عربي21:
2025-05-31@17:41:11 GMT

الأمة.. إشكالية هوية ما بعد التاريخ (4)

تاريخ النشر: 30th, May 2025 GMT

طرحنا في الجزء الثالث من سلسلة مقالات "الأمة.. إشكالية هوية ما بعد التاريخ" سؤال هو إشكالية البحث، وهدف هذه السلسلة من المقالات التي نريد منها، وهو إيقاظ العقل الجمعي للأمة، فإن كنا أثبتنا أننا بالفعل أمة، لا يمكن تجزئتها أو تفريقها، فإن السؤال بعد من نحن، وهو الأهم: ماذا نريد؟

هوية الأمة الإسلامية ليست مجرد شعارات دينية أو مظاهر ثقافية، بل هي بناء متكامل يشمل العقيدة، والقيم، واللغة، وإن تنوعت، تظل العربية رابطا بقوة القرآن، والتاريخ، والنهج الحضاري.

لكن بعد ما استعرضناه في المقالات الثلاثة السابقة، ومقدمتها "تسريبات عبد الناصر وتساؤلات الهوية والقضية"، من مفهوم الأمة وإشكالياتها وتردداتها بين الصعود والهبوط والتحولات، وصولا إلى ما يجمع هذه الكتلة البشرية الكبيرة في البقعة الجغرافية المتصلة، حتى مع احتلال أجزاء منها، فإن فكرة الأمة باقية في ضمير هذه المجموعة البشرية لما يجمعه من عناصر ذكرناها، إلا أن هذه الهوية تواجه اليوم تحديات متعددة تعيق وضوح تصور حقيقي لها، وتدفع بالأمة نحو مزيد من التيه والانقسام.

والسؤال الآن هو: كيف يمكن للأمة الإسلامية أن تتجاوز هذه الإشكاليات؟ ولكي نجيب عن هذا السؤال فإننا أمام سؤال أولي، وهو: ما هي هذه الإشكاليات بالأساس؟ لننتقل فيما بعد الإجابة عنه إلى وضع الخطوات التي ينبغي أن تتخذ لعبور هذه الإشكاليات، وصولا إلى استعادة الأمة مكانتها الحقيقية في هذا العالم الذي يسود فيه الظلم، وتسيطر عليه الأطماع، مع تراجع المبادئ والقيم أمام النزعة الفردانية وتقديس الجسد والمادة، ونهم الاستحواذ من غير ضوابط أخلاقية، والإشكالية الأكبر هي أن هذه النزعة بدأت تتحول من حالة المجموعات المسكونة بها، إلى حالة الدعوة إليها ونشرها، حتى إذا ما أصيب بها الضعيف تقبلها على أنها هي القواعد التي تحكم العالم، ومع تقبله لها فإذا ما حاول أن يخرج من مصاف المستضعفين لينافس مع الأقوياء يجد أن هذه المجموعات المسكونة تحاربه، ليبقى في مربع الاستغلال والاستعباد، ويبتعد عن مصاف الكبار.

ولكي تتجاوز الأمة الإشكاليات التي تقف عقبة في طريقها، عليها أولا أن تعرف الإشكاليات وتقف عندها لتفكيكها، وبالتالي البحث عن حلول لها لتخطيها. ولعلي في هذه السطور، وإن كنت مقصرا، سأضع بعضا مما فتح الله علي؛ مما تلمست من الإشكاليات التي تقف عائقا أمام الأمة.

ولعل أول هذه الإشكاليات هي إشكالية الهوية، وهذه قد تطرقنا لها في مقالاتنا السابقة، وهي محسومة شعبيا وإن اختُلف فيها على المستوى السياسي. وهذا الاختلاف يدفعنا للبحث في شكل نظام الحكم، لا سيما بعد سقوط الخلافة، وهل يجب أن يكون النظام الحاكم لهذه المجموعة البشرية على منهاج الخلافة في العصور الأولى، أم أن العالم بنظمه الجديدة تجاوز ذلك إلى أشكال أخرى، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، أو يمكن الأخذ بفكرة الدولة الفيدرالية، كما هو الحال في أمريكا مثلا، أو أن الأمة يتفتق ذهنها عن نظام جديد بالكلية لا يناظر ولا يتبع النظم الغربية؟

إن شكل الحكم يجرنا إلى نظام وفكرة تطبيق الشريعة، وأي طريقة تتبع لتطبيقها، بعد أن بدأ يتنشر الفكر المقاصدي في مقابل الفكر التقليدي. هذه الإشكالية تفتح الباب أمام مناقشة فكرة الديمقراطية التي باتت الشعوب تنادي بها وتسعى إليها وتندلع الثورات من أجلها، وهل تصلح هذه الديمقراطية بحالتها الغربية للتطبيق على نظم إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية، أم أن الأمة لها أن تتخذ من الشكل إطارا، وتنحت لها في المضامين قواعد لا تخالف الشريعة التي ارتضتها نظاما للحكم.

وتتوازى مع شكل الحكم ونظامه، وإشكالية تطبيق الديمقراطية؛ فكرة الأحزاب وما تتبناه من أفكار، وتواؤمها مع ما سيطبق من نظام سياسي في هذه الأمة، ومن ثم تقف فكرة البرامج التي ستعمل تحت أشكال الحكم ونظمه، كواحدة من ضمن الإشكاليات التي تواجه الأمة. فالأمة تحتاج إلى برنامج اجتماعي محدد المعالم، يزيل عنها الغموض، ويوحد المفاهيم، مع تقدير الاختلافات البينية جغرافيا، ومع مراعاة الأعراف والتقاليد، في مساحات يمكن من خلالها لكل قُطر أن ينفذ برامجه؛ وفق أطر عامة حاكمة. ومن جملة هذه البرامج الاجتماعية، تأتي البرامج التوعوية، والتنويرية، التي تفتح عيون الخاصة قبل العامة بالمخاطر التي تتهددهم، وتحديد أولويات مواجهتها. ومن أولويات هذه المهام، إشكالية الغزو الثقافي والتغريب، ما يجعل من الإعلام أهمية قصوى في تنفيذ هذه البرامج ورفع الوعي والتوجيه للمشروع الجامع، وبالتوازي مع ذلك توحيد الخطاب الدعوي والديني بما يلائم سواد الأمة، مع فتح المجال للاختلافات التي لا تؤثر لا على صلب العقيدة، ولا تحيد عن نهج الشريعة في عموم أحكامها في التعاملات المدنية والمالية.

تتعدد الحلول التي قدمها المفكرون الإسلاميون، وتتنوع بين العودة إلى المنهج النبوي، وتطوير الفكر الإسلامي، وتعزيز الوحدة الإسلامية، والتفاعل الإيجابي مع الحضارة الغربية، والاهتمام بالأقليات المسلمة، ومواجهة الفكر المتطرف الذي أصبح ورما خبيثا ينخر في جسد الأمة، وتنعكس تبعاته عليها أولا قبل انعكاسها على العالم. مع ذلك، فإن فكرة الحلول الفردية للأقطار المسلمة هي حلول وقتية سرعان ما تبوء بالفشل، ولقد تم تجريبها أكثر من مرة وفي أكثر من فترة. لذا فإن العلاج الناجع لأمراض الأمة يكمن في توحيدها وإعادة لُحمتها، من خلال رؤية استراتيجية واعية بالمخاطر والتحديات، وتضع الحلول الجمعية، مع تمايز الأقطار واحترام خصوصيتها. وهذه الحلول لا تحتاج إلى دول، بقدر ما تحتاج إلى جهود مجموعات عمل تتواصل وتتشابك وتنسق.

ولعل من جميل ما أهداه لنا العلم في هذا الزمان؛ وسائل الاتصال المتاحة، وطرق المواصلات السهلة، ويبقى بعد ذلك حسن النية والإخلاص في العمل، ووضع المعايير العلمية ومعايير قياس الأداء محل الاعتبار في هذا العمل، مستفيدين في ذلك بعلم وجهد وأبناء هذه الأمة وهم كثر، مع ضرورة إنكار الذات، وتراجع من لا يرى في نفسه الكفاءة، ليقدم أصحاب الخبرة والهمة والكفاءة. وتبقى هذه الأمة حية ما بقي فيها المخلصون، وهم كثر، فقد أبقاها صلى الله عليه وسلم خالدة حين قال: "الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الأمة هوية الديمقراطية المسلمة اسلام ديمقراطية مسلم هوية أمة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ما بعد

إقرأ أيضاً:

السيد القائد الحوثي: اقتحامات العدو شبه اليومية تهدف لطمس هوية المسجد الأقصى الإسلامية

قال السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي: اقتحامات العدو شبه اليومية تهدف لطمس هوية المسجد الأقصى الإسلامية.. الحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى وفي محيطه تتم بشكل مدروس يهدف في نهاية المطاف إلى هدم المسجد الأقصى.
وأضاف السيد القائد خلال كلمته الأسبوعية اليوم الخميس 2 ذو الحجة 1446هـ الموافق 29 مايو 2025م حول مستجدات العدوان على قطاع غزة والتطورات الإقليمية: بلغت الأنفاق تحت المسجد الأقصى وفي محيطه إلى 27 نفقا وحفرية يسعى العدو من خلالها إلى الوصول بالمسجد الأقصى إلى حالة الانهيار.
وقال السيد القائد: السور الجنوبي للمسجد الأقصى، أصبح معلقاً دون أساسات داعمة وحامية.. العمل الذي يقوم به العدو الإسرائيلي في الأنفاق والحفريات تحت المسجد الأقصى وفي محيطه هو عمل منذ سنوات طويلة وليس شيئاً جديداً.

مقالات مشابهة

  • حسم هوية المقعد الأخير في المونديال
  • له فكرة خاصة..تامر حسني يعلن عن موعد طرح "حبيبي تقلان" من البوم "لينا معاد"
  • كان يبيعها للنازحين.. توقيف مزوّر بطاقات هوية في بعلبك
  • «لسنا أصدقاء».. مجدي عبد الغني يعلق على فكرة الصلح مع كهربا
  • تحديد هوية الإرهابيين المقضي عليهما في خنشلة
  • تحديد هوية الإرهابيين المقضى عليهما في خنشلة
  • “فكرة عيد” فعالية فنية ترفيهية للأطفال في مدينة شهبا بالسويداء
  • السيد القائد الحوثي: اقتحامات العدو شبه اليومية تهدف لطمس هوية المسجد الأقصى الإسلامية
  • رئيس الوزراء يرد على «فكرة» انهيار السوق العقاري وحدوث فقاعة عقارية