يشهد الداخل الإسرائيلي جدلا واسعًا حول حقيقة الخسائر التي تكبدتها إسرائيل نتيجة الهجمات التي تشنها إيران في العمق الإسرائيلي، وسط اتهامات للحكومة والجيش بتعمد التعتيم، وظهور أصوات تشكك في قدرتهما على حماية المدنيين ومنع تصاعد الهجمات الإيرانية.

وبشأن الأرقام الواقعية لخسائر إسرائيل في هذه المواجهات، يرى محللون وباحثون -تحدثت إليهم الجزيرة نت- أن إسرائيل لا تتعمد التكتم على عدد القتلى بقدر إخفائها أي معلومة عن حجم الأضرار والخسائر في الأهداف العسكرية التي تصيبها إيران.

وأرجعوا ذلك إلى عدم تقديم أي معلومات عسكرية قد تفيد إيران في تحسين ضرباتها مستقبلا.

وأشار المحللون أيضا إلى أن "تأثير حجم الدمار الضخم المتوقع من الصواريخ الإيرانية سيزداد مع مرور الأيام على تأييد المجتمع الإسرائيلي للحرب"، وأن "الحكومة تحرص على تقليل أو إخفاء الخسائر لاحتواء تداعيات نفسية أو سياسية سلبية قد تهز تماسك الجبهة الداخلية"، وأن طبيعة المباني والملاجئ أسهمت إلى حد كبير في تقليل الخسائر البشرية.

يأتي ذلك في وقت صرح فيه قائد الحرس الثوري الإيراني الجديد محمد باكبور بأن طهران ستواصل مهمتها حتى لو توقفت الهجمات الإسرائيلية. وقال في تصريحات لوسائل إعلام إيرانية "إن إسرائيل تخفي العدد الحقيقي لخسائرها"، فقد "استهدفت الهجمات الإيرانية مبنى يضم 70 إسرائيليا ودمرناه بالكامل".

من اليمين: مهند مصطفى ومحمد غازي الجمل وامطانس شحادة (الجزيرة) إخفاء الخسائر العسكرية فقط

وقد تكون المعلومات والأرقام أدوات مهمة في التوظيف العسكري والسياسي في خضم مواجهات ممتدة وتأخذ أبعادا مختلفة مع مرور الوقت، وهذا ما تمارسه السلطات في إسرائيل على الإعلام في هذا التوقيت، حيث لا تسمح بالنشر إلا بما يخدم أهدافها ومصالحها العليا في الداخل والخارج.

ويقدم مدير برنامج دراسات إسرائيل في مركز مدى الكرمل امطانس شحادة تفاصيل كثيرة عن هذا النهج في الإعلام الإسرائيلي، مبينا أن "إسرائيل لا تتكتم على الخسائر البشرية في صفوف المدنيين أو العسكريين عادةً، لكن التكتم يتمحور حول أماكن سقوط الصواريخ الإيرانية في المناطق العسكرية تحديدا".

ويشير شحادة -في تصريحات للجزيرة نت- إلى أنه "عندما تسقط الصواريخ في مناطق مدنية يتم الإعلان عن ذلك فورًا، بينما يتم التحفظ على أي معلومات عن سقوط وإصابات في مناطق عسكرية أو إستراتيجية منعًا لمنح معلومات استخبارية لإيران".

ويضيف الباحث في مركز مدى الكرمل أن "الرقابة العسكرية هي الجهة التي تمنع نشر معلومات حول الإصابات والأضرار، وليس الإعلام ذاته، الذي أصبح في هذه المرحلة مجنّدًا بالكامل ويلتزم بأوامر الرقابة".

إعلان

ملمح آخر يشير إليه الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى يتعلق بأن إسرائيل لا تتعمد إخفاء أعداد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين أو العسكريين بشكل مباشر، "لأن ذلك شبه مستحيل في مجتمع مفتوح".

لكن المتحدث نفسه يعود ويؤكد أن الحكومة الإسرائيلية "تخفي تفاصيل تتعلق بحجم الدمار ودقة الاستهداف، خاصة إذا كانت الضربات طالت مواقع حساسة مدنية أو عسكرية". مبينا أن سبب ذلك يعود إلى "منع إيران من تقييم نتائج هجماتها والاستفادة منها في تحسين ضرباتها المستقبلية".

وتستند الحكومة الإسرائيلية في هذا المنع إلى "قانون الطوارئ في زمن الحرب، الذي يمنحها صلاحيات فرض التعتيم على المعلومات العسكرية أو ما يمس الأمن القومي المباشر"، حسب ما قاله مهند مصطفى.

لكن الأكاديمي والباحث في الشؤون السياسية محمد غازي الجمل يرى أن هناك "تعمدًا رسميًا لكتمان حجم الخسائر البشرية أو المادية" في إسرائيل. مستشهدا بما يجري في حروب غزة السابقة أو الحالية، إذ "ظهر لاحقًا أن أعداد المصابين كانت أضعاف ما تم الإعلان عنه رسميًا.

ويوضح الجمل أن "الأهم في هذه المواجهة ليس الأرقام فقط، بل نوعية الإصابات أو حجم المؤسسات الحيوية التي تستهدفها الضربات الإيرانية، حيث "تهدف إيران إلى عرقلة عمل دولة الاحتلال بضرب مراكز الطاقة والتطوير العلمي كمركز وايزمان".

تصدع الجبهة الداخلية

وفي هذا السياق، يشير الجمل إلى أن "حجم الدمار الضخم المتوقع من الصواريخ الإيرانية سيزداد تأثيره مع مرور الأيام على تأييد المجتمع الإسرائيلي للحرب"، ومن أجل هذا "تحرص الحكومة على تقليل أو إخفاء الخسائر لاحتواء تداعيات نفسية أو سياسية سلبية قد تؤثر على تماسك الجبهة الداخلية" ومدى الالتفاف حول قرار شن حرب على إيران من عدمه.

هذه الحالة التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي يصفها مهند مصطفى بأنها "صدمة غير مسبوقة"، ويقول "بعد نشوة الضربة الأولى، بدأ المجتمع يشعر بأن لهذه الحرب أثمانًا لم يتوقعها ولم يعتدها على الإطلاق".

ويمضي في تحليله للجزيرة نت إلى أن "الجيل الحالي لم يعش من قبل دمارًا بهذا الحجم داخل إسرائيل؛ إذ اعتاد الإسرائيليون أن تدور المعارك في جبهة العدو، وأن تبقى الصواريخ التي تطلق من غزة أو لبنان محدودة الأثر مقارنة بما يحدث الآن".

ويحذر الخبير في الشأن الإسرائيلي من أن "قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمل هذه الأثمان لن تدوم، وسيبدأ الجمهور في السؤال عن موعد نهاية المواجهة". مستشهدا بما يتم رصده الآن من "بوادر أصوات تشير إلى أن الحكومة خدعت الناس في تقدير الكلفة المتوقعة للمواجهة، وأنها مستمرة في خداعهم بزعم قدرتها على منع الهجمات الإيرانية".

طبيعة البنية التحتية بإسرائيل

ورغم شدة الضربات الإيرانية في العمق الإسرائيلي على نحو "غير مسبوق"، فإن الخسائر البشرية التي يتم الإعلان عنها لا تتناسب مع قوة الهجمات واتساع رقعتها في البنية السكنية، ويعود السبب في ذلك إلى قواعد البناء المعتمدة في إسرائيل.

إذ إن قانون التنظيم والبناء يفرض وجود غرفة محصنة في كل منزل، إلى جانب وجود الملاجئ العامة في الأحياء، "مما يقلل عدد القتلى حتى في حال سقوط صواريخ مباشرة"، حسب ما قاله مصطفى.

إعلان

ويشدد المتحدث نفسه على أن "المجتمع الإسرائيلي شديد الالتزام بتعليمات الدفاع المدني، كما أن الجيش طوّر منظومات إنذار مبكر تسمح للناس بالاحتماء في الملاجئ مسبقًا".

ويدعم شحادة هذا الطرح، موضحًا أن "الالتزام بإجراءات الحماية، وتوفر البنية التحتية المناسبة، يفسران انخفاض عدد الضحايا رغم كثافة ودقة الهجمات". كما يؤكد أن "إسرائيل تستثمر الأرقام المعلنة للضحايا في حملتها لتبرير الرد العسكري على إيران واستهداف مواقع مدنية هناك".

يذكر أن مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي قال اليوم الاثنين إن 24 إسرائيليا قتلوا وأصيب نحو 600 آخرين جراء الضربات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي منذ الجمعة الماضي.

وقال الإعلام الحكومي الإسرائيلي -في بيان- إن إيران "أطلقت أكثر من 370 صاروخا باليستيا، سقط منها 30 صاروخا في إسرائيل".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المجتمع الإسرائیلی الخسائر البشریة فی إسرائیل إلى أن

إقرأ أيضاً:

رد سريع على الهجمات الجوية التي شنتها إسرائيل.. صاروخ إيراني بقلب حيفا

سقط صاروخ إيراني بمدينة حيفا شمال إسرائيل مساء اليوم الأحد خلال الرد الإيراني السريع على الهجمات الجوية التي شنتها إسرائيل على شرق وغرب إيران.

وقامت أنظمة الدفاع الجوي الإيراني بالتصدي للأهداف الإسرائيلية المعادية حسب وسائل الإعلام الإيرانية.

وقرر نتنياهو الاستمرار بالحرب تجاه إيران،وتوجه لإجراء حوار مع فوكس نيوز الأمريكية من أجل مخاطبة النخبة الأمريكية والسياسيين،والشعب الأمريكي مبتعدا عن رؤية الرئيس الأمريكي التي أعلن عنها ترامب صباح اليوم من إمكانية وقف الحرب الحالية بين طهران،وتل أبيب.

وخلال كلمة نتنياهو لفوكس نيوز قال بإنه لن يتراجع بالحرب الحالية إلا بعد القضاء على البرنامج النووي الإيراني،وتغيير الشرق الأوسط وسط تحذيرات دولية من خطورة اتساع دائرة الصراع،وتفاقم الأوضاع بالمنطقة.

طباعة شارك صاروخ إيراني مدينة حيفا الرد الإيراني السريع إسرائيل

مقالات مشابهة

  • الصواريخ الإيرانية تواصل دك قلب الكيان الإسرائيلي
  • رد سريع على الهجمات الجوية التي شنتها إسرائيل.. صاروخ إيراني بقلب حيفا
  • وزير الخارجية الفرنسي: باريس لم تحشد بعد مواردها العسكرية للدفاع عن إسرائيل
  • هجمات متبادلة بعد 3 أيام من الحرب الإيرانية-الإسرائيلية.. و”تل أبيب” تتألم من خسائرها البشرية والمادية
  • الجيش الإسرائيلي يعلن الأهداف التي ضربها في غارة وزارة الدفاع الإيرانية
  • الإسعاف الإسرائيلي: 3 قتلى و14 مصابًا إثر سقوط صواريخ إيرانية شمال إسرائيل.
  • ما حجم الخسائر التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية جراء الضربات الإسرائيلية؟
  • إغلاق تام لمطار بن جوريون الإسرائيلي مع تزايد الهجمات الإيرانية
  • إيران وإسرائيل تتبادلان الهجمات العسكرية