في منعطف جديد من المشهد النيابي المصري، تعود الانتخابات لاختيار أعضاء مجلس الشيوخ، في محطة انتخابية تعكس ليس فقط ملامح التحول السياسي في "الجمهورية الجديدة"، بل تفتح نافذة تاريخية على مسيرة برلمانية تمتد لنحو قرنين، تعاقبت فيها تسميات وهياكل، وتداخلت السلطة التشريعية بالتنفيذية، لتشكل في مجملها رحلة فريدة من البناء المؤسسي.

فمجلس الشيوخ، الذي تبدأ انتخاباته في الداخل غدًا الإثنين ولمدة يومين، لا يمثل مجرد غرفة برلمانية، بل يُجسد تطورًا متدرجًا للمشاركة الشعبية من عصر محمد علي إلى يومنا هذا، ليُعيد للأذهان سؤالًا قديمًا متجددًا: كيف تشكلت الإرادة النيابية في مصر، وكيف تغيرت عبر العصور؟

أقدم مؤسسة تشريعية عربية.. النشأة الأولى 1824

تُعد مصر صاحبة أقدم تجربة برلمانية في العالم العربي، حيث بدأت خطوات التأسيس الأولى مع المجلس العالي عام 1824، في عهد محمد علي، وكان يتكون من 24 عضوًا، ثم ارتفع العدد إلى 48 بعد إضافة علماء وشيوخ. وفي يناير 1825، صَدرت اللائحة الأساسية التي حددت اختصاصات المجلس في مناقشة مقترحات الوالي المتعلقة بالسياسة الداخلية، مع تنظيم انعقاده.

لاحقًا، أنشأ محمد علي مجلس المشورة عام 1829، كنواة لنظام الشورى المصري، بعضويّة بلغت 156 شخصًا، يمثلون كبار الموظفين ومأموري الأقاليم والأعيان، ويجتمع المجلس سنويًا.

أول برلمان نيابي حقيقي.. شورى النواب 1866

في عام 1866، أطلق الخديوي إسماعيل أول تجربة نيابية تمثيلية حقيقية باسم مجلس شورى النواب، بعضوية 75 عضوًا منتخبين لمدة ثلاث سنوات. مثّل هذا المجلس نقطة تحول؛ فقد بدأ محدود الاختصاصات، لكنه بمرور الوقت اكتسب صلاحيات أكبر، حتى اعتمد مبدأ مسؤولية الحكومة أمام المجلس عام 1879، في تأكيد على تطور الحياة النيابية آنذاك.

تطور تشريعي متسارع.. من شورى القوانين إلى الجمعية التشريعية

في عهد الخديوي توفيق، أُنشئ مجلس شورى القوانين عام 1883، بمزيج من التعيين والانتخاب، وبلغ عدد أعضائه 30، وكانت له صلاحية طلب مشروعات القوانين من الحكومة.

وفي عام 1913، ظهرت الجمعية التشريعية، التي تكونت من 82 عضوًا، وكانت مشاركتها شرطًا دستوريًا قبل إصدار أي قانون، وإن لم تكن ملزمة للدولة في الأخذ برأيها. ولكن الحرب العالمية الأولى أدت إلى حل الجمعية عام 1923.

نقلة دستورية.. دستور 1923 ونظام المجلسين

شهد عام 1923 صدور أول دستور بعد إعلان الاستقلال الشكلي عن بريطانيا، وقد تبنّى نظام المجلسين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، حيث كان ثلثا الشيوخ منتخبين، والثلث معيّنين. ومنح الدستور صلاحيات متساوية لكلا المجلسين، باستثناء بعض الملفات الخاصة.

ثورة يوليو 1952.. توقف الحياة البرلمانية الثنائية

مع قيام ثورة 23 يوليو 1952، تم إلغاء المجلسين، وأُنشئ مجلس الأمة عام 1957، بعضوية 350 نائبًا، ليعمل في إطار نظام سياسي جديد يهيمن عليه التيار الثوري بقيادة جمال عبد الناصر.

عودة الحياة الثنائية.. مجلس الشورى 1980

في عهد الرئيس محمد حسني مبارك، أُجري استفتاء شعبي عام 1980 أسفر عن إنشاء مجلس الشورى، وتعديل الدستور لإضافة باب كامل خاص به. وبدأ المجلس أولى جلساته في نوفمبر من نفس العام، ليمثل الغرفة الثانية للعمل التشريعي، ويُعنى بقضايا أوسع نطاقًا من الرقابة المباشرة، مثل الحوار الوطني والتوازنات السياسية.

حل المجلس وعودته

مع ثورة 25 يناير 2011، تم حل مجلسي الشعب والشورى، وجرى انتخاب برلمان جديد عام 2012. إلا أن المشهد لم يستقر، حيث جاءت ثورة 30 يونيو 2013 لتُنهي مرحلة جديدة، ويصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرارًا بحل مجلس الشورى، وإلغاء الغرفة الثانية نهائيًا أثناء صياغة دستور 2014.

لكن في يوليو 2020، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قانون تنظيم مجلس الشيوخ، لتعود الغرفة الثانية إلى الحياة النيابية مجددًا، استنادًا إلى تعديلات دستورية أقرتها البلاد عام 2019، لتبدأ دورة جديدة من العمل البرلماني الموازي.

واتخذ مجلس الشيوخ مقره التاريخي في شارع القصر العيني بوسط القاهرة، داخل أحد القصور التي شُيّدت عام 1866 في عهد الخديوي إسماعيل، والذي كان في السابق مقرًا لمجلس الشيوخ بموجب دستور 1923.

مجلس الشيوخ الحالي.. التكوين والصلاحياتعدد الأعضاء: 300 عضومدة العضوية: 5 سنواتتمثيل المرأة: لا يقل عن 10% من المقاعدتركيبة القوائم: كل قائمة تضم 15 مقعدًا يجب أن تشمل 3 نساء على الأقل، والقائمة التي تضم 35 مقعدًا يجب أن تشمل 7 نساء على الأقل.اختصاصات مجلس الشيوخ:إبداء الرأي في التعديلات الدستورية.مناقشة مشروع الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.إبداء الرأي في معاهدات الصلح والسيادة والتحالف.مراجعة مشروعات القوانين المحالة من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب.مناقشة الموضوعات المحالة إليه من رئيس الجمهورية، خاصة ما يتعلق بالشؤون العامة والعلاقات الخارجية.شروط الترشح لعضوية مجلس الشيوخ:الجنسية المصرية الكاملة.التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.القيد بقاعدة بيانات الناخبين.ألا يقل السن عن 35 سنة.الحصول على مؤهل جامعي أو ما يعادله.أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها قانونًا.ألا تكون قد أُسقطت عضويته سابقًا إلا إذا زال السبب قانونًا.

من مجلس المشورة إلى مجلس الشيوخ الحالي، تمتدّ المسيرة النيابية في مصر على مدى قرنين من الزمن، حملت خلالها السلطة التشريعية وجوهًا متعددة، من المجالس الاستشارية إلى البرلمانات التمثيلية، ومن نظام الغرفة الواحدة إلى النظام الثنائي.
واليوم، يعود مجلس الشيوخ ليسد فجوة في بنية الدولة المؤسسية، ويُعزز آليات الديمقراطية التشاركية، في مرحلة دقيقة من تاريخ مصر الحديث، حيث تتقاطع الرغبة في الاستقرار مع الطموح في التحديث.

طباعة شارك مجلس الشيوخ مجلس المشورة انتخابات مجلس الشيوخ الانتخابات الانتخابات البرلمانية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مجلس الشيوخ مجلس المشورة انتخابات مجلس الشيوخ الانتخابات الانتخابات البرلمانية مجلس الشیوخ فی عهد

إقرأ أيضاً:

وزير المالية أمام "الشورى": "ميزانية 2026" توفر الحماية الاجتماعية وتحافظ على الإنفاق في الخدمات الأساسية

 

 

 

 

 

 

وزير الاقتصاد: "الخمسية الحادية عشرة" تستهدف التحول نحو الطاقة النظيفة وتحفيز الاستثمارات

◄ أعضاء "الشورى" يؤكدون أهمية توسيع منافع الحماية الاجتماعية وزيادة الوظائف

 

مسقط- الرؤية

استمع أعضاء مجلس الشورى، أمس الإثنين، إلى بيان كل من معالي سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية، ومعالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد بشأن مشروع الميزانية العامة للعام 2026م، وخطة التنمية الخمسية الحادية عشرة (2026-2030م)؛ وذلك في جلسة سرّية وفق ما نصّت علية المادة (52) من قانون مجلس عُمان.

جاء ذلك خلال جلسة المجلس الاعتيادية الثالثة لدور الانعقاد العادي الثالث (2025- 2026) من الفترة العاشرة (2023- 2027)، والتي عقدت برئاسة سعادة خالد بن هلال المعولي رئيس المجلس وبحضور سعادة الشيخ أحمد بن محمد الندابي أمين عام المجلس وأصحاب السعادة أعضاء المجلس. وألقى سعادة رئيس المجلس كلمة أعلن فيها عن افتتاح أعمال الجلسة الاعتيادية الثالثة لدور الانعقاد العادي الثالث من الفترة العاشرة، مرحبا بمعالي سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية، ومعالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد، مشيرًا إلى أن الجلسة تناقش مشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2026، ومشروع خطة التنمية الخمسية الحادية عشرة.

وألقى معالي سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية بيان الوزارة حول مشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2026، مستعرضًا بعض المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي تحققت على مستوى الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة، موضحًا أن السياسات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة أسهمت في تعزيز مستويات الاستقرار المالي ورفع كفاءة إدارة الموارد المالية العامة، ما انعكس على تحسن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان، وتراجع مستويات الدين العام بصورة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة. وأشار معاليه بأن الإصلاحات الهيكلية وبرامج التوازن المالي أسهمت في تعزيز الثقة الدولية في اقتصاد سلطنة عُمان وفتحت آفاقًا أوسع لجذب الاستثمارات الأجنبية.

واستعرض معالي وزير المالية الأسس والمرتكزات التي بنيت عليها الميزانية العامة للدولة لعام 2026م، وتقديرات الإيرادات العامة والإنفاق العام وإدارة الدين العام، وسعر برميل النفط المقدر في الميزانية، والعجز والتمويل، ومعدلات التضخم إلى جانب الإنفاق الإنمائي والاستثماري للعام 2026م، كما تم التطرق إلى أبرز المؤشرات المالية والاقتصادية والنقدية لعام 2025، إضافة إلى أبرز المخاطر الاقتصادية والمالية المحتملة خلال العام 2026.

وأضاف معاليه أن تقديرات الميزانية العامة للدولة لعام 2026م أخذت في الاعتبار توفير التغطية التأمينية والحماية الاجتماعية لمختلف فئات المجتمع والحفاظ على مستوى الإنفاق في الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والإسكان، وتحفيز الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تعزيز نمو الشركات والمشاريع التي تدعم أنشطة وعمليات التنويع الاقتصادي.

من جهة ثانية، استمع أعضاء المجلس خلال جلسة اليوم إلى بيان معالي الدكتور وزير الاقتصاد بشأن خطة التنمية الخمسية الحادي عشرة (2026- 2030)، والذي تناول المحاور الرئيسة للمشروع، ومنهجية إعداد الخطة، وأبرز ملامحها وأولويات القطاعات الاقتصادية والمشاريع التنموية، كما تم مناقشة الإطار المالي والاقتصادي للخطة، وأهم البرامج الاستراتيجية التي تتضمنها بما يتوافق مع أهداف وأولويات رؤية "عُمان 2040".

وأشار بيان معالي الدكتور وزير الاقتصاد إلى أن الخطة تهدف إلى بناء اقتصاد تنموي مستدام من خلال تعزيز التنويع الاقتصادي، كما إنها تسعى للتحول نحو الطاقة النظيفة وتعزيز اقتصاد منخفض الكربون، من خلال زيادة الاعتماد على مشاريع الطاقة المتجددة، وتطوير سياسات تحفز الاستثمار في الهيدروجين الأخضر والصناعات المرتبطة بالطاقة البديلة، إلى جانب تعزيز اللامركزية الاقتصادية للمحافظات، ورفع كفاءة سوق العمل والتشغيل إلى جانب التنمية الاجتماعية المستدامة وتعزيز الحوكمة والكفاءة المؤسسية.

وأضاف معاليه بأن منهجية إعداد الخطة الخمسية الحادية عشرة استندت على تقييم شامل لأداء الخطة العاشرة، وبحث مؤشرات النمو في مختلف القطاعات بما يشمل تطوير البيئة الاستثمارية، وبرامج التوظيف، وتوسيع البنية الأساسية الاقتصادية، وتحسين التشريعات المنظمة للنشاط الاقتصادي وغيرها من القطاعات الأخرى.

وقدم أصحاب السعادة أعضاء المجلس استفساراتهم وملاحظاتهم حول كل من مشروع الميزانية العامة للعام 2026، وخطة التنمية الخمسية الحادي عشرة، وركزت على السياسات المالية، والأسس والافتراضات التي تم الاستناد عليها عند إعداد مشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2026، بما يمكنها من التعامل مع أسعار النفط والمتغيرات العالمية وبالتالي ضمان الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي.

كما دارت مناقشات حول أولويات المشروعات التنموية، والتطورات الاقتصادية العالمية، وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سلطنة عُمان، وتم كذلك التأكيد على أهمية توسيع منافع منظومة الحماية الاجتماعية وتكثيف جهود توظيف الكوادر الوطنية وتمكينهم عبر التدريب في مختلف القطاعات إلى جانب الوقوف أوضاع المسرحين من أعمالهم.

بعدها جرت مناقشة وإقرار تقرير اللجنة الاقتصادية والمالية حول مشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2026.

وشهدت أعمال الجلسة كذلك الإحاطة بعدد من مشروعات القوانين المحالة من الحكومة منها مشروع قانون النظام الموحد للنقل البري الدولي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومشروع تعديل بعض أحكام قانون حماية البيانات الشخصية.

إلى ذلك، تُعقد اليوم الثلاثاء الجلسة الاعتيادية الرابعة للمجلس والمخصصة لمناقشة وإقرار مشروع قانون الهيئات الرياضية.

مقالات مشابهة

  • طالب جامعة شقراء بتعزيز جهودها في التحول.. «الشورى» يوافق على تعديل مشروع نظام حقوق المؤلف
  • وزير المالية أمام "الشورى": "ميزانية 2026" توفر الحماية الاجتماعية وتحافظ على الإنفاق في الخدمات الأساسية
  • "الشورى" يوافق على تعديل عدد من مواد مشروع نظام حقوق المؤلف
  • مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الحادية عشرة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة
  • مجلس الأمة: وزير المالية يعرض مشروع قانون المالية
  • هيئة «الشورى» تحيل 18 موضوعاً لجلسة المجلس
  • المذكرات النيابية وسلّة المهملات… ورقص الحكومة على الدف
  • "هيئة مجلس الشورى" تُحيل 18 موضوعًا إلى جلساته المقبلة
  • في جلستين سريّتين.. مجلس الشورى يستضيف وزيري المالية والاقتصاد
  • في جلستين سريتين.. مجلس الشورى يستضيف وزير المالية