د. عبدالله باحجاج

طبيعة رسالة الادعاء العام تكمن في كشفه مؤخرًا عن وجود أكثر من "10" قضايا كبيرة مؤرقة ومرشحة للتصعيد، وفي مقدمتها قضية المخدرات التي وصل عدد قضاياها 6741 خلال عامي 2023 و2024 وطالت الجنسين معًا، والتساؤل نطرحه لتحريك الأفعال لمواجهتها، وإيجاد الحلول لها من خارج الصندوق وعن طريق مؤسسة المحافظين بإشراك المجتمعات المحلية، وذلك لتعزيز الجهود الكبيرة التي تُبذل، لكنها غير كافية لوحدها إذا لم تتكاتف معها بقية الجهود، ومن بينها الاجتماعية، بدليل ازديادها المقلق، ومؤسسة المحافظين هي الآن في مواقع القيادة والمبادرة والاحتواء والتمكين بحكم صلاحياتها التشريعية – يُراجع مقالي السابق بعنوان "اللامركزية.

. الحل الناجع للقضايا والظواهر السلبية"، وإذا لم تقم بها سريعًا، فإن العواطف الاجتماعية غير المنضبطة قد تشغل الفراغ بصورة مزعجة، وهناك مؤشرات نبني عليها هذا الاحتمال.

وبالتالي ينبغي طرح تساؤل العنوان لضمانة أن رسالة الادعاء العام وصلت بالكيفية التي ترتقي إلى مستويات القضايا والظواهر السلبية الخطيرة، وآفاقها المخيفة، دون النفي عدم وجود الاهتمام أصلًا، وكذلك وجوب قيادة مؤسسة المحافظين هذه التحديات تسخيرًا لإمكانيات كل محافظة في ضوء الأسباب التي تؤدي إلى انتشار وزيادة المخدرات في بلادنا، والتي كشفها الادعاء العام، ومن يتعمق فيما كشفه الادعاء العام سيجد أن كل محافظة ينبغي أن يكون لها دورًا عاجلًا في حماية مجتمعها، وعليها أن تبادر إليه سريعًا بصورة غير تقليدية، بمعنى أن الكل ينبغي أن يكون شغله الشاغل هذه القضايا، وفي شقها المستعجل قضية المخدرات والمؤثرات العقلية، على أن يكون ذلك بقيادة مؤسسة المحافظين التي ينبغي أن يكون هاجسها صناعة وعي جماعي، وضمانة تكامل الأدوار في ظل تعدد المؤسسات والأدوار، وترسيخ الإيمان بأن حماية الإنسان/ المواطن هي مسؤولية الجميع، ورهاناتنا على مؤسسة المحافظين هنا لدورها القيادي في نظام المحافظات والمجالس البلدية، وهناك تشريعات تنظم هذه الشراكة وتشرعن هذه القيادة، وقد ذكرناها في مقال سابق، وللأهمية نكرر منها الآتي:

فمثلًا: الفصل الرابع من نظام المحافظات الصادر عام 2022 يعطي لكل محافظ أدوارًا اجتماعية مهمة، فالمادة "11"، رقم 3 يمنح المحافظ حق العمل على تعزيز الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمحافظة، ورقم 7 يعطي المحافظ التواصل مع المجتمع المحلي بما يخدم الصالح العام في نطاق المحافظة.

أما قانون المجالس البلدية التي يرأسها المحافظون، فالمادة 21 منه تنص على دراسة القضايا الاجتماعية والظواهر السلبية في المحافظة، واقتراح الحلول المناسبة لها بالتعاون مع الجهات المختصة، وقد جاءت اللائحة التنفيذية لقانون المجالس البلدية ترجمة واضحة لقانون المجلس البلدي، وذلك عبر تنصيصها على تشكيل أربع لجان دائمة، هي: لجنة الشؤون القانونية، ولجنة الشؤون الاجتماعية، ولجنة الشؤون الصحية والبيئة، ولجنة تطوير وتنمية المحافظة.

وبتلكم التشريعات الصريحة، يعني أن مؤسسة المحافظين ينبغي أن تقود كل الشركاء في كل محافظة للعمل المشترك بعد ما أصبحت الشراكة إلزامية من خلال تلكم النصوص التشريعية، وصريحة في حملها مسؤولية حل القضايا والظواهر السلبية، وبالتالي ينبغي أن يُحرّك نظام المحافظين كل الفاعلين الحكوميين والرسميين والمستقلين والمؤثرين، ويتحركون في مظلته قبل أن تتجه البوصلات الاجتماعية لحلول ذاتية في ظل عدم وجود جمعية متخصصة للقضايا والمظاهر السلبية، ونتوقع تزايد العواطف الاجتماعية ضد القضايا والظواهر السلبية، وتتشكل في تصرفات وأفعال سنطلق عليها غير منتجة للحلول الشمولية، وفي حالات قد تكون غير منضبطة، سيحدث هذا كلما تأخر الفعل اللامركزي طويلًا، واستمرت القضايا والظواهر في تزايد.

والتساؤل سالف الذكر يزداد أكثر إلحاحًا الآن، ونتركه في ملاعب كل محافظة، لكن في محافظة ظفار هناك مشروع مبادرة مجتمعية يُحسب لها أنها تمثل وعي نخبها المسبق، فقد بادروا إليها قبل انكشافات الادعاء العام، وتفاعلوا معها بكل ثقة، وتم عرضها على صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، والذي بدوره تم مناقشتها بإسهاب وبحضور المسؤولين المحليين الذين يمثلون المؤسسات المركزية واللامركزية في ظفار، وقد كانت النقاشات شفافة وصريحة، واستغرقت وقتًا طويلًا، وكان سموه أكثر تفاعلًا وتفهمًا للمبادرة، وقد خرجت المجموعة التي قدمت المبادرة بانطباعات إيجابية، ليس في تقبل سموه المبادرة من حيث المبدأ، وإنما في قيادته للمناقشات وإبداعاته فيها، وإضفاء عليها تأطيرات من جهته تنتظرها المبادرة عاجلًا.

وهي -أي التأطيرات- تعتبر الخطوة التالية للمبادرة في سعيها للعمل تحت مظلة شرعية مؤسسة المحافظ أو المجلس البلدي، وهي مبادرة لا تتحمل المزيد من التأجيل، وكل تأجيل سيؤدي إلى ردة/ ردود فعل اجتماعية عاطفية غير منضبطة، وهناك مؤشرات فعلًا، وهذا من البديهيات، فقد أصبحت قضية المخدرات أحاديث كل المواطنين بسبب حجم الأضرار الأسرية المتصاعدة الناجمة عن المخدرات، ولا يمكن أن يظل المجتمع في موقف المتفرج، سيسارع من جهته لحماية أبنائه، ليس من منظور جماعي/ اجتماعي، لكن، كل مكون بطريقته الخاصة، وهذا سيُبعدنا عن الشراكة في صورها الحضارية.

ونرى أن وراء ديناميكية التفاعل السريع لصاحب السمو السيد محافظ ظفار مع المبادرة المجتمعية يكمن في وعي سموه بدور الشراكة المسؤولة والملتزمة، وبنتائجها الإيجابية البنيوية والشمولية، فهنا وعي رفيع وأصيل ينبغي استنطاقه بصوت مرتفع، وقد كنا قريبين منه في اللقاء، ووصل إلينا بسهولة، كما حرص سموه على بلورة التوجيهات السامية لعاهل البلاد -حفظه الله- التي تدعو إلى التكاتف بين الحكومة والمواطنين، وهنا أولى بالمحافظين أن يترجموا هذا التوجه الآن في القضايا والظواهر التي تعاني منها المحافظات، خاصة مع نخبها المختلفة الذين بإمكانهم أن يُترجموا توصيات الادعاء العام، ويحققوا بها اختراقات اجتماعية.

من بين أهم هذه التوصيات قوله -أي الادعاء العام- إن العديد من أفراد المجتمع يفتقرون إلى الوعي الكافي بشأن المخدرات وأنواعها، وكشفه عن عصابات إجرامية دولية، وعن وجود شبكات إجرامية دولية، وبعضها يعمل إلكترونيًا، تحاول إغراق الشباب في مستنقع المخدرات والمؤثرات العقلية -إدمانًا وتسويقًا وتجارة- استغلالًا لغياب أدوار أسرية في المتابعة والتوعية بالمخاطر، وكذلك لظروف الأسر المالية الناجمة عن تحولات مالية واقتصادية في البلاد، وقضايا أخرى كالباحثين والمسرحين.. إلخ.

والمبادرة تنطلق من أربعة مستويات، هي: الوقاية، والعلاج، والتعافي، وتعزيز مرحلة ما بعد التعافي، عبر عدة وسائل، أبرزها دمجهم في المجتمع بصورة تلقائية، وضمانة العيش الكريم لهم، والمبادرة تقدم نفسها تعزيزًا واستكمالًا للجهود الضخمة التي تبذلها حاليًا الجهات الحكومية المختلفة، فنخبها قادرون -تأهيلًا وتجربة ووعيًا واجتماعيًا- على إيصال الخطابات التوعوية الوقائية لكل فئات ومؤسسات المجتمع في الوقت المناسب وبصورة ممنهجة ومستدامة، ولديهم قبولًا اجتماعيًا على نطاق واسع.. وبإمكانهم إقناع القطاع الخاص بتمويل مشاريع تلكم الرباعية.

ودون تفعيل وتكثيف الأدوار وإشراك المجتمع.. ستلقي القضايا التي يُحذر منها الادعاء العام بظلالها على مستقبل أمن كل مجتمع محلي واستقراره، فهي في تزايد بشكل لافت، وأن أخطرها قد يصبح أكبر وأشد وطأة، وقد تتحول إلى ظاهرة منتجة لثقافة بنيوية سيستصعب مواجهتها بسهولة.. وذلك لوجود بيئات قد تساعد على انتشارها طولًا وعرضًا وفي الأعماق، ويمكن اعتبار الحدود كبرى المهددات الاجتماعية، وحمايتنا الاجتماعية تبدأ من خارجها وليس داخلها فحسب، لدواعي قطع الإمدادات لداخلنا، وهنا دور على الأشقاء ينبغي القيام به عاجلًا، قبل المطالبة بإعادة إدارة العبور الديموغرافي من الجهتين، طبعًا ليس إغلاق الحدود، فهو قرار سيادي.

نُوجّه لصاحب السمو السيد محافظ ظفار كل الشكر التقدير على تفهمه للمبادرة المجتمعية، وعلى تصويباته لها خلال المناقشات، وهي مُقدّرة ومُثمنة، وتظل الآن الخطوة التالية الموعودة التي تنتظرها المبادرة عاجلًا، فالمبادرة هي كبرى الرهانات لتجسيد مفهوم الشراكة المحلية في القضايا المحلية، وهي تُحتمها ظرفيات القضايا العشر، وليس قضية واحدة، وإن كانت المخدرات والمؤثرات العقلية أكبرها، وعامل الزمن هو الحدث هنا، وهو الذي يجعل المبادرة المجتمعية الخيار الوحيد الآن، قبل أن تُزاحمه خيارات أخرى ضاغطة من خارج سياقات الشراكة الثلاثية الطبيعية، وقد يحدث كردّ فعل عاطفي على انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية.

وأخيرًا، لن نجد دعاء للوطن أفضل من قوله تعالى: "رب اجعل هذا بلدًا آمنًا".

اللهم احفظ وطننا بحفظك، وادم عليه نعم الأمن والأمان برعايتك، اللهم من أراد به شرًّا في أي بقعة مستهدفة من ترابه أو مواطنيه، فاجعل اللهم تدبيرهم في تدميرهم، وكلنا ثقة تامة وكاملة بأن الانتصار على قوى الشر سيكون حليفنا بإذن الله، كما كان قديمًا وحديثًا.

 

 

 

 

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: المخدرات والمؤثرات العقلیة والظواهر السلبیة الادعاء العام ینبغی أن ی کل محافظة أن یکون عاجل ا

إقرأ أيضاً:

العمل تطلق دفعة الإعانة الاجتماعية ورواتب العمال المتقاعدين

العمل تطلق دفعة الإعانة الاجتماعية ورواتب العمال المتقاعدين

مقالات مشابهة

  • غزالة: “حضرنا كما ينبغي ونسعى للفوز ضد أوغندا”
  • العمل تطلق دفعة الإعانة الاجتماعية ورواتب العمال المتقاعدين
  • لا تقدر المحكمة الأتعاب في القضايا الفرعية.. تعديلات على أنظمة التوثيق والتحكيم والمحاماة
  • عقاد بن كوني: نحيي قوات درع السودان التي واصلت التقدم بثبات حتى وصلت إلى إقليم كردفان
  • تفاصيل درجات الحرارة والظواهر الجوية ونسب الرطوبة على مدن المملكة
  • محكمة كورية جنوبية تجبر الرئيس السابق على المثول لدى الادعاء
  • مرغم: “حضرنا كما ينبغي لـ”الشان” وهدفنا الفوز بكل مبارياتنا”
  • شملت 425 تحقيقًا.. نزاهة تباشر عددًا من القضايا الجنائية والإدارية خلال شهر يوليو
  • مصر ترد رسميًا على المزاعم المغرضة: دعمنا للقضية الفلسطينية ثابت ومحاولات التشويه مرفوضة