافلة صغيرة تقل مدنيين شمالي البلاد، وفقا لوكالة "فرانس برس".
وقالت الإدارة العسكرية لمنطقة سومي الأوكرانية الحدودية مع روسيا، في بيان عبر منصة "تلغرام": "ضربت مسيرة للعدو حافلة قرب بيلوبيليا ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص وإصابة أربعة".
وندد الرئيس الأوكراني بما وصفه بـ"القتل المتعمد للمدنيين"، في حين قال وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيغا في تدوينة عبر منصة "إكس" إن "بوتين يواصل حربه على المدنيين".
وتتواصل الحرب الروسية الأوكرانية للعام الثالث على التوالي، حيث تتمسك روسيا بضرورة تخلي جارتها أوكرانيا عن فكرة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتنازلها عن مناطق سيطرت عليها موسكو بشكل جزئي، فضلا عن شبه جزيرة القرم، وهو ما ترفض أوكرانيا وحلفاؤها في أوروبا.