في مشهد ليس بالجديد، عاد التوتر الأمريكي الإيراني إلى الواجهة من جديد، بعد تصريحات حادة أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكد فيها أن بلاده لن تسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها.

ومع رفض المرشد الإيراني علي خامنئي لآخر مقترح أمريكي، ودخول قرار حظر دخول رعايا 12 دولة من بينها إيران حيز التنفيذ، باتت مؤشرات التصعيد أوضح من أي وقت مضى، ما يعيد رسم ملامح المواجهة بين واشنطن وطهران في مرحلة حرجة من العلاقات الدولية.

ترامب: "لن يكون لدينا خيار آخر"

على متن الطائرة الرئاسية، وفي تصريحاته مساء الجمعة، جدد الرئيس الأمريكي موقفه الصارم تجاه برنامج إيران النووي، قائلاً: "لن يُخصّبوا.. وإذا خصّبوا فسنضطر إلى التحرك واتخاذ اتجاه مغاير"، وذلك دون أن يفصح عن طبيعة هذا الاتجاه، وإن كانت الإشارة إلى الابتعاد عن مسار التفاوض واضحة.

وأضاف ترامب: "لا أرغب في التصعيد، لكن إن اضطررنا فلن يكون أمامنا خيار آخر"، ما يعكس تناقضًا بين التهديد والحرص على تجنب المواجهة المفتوحة، وإن كان التهديد أكثر وضوحًا وتأثيرًا.

خامنئي يرفض المقترح الأمريكي.. "يتعارض مع مصلحة إيران"

جاء رد إيران سريعًا وحازمًا، إذ رفض المرشد الأعلى علي خامنئي المقترح الأمريكي المرسل عبر وساطة عمانية، والذي تضمن إمكانية التوصل إلى "كونسورتيوم إقليمي" للإشراف على تخصيب اليورانيوم.

واعتبر خامنئي، أن المقترح الأمريكي لا يتماشى مع مصلحة بلاده، مؤكدًا تمسك إيران بحقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، لأغراض وصفها بـ"المدنية".

هذا الموقف الإيراني يزيد من تعقيد المفاوضات التي كان من المرتقب أن تنطلق جولتها السادسة قريبًا، في إطار محادثات غير مباشرة بين البلدين، تجرى برعاية سلطنة عمان منذ أبريل الماضي.

المفاوضات.. تقدمٌ هشّ وسط خلاف جوهري

خلال خمسة جولات سابقة من المحادثات، أبدى الطرفان إشارات على تحقيق بعض التقدم، لكن الخلاف الأساسي بقي قائمًا.. هل يمكن لإيران مواصلة التخصيب على أراضيها؟

واشنطن، من جهتها، تصر على إنهاء هذا النشاط تمامًا، باعتباره بوابة محتملة لصنع سلاح نووي، وهو ما تنفيه طهران باستمرار، مؤكدة أن برنامجها لأغراض سلمية فقط.

ويشكل هذا الخلاف قلب الأزمة، إذ لا يبدو أن أياً من الطرفين مستعد للتنازل، مما يدفع بالمفاوضات نحو مأزق حقيقي.

تصعيد على جبهة أخرى.. قرار حظر السفر يُشعل غضب طهران

لم يتوقف التوتر عند الملف النووي، بل امتد إلى قرارات داخلية اتخذتها إدارة ترامب، كان لها أثر بالغ في إثارة الغضب الإيراني. فقد أعلن البيت الأبيض حظر دخول رعايا 12 دولة إلى الولايات المتحدة، من بينها إيران، بدءًا من التاسع من يونيو، بزعم حماية البلاد من الإرهابيين الأجانب.

القرار أثار استنكار طهران، حيث وصفه علي رضا هاشمي رجا، مدير شؤون الإيرانيين في الخارج، بأنه دليل واضح على هيمنة النزعة التفوقية والعنصرية على صانعي السياسات الأمريكيين.

كما اعتبر أن هذا القرار يُظهر العداوة العميقة لصانعي القرار الأمريكيين تجاه الشعب الإيراني، في تصريحات نقلتها وكالة فرانس برس.

منع السفر.. بين الأمن واتهامات بالعنصرية

الحظر الجديد ليس الأول من نوعه، إذ سبق أن فرض ترامب خلال ولايته الأولى قرارًا مشابهًا استهدف سبع دول ذات غالبية مسلمة، قبل أن تؤيده المحكمة العليا الأمريكية في 2018 بعد سلسلة من الطعون القانونية.

في نسخته الأخيرة، شمل القرار دولًا مثل إيران، ليبيا، الصومال، السودان، واليمن، مع تعليق دخول رعايا من دول أخرى مثل فنزويلا وكوبا ولاوس، مما وسع من نطاق الحظر ليشمل دولًا مختلفة.

إدارة ترامب بررت القرار بضرورات "الأمن القومي"، بينما رأت فيه دولٌ عدة، بينها إيران، خطوة عدائية تعكس سياسة "عنصرية مقنّعة".

إيران ترى في السياسة الأمريكية استهدافًا ممنهجًا

في سياق متصل، يرى العديد من المسؤولين الإيرانيين أن السياسات الأمريكية تجاه طهران ليست سوى انعكاس لاستراتيجية أوسع تهدف إلى خنق إيران سياسيًا واقتصاديًا، عبر الضغط المزدوج من جهة فرض العقوبات الاقتصادية القاسية، ومن جهة أخرى تقييد حركة الإيرانيين وممثليهم عبر العالم.

ويرى محللون أن هذا الحظر يُرسل رسالة بأن إدارة ترامب لا تميز بين الحكومة الإيرانية والشعب، مما يعمّق الهوة بين البلدين، ويزيد من صعوبة الوصول إلى أي حل دبلوماسي قريب.

عمان.. الوسيط المحايد على خط الأزمة

وسط هذا التصعيد، تستمر سلطنة عمان بلعب دور الوسيط، محاوِلة الحفاظ على خيط التواصل بين الطرفين. فطهران وواشنطن، على الرغم من تصلبهما، لا تزالان تفضّلان عدم الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة.

وقد ساعدت عمان سابقًا في تسهيل الاتفاق النووي عام 2015، وهي تعود اليوم لنفس الدور، لكن ضمن بيئة أكثر توترًا وتعقيدًا.

المستقبل القريب.. إلى أين تتجه الأزمة؟

المعادلة تبدو مشبعة بالمتغيرات، لكن الثابت الوحيد فيها هو استمرار التباين الحاد في المواقف. تصريحات ترامب الحازمة، ورفض خامنئي القاطع، ومناخ إقليمي مأزوم، كلها عوامل تجعل من احتمالات التوصل إلى اتفاق قريبة المدى شبه معدومة.

كما أن دخول قرارات الحظر الجديدة حيز التنفيذ، سيوسع من هوة الشك وسوء الظن بين الجانبين، ويُصعّب مناخ الحوار السياسي والدبلوماسي.

خلاف لا ينطفئ.. فهل يندلع؟

الملف الإيراني الأمريكي يبقى واحدًا من أكثر ملفات الشرق الأوسط تعقيدًا. بين لغة التهديد الأمريكية، وتمسك إيران بمواقفها، تقف المنطقة على حافة خيارات صعبة. فهل نحن أمام تصعيد محسوب ينتهي بمفاوضات جديدة، أم بداية مرحلة أكثر خطورة في مسار النزاع؟.. مما يبدو واضحًا أن الأطراف الفاعلة، سواء كانت في واشنطن أو طهران، تدرك أن أية خطوة متهورة قد تُشعل فتيل أزمة إقليمية واسعة، لكن حتى ذلك الحين، سيبقى العالم يراقب كل كلمة وكل قرار يصدر عن الطرفين، لأن تداعيات هذه المرة قد تكون أوسع من مجرد تصريحات.

طباعة شارك ترامب أمريكي إيران حظر السفر طهران

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ترامب أمريكي إيران حظر السفر طهران

إقرأ أيضاً:

حافة السؤال

حمد الصبحي

"لكل زمان حكاية.. الأسئلة التي لا نجرؤ على نطقها، تُقيم فينا أكثر مما تفعل الأجوبة".

لا أتذكر من قال هذه الجملة، لكن في الغالب أقرب إلى قلب الشاعر محمود درويش، وحده من يفيض بهكذا مفردات، وحسّه العالي المُفرط بالسؤال في نهر كلماته، كأثر الفراشة. ولأن الأسئلة دائمًا ما تجرح الذاكرة، نقيم لها الأرض. لذلك وجدتُ من هذه الجملة مدخلًا لتبدأ الحكاية، حكاية السؤال ونهر كلماته في أفقه المتسع والمتشظي في الغالب.

 ولأننا نحتاج دومًا إلى الإجابة كحالة تأملية وفلسفية، فإن السؤال هو جوهر الكلمات الطافحة بالأمل، لذلك علينا أن نكتب، فهي سر كل شيء، وبقاء كل شيء. ولأننا نحتاج إلى إجابة تُصرَع الحاضر وحمولاته، ونغرق بمعرفتنا بإجابة واحدة، فكان لا بد من دفع الأشياء في صباحاتنا الأولى؛ نكتب عن كل شيء، وفي كل شيء، نكتب عمّا يدور حولنا من تفاصيل صغيرة، وهي كبيرة، وفي الكتابة أكثر من حلم بذرناه في شرفة الصباح الجديد.

نكتب لأننا عالقون في الأسئلة الكبرى، نبحث عن إجابة لها. لذلك قررتُ، وبعد انقطاع طويل نسبيًا عن الكتابة في الصحافة اليومية، أن أكتب في زاوية أسبوعية تُنهي أجراس القطيعة مع اليومي والسائد، مع السؤال وإجابته، على اعتبار أن الحياة تستحق الكتابة عنها، وفي كل فصولها، محاولًا التقاط ما يمكن التقاطه.

تبدأ الحكاية وأنت في خروجك من المنزل؛ ترى عمّال النظافة وهم يكنسون الأرض مما لفظه الليل، ترقب المحلات في شهيّتها الأولى، تُحدّق في وجوه الناس، ترى كل شيء من حولك بفرحه وحزنه، في شكله وتعبه. وعندما تذهب إلى مكاتب الخدمات، عليك أن تكتب؛ تكتب عن موظف يبتسم رغم ضيق الحال، تكتب عن خبر في الجريدة يرفع من منسوب الأمل عند الموظف، تكتب عن حقوقه وواجباته، تكتب عن المرأة العاملة، تكتب عن القوانين الجديدة لوزارة العمل، عن الأفق والرؤية الوطنية، عن التأهيل والتدريب، عن رأس العمل والمقرون بالعمل، عن رواق المؤتمرات والندوات، عن كلام المسؤولين وصنّاع القرار، عن المستقبل الجديد. نكتب على عجل، قبل أن تبرد قهوتنا.

نكتب لنقرأ، ليس بالضرورة عن الرواية أو القصيدة أو المسرح، وهذا الأخير هو مسرح الحياة في ضميره المتكلم والصامت. سنقرأ جميعًا لنكتب؛ الكتابة هنا ليست وصفة بقدر ما هي سؤال، وعند حافة السؤال تبدأ أصل الحكاية.

في هذه الزاوية التي اشتقنا إليها في كل صباح وكل أحد، سنبدأ الحكاية مع العامل، كما كتب عنه ماركس وأنصفه وانتصر له. سنتحدث عن الحياة من زوايا مختلفة، ومن هوامش عدة: عن الحياة وقوانينها، عن الموظف في قطاعيه، وعن الأمل بينهما، من هموم إلى طموح، ومن انكسار إلى مجد، ومن أمل إلى إخفاق. سنكتب عن العمل خطوة بخطوة، عن حزمه ومزاياه، سنكتب بحب عن العدالة والإنصاف، وهناك قوانين لزم أن تُنصف كونها تُحقق العدالة، "من الضوء الخافت في المكاتب إلى ضوء الشمس المكسور على الأرصفة".

وعند حافة السؤال، علينا أن نرفع الصوت، لأننا جزءٌ من هذا السِّبْر اليومي، حالنا كحال الريح في العدم، نعمل لنعيش. أن نبقى، علينا أن نتكلم عن الطريق، وعن المكتب، عن الوظيفة وقانون العمل، وعمّا يدور حول الوظيفة العامة، وعن كواليس المسؤول، وعن واقع الحدّ الأدنى من الحلم.

سنكتب عن كل شيء، وفي الكتابة قراءة، الحقوق أولها. سنكتب عن خيوط الشمس وهي تبزغ على أرضنا الطيبة، سنكتب عن بذرة أحلامنا، سنكتب بأملٍ وخسارات، عن موظف مهزوم وناجح. سنكتب عن العلاوة السنوية التي ينتظرها بشغف ليُؤثّث حياته ويفرح سؤال طفله، عن عقد العمل خارج حلق المؤثرين، سنكتب عن ساعات النهار تحت الشمس الحارقة، عن المكتب والضوء الخافت، عمّن يقرأ جريدة الصباح ويشرب شاي الكرك، سنكتب عن إجازة الأبوة، سنكتب عن ساعات العمل خارج المكتب، عن الساعات الإضافية ومهام العمل، سنكتب عن كل شيء؛ عن ملف الباحثين عن عمل، وماذا يتوجب عليهم فعله، سنكتب عن الفرص المهدورة، وعن العمل الحر، سنكتب عن وظائف الدنيا، وما أجملها من وظائف.

سنكتب ونسأل: هل الموظف شريك، أم رقم في جدول الرواتب؟ أم أنه تخطّى سلالم خريطة الصباح وهو في طريقه للعمل، ليكون خارج الدوائر وخارج إيقاع الزمن؟

مقالات مشابهة

  • رئيسة المفوضية الأوروبية وترامب يجتمعان في اسكتلندا
  • حافة السؤال
  • عقوبات أمريكية جديدة على كوريا الشمالية.. وترامب يلوّح بإحياء المفاوضات
  • محادثات إيران مع الترويكا الأوروبية.. مناورة دبلوماسية أم محاولة جادة لتفادي المواجهة؟
  • القضاء الأمريكي يوقف قيود ترامب على منح الجنسية بالولادة
  • رئيس مجلس الشورى الإيراني: إيران أصبحت واحدة من القوى الخمس العالمية الأفضل في الجو فضاء
  • عشية محادثات الترويكا.. رسالة حاسمة من عراقجي بشأن التخصيب
  • الرئيس الإيراني: أزمة المياه قد ترغم سكان طهران على الانتقال منها
  • الرئيس الإيراني: أزمة المياه قد تجبر سكان طهران على المغادرة
  • الخدمات النيابية:العراق مهدد مائيًا من قبل إيران وتركيا