الذكاء الاصطناعي بين الإنجاز والمخاطر
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
أنيسة الهوتية
شهد العالم في العقود الأخيرة تطورًا مذهلًا في مجال الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، الذي أصبح عنصرًا أساسيًا في شتى جوانب الحياة. الذكاء الاصطناعي يشير إلى قدرة الآلات والبرمجيات على محاكاة السلوك البشري كالتفكير، والتعلم، والتحليل، واتخاذ القرارات. وقد فتح هذا التقدم آفاقًا واسعة للبشرية، لكنه جلب معه أيضًا تحديات وسلبيات لا يمكن تجاهلها.
ومن أبرز إيجابيات الذكاء الاصطناعي قدرته على تحسين الكفاءة وتسريع العمليات في مجالات متعددة. في القطاع الطبي، تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الشعاعية والتعرف على الأورام بدقة عالية، مما يُسرّع في التشخيص ويُحسّن فرص العلاج. كما تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في تطوير النقل الذكي، مثل السيارات ذاتية القيادة، التي تعتمد على الاستشعار والتحليل اللحظي لتجنب الحوادث.
إلّا أن هذه القفزات التكنولوجية لا تخلو من سلبيات جدّية، بدأت تتبلور مع ازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في نواحٍ متعددة. أول هذه السلبيات هي التهديد للوظائف التقليدية؛ حيث بدأت الآلات الذكية تحلّ محلّ الإنسان في مجالات مثل التصنيع، وخدمة العملاء، والكتابة، وحتى الترجمة. هذا التحول يخلق فجوة في سوق العمل ويزيد من معدلات البطالة، خاصة في الفئات التي تعتمد على المهارات الروتينية.
ثانيًا: يُعد التحيُّز الخوارزمي من أخطر التحديات الأخلاقية؛ فعندما تُدرّب أنظمة الذكاء الاصطناعي على بيانات مُنحازة، فإن قراراتها قد تعكس هذا الانحياز، سواء في مجالات التوظيف أو القضاء أو الأمن. هذا يؤدي إلى ظلم فئات معينة من المجتمع، ويعزز الصور النمطية بدلًا من محاربتها.
ثالثًا: الخصوصية وأمن البيانات من القضايا البالغة الأهمية. تعتمد العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي على جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات الشخصية. وفي حال عدم وجود ضوابط صارمة، يمكن أن تتعرض هذه البيانات للاختراق أو الاستغلال، مما يعرض خصوصية الأفراد والمؤسسات للخطر.
ومن بين السلبيات المستقبلية المحتملة أيضًا الاعتماد المفرط على الآلات، وهو ما قد يقلل من المهارات البشرية ويُضعف من قدرة الإنسان على اتخاذ قرارات مستقلة. كما تثير بعض الدراسات مخاوف من تطور ذكاء اصطناعي متقدم للغاية قد يخرج عن السيطرة إذا لم يتم ضبطه بأطر أخلاقية وقانونية صارمة.
وأخيرًا.. هناك خطر لاستخدام الذكاء الاصطناعي في أغراض عسكرية أو خبيثة، مثل تطوير أسلحة ذكية أو تنفيذ هجمات إلكترونية معقدة. هذا الاستخدام قد يُدخل العالم في سباق تسلّح تقني غير مسبوق، ويزيد من احتمالية نشوب صراعات تكنولوجية مدمّرة.
في الختام، لا شك أن الذكاء الاصطناعي يُعد من أعظم ابتكارات العصر، لكنه سلاح ذو حدّين. ويكمن التحدي في كيفية استخدام هذه التكنولوجيا بما يخدم الإنسان ويحترم حقوقه، دون أن تتحول إلى أداة تهدد أمنه وكرامته. التوازن بين التقدم والضوابط هو مفتاح المستقبل الآمن في عصر الذكاء الاصطناعي.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
OpenAI تستعد لإطلاق منافس TikTok يعتمد كليًا على الذكاء الاصطناعي
تستعد شركة OpenAI لدخول عالم التواصل الاجتماعي من أوسع أبوابه، بخطوة طموحة قد تُحدث تحولًا في مفهوم صناعة المحتوى المرئي، إذ تعمل الشركة على تطوير تطبيق جديد يشبه إلى حد كبير منصة TikTok، لكنه يعتمد بشكل كامل على الذكاء الاصطناعي في إنشاء الفيديوهات، دون أي محتوى بشري تقليدي.
وبحسب تقرير نشرته مجلة Wired، فإن التطبيق الجديد، الذي سيعمل بنظام الفيديو المرتقب Sora 2، يُقدّم تجربة مشابهة لتطبيق TikTok من حيث تصميم الواجهة وطريقة العرض العمودية وآلية التصفح بالتمرير السريع. لكن المفاجأة الكبرى هي أن جميع المقاطع داخل التطبيق ستكون مُنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي، دون السماح للمستخدمين برفع صور أو فيديوهات من ألبوم الكاميرا الخاص بهم.
ويهدف تطبيق Sora 2 إلى منح المستخدمين القدرة على توليد مقاطع فيديو قصيرة لا تتجاوز 10 ثوانٍ، باستخدام أوامر نصية أو عناصر بصرية بسيطة. وحتى الآن، لم يتضح بعد ما إذا كان هناك إصدار آخر من النظام يتيح إنشاء مقاطع أطول خارج التطبيق. للمقارنة، يسمح TikTok اليوم بتحميل فيديوهات تصل مدتها إلى 10 دقائق، بعد أن بدأ بحد زمني لا يتجاوز 15 ثانية فقط.
ووفقًا للمعلومات التي كشفتها Wired، سيحتوي التطبيق الجديد أيضًا على ميزة التحقق من الهوية، وهي خاصية تتيح للمستخدم، في حال تفعيلها، استخدام صورته الشخصية لإنشاء مقاطع فيديو واقعية بوجهه داخل التطبيق. وفي المقابل، سيتمكن المستخدمون الآخرون من وسم هذه الحسابات أو إعادة استخدام صورهم عند إعادة مزج مقاطع الفيديو المنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي.
ولتفادي إساءة الاستخدام، وضعت OpenAI نظام إشعارات ذكي يُبلغ المستخدم كلما استُخدمت صورته في مقطع آخر، حتى لو لم يُنشر الفيديو في الخلاصة العامة. هذا الإجراء يعكس محاولة الشركة وضع ضوابط أخلاقية وتقنية تحمي المستخدمين من الانتحال أو الاستخدام غير المصرّح به للصور، وهي خطوة ضرورية وسط الجدل المتنامي حول حقوق الصورة في عصر الذكاء الاصطناعي.
ورغم أن التطبيق سيستند إلى نظام توليد المحتوى الخاص بـ Sora 2، إلا أن Wired أشارت إلى أن OpenAI ستفرض قيودًا صارمة على نوعية المقاطع المسموح بإنشائها، خصوصًا تلك التي قد تنتهك حقوق النشر. ومع ذلك، لا يزال الغموض يحيط بمدى فعالية هذه القيود، خاصة مع ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال بأن OpenAI تعتزم مطالبة أصحاب الحقوق بإرسال طلبات مباشرة لحذف أو منع ظهور محتواهم ضمن المقاطع المولدة عبر التطبيق.
أما عن الدافع وراء دخول OpenAI إلى مجال التواصل الاجتماعي، فتُرجّح Wired أن الشركة وجدت فرصة استراتيجية في ظل حالة عدم الاستقرار التي يعيشها TikTok في الولايات المتحدة، بعد سلسلة من القرارات التي أصدرها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لفرض سيطرة أمريكية على عمليات شركة ByteDance المالكة للتطبيق. وترى OpenAI أن هذا الوقت مثالي لتقديم بديل جديد يستفيد من فراغ السوق المحتمل.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن OpenAI تسعى إلى توسيع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي وجعلها أكثر اندماجًا في الحياة اليومية للمستخدمين. فمن خلال إضافة مكون اجتماعي إلى Sora، قد تنجح الشركة في بناء مجتمع رقمي جديد حول الذكاء الاصطناعي، يُشجع المستخدمين على البقاء داخل النظام البيئي الخاص بها بدلًا من تجربة نماذج منافسة مثل Runway أو Pika Labs.
ويرى مراقبون أن خطوة OpenAI تمثل بداية موجة جديدة من التطبيقات التي تمزج بين الذكاء الاصطناعي ومفاهيم الترفيه التفاعلي، لتخلق عالمًا جديدًا من المحتوى لا يُصنع بأيدٍ بشرية بل بخوارزميات توليدية قادرة على إنتاج صور ومشاهد وأصوات واقعية بدقة مذهلة.
ورغم الحماس المحيط بالمشروع، فإن التطبيق يثير أيضًا أسئلة مهمة حول مستقبل الإبداع البشري، وحدود استخدام الذكاء الاصطناعي في المحتوى المرئي، ومدى قدرة الشركات على ضبط حقوق الملكية الفكرية في فضاء تزداد فيه سرعة توليد المحتوى يوماً بعد يوم.
بهذه الخطوة، يبدو أن OpenAI لا تكتفي بتغيير طريقة إنتاج الفيديوهات، بل تسعى لإعادة تعريف معنى التواصل الاجتماعي نفسه، في عالم تتحول فيه الخوارزميات إلى صُنّاع المحتوى الجدد.