جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-03@19:21:55 GMT

الذّكاء الاصطناعيّ السياديّ

تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT

الذّكاء الاصطناعيّ السياديّ

عارف بن خميس الفزاري

 باحث في المعرفة           

[email protected]

في عالم يتسارع فيه التقدم التقني بوتيرة غير مسبوقة، يبرز مفهوم الذّكاء الاصطناعيّ السياديّ (AI Sovereignty) كمصطلح مركزي في الخطابات السياسية والاقتصادية الدولية. حيث يُشير مفهوم السيادة في الذّكاء الاصطناعيّ بحسب مؤسسة (2024) Jisc إلى قدرة الدول على امتلاك وتطوير واستخدام نماذج وتقنيات الذّكاء الاصطناعيّ وتطبيقها ضمن إطار وطني مستقل، دون الاعتماد المفرط على أطراف خارجية، بما يضمن الأمن الرقمي والتحكم في مسارات الابتكار المستقبلي.

ومع تزايد استخدام الذّكاء الاصطناعيّ في قطاعات حيوية مثل الأمن والصحة والتعليم والصناعة، أضحى من الضروري النظر إليه ليس فقط كتقنية، بل كأصل سيادي واستراتيجي في موازين القوى العالمية.

وتبرز أهمية الذّكاء الاصطناعيّ السياديّ من كونه يُعيد رسم خريطة النفوذ الدولي. فالقدرة على تطوير واستخدام الذّكاء الاصطناعيّ بشكل مستقل تعني امتلاك أدوات التأثير على الاقتصادات والسياسات، وتوفير الحماية من التبعية التقنية. ففي السياق الأوروبي، ارتبط النقاش بالخشية من التحول إلى "مستعمرات سيبرانية" في ظل الهيمنة الأمريكية والصينية على أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ. وفي المجال التربوي، يحذر الخبراء من أن الاعتماد الكامل على نماذج ذّكاء اصطناعيّ خارجية، قد يهدد استقلالية المؤسسات التعليمية، كما أشارت إلى ذلك مؤسسة Jisc (2024)، نظرًا لكون هذه النماذج قد لا تراعي الخصوصيات الثقافية والقانونية المحلية. واستنادًا إلى دراسة حديثة أعدها Dibiaggio et al (2024)، تفتقر دول الاتحاد الأوروبي إلى التكامل المحلي في سلسلة الابتكار في الذّكاء الاصطناعيّ، مما يضعف سيادتها التقنية. فقد اعتمد الباحثون نموذجTFA (Techniques, Functions, Applications)، أي (التقنيات، الوظائف، التطبيقات)، لقياس درجة السيادة التقنية، مؤكدين أن غياب الكفاءات المترابطة على المستوى الوطني يُفضي إلى تشتت الابتكار ويعزز التبعية. ففي حين تُظهر دول مثل الصين والولايات المتحدة تكاملًا عاليًا بين مراكز البحث والتطوير والتطبيقات الصناعية، تعاني دول أوروبية كألمانيا وفرنسا من محدودية في الاندماج بين هذه المراحل.

وفي ذات السياق، تُظهر الصين أعلى معدلات التكامل بين مكونات سلسلة TFA، مما يتيح لها بناء منظومة ابتكار متكاملة داخليًا، ويعزز من قدرتها على تطوير نماذج سيادية دون الاعتماد الخارجي، وهو ما يعكس استراتيجيتها في تحقيق الاستقلال التقني كأولوية وطنية. في المقابل تتبنى الولايات المتحدة الأمريكية نموذجًا مختلفًا يقوم على التوازن بين التكامل الصاعد (من التقنيات إلى الوظائف) والنازل (من الوظائف إلى التطبيقات)، ما يجعلها قادرة على نقل الابتكار بسرعة من المختبر إلى السوق. وتستفيد في ذلك من بيئة بحثية متقدمة ومنظومة جامعات مترابطة مع الشركات الكبرى، مما يُسهم في تعزيز سيادتها التقنية عبر نموذج ابتكار مرن وقابل للتوسع. من جهة أخرى، تسلط دراسة (2019) Franke & Sartori في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الضوء على الفروقات الاستراتيجية في مقاربة الذّكاء الاصطناعيّ؛ فبينما تركز فرنسا على فرص الذّكاء الاصطناعيّ في الدفاع والسياسة، تركز ألمانيا على حماية صناعتها التقليدية، دون منح اهتمام كافٍ للأبعاد الأمنية والجيوسياسية. ووفقًا لدراسة حديثة (2024) Dibiaggio et al.، فإنّ الاتحاد الأوروبي يملك حوالي ثلث عدد براءات الاختراع في الذّكاء الاصطناعيّ مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، ويفتقر إلى شركات تقنية عملاقة مماثلة لشركةGoogle الأمريكية أو شركة Baidu الصينية، وهي شركات تقود السباق العالمي في التطوير والتطبيق.

وبناءً على تقرير ستانفورد للذّكاء الاصطناعيّ (2025)، بلغ الاستثمار الخاص في الذّكاء الاصطناعيّ في الولايات المتحدة نحو 109.1 مليار دولار خلال عام 2024، أي ما يعادل 12 ضعف استثمارات الصين (9.3 مليارات دولار) و24 ضعف استثمارات المملكة المتحدة (4.5 مليارات دولار)، في حين لم يتجاوز مجموع الاستثمارات في الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك المملكة المتحدة) 9 مليارات يورو. هذا التفاوت الحاد يسلّط الضوء على الفجوة الكبيرة في تمويل الذّكاء الاصطناعيّ بين أوروبا ونظيراتها، ويكشف عن أحد أبرز مظاهر الضعف السيادي، كما تُظهر دراسة Dibiaggio et al (2024) أنّ استثمارات أوروبا في البنية الأساسية للحوسبة المتقدمة لا تزال محدودة، مما يعوق قدرتها على تطوير نماذج ذّكاء اصطناعيّ متقدمة محليًا ويُكرّس التبعية التقنية للخارج. في المقابل، أشارت مؤسسة Jisc (2024) إلى أنّ مؤسسات أكاديمية بريطانية ترى أنّ الحفاظ على السيادة في الذّكاء الاصطناعيّ في قطاع التعليم يتطلب تطوير نماذج لغوية وتعليمية محلية، خاضعة للتشريعات الوطنية وتخدم أولويات المجتمع، بدلًا من استيراد حلول جاهزة من شركات عالمية قد لا تتماشى مع القيم التعليمية المحلية.

عليه فإنّ الذّكاء الاصطناعيّ السيادي ليس ترفًا نظريًا، بل ضرورة استراتيجية لمجتمعات تسعى إلى حماية مستقبلها الرقمي. فغياب السيادة التقنية يعني هشاشة في القرار واستمرار في التبعية. في هذا السياق، تبدو الحاجة مُلحّة لتطوير سياسات عامة متكاملة تعزز من البحث العلمي المحلي، والاستثمار في البنية الأساسية التقنية وبناء كفاءات وطنية تمتلك أدوات السيطرة على خوارزميات المستقبل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: فی الذ کاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

مجيدو جامعة التقنية والعلوم التطبيقية يستعدون للعودة

 

مسقط- الرؤية
يختتم يوم السبت وفد جامعة التقنية والعلوم التطبيقية رحلته الطلابية التي شارك فيها ثلاثين طالبًا وطالبة من المجيدين أكاديميًا ومجيدي الأنشطة الطلابية، والتي نظّمتها الجامعة إلى مدينة شنغهاي بجمهورية الصين الشعبية، وذلك في إطار برنامج المكرمة السلطانية للرحلات الطلابية السامية.

وتُعد هذه الرحلة امتدادًا لنهج سلطنة عمان في بناء شخصية طلابية عالمية الفكر، راسخة الهوية، وواعية بأبعاد الحضارة الإنسانية، حيث هدفت إلى تعزيز المعارف الأكاديمية والتقنية لدى المشاركين، وفتح آفاقهم على تجارب نوعية في مجالات التكنولوجيا، الابتكار، والطاقة النظيفة، إضافة إلى الانفتاح الثقافي والتعرف على ملامح التاريخ الصيني العريق.

وثمن الدكتورعبدالله بن خلفان العزري رئيس الوفد التوجيهات السامية لمولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- بتسيير رحلات ترفيهية خارجية للطلبة المجيدين بالجامعة.

حيث أشار بأن الرحلة الى مدينة شنغهاي، بجمهورية الصين الشعبية، تضمنت مشاركة 30 طالبا وطالبة من المجيدين أكاديميا، ومجيدي الأنشطة الطلابية، لتمكينهم وتعزيز حضورهم العالمي، والتعرف -عن قرب- على الحضارة العريقة لدولة الصين الشعبية بشكل عام، ومدينة شنغهاي بشكل خاص.

وأضاف بأن هذه الرحلات تشجع الطلبة وأقرانهم على الإجادة الأكاديمية والمشاركة الفاعلة في الأنشطة الطلابية، وتمكينهم بالمهارات والقدرات كالتواصل الفعال والقيادة واتخاذ القرارت والتفكير الابداعي، كما أنها تهدف الى الانفتاح الثقافي والتعرف على البعد الحضاري والتاريخي لجمهورية الصين الشعبية عن قرب من خلال الزيارات الميدانية لبعض المعالم الثقافية والصناعية والترفيهية في مدينة شنغهاي، العاصمة الاقتصادية للصين الشعبية.


 

هذا وتخلل الرحلة برنامجا علميا ومعرفيا متكاملا شمل زيارة عدد من المعالم التاريخية والحديثة بالمدينة. حيث بدء الوفد باستكشاف التاريخ الصيني العريق من خلال زيارة حديقة يو الكلاسيكية وسوق يو الشعبي المجاور لها، منها جولة لإكتشاف مدينة شنغهاي من خلال زيارة برجها الشاهق، والذي يعد ثالث أطول برج في العالم وبارتفاع وقدره 632 مترا، والصعود الى الطابق 118، والقيام بجولة بحرية، والتعرف على المدينة ليلا حيث إقامة بعض الأنشطة كعرض الليزر لمبانيها الشاهقة كبرج شنغهاي وبرج التلفزيون والمباني المجاورة لها.

كما قام الوفد، وبالتنسيق مع فرع الشركة في السلطنة مشكورين، بزيارة معرض هواوي للحلول الذكية للسيارات، والتعرف على الشركة وما تقدمه من حلول تقنية حديثة في عالم السيارات، بعدها توجه الوفد الى مركز الشركة للبحث والتطوير للتعرف عليه وأهميته في تطوير أعمال الشركة من خلال القيام بجولة داخلية فيه. وفي وسط المدينة، خاض الوفد تجربة بصرية جميلة في متحف سماء شنغهاي المرصعة بالنجوم والذي جميع بين الفن والضوء والتقنية في مكان واحد. كما شمل البرنامج أيضا زيارة ترفيهية الى شنغهاي ديزني لاند للاستمتاع والترفيه.


 

ولخوض تجربة استكشافية في عالم الابتكار والاستدامة، تضمن البرنامج زيارة مركز BYD-D Space المتخصص في تقنيات الطاقة النظيفة، وزيارة قاعدة بايدو (Beidou) لتقنيات الملاحة بالأقمار الصناعية، وخوض تجربة فريدة في قيادة السيارات ذاتية القيادة في مشروع أبولونغ ((Apolong والذي يمثل مستقبل التنقل الذكي، ورحلة إلى مدينة هانغتشو (Hangzhou) عبر القطار فائق السرعة، للتعرف أكثر على تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات في قاعدة Shihusham للإبتكار.

هذا وتواصل الجامعة من خلال هذه المبادرة تمكين الطلبة من الربط بين المعرفة العلمية والواقع العالمي، وترسيخ رؤستها ورسالتها في الاستثمار في الانسان العماني وتعزيز حضوره عالميا والانفتاح.


 

 

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي يبرم “صفقة مؤلمة” مع ترامب للحفاظ على القوات الأمريكية في أوروبا
  • متحدث الصحة لـ صندوق الأمم المتحدة للسكان: نلتزم بالبرنامج الوطني للتنمية البشرية 2024-2030
  • أنس حبيب: نماذج تصنع الحالة
  • «شفافية» الذكاء الاصطناعي بالاتحاد الأوروبي تدخـل حيـز التنـــفيذ
  • الاتحاد الأوروبي يرفع رسوم دخول الزوار إلى ثلاثة أضعاف قبل بدء تطبيقها
  • ندوة في معان تناقش جماليات المكان في الأدب الأردني
  • مجيدو جامعة التقنية والعلوم التطبيقية يستعدون للعودة
  • بدء تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي على نماذج الذكاء الاصطناعي
  • يوتيوب يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد المستخدمين القاصرين