معرض وقف إطلاق النار.. الحرب اللبنانية كما لم يرها أحد من قبل
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يغوص الفنان اللبناني جورج مكتبي في ذاكرة جماعية لم تُشفَ بعد، طارحًا سؤالًا إنسانيًا عميقًا: هل يمكن للفن أن يمنحنا لحظة سلام وسط صخب الحروب؟
في معرضه "وقف إطلاق النار"، الذي أُقيم ضمن فعالية "احكيلي" في متحف "بيت بيروت"، يقدّم مكتبي قراءة فنية مغايرة للحرب الأهلية اللبنانية تمزج بين صور رمزي حيدر الأرشيفية وألوان مكتبي الطفولية.
فيما يلي حوار أجراه موقع CNN بالعربية مع مكتبي حول ثقل الحروب وصناعة الحياة:
ما الذي ألهمك لاختيار "وقف إطلاق النار" عنوانًا لمعرضك؟ وكيف ترى العلاقة بين الفن والذاكرة الجماعية للحرب الأهلية اللبنانية؟
جورج مكتبي: مرّ لبنان في عام 2024 بمرحلة صعبة أنهكت شعبه وأرضه، وعدنا مجددًا نعيش مرارة انتظار وساطات لإيقاف الحرب وإعلان وقف إطلاق النار. هذا الانتظار المستفز حرّك في داخلي – وفي داخل كثير من اللبنانيين – ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، حيث كان مصيرنا دومًا معلّقًا بخبر نترقّبه ونتمنّاه.
عادت بي الذاكرة، بسهولة مؤلمة، إلى تلك الحرب ونحن نستذكر مرور خمسين عامًا على اندلاعها. أعتقد أن هذه الذاكرة الجماعية، رغم تعدّد السرديات والانتماءات، تُشكّل جامعًا مشتركًا بين اللبنانيين. عشنا جميعًا صوت القصف، وإغلاق المدارس، وانقطاع الكهرباء، وطوابير الخبز، وسيطرة المليشيات.
بالنسبة لي، كان الفن ملاذًا. لطالما لجأت إليه هربًا من واقع قاسٍ لا أملك القدرة على تغييره. الفن يتيح لنا الهروب أحيانًا، ولكنه يمنحنا أيضًا مساحة للتصالح مع واقعنا، بما فيه من عنف وحرب. الفن لا يخضع للسياسة الضيقة، بل يخلق مجالًا للتفكير الحرّ والتعبير المختلف.
أخبرنا عن تعاونك مع المصوّر الصحفي اللبناني رمزي حيدر. هل شكّلت صوره نقطة انطلاق لمشروعك الفني؟
جورج مكتبي: رمزي حيدر مصوّر صحفي متميّز وأرشيفه زاخر بآلاف الصور من الحرب اللبنانية. كان اسمه حاضرًا في ذاكرتي حين بدأتُ العمل على مشروع يتناول هذه الحرب التي لا تزال تتسلّل إلى ما أرسمه.
بالصدفة، أخبرتني صديقة مشتركة أن رمزي يعيد تنظيم أرشيفه، واكتشفت أن كثيرًا من صوره لم يُعرض من قبل. زاد فضولي، فتعرّفت إليه، وكان كريمًا للغاية بقبوله أن أعمل على صوره، وهذا أمر نادر لأن المصور عادة يتحفّظ بحق – وأتفهم ذلك – على التعديلات.
كل صورة من أرشيف رمزي كانت تقدم لي قصة غير مكتملة، تدفعني لإخراجها من الحرب، لا بمعنى نسيانها، بل للمطالبة بحقّنا في السلم والسلام، حتى بعد خمسين عامًا على اندلاع الحرب.
في المعرض الذي تنظمه، تمنح الأطفال قوة لتفكيك أسلحة الميليشيات، وتمنح النساء مساحة للهروب إلى عالم من الأمل. حدّثنا عن جورج الطفل الذي وُلد في الحرب ونجده اليوم في لوحاتك؟
جورج مكتبي: تماما. هذه مساحة للهروب ليس تناسيا بل أملا. أعطي الأطفال حقّهم في أن يعيشوا طفولتهم، في اللعب لا التسلّح.
هذا ما تفتقده مجتمعات كثيرة اليوم. أما المرأة، فقد عانت بصمت في الحرب؛ كثيرات منهن خسرن أزواجهن، أو غادرهن، أو خضن الحروب بأنفسهن. والدتي مثال حيّ على ذلك.
استشهد والدي، وبقيت أمي وحيدة تربي ثلاثة أطفال. أراها في لوحة المرأة الحالمة، البعيدة عن أثقال الحرب. أجد نفسي في أطفال يصنعون من قطع الأحجار لعبة ليغو. أرى لوحات يقتحمها صوت فيروز والذي لطالما كان منفذا لي ولكثير من اللبنانيين
أغنية ريمي بندلي "أعطونا الطفولة، أعطونا السلام" ليست مجازًا، بل واقعًا عايشناه. سُلبت طفولتنا، لكننا سرقناها خلسة. لعبت كرة القدم، أخذت من السطح قصرا لي، أحلم وأرسم وناديت البطل "غرانديزر" لينقذني.
استحضرت كل هذه الصور لأحلق بعيدا، وهذه المشاهد ما زالت حية في ذاكرتي، حيث رسمتها بريشة ابن الخمسين، لكن بذاكرة ابن الخامسة.
كيف ترى دور الفن في إعادة سرد الحرب بعيدًا عن السرديات الرسمية؟
جورج مكتبي: يخترق الفن التابوهات والصمت والمألوف، وهو مساحة حرة للآخر – لا أحب مصطلح الآخر، ولكن أقصد به كل من يظن أنه لا يشبهني.
يُجبرنا الفن على التفكير، لا التكرار. يُتيح التناقض، بعيدا عن ما قيل لنا – من العائلة، أو المحيط، أو المجتمع، أو الحي، أو المدرسة.
تُظهر في معرضك كيف تحاول الحياة أن تتنفس خلال لحظات الهدوء المؤقت بين فترات الحرب. كيف تجسّد هذا المفهوم في أعمالك؟
جورج مكتبي: أجسّد ذلك بتسلّل اللون الواحد إلى الأبيض والأسود. بتفصيل صغير يذكّر بلحظة فرح أو حياة عشتها أنا شخصيا أو عاشها غيري.
في فترات وقف إطلاق النار، كانت والدتي تسمح لنا باللعب على سطح المبنى، وفي الحيّ. أردت أن أترجم هذا الهامش من الحياة في الصور. الصور مأساوية نعم، لكنني قررت أن "ألعب" معها.
هل تعتقد أن الفن يمكن أن يشفي جراح الحرب النفسية؟
جورج مكتبي: لا أجرؤ على قول ذلك احترامًا لعمق الجراح النفسية التي خلفتها الحرب. لكن هناك تيارًا في الطب النفسي بدأ يعتمد الفن كوسيلة مساعدة ضمن العلاج المتكامل. وعلى المستوى الشخصي، أجد أن الفن يفتح مساحة جماعية للتعبير، مما يساعدنا على مواجهة ذاكرتنا لا طمسها، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال الشفاء النفسي الجماعي غير المباشر.
لوحاتك تلمّح دائمًا إلى بصيص أمل في الظلمة. إلى أي مدى يحضر الأمل في حياتك؟
جورج مكتبي: أنا لا أنفي الظلمة، بل أتعامل معها. أقبلها، أتصالح معها، وأحيانًا أطبع معها. لكنني أيضًا أبرع في التحايل عليها، عبر إدخال ومضات من الأمل وسطها. هذا ما فعلته منذ صغري وهذا ما أدركته بقوة في الفترة الأخيرة.
ما هي اللوحة الأحب إلى قلبك في المعرض؟ ولماذا؟
جورج مكتبي: تمسّ كل لوحة جانبًا من ذاكرتي، من حادثة مررت بها، أو قصة سمعتها، أو رواية قرأتها لجبور الدويهي وأمين معلوف، في كل لوحة هناك شيء منّي.
أخيرًا، ما الذي تأمل أن يشعر به الزوّار بعد المعرض؟ وما هي الرسالة التي تودّ أن تبقى معهم؟
جورج مكتبي: آمل أن يخرجوا بإحساس مفاده أن الحرب، مهما طالت، هي استثناء، وأن دورة الحياة أقوى. اللبنانيون يُعرفون بإرادتهم الصلبة في العيش، وقد انتزعنا الحياة رغم أحلك الظروف، وقد آن الأوان أن ندرك بأن إرادة الحياة جامعة ومشتركة رغم كل شيء.
لبنانرسمفنونمعارضنشر الاثنين، 26 مايو / أيار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: رسم فنون معارض الأهلیة اللبنانیة وقف إطلاق النار
إقرأ أيضاً:
نعيم قاسم: الحرب مع إسرائيل لم تنتهِ والخيارات الأخرى مطروحة إذا فشلت الدولة في أدائها
قال الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، اليوم الأحد، إن الحزب والدولة اللبنانية ملتزمان بالكامل باتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، غير أن الأخيرة خرقت هذا الاتفاق أكثر من 3000 مرة، مضيفًا: "ما زلنا نتعرض لعدوان إسرائيلي مستمر". اعلان
وفي كلمة متلفزة، شدد قاسم على أن "الحرب مع إسرائيل لم تنتهِ بعد، لأنها لم تلتزم بترتيبات وقف إطلاق النار"، محذرًا من أن "الخيارات الأخرى موجودة إذا فشلت الدولة في أدائها"، ومشيرًا إلى أن "المقاومة لا تستسلم"، بحسب تعبيره.
وأضاف: "ليس أمامنا سوى طريقين، إما النصر أو الشهادة"، معتبرًا أن "على إسرائيل أن تبادر أولًا إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية قبل أن تطالب الحزب بأي شيء".
كما نوّه قاسم ببيان صادر عن قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، معتبرًا أنه يعكس "وطنية القيادة العسكرية"، وشدّد على تمسك حزب الله بمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة".
وفي سياق حديثه عن الحرب على غزة، وصف العمليات العسكرية الإسرائيلية بأنها "إبادة جماعية" و"عنف وحشي وهمجي مدعوم من الولايات المتحدة".
ثمّ توجه قاسم برسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، داعيًا إياه إلى "التحرر من قبضة إسرائيل".
Related"صورة نادرة لا تحدث كل يوم".. جدل بعد لقطة جمعت رئيس لبنان وزعيم الطائفة الدرزية في إسرائيلعون يلتقي عباس وسلاح المخيمات على بساط البحث: لن يكون لبنان منطلقًا لأي عمل عسكرينائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط: نزع سلاح حزب الله يجب أن يشمل الأراضي اللبنانية كافةورغم انقضاء المهلة المحددة للانسحاب الإسرائيلي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الجيش الإسرائيلي لا يزال متمركزًا في خمسة مواقع استراتيجية جنوب لبنان، هي تلة الحمامص، تلة العويضة، جبل بلاط، اللبونة، والعزية، بذريعة ما توفره هذه المواقع من ميزات في مجال الرصد والمراقبة.
وتعتبر الدولة اللبنانية هذا التمركز خرقًا واضحًا لسيادتها، موجّهةً نداءات متكررة إلى المجتمع الدولي من أجل التدخل الفوري لوقف هذه الانتهاكات، في ظل استمرار امتناع إسرائيل عن استكمال انسحابها من الأراضي اللبنانية.
وبحسب نص الاتفاق، كان من المفترض أن يتم الانسحاب الإسرائيلي الكامل بحلول 27 كانون الثاني/ يناير الماضي، إلا أن تل أبيب رفضت التنفيذ بحجة أن الجيش اللبناني لم يقم بواجباته في المناطق الحدودية على النحو المطلوب.
وكان اتفاق وقف إطلاق النار قد دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بوساطة أمريكية وفرنسية، بعد نزاع دام أكثر من عام وتحوّل إلى مواجهة مفتوحة منذ أيلول/ سبتمبر من العام نفسه.
ونص الاتفاق على انسحاب مقاتلي حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني، الممتدة على مسافة نحو 30 كيلومترًا من الحدود، مقابل تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في تلك المناطق، لتأمين خطوط التماس مع إسرائيل.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة