بعد ضرب إيران.. نتنياهو يشعل فتيل الخطر النووي
تاريخ النشر: 14th, June 2025 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
هذه حرب مضى على ملامحها ثلاثون عامًا، فمنذ تسعينيات القرن الماضي، لم يكف بنيامين نتنياهو عن التحذير من خطر امتلاك إيران قنبلة نووية، معتبرًا أنها التهديد الوجودي الحقيقي لإسرائيل، وأن الوسيلة الوحيدة لمنعه هي القوة العسكرية، وعلى مدار سنوات حكمه، كانت فكرة توجيه ضربة شاملة إلى المنشآت النووية الإيرانية حاضرة دومًا، تُدرَس وتُناقَش وتُخطَّط.
قد يشعر نتنياهو بالرضا عن النتائج الأولية، لا سيما مع اغتيال قادة عسكريين بارزين وعلماء في المجال النووي الإيراني، غير أن العواقب بعيدة المدى قد تكون عكس ما يأمل، إذ لربما عجّل بهذا الهجوم من تحقق الخطر الذي طالما سعى لتجنّبه.
من السهل فهم دوافعه، فخطابه الأخير أعاد استحضار أكثر اللحظات ظلمة في تاريخ اليهود، ليؤكد أن إسرائيل لن تسمح لنفسها أبدًا بأن تكون فريسة لـ«هولوكوست نووي»، لكن وراء هذا الموقف الثابت، لعب التوقيت دورًا حاسمًا، حيث إن النظام الإيراني يمرّ بمرحلة ضعف استراتيجي غير مسبوقة.
لقد اعتمدت طهران طويلًا على شبكة من الحلفاء والوكلاء لتشكيل «طوق ناري» يحيط بإسرائيل، من نظام الأسد في سوريا، إلى حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والحوثيين في اليمن، فضلًا عن «ميليشيات» موالية لها في العراق، أما اليوم، فقد تغير المشهد كليًا، فبشار الأسد غادر السلطة، وخلفه رئيس جديد يتقرب إلى واشنطن بدلاً من طهران، والحوثيون أبرموا اتفاقًا مع الولايات المتحدة، بينما حزب الله ما زال يتخبّط دون قيادة واضحة بعد الهجمات الإسرائيلية السابقة، والعراق لم يعد فاعلًا كما كان، أما حماس، فقد أُبيدت قيادتها وتحوّلت غزة إلى أطلال.
وفوق هذا كله، فإن الضربات الإسرائيلية الأخيرة ردًا على هجمات إيرانية في أبريل وأكتوبر 2024، أضعفت الدفاعات الجوية الإيرانية بشدة، ما شجع مخططي الحرب في تل أبيب على اعتبار أن اللحظة مواتية تمامًا للهجوم.
ثم جاءت مناسبة تُضفي على التحرك طابعًا دوليًا، وإن كان رمزيًا، إذ أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران انتهكت التزاماتها لأول مرة منذ نحو عشرين عامًا. وكان لذلك وقع سياسي داخلي أيضًا، فقد استخدم نتنياهو التهديد الإيراني لتثبيت أركان ائتلافه الحكومي، محذرًا من أن هذا ليس وقت إجراء انتخابات مبكرة.
ومن العوامل التي ربما أثارت قلقه بشدة الاجتماع المرتقب في سلطنة عمان بين مبعوث ترامب الخاص ونظيره الإيراني، وهو اللقاء السادس بينهما، هل خشي نتنياهو أن يسفر هذا الحوار عن صفقة مشابهة لاتفاق أوباما النووي، تُتيح لإيران تخصيب اليورانيوم في ظل رضا أمريكي ورفض إسرائيلي؟ سبق أن أقنع نتنياهو ترامب عام 2018 بتمزيق ذلك الاتفاق، لكن تكرار السيناريو ذاته بتوقيع ترامب هذه المرة كان أمرًا لا يمكن السماح به.
وفقًا لهذا التحليل، فإن إسرائيل تمردت على رغبة حليفها الأكبر. فقد سارع وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إلى التوضيح بأن الهجوم كان «أحاديًا» وأن واشنطن «ليست طرفًا فيه». بل إن ترامب نفسه، قبل بدء الضربة بساعات، قال: «أفضّل تجنب الصراع»، مؤكدًا أن المفاوضات مع إيران كانت قريبة من النجاح، لكنه أضاف لاحقًا، في تصريحات توحي بالتناقض: «ربما يفيدهم هذا الهجوم ويدفعهم للتفاوض بجدية أكبر».
وعندما بدأت الغارات، أثنى ترامب عليها وصرح: «لقد أتيحت لهم الفرصة، لكنهم لم يغتنموها، والآن تلقّوا ضربة موجعة... وهناك المزيد في الطريق». وربما كانت تلك طريقته في حفظ ماء الوجه، إذ يبدو أنه يفضّل نسب الفضل لنفسه بدلاً من الاعتراف بأن إسرائيل خالفت توجهاته.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل ما فعله نتنياهو كان حكيمًا؟ البعض يعتقد أن إسرائيل أخطأت التقدير، وأن بعض الدول العربية التي تعاونت معها سرًا ضد إيران لن تكرّر ذلك هذه المرة. غير أن هذا قد يكون خلطًا بين الغضب الشعبي والرضا الخفي، فثمة أصوات في المنطقة (...) تشعر بالشماتة تجاه ما لحق بإيران، بسبب معاناتها من نفوذها لسنوات.
من جهة أخرى، هناك من يرى أن الضربة -رغم دقتها وشراستها- لن تنجح في وقف مشروع إيران النووي. فموقع نطنز، رغم استهدافه، يحوي منشآت مدفونة عميقًا يصعب تدميرها، وكذلك موقع فوردو المحصّن داخل جبل، ولا يمكن الوصول إليه إلا بقنابل خارقة للأعماق، والتي قد لا تكون فعالة حتى لو استخدمت.
لكن الأخطر من ذلك هو الأثر النفسي والسياسي، فالهجوم قد يعزز قناعة المتشددين في طهران بالحاجة الماسة إلى امتلاك سلاح نووي، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية. فقد تخلت ليبيا عن برنامجها النووي، ثم انتهى الأمر بقائدها مقتولًا، وتنازلت أوكرانيا عن ترسانتها، فتعرضت لاحقًا للغزو، أما بيونج يانج، فاحتفظت بقنابلها، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها.
ويبدو أن هذه القناعة بدأت تتبلور، إذ قالت الحكومة الإيرانية الجمعة: «العالم صار يدرك الآن مشروعية تمسكنا بالتخصيب والتقنية النووية والقدرات الصاروخية». هذا التصريح يوحي بإصرار مضاعف.
وحتى إن لم تنجح إيران في حيازة القنبلة، فإن الرسالة وصلت إلى دول الجوار، فالسعودية وتركيا، وإن لم تسعيا فورًا لبرامج نووية خشية الاستهداف، إلا أنهما لن تقبلا أن تكونا نسخة من ليبيا أو أوكرانيا، وقد تفكران في اتباع نهج كوريا الشمالية. هكذا يصبح السلاح النووي أكثر إغراءً، وتصبح منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني أصلًا من التوتر، أكثر اشتعالًا.
صحيح أن نتنياهو قد يخوض الانتخابات المقبلة باعتباره الزعيم الذي ألحق هزيمة رمزية بألدّ أعداء إسرائيل. وسيجد في ذلك ورقة انتخابية رابحة. لكن الثمن قد يكون اقتراب الكابوس النووي من حدود إسرائيل. وهو خطر لا يهددها وحدها، بل يهدد العالم بأسره.
جوناثان فريدلاند هو كاتب عمود بصحيفة الجارديان.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
توترات إسرائيل على إيران يشعل الأسواق.. أسعار النفط تواصل الصعود ومخاوف من اضطرابات في الإمدادات
صعدت أسعار النفط العالمية اليوم السبت 14 يونيو 2025، مدفوعة بتفاقم التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، بعد التصعيد العسكري المتبادل بين إسرائيل وإيران، والذي أعاد المخاوف بشأن استقرار إمدادات الطاقة من أحد أكثر الممرات النفطية حساسية في العالم.
مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران.. قفزات حادة في أسعار النفط
بلغ خام برنت ارتفاعًا ملحوظًا متجاوزًا مستوى 88 دولارًا للبرميل، فيما صعد خام غرب تكساس الوسيط (WTI) إلى 84.2 دولارًا للبرميل، وفقًا لبيانات منصات التداول العالمية، وسط موجة شراء مدفوعة بتوقعات انكماش المعروض حال امتد الصراع إلى دول الجوار أو أثّر على حركة الملاحة في مضيق هرمز الحيوي.
ويُعد مضيق هرمز شريانًا رئيسيًا لتصدير النفط من الخليج العربي إلى الأسواق العالمية، حيث يمر عبره نحو خُمس الاستهلاك العالمي من الخام.
وأي تهديد لتدفق النفط من هذه المنطقة يؤدي غالبًا إلى قفزات حادة في الأسعار بفعل مخاوف من نقص الإمدادات وارتفاع تكاليف النقل والتأمين.
كما تزايدت حدة الترقب في الأسواق وسط تحذيرات من احتمال فرض عقوبات جديدة أو توسيع دائرة النزاع لتشمل منشآت نفطية إيرانية أو بنية تحتية إسرائيلية، ما قد يُشعل موجة مضاربات جديدة في أسواق الطاقة العالمية.
وأشارت تقارير إلى أن بعض شركات الشحن بدأت بالفعل في مراجعة مساراتها البحرية، في ظل تزايد المخاطر التشغيلية.
احتمالات بزيادة الارتفاعوأكد محللون أن أسعار النفط قد تواصل الصعود على المدى القصير إذا استمرت التوترات دون وجود ممر دبلوماسي واضح لنزع فتيل الأزمة، كما أن الأسواق تتفاعل حاليًا مع عامل الخوف أكثر من الأساسيات الفعلية، وهو ما يعزز من التقلبات الحادة في الأسعار.
وتأتي هذه التطورات في وقت حساس للاقتصاد العالمي، الذي يعاني بالفعل من تباطؤ في النمو وتضخم مرتفع، ما يجعل ارتفاع أسعار الطاقة عاملًا إضافيًا للضغط على السياسات النقدية والأسواق المالية، ويعيد إلى الواجهة مخاوف "ركود تضخمي" مماثلة لما شهدته الأسواق في أزمات سابقة.