عربي21:
2025-08-03@05:09:04 GMT

العمل السياسي: من تأسيس التنظيم إلى تأسيس البودكاست

تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT

ما لفتَ نظري لكتابة هذا المقال، أني، ومنذ السابع من أكتوبر، قد شاهدت كثيرا من حلقات البودكاست التي تروي التجارب التاريخية والأيديولوجية في العمل التنظيمي للحركات والأحزاب السياسية، في مصر ولبنان وسوريا والأردن وفلسطين وغيرها من بلدان منطقتنا العربية. وهنا المقال ليس نقدا لصناعة المرئيات وفي قلبها البودكاست، بل هو محاولة لسؤالك هل انتقلنا من زمن الفعل السياسي لزمن الحكي السياسي؟

منذ بضع سنوات أصدر المركز العربي لدراسة السياسات والأبحاث سلسلة "مذكرات"، وهي تعنى بنشر وتحرير ونقل تجارب شخصيات تاريخية ومعاصرة نظموا وشاركوا في العمل السياسي والفكري والعسكري.

أيضا، منذ سنوات، برنامج بذات الاسم "مذكرات" على قناة العربي يتناول سير أهم الشخصيات السياسية والفكرية والرسمية الذين تركوا أثرا في تاريخ المنطقة العربية، مثل أبي ماهر اليماني، شفيق الحوت، فاروق الشرع، على القزق، دلال بزري، جورج حبش، كمال عدوان، وغيرهم من شخصيات عاشت ورحلت بتاريخ وأحداث مثيرة غير عادية.

الاطلاع على ما في داخل هذه المذكرات فضلا عن الأحداث المعقدة؛ تعطيك إدراكا أوسع لفهم حجم التفاصيل التي مرَّ بها التاريخ السياسي والفكري للمنطقة العربية في القرن الماضي، لا سيما النصف الثاني منه، هذا بجانب إدراك المجهود الكبير الذي بُذل في تأسيس العمل السياسي بما يشمل من تدوين فكري مُتباين، ومختلف عليه، ما يُؤسس فيما بعد لعمليات انشقاق وتأسيس تنظيمات جديدة. أيضا توضح لك تفاصيل الأحداث، كما في مذكرات السياسي الفلسطيني شفيق الحوت، كيف ساعد عمل التنظيمات غير المهني؛ لماذا في وقتنا الحالي لا نفكر في إعادة تأسيس تنظيمات سياسية أخرى، نعمل من خلالها لتحقيق مفاهيم الحرية والتحرر، ونتعلم مِن أخطاء مَن سبقونا؟ ولماذا صِرنا نكتفي بقراءة الماضي وسرده في برامج البودكاست وكتابة المقالات دون أن نمارس السياسة في حاضرنا؟من حيث توظيف الكفاءات والاستفراد بالقرار السياسي وعدم وجود الشفافية، إلى انحدار هذه التنظيمات وموتها تدريجيا بفعل عدم قدرتها على التعاطي مع التغيرات الداخلية والخارجية، مستحضرا حركة فتح كمثال قوي على هذا الانحدار.

كذلك في حوارات جورج حبش التي صدرت العام الماضي، بتحرير الباحث والكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر، حيث يجيب "الحكيم" على عشرات الأسئلة التي وُجهت له من قبل المناضَلين الراحلَين شريف الحسين وسائدة الأسمر. من إجابات حبش، نفهم حجم الصعوبات التاريخية التي تأسست عليها هذه التنظيمات، وحجم المعاناة التي خاضتها قادة هذه الحركات من أجل تحقيق أهدافها، سواء معاناة الحشد والاستقطاب وجمع الأموال والسلاح والتنسيق والتخطيط والتحالفات مع الأنظمة البعثية والقومية، مثل نظاميَّ سوريا الأسد ومصر عبد الناصر.

مع كل هذه الكواليس التي أقرأها، وأحاول من خلالها فهم كيف كانت تتأسس وتعمل التنظيمات وسط مناخ فكري نشِط، أتساءل: لماذا في وقتنا الحالي لا نفكر في إعادة تأسيس تنظيمات سياسية أخرى، نعمل من خلالها لتحقيق مفاهيم الحرية والتحرر، ونتعلم مِن أخطاء مَن سبقونا؟ ولماذا صِرنا نكتفي بقراءة الماضي وسرده في برامج البودكاست وكتابة المقالات دون أن نمارس السياسة في حاضرنا؟

والإجابة على أسئلة مثل هذه تتطلب طرح أسباب وقراءات ورؤى كثيرة، لكني هنا أود ذكر بضعة أسباب رئيسية بإيجاز؛ وهي أن واقع الأنظمة العربية وقتها سمح بتأسيس هذه التنظيمات لأسباب متباينة. لبنان كان ساحة سياسية لهذا التأسيس، ومن ثم قابلية أنظمة مصر وسوريا والأردن والعراق، والكويت من بعدها، ولم يكن لديها مانع في وجود بعض هذه التنظيمات حتى لو حاربت وجودها فيما بعد، فكانت أنظمة برغم استبدادها تحمل أيديولوجيات "تحرّرية"، وإن كانت شكلية في الممارسة. أما الأنظمة الحالية، فهي أنظمة قمعية تحظر الجماعات والتنظيمات وتنشئ وتترك الأحزاب المؤيدة لها كي تصفق لها في البرلمانات على التعديلات الدستورية فحسب، كما أنها لا تحمل أي أيديولوجيات، بل هي أنظمة ترعى بيدها الأمنية قوى النيوليبرالية وسردياتها المُتجددة من أجل السوق والربح.

نعيش في حالة صراع قوي مع كل المنظومات التي تُدير حياتنا والتي تُبعدنا عن العمل السياسي، بشكل مباشر قمعي أو غير مباشر، رمزي ومفاهيمي. لكن الجزم بأن حالة الموات السياسي مستمرة لزمن طويل ليس حتميا، بل هي حالة ظرفية، ربما تطول وتقصر حسب التغيرات التي تمر بها الحالات الاجتماعية والفكرية للشعوب العربية
من جانب آخر، نحن في عصر الإعلام الرقمي، الصورة والفيديو وكافة أشكال الظهور المرئي. هذا العصر وفَّر فضاءات كثيرة للوجود والشهرة، أي نيل الاعتراف، والكلام عن السياسة لا العمل من أجلها، فضلا عن التربّح المالي سواء الذي توفره المؤسسة لمقدّمي المحتوى أو حتى الذي توفره المنصات ذاتها مثل فيسبوك ويوتيوب وغيرهما بسبب المشاهدات. الآن، الكلام عن السياسة، في أحايين، يجلب الراحة من حيث الوجود والاعتراف والمال، عكس العمل من أجلها، فالثاني يجلب المتاعب والسجون وكل تمثلات العذاب، الأول يتطلب الظهور والثاني يتطلب الخفاء، وربما لم يعد كثيرا يتحمّل مشقَّات القهر والقمع.

هنا أيضا، يجب فهم أن الشعوب العربية، بما فيها من نخب ثقافية وصحافية وسياسية وغيرها ممن عملت في الشأن العام، هي نخب مُنهكة، فقد طالها القمع في الميادين والسجون والمنافي، من ستينات القرن الماضي وصولا إلى ثورات الربيع العربي، وربما لم تعد هذه الأجيال قادرة على المواجهة وبناء الفعل السياسي ذاته، على قدر ما هي قادرة عن الكلام واسترجاعه وغير ذلك.

من هنا، ربما نحاول أن نرى أو نستشرف الماهية السياسة للأجيال القادمة في منطقتنا العربية، والتي لم تتعرض لتجارب قمعية استطاعت تذويب واستنفاد طاقتها في العمل والبناء، لكنها أجيال نشأت في حرب مع أنظمة وسرديات ليست قمعية بالمعنى المباشر، بل سرديات تمتلك عنفا رمزيا، غير مرئي، عنفا أيديولوجيا متمثلا في مفاهيم صاعدة جديدة ترعاها منظومات اقتصادية وتقنية وثقافية تحاول القضاء على العمل السياسي، والتفرغ فقط للعمل من أجل ظهور الذات فحسب؛ راحتها وتلميعها وشهرتها وفردانيتها وابتعادها عن كل ما يمثل الآخر من أفراد أو تنظيمات.

نحن نعيش في حالة صراع قوي مع كل المنظومات التي تُدير حياتنا والتي تُبعدنا عن العمل السياسي، بشكل مباشر قمعي أو غير مباشر، رمزي ومفاهيمي. لكن الجزم بأن حالة الموات السياسي مستمرة لزمن طويل ليس حتميا، بل هي حالة ظرفية، ربما تطول وتقصر حسب التغيرات التي تمر بها الحالات الاجتماعية والفكرية للشعوب العربية، فكل عقد يختلف عن سابقه، من حيث تطورات وتغيّرات المفاهيم والتمثلات للمجتمعات. ربما في سنوات قادمة، ننتقل أو نحاول العمل السياسي مع الكلام في تاريخ السياسة ذاتها، فيكون الوعي والعمل، البودكاست والتنظيم، أدوات وفضاءات مشتركة تُكمل بعضها نحو تحقيق مزيد من الحرية والكرامة والمساواة والعدالة لمنطقتنا العربية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء التنظيمي العربية الأحداث الحرية السياسة حرية سياسة عرب تنظيم أحداث قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العمل السیاسی هذه التنظیمات التی ت

إقرأ أيضاً:

مها أبو الوفا رشوان.. شابة من صعيد مصر تقتحم ميادين السياسة على خطى والدها

في وقت تتجه فيه الأنظار نحو تمكين الشباب والمرأة داخل العمل العام، تبرز مها أبو الوفا رشوان كأحد الوجوه الجديدة التي تجمع بين الإرث العائلي العريق، والكفاءة المهنية العالية، والطموح السياسي الصاعد، في مشهد متجدد يعبّر عن تحوّلات حقيقية داخل المجتمع المصري.

تنتمي مها إلى واحدة من العائلات المعروفة في صعيد مصر، فهي الابنة الوسطى للواء أبو الوفا رشوان، أحد أبطال حرب أكتوبر، والرئيس السابق للسكرتارية الخاصة للرئيس الأسبق حسني مبارك، وهو ما منحها خلفية قوية عن معنى الانتماء الوطني والعمل العام من موقع المسؤولية، لكنها لم تتكئ على هذا الإرث فقط، بل اختارت أن تخط لنفسها مسارًا مختلفًا يعتمد على الاجتهاد والتعليم والعمل الميداني.

درست مها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتخصصت في الإعلام – قسم التسويق والاتصال المؤسسي، ثم أكملت دراساتها بمجال إدارة الأعمال والأنثروبولوجيا، وهو ما مكّنها من تطوير نظرة عميقة ومختلفة لإدارة العلاقات المؤسسية والسلوك البشري داخل سوق العمل، خاصة في مجالات الضيافة والسياحة.

اقتحمت التسويق بخطى واثقة

بدأت مسيرتها العملية في قطاع التسويق بإحدى الشركات القابضة، قبل أن تلتحق بشبكة فنادق ومنتجعات "روتانا"، حيث أثبتت نفسها كواحدة من الكفاءات الصاعدة، لتتدرج سريعًا حتى شغلت منصب مديرة التسويق الإقليمي. وفي وقت لاحق، انتقلت إلى سلسلة "ريستا" الفندقية لتقود حملاتها داخل مصر ولبنان، وتساهم في تطوير صورة العلامة التجارية وتعزيز حضورها عبر المنصات الرقمية.

لم يكن نجاح مها في القطاع السياحي عاديًا، بل حصدت عدة إشادات دولية، كان أبرزها اختيارها ضمن قائمة أفضل 100 قائد تسويق في الشرق الأوسط لعام 2023، وفقًا لتصنيف Hotelier Middle East، تقديرًا لدورها الريادي في تحويل حسابات الفنادق المصرية إلى منصات جذب إلكتروني ومجتمعي.

امتداد النجاح المهني لعالم السياسة

وبالتوازي مع هذا النجاح المهني، قررت مها أن تمتد بخبراتها إلى ساحة العمل السياسي، لتضع بصمتها في مجال طالما هيمنت عليه الوجوه التقليدية، فانضمت إلى أمانة الشباب المركزية بحزب الجبهة الوطنية، كخطوة تعكس إيمانها العميق بدور الشباب في صنع القرار، وقدرتهم على صياغة واقع جديد يعبّر عن أحلام الناس، وخاصة في الصعيد.

وترى مها أن ما تعلمته من عالم التسويق – من استماع للناس، وفهم للمتغيرات، وصناعة حلول حقيقية – يمكن نقله إلى السياسة من أجل بناء خطاب جديد يتصل مباشرة بالمواطن، ويؤسس لحالة من التفاعل بين ممثلي الشعب والناس في الشارع.


رحلة مها أبو الوفا رشوان ليست مجرد قصة نجاح شخصي، بل نموذج مصري لامرأة طموحة، بدأت من التعليم والعمل، وتمددت إلى السياسة والمجتمع، لتؤكد أن التغيير يبدأ حين تمتلك القدرة على ربط المسارات المختلفة في مشروع وطني شامل.

طباعة شارك مها أبو الوفا رشوان حزب الجبهة الجبهة الوطنية البرلمان النواب

مقالات مشابهة

  • مشروع مسام يعلن عن كمية الألغام التي انتزعها في اليمن منذ انطلاقته وحتى نهاية يوليو المنصرم
  • التنظيم أم الهيمنة؟ قراءة دستورية ومقارنة دولية في مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة بالمغرب
  • مفكر سياسي: ترامب أدخل حالة الفوضى التي حاول من خلالها التحكم بكل مفاصل الدولة
  • مها أبو الوفا رشوان.. شابة من صعيد مصر تقتحم ميادين السياسة على خطى والدها
  • السياسة وثقافة العولمة
  • بعد إعلان شركة التنظيم .. ويجز ينفي إحياءه حفلا غنائيا فى دبي
  • مصطفى بكري يكشف خطة التنظيم الدولي للإخوان الإرهابية وإسرائيل لإرباك الدولة المصرية «فيديو»
  • واشنطن تصعّد حربها على القاعدة في اليمن.. مكافآت ضخمة لوقف تمدد التنظيم
  • السوداني يوجه بإزالة جميع المعوقات التي تعترض مشاريع الطاقة
  • قوى تحذر أصحاب عقود العمل المنتهية بتحول حالتهم إلى هروب