#الوثنية_الجديدة: حين يُؤلَّه الإنسان وتُنسى #الحقيقة

بقلم : المهندس محمود”محمد خير” عبيد

في الموروث الإنساني، كانت الوثنية مرادفًا لعبادة الأصنام، تلك التي تُنحت من حجر أو خشب، وتُزيَّن وتُعبد رغم عجزها وصمتها. غير أن جوهر الوثنية لم يكن في الشكل المادي للصنم، بل في فكرة التقديس ذاتها؛ تقديس من لا يستحق التقديس، والخضوع لمن لا يملك حق الخضوع.

واليوم، في زمن الحداثة والعقلانية المزعومة، تعود الوثنية في شكل جديد، تتجلى فيها الأصنام على هيئة بشر من لحم ودم، يُرفَع لهم الهتاف، وتُبنى لهم الهالات، ويُعطَون من العصمة ما لا يُعطى إلا للأنبياء.

نعم، نحن نعيش عصرًا من الوثنية الجديدة، وثنية لا تصنعها المعابد، بل تصوغها وسائل الإعلام، وتباركها الجماهير، وتكرّسها المؤسسات. أصبح الحاكم، أو رجل الدين، أو النجم، صنمًا معاصرًا، يُبجَّل، ويُنزَّه عن الخطأ، وتُخترَع له المبررات إذا أخطأ، وتُعاد صياغة الحقائق لتناسب صورته.

مقالات ذات صلة الأسئلة المحظورة في زمن الحرب 2025/06/17

في بعض المجتمعات، يُعامَل الزعيم كما لو كان ظلّ الإله على الأرض، لا يُسأل عمّا يفعل، ولا يُعترَض على قراراته. يُقدَّم على الوطن، بل على الحقيقة ذاتها، وتُنسَج حوله الأساطير، ويُروَّج أن الطعن فيه طعنٌ في الوطن، ومعارضته خيانة. وفي مشهد تتكرر فيه صورته في البيوت والمدارس والمؤسسات، تتحول العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى طقس ديني، لا إلى عقد اجتماعي.

لكن المأساة لا تقف عند بوابات السياسة. فـرجال الدين، في بعض السياقات، يتحولون إلى “أنبياء جدد”، يُعاملون كما لو أنهم متحدثون رسميون باسم الله فهم بايديهم مفاتيح الجنة و اوصياء الله على الأرض, فها هي اقوالهم تُرفَع فوق النصوص، ويُكفَّر من يخالفهم. يتم خلط الدين بأشخاصهم، حتى يصبح الاعتراض على فتاواهم اعتراضًا على العقيدة نفسها، وتُبرَّر أخطاؤهم باعتبارها “حكمة إلهية” لا يُدرَك معناها. وهكذا، يتحول رجل الدين من موجه ومرشد إلى معبود جديد.

أما في ساحة الفن والرياضة والإعلام، فقد خرج الصنم الثالث إلى العلن. نجم الشاشة أو الكرة أو المنصة يُلاحق من الجماهير كما لو كان نبيًّا عصريًّا، يُقلَّد في ملبسه وكلامه وأسلوب عيشه. يصبح كل ما يفعله صحيحًا لمجرد أنه فعله. وتتحول الفضائح والمواقف المفتعلة إلى وقود لجذب الانتباه، ويُقاس النجاح بعدد المتابعين لا بجودة الفكرة أو المبدأ.

هذا التأليه الجماعي للأفراد، على اختلاف مواقعهم، ناتج عن ضعف داخلي تعانيه الشعوب، عن خوف دفين من الحرية ومسؤولية القرار، عن فراغ قيميٍّ تُملؤه صور الزعماء وفتاوى رجال الدين وتقليعات النجوم. في مجتمعات لا تدرب أفرادها على التفكير النقدي، ولا تمنحهم مساحة للاختيار، يصبح “الزعيم المنقذ” و”الشيخ المعصوم” و”النجم الأوحد” ملاذات آمنة من تعب العقل.

هكذا تتحول المجتمعات إلى ما يشبه الطقوس الجماعية، فيها تراتيل إعلامية، وصلوات وطنية، وحجٌّ موسميٌّ إلى صور الزعماء على الجدران، والكل يدور في فلك فردٍ واحد. بينما الحقيقة تندثر، والحرية تُقمع، والعقل يُعطَّل.

والمفارقة أن هذه “الوثنية المعاصرة” ليست مفروضة دومًا بالقوة، بل تُصنَع طواعية، برغبة الجمهور في أن يُعفى من مسؤولية القرار، فيترك كل شيء في يد “منقذ” أو “معبود”، يتحمل عنه ثقل التفكير والاختيار. وهنا يتجلى أخطر الأصنام: الصنم الذي يسكن العقول.

ولعل السؤال الأخطر الذي ينبغي أن نطرحه, هل يمكننا كسر هذه الأصنام التي بنيناها بأيدينا؟

الطريق إلى التحرر يبدأ من فك العصمة عن البشر، وتحرير الفكر من سطوة الرموز. علينا أن نعود إلى القاعدة الأولى: “الله وحده لا يُسأل عمّا يفعل، أما البشر، فكلهم يُسألون”. فلا حاكم فوق القانون، ولا رجل دين فوق النقد، ولا نجم يستحق التقديس.

إنها دعوة للتحرر من الوثنية الجديدة، لأن الحرية لا تبدأ بكسر القيود، بل بكسر الأصنام. وعندما نحرر عقولنا من عبادة الأشخاص، نكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو النهضة.
قال تعالى “اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ”, السؤال الذي يطرح نفسه هل وقعنا اليوم في نفس الخطأ؟ هل اتخذنا زعماءنا ورجال ديننا ونُجومنا أربابًا نُقدّسهم بلا وعي؟ هل استبدلنا عبادة الله بعبادة الأشخاص، وإن لم نعلن ذلك صراحة؟

ان كسر الأصنام يبدأ من الداخل, فالحرية الحقيقية لن تتحقق ما دامت العقول مُكبّلة، وما دام الأشخاص يُقدَّسون فوق الحق. الحاكم موظف عام، لا ربّ فوق البشر، ورجل الدين مرشد، لا نبيّ معصوم، والنجم إنسان، لا قدوة مطلقة. فالعدالة لا تُبنى في ظل الهالات، والتاريخ لا يرحم من عبدوا بشرًا ونسوا المبادئ.
إن الأصنام الأخطر ليست تلك التي نراها، بل تلك التي تسكن داخلنا, ولذا، فإن نهضتنا تبدأ حين نجرؤ على السؤال، ونعود لعبادة الله وحده

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الحقيقة

إقرأ أيضاً:

أدعو الله كثيرا ولا يستجاب لي فماذا أفعل؟.. يسري جبر: المشكلة فيك

قال الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، إن التغيير الحقيقي في حياة الإنسان لا يحدث فقط بالدعاء، وإنما يتطلب جهدًا حقيقيًا وتغييرًا داخليًا وسعيًا مستمرًا نحو الأفضل، مستشهدًا بقوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

وأوضح الدكتور يسري جبر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، في رد حازم على سؤال ورد إليه من أحد المتابعين الذي قال: "أنا بدعي ربنا بقالي سنين وحياتي ما بتتغيرش.. حياتي واقفة، فين المشكلة؟"، أن المشكلة في الغالب تكون في الشخص نفسه، قائلاً: "أيوه المشكلة فيك أنت، لأنك مش عايز تستفيد من فشلك، ولا عايز تغير نفسك".

هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟.. يسري جبر: ليسوا في غفلةيسري جبر: الاجتهاد عمل علمي منضبط يستند إلى النصوص القطعيةيسري جبر: التغافل سر السعادة الزوجية.. وجنازتك أهون من جوازتك التانيةيسري جبر: تجنُّب أذى الأقارب ليس من قطيعة الرحم لكن بشرط

يسري جبر: من صور التقصير أن يسهر الإنسان الليل على البرامج الفارغة

وأضاف الدكتور يسري جبر أن من صور التقصير أن يسهر الإنسان الليل على وسائل التواصل والبرامج الفارغة، ويستيقظ بعد العصر، ولا يصلي، ولا يطور من نفسه، ثم يتساءل: لماذا لا تتغير حياتي؟ مؤكدًا أن من لا يتقن عملاً ولا يداوم عليه، ولا يملك الإصرار ولا الانضباط، لن يجني ثمرة أي جهد.

وتابع الدكتور يسري جبر "الفشل الحقيقي هو أنك لا تتعلم من فشلك. لو كنت استفدت من الفشل، لكان طريقك إلى النجاح. لكنك تكرر نفس الأخطاء وتلوم الظروف"، مشيرًا إلى أن النجاح لا يأتي إلا بالمثابرة والإتقان والاستيقاظ المبكر وحسن المعاملة والاعتماد على الله مع العمل.

ودعا الدكتور يسري جبر إلى تصحيح المسار والعودة للجد والاجتهاد، قائلاً: "غير ما بنفسك، غير عاداتك، حافظ على صلاتك، استيقظ مبكرًا، اتقن عملك، أحسن للناس، ولا تخرج من لسانك قول السوء"، موضحًا أن الإنسان مسؤول عن تحسين حاله، وأن من يتقن عمله ويخلص فيه، سيجد أثر دعائه في واقعه.

طباعة شارك الدكتور يسري جبر يسري جبر علماء الأزهر الأزهر الدعاء أدعو الله كثيرا ولا يستجاب لي استجابة الدعاء

مقالات مشابهة

  • نظرة بعين أخرى.. الإنسان قبل الاسم والقبيلة
  • تحقق نبوءة نبوية في اليمن .. الإمام الذي أحيا الله به الدين
  • عربُ الجاهليَّة ومِلَّةُ إبراهيم
  • أدعو الله كثيرا ولا يستجاب لي فماذا أفعل؟.. يسري جبر: المشكلة فيك
  • هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟.. أمين الإفتاء يجيب
  • تصنيف الدول حسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب (إنفوغراف)
  • لماذا تجب علينا المكابدة؟
  • ما هي نسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب؟
  • لإنهاء الحرب.. زيلينسكي يدعو إلى تغيير النظام الحاكم في موسكو
  • الخارجية الايرانية تُدين بشدة العقوبات الأمريكية الجديدة على البلاد