جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-17@19:07:15 GMT

"شرق أوسط جديد" يُولد تحت لهيب النار

تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT

'شرق أوسط جديد' يُولد تحت لهيب النار

 

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

يشهد الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة تحولات دراماتيكية عنيفة، قد تُعيد رسم ملامح المنطقة لعقود مُقبلة؛ فبعد القرصنة الإرهابية الإسرائيلية التي استهدفت شخصيات إيرانية بارزة، دخل بالفعل منعطفًا تاريخيًا حاسمًا، وقد ردَّت طهران بشكل مباشر، بإطلاق صواريخ استهدفت العمق الإسرائيلي، ومنه مدينتا حيفا وتل أبيب، وهما مدينتان عربيتان محتلتان من قبل الكيان الصهيوني منذ النكبة الأولى عام 1948.

هذا التصعيد غير المسبوق يُشير إلى تحول جوهري في قواعد الاشتباك، ويدفع المنطقة إلى مرحلة أكثر خطورة وتعقيدًا. ويمثل الرد الإيراني ترجمة لخيار استراتيجي جديد، يعتمد على مبدأ الردع المتبادل، ويؤكد أنَّ طهران لم تعد رهينة للتهديدات أو للحسابات الضيقة؛ بل باتت قادرة على الرد المؤثر والمباشر وتغيير مجرى الصراع وأفقه المنظور. وفي هذا السياق، أكدت القيادة الإيرانية أن عملياتها تأتي في إطار الدفاع عن النفس، ردّا على ما تعتبره "عدوانًا مستمرًّا" يُهدد سيادتها. وفي المقابل، يتمسك الكيان الصهيوني- الذي يقف بأميال فوق الأعراف والقوانين الدولية التي أوجدته- بروايته التي ترى في المواجهة مع إيران حربًا مفتوحة لا تنتهي، ويُركِّز على البرنامج النووي الإيراني، مُقدِّمًا إياه كسبب رئيس لهذا التصعيد.

غير أن ذلك يُعد تبسيطًا مُخللًا؛ بل وتضليلًا مقصودًا من قبل الكيان الصهيوني وداعميه، الذين يدركون تمامًا أن البرنامج النووي الإيراني مُعد لأغراض سلمية، كما تؤكد طهران باستمرار، ولديها من الموانع الدينية ما يُعزز مصداقية أقوالها. ولا يمكن إغفال المفارقة في كَوْن من يطالبها بذلك هي قوة نووية، وهو أمر عجيب حقّا. ومع ذلك، فإنَّ إخلاء المنطقة من جميع الأسلحة النووية يجب أن يكون عنوانًا دائمًا؛ بما يشمل البرنامج النووي الإسرائيلي. ومن المعروف أنَّ استخدام هذا الملف ليس إلّا ذريعة لتبرير مساعي إسقاط النظام الإيراني، الذي يشكل وجوده تهديدًا لأمن الكيان الإسرائيلي القومي. لذلك، يرى الكيان الصهيوني أن الضربات الإيرانية النوعية تُمثِّل محاولة لتكريس معادلة ردع جديدة على حسابه، وهو ما يرفضه تمامًا.

ومن منظور القوى الغربية- خصوصًا الدوائر الصهيونية والإمبريالية- فإن بقاء التفوُّق العسكري لإسرائيل في المنطقة يُعد مسألة وجودية لا تقبل التفاوض. ومع ذلك، تبقى مواقف الولايات المتحدة- الشريك الفعلي في هذا العدوان- محاطة بغموض نسبي؛ إذ تحافظ واشنطن على دعمها التقليدي لإسرائيل، لكنها تتعامل مع الموقف الراهن بحذر ملحوظ؛ إدراكًا منها لتعقيدات المشهد وتغيُّر المزاج الدولي تجاه إسرائيل، فضلًا عن ثقتها بالقدرات العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية وانشغالها بملفات عالمية أخرى، مثل الحرب في أوكرانيا والصعود الصيني المتسارع.

وحتى اللحظة، يبدو أن الإدارة الأمريكية تُفضِّل تقديم دعم سياسي وعسكري محدود، دون الانخراط المباشر في صراع شامل، في انتظار تطور الأحداث وتهيئة اصطفاف دولي أوسع، خاصة في حال فشلت المسارات السياسية والدبلوماسية النشطة على أكثر من جبهة. وإن كانت احتمالات نجاح هذا التوجه حتى الآن ضعيفة في ظل جملة من المعطيات الأولية غير المواتية، منها التنديد الإقليمي والدولي الواسع بالعدوان الإسرائيلي، إلّا أن الأحداث مُتحرِّكة، وكذلك المواقف. والذي يستحق الاستجلاء حقًّا هو الموقف الخليجي؛ إذ يتموضع الصراع ضمن مجاله الحيوي، ويؤثر في عُمقه الاستراتيجي. ورغم الإدانة الجماعية للعدوان الإسرائيلي، والدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، فإنَّ بعض الأطراف ترى أن دول الخليج واقعة بين المطرقة والسندان، وأن تقديرها للتصعيد الراهن متفاوت. فمن جهة، تُعبِّر بعض دول الخليج عن قلقها من تنامي النفوذ الإيراني، وقد تبنّت في السابق مواقف منسجمة- ولو ضمنيًّا- مع الموقفين الإسرائيلي والغربي في تضخيم المخاوف من هذا النفوذ.

ومن جهة أخرى، تخشى هذه الدول من تداعيات تصعيد شامل في المنطقة قد يَمس أمنها واستقرارها بشكل مباشر؛ نظرًا لموقعها الجغرافي القريب من بؤر التوتر. وتُعد سلطنة عُمان استثناءً في هذا السياق؛ إذ حافظت على قنوات تواصل مفتوحة مع طهران، ولعبت دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة في أكثر من مناسبة. ويعكس هذا الدور مُقاربة سياسية مُتزنة، تسعى إلى تجنيب المنطقة سيناريوهات الانفجار. وذلك أن الرهانات في هذا الصراع تتجاوز حدود السلاح والمعارك التقليدية؛ فالمواجهة القائمة تُعبِّر عن صراع حقيقي على هوية المنطقة ومستقبلها، وإعادة تشكيل توازنات النفوذ الإقليمي والدولي فيها.

وفي المحصلة، ما تشهده المنطقة اليوم لا يمكن اختزاله في مواجهة محدودة أو جولة عابرة من التصعيد؛ بل هو مؤشر على مرحلة جديدة يُعاد فيها تعريف موازين القوى، وقد يُفرز معادلات أكثر تعقيدًا، وربما أكثر توازنًا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عاجل / رئيس هيئة الأركان الإيراني : عملياتنا القادمة ضد الكيان الصهيوني ستكون عقابية وحاسمة (تفاصيل)

يمانيون / خاص

قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، إن “العمليات السابقة التي نفذتها القوات الإيرانية ضد العدو الصهيوني كانت ردعية، لكن العمليات القادمة ستكون عقابية وحاسمة”.

وأكد رئيس الأركان الإيراني : أن “الكيان الصهيوني أقدم على خطوة عدوانية باستهداف شعبنا، والنساء والأطفال، في انتهاك سافر لكل القوانين الدولية والإنسانية”.

وأضاف أن “الكيان الصهيوني يواصل ممارساته غير القانونية، وقد هاجم حتى البنية الإعلامية لإيران، بما في ذلك استهداف تلفزيون إيران، في محاولة لحجب الحقيقة عن العالم”.

وختم رئيس هيئة الأركان بالقول  : مقتل مواطنينا وعلمائنا وقادة قواتنا المسلحة سيزيد عزمنا على معاقبة الصهاينة

مقالات مشابهة

  • عاجل / رئيس هيئة الأركان الإيراني : عملياتنا القادمة ضد الكيان الصهيوني ستكون عقابية وحاسمة (تفاصيل)
  • حالة حرجة من الترقب الاقتصادي يعيشها الكيان الصهيوني تزامناً مع الهجمات المتبادلة مع طهران: إعلام عبري: مليار دولار تكاليف صد الهجوم الإيراني على «إسرائيل»
  • عبدالرازق الدليمي لـ "الفجر": الصراع الإيراني–الإسرائيلي خطر على أمن المنطقة.. واستهداف إعلام طهران رسالة استراتيجية (حوار)
  • بالفيديو ..الكيان الصهيوني يقصف مبنى الإذاعة والتلفزيون في العاصمة الإيرانية طهران.. فيديو
  • وزير الدفاع الإسرائيلي: التلفزيون الرسمي الإيراني على وشك الاختفاء
  • حزب المصريين: الصمت الدولي تجاه غطرسة الكيان الصهيوني سيؤدي إلى عواقب وخيمة
  • ماذا قال عراقجي عن الخليج و "الرد المشروع" على الكيان الصهيوني؟
  • هجمات إيرانية عنيفة ومدمرة على الكيان الصهيوني خلال ساعات
  • الردع الإيراني لمواجهة الكيان الصهيوني