حرية المنافسة ومنع الاحتكار لنمو الاقتصاد
تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT
صالح بن سعيد الحمداني
حرية المنافسة ومنع الاحتكار توليها السلطنة أهمية بالغة حيث تعتبرها من أهم الركائز الجوهرية للاقتصاد العماني الحديث الذي يهدف لتحقيق التنمية المستدامة بجانب الابتكار، ومن جانب آخر حماية حقوق المستهلكين بضمان عدالة السوق.
يأتي ذلك من ضمن الرؤية الوطنية "عُمان 2040"، التي تسعى لترسيخ وبشكل قوي مبادئ اقتصاد تنافسي حر وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال تعزيز مناخ الأعمال، وكذلك للحد من التركز الاقتصادي حتى لا يكون سببًا للإضرار بمصالح المستهلكين والسوق على نحو متساو من العدالة السوقية.
وحتى تتحقق الفرص بشكل متكافئ بين كافة العاملين بالسوق، استند مبدأ حرية المنافسة للأطر القانونية والدستورية التي منعت كذلك الممارسات التي تخل بالتوازن التنافسي وأعطت السوق قوته، والمرسوم السلطاني رقم (67/2014) بشأن المنافسة ومنع الاحتكار يُعد كحجر الأساس في هذا الجانب المهم لتنظيم السوق والذي من خلاله تم وضع مجموعة من المواد والضوابط والضمانات التي ساهمت وبشكل كبير في تنظم السلوك الاقتصادي بالسلطنة للشركات والمؤسسات في السوق العُماني، فالقانون قد نصّ على حظر كل ما من شأنه الحد من المنافسة أو عرقلتها من اتفاقيات أو تحالفات أو تنسيقات بين المنشآت، كما حظر استغلال المنشآت لوضع مهيمن في السوق بطرق تضر بالمنافسين أو المستهلكين، كفرض أسعار غير عادلة أو التحكم في المعروض من السلع والخدمات.
وفي خطوة داعمة لتفعيل هذه السياسات، أُنشئت الهيئة العامة للمنافسة بموجب المرسوم السلطاني رقم (2/2020)، لتكون الجهة المخولة قانونًا بتطبيق أحكام قانون المنافسة، والتحقيق في الشكاوى المتعلقة بالممارسات الاحتكارية أو التركز الاقتصادي، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط السوق. وتتمتع الهيئة بصلاحيات واسعة تشمل تلقي الشكاوى والبلاغات، وإجراء التحقيقات، وفرض العقوبات الإدارية وفق ما يحدده القانون. كما تتولى الهيئة التنسيق مع الجهات الحكومية المعنية لتعزيز الالتزام بالقواعد السوقية العادلة، وقد حرصت في هذا السياق على نشر الوعي القانوني بين المنشآت الاقتصادية من خلال عقد الندوات، وتنظيم المؤتمرات، وإقامة المحاضرات التوعوية المتخصصة.
ومن الجوانب المهمة التي ركز عليها القانون العُماني مفهوم التركيز الاقتصادي، والذي يُقصد به استحواذ منشأة أو مجموعة منشآت على حصة سوقية كبيرة تتيح لها التحكم بالسوق والإخلال بالمنافسة، وقد تعامل القانون العُماني مع هذه المسألة بحزم، إذ ألزم المنشآت بإخطار الهيئة مسبقًا بأي عملية اندماج أو استحواذ من شأنها أن تُخل بالمنافسة، خاصة إذا تجاوزت الحصة السوقية بعد العملية 40%. وتقوم الهيئة بدراسة هذه العمليات مسبقًا، ولها صلاحية رفضها أو اشتراط تعديلها إذا ثبت أن من شأنها التأثير سلبًا على بنية السوق أو الإضرار بحقوق المستهلكين.
ويؤدي مجلس عُمان، بمجلسيه الدولة والشورى، دورًا فاعلًا في دعم منظومة المنافسة، وذلك عبر اقتراح ومراجعة التشريعات، ومراقبة أداء الجهات الحكومية ذات العلاقة، بما يضمن تكامل الجهود نحو سوق اقتصادي حر ومنفتح.
كما تقوم الجهات القضائية، وعلى رأسها المحاكم الإدارية واللجان القضائية المختصة، بالنظر في المنازعات المتعلقة بالممارسات الاحتكارية، الأمر الذي يمثل ضمانة قانونية أساسية لاحترام مبادئ العدالة السوقية، ويفعّل آليات الرقابة على الأداء الاقتصادي.
ورؤية "عُمان 2040" بارتباطها الوثيق بحرية المنافسة تسعى إلى بناء ذلك الاقتصاد القائم على الاستدامة والتنويع وأيضا على الابتكار، وفي الوقت نفسه فالرؤية مع حرية المنافسة تشكل مناخ السوق العادل والحر وذلك يُعد من أبرز ممكناتها، ولتحقيق بيئة للسوق تتناسب مع الرؤية تُشجع المنافسة وتمنع الاحتكار وفي ذات الوقت تخلق فرص عمل وتكون محفزة للاستثمار وتسهم بدفع الشركات لتحسين أدائها، وتحقق تقدما في أسعار تكون أكثر عدالة للمستهلكين، وقد ساهم هذا التوجه الذي تقدمه السلطنة، وانعكس بشكل مباشر في مختلف التسهيلات للمستثمر المحلي أو الأجنبي التي تقدمها البلد بالإضافة إلى ذلك تحسين البيئة التجارية والتشريعية بما يحقق ويعزز المساواة ومبادئ الشفافية بين الاقتصاديين.
وبرغم هذه الجهود والتشريعات والأطر والتقدم المحرز إلا إننا ما زلنا نجد أن هناك تحديات قائمة بما يتعلق بتلك الصعوبات التي تسهم في كشف الممارسات الاحتكارية غير المعلنة وبعض التحالفات التجارية والآثار غير المباشرة لها، وبذات الوقت تسهم كثيرا في تعزيز الكفاءات الوطنية المتخصصة في اقتصاد السوق بمجال المنافسة.
الرؤية الاستراتيجية للسلطنة والدور الفاعل والنشط للهيئات التشريعية والرقابية وفق ما ينظمه القانون والسعي الدؤوب لتحقيق التكامل الإقليمي والتحول الرقمي -كل المعطيات مجتمعة- تُشير إلى مستقبل واعد لبيئة المنافسة في سوق السلطنة وتعزز القدرة على مواجهة التحديات وتحقق لنا سوق أكثر كفاءة وعدالة.
يمكننا القول إن حرية المنافسة ومنع الاحتكار في السلطنة ليس مجرد التزام قانوني فقط، بل هو جزء أصيل من تلك الرؤية والاستراتيجية الوطنية للتنمية، وأيضًا ركيزة من ركائز ضمان توازن السوق واستدامة الاقتصاد، وأداة تمكين حقيقية للمواطنين ودعم لريادة الأعمال، وتوازن فعّال بين مصالح المستهلك والمنتج ما يجعل السلطنة تمضي بخطى واثقة نحو بناء اقتصاد أكثر انفتاحًا وعدالة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: المنافسة ومنع الاحتکار حریة المنافسة
إقرأ أيضاً:
27 اقتحامًا للأقصى ومنع رفع الأذان 51 وقتًا بالإبراهيمي بيوليو
رام الله - صفا وثقت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، 27 اقتحامًا للمسجد الأقصى المبارك، ومنع رفع الأذان في المسجد الإبراهيمي 51 مرة، خلال تموز/يوليو الماضي. وقالت الأوقاف في تقرير نشرته يوم الأحد، إن قوات الاحتلال والمستوطنين صعّدوا من اعتداءاتهم بحق المسجد الأقصى، سواء بعدد الاقتحامات التي تجاوزت 27 اقتحامًا، أو بأعداد المقتحمين، إضافة إلى مخططات تهويدية خطيرة طالت المسجد الأقصى والبلدة القديمة. وأوضحت أنه وفي خطوة خطيرة، أصدر وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير تعليمات رسمية لشرطة الاحتلال بالسماح للمستوطنين بالرقص والغناء في جميع أنحاء الأقصى، وليس فقط في المنطقة الشرقية. وأشارت إلى أن المستوطنين أدوا وصلات غنائية وصلوات تلمودية بصوت عالٍ داخل باحات الأقصى، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، في انتهاك صارخ لقدسية المكان. وأضافت أن فرقة موسيقية صهيونية أدت مقطعًا من أغنية قومية دينية داخل المسجد الأقصى قرب باب الرحمة، بعنوان: "إن نسيتك يا أورشليم"، وتحمل دعوات صريحة لإقامة "الهيكل" المزعوم، في تصعيد خطير لمحاولات تهويد المسجد الأقصى، وفرض الطقوس التلمودية داخله. وفي خطوة استفزازية، اعتقلت قوات الاحتلال مفتي القدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى الشيخ محمد حسين فور انتهائه من خطبة وصلاة الجمعة في المسجد الأقصى وأفرجت عنه لاحقًا. وفي المسجد الإبراهيمي، منع الاحتلال رفع الأذان "51" وقتًا، وتعمد تأخير رفع الأذان وذلك بتأخير دخول المؤذن أكثر من مرة. واستمرت قوات الاحتلال في الاعتداء على المسجد. ولفتت الأوقاف إلى أن الأقفال، التي وضعها الاحتلال مؤخرًا، ما زالت على أبواب خدمات وعمل المسجد موجودة ولا يمكن لسدنة الحرم فتحها وتعيق عملهم بشكل مباشر. وذكرت أن الاحتلال أغلق باب (7) في وجه الموظفين وفي لحظة الخروج من المسجد أمام المصلين، وما زال التفتيش المهين للمصلين والموظفين والسب وشتمهم بكلام بذيء متواصلاً، بالإضافة إلى استمرار رفع الأعلام الإسرائيلية والشمعدان على سطح ومحيط الحرم الإبراهيمي. وأكدت أن هذه الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية ما هي إلا جزء من سياسة استيطانية ممنهجة تهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية، وفرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة. ودعت وزارة الأوقاف المؤسسات الحقوقية الدولية والمجتمع الدولي بشكل عام إلى حماية المقدسات الإسلامية وكف يد هذا الاحتلال عن ممارستها. وطالبت أبناء شعبنا الفلسطيني بالمرابطة داخل المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي وحمايتهما من خلال الوجود اليومي خلال الصلوات المكتوبة وخارجها، فهو الضمان في وجه محاولات التهويد.