جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-03@03:54:58 GMT

"شرق أوسط جديد" يُولد تحت لهيب النار

تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT

'شرق أوسط جديد' يُولد تحت لهيب النار

 

 

مسعود أحمد بيت سعيد

[email protected]

يشهد الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة تحولات دراماتيكية عنيفة، قد تُعيد رسم ملامح المنطقة لعقود مُقبلة؛ فبعد القرصنة الإرهابية الإسرائيلية التي استهدفت شخصيات إيرانية بارزة، دخل بالفعل منعطفًا تاريخيًا حاسمًا، وقد ردَّت طهران بشكل مباشر، بإطلاق صواريخ استهدفت العمق الإسرائيلي، ومنه مدينتا حيفا وتل أبيب، وهما مدينتان عربيتان محتلتان من قبل الكيان الصهيوني منذ النكبة الأولى عام 1948.

هذا التصعيد غير المسبوق يُشير إلى تحول جوهري في قواعد الاشتباك، ويدفع المنطقة إلى مرحلة أكثر خطورة وتعقيدًا. ويمثل الرد الإيراني ترجمة لخيار استراتيجي جديد، يعتمد على مبدأ الردع المتبادل، ويؤكد أنَّ طهران لم تعد رهينة للتهديدات أو للحسابات الضيقة؛ بل باتت قادرة على الرد المؤثر والمباشر وتغيير مجرى الصراع وأفقه المنظور. وفي هذا السياق، أكدت القيادة الإيرانية أن عملياتها تأتي في إطار الدفاع عن النفس، ردّا على ما تعتبره "عدوانًا مستمرًّا" يُهدد سيادتها. وفي المقابل، يتمسك الكيان الصهيوني- الذي يقف بأميال فوق الأعراف والقوانين الدولية التي أوجدته- بروايته التي ترى في المواجهة مع إيران حربًا مفتوحة لا تنتهي، ويُركِّز على البرنامج النووي الإيراني، مُقدِّمًا إياه كسبب رئيس لهذا التصعيد.

غير أن ذلك يُعد تبسيطًا مُخللًا؛ بل وتضليلًا مقصودًا من قبل الكيان الصهيوني وداعميه، الذين يدركون تمامًا أن البرنامج النووي الإيراني مُعد لأغراض سلمية، كما تؤكد طهران باستمرار، ولديها من الموانع الدينية ما يُعزز مصداقية أقوالها. ولا يمكن إغفال المفارقة في كَوْن من يطالبها بذلك هي قوة نووية، وهو أمر عجيب حقّا. ومع ذلك، فإنَّ إخلاء المنطقة من جميع الأسلحة النووية يجب أن يكون عنوانًا دائمًا؛ بما يشمل البرنامج النووي الإسرائيلي. ومن المعروف أنَّ استخدام هذا الملف ليس إلّا ذريعة لتبرير مساعي إسقاط النظام الإيراني، الذي يشكل وجوده تهديدًا لأمن الكيان الإسرائيلي القومي. لذلك، يرى الكيان الصهيوني أن الضربات الإيرانية النوعية تُمثِّل محاولة لتكريس معادلة ردع جديدة على حسابه، وهو ما يرفضه تمامًا.

ومن منظور القوى الغربية- خصوصًا الدوائر الصهيونية والإمبريالية- فإن بقاء التفوُّق العسكري لإسرائيل في المنطقة يُعد مسألة وجودية لا تقبل التفاوض. ومع ذلك، تبقى مواقف الولايات المتحدة- الشريك الفعلي في هذا العدوان- محاطة بغموض نسبي؛ إذ تحافظ واشنطن على دعمها التقليدي لإسرائيل، لكنها تتعامل مع الموقف الراهن بحذر ملحوظ؛ إدراكًا منها لتعقيدات المشهد وتغيُّر المزاج الدولي تجاه إسرائيل، فضلًا عن ثقتها بالقدرات العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية وانشغالها بملفات عالمية أخرى، مثل الحرب في أوكرانيا والصعود الصيني المتسارع.

وحتى اللحظة، يبدو أن الإدارة الأمريكية تُفضِّل تقديم دعم سياسي وعسكري محدود، دون الانخراط المباشر في صراع شامل، في انتظار تطور الأحداث وتهيئة اصطفاف دولي أوسع، خاصة في حال فشلت المسارات السياسية والدبلوماسية النشطة على أكثر من جبهة. وإن كانت احتمالات نجاح هذا التوجه حتى الآن ضعيفة في ظل جملة من المعطيات الأولية غير المواتية، منها التنديد الإقليمي والدولي الواسع بالعدوان الإسرائيلي، إلّا أن الأحداث مُتحرِّكة، وكذلك المواقف. والذي يستحق الاستجلاء حقًّا هو الموقف الخليجي؛ إذ يتموضع الصراع ضمن مجاله الحيوي، ويؤثر في عُمقه الاستراتيجي. ورغم الإدانة الجماعية للعدوان الإسرائيلي، والدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، فإنَّ بعض الأطراف ترى أن دول الخليج واقعة بين المطرقة والسندان، وأن تقديرها للتصعيد الراهن متفاوت. فمن جهة، تُعبِّر بعض دول الخليج عن قلقها من تنامي النفوذ الإيراني، وقد تبنّت في السابق مواقف منسجمة- ولو ضمنيًّا- مع الموقفين الإسرائيلي والغربي في تضخيم المخاوف من هذا النفوذ.

ومن جهة أخرى، تخشى هذه الدول من تداعيات تصعيد شامل في المنطقة قد يَمس أمنها واستقرارها بشكل مباشر؛ نظرًا لموقعها الجغرافي القريب من بؤر التوتر. وتُعد سلطنة عُمان استثناءً في هذا السياق؛ إذ حافظت على قنوات تواصل مفتوحة مع طهران، ولعبت دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة في أكثر من مناسبة. ويعكس هذا الدور مُقاربة سياسية مُتزنة، تسعى إلى تجنيب المنطقة سيناريوهات الانفجار. وذلك أن الرهانات في هذا الصراع تتجاوز حدود السلاح والمعارك التقليدية؛ فالمواجهة القائمة تُعبِّر عن صراع حقيقي على هوية المنطقة ومستقبلها، وإعادة تشكيل توازنات النفوذ الإقليمي والدولي فيها.

وفي المحصلة، ما تشهده المنطقة اليوم لا يمكن اختزاله في مواجهة محدودة أو جولة عابرة من التصعيد؛ بل هو مؤشر على مرحلة جديدة يُعاد فيها تعريف موازين القوى، وقد يُفرز معادلات أكثر تعقيدًا، وربما أكثر توازنًا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشرق الأوسط فوق رقعة النار.. هل تقترب الحرب الكبرى؟

من جبال طاجيكستان إلى ضفاف الخليج، تعود لغة السلاح لتعلو فوق دبلوماسية الغموض. وفي تصريح حمل نذر الشر.

قال رئيس أركان الجيش الإيراني خلال لقائه قائد الجيش الطاجيكي: «إيران جاهزة لأي معركة قادمة، وأمريكا وإسرائيل لا عهد لهما»، هكذا تعلن طهران بصراحة أن المنطقة ليست على حافة الحرب، بل تقف بالفعل على حافتها.

رقعة الشطرنج: الشرق الأوسط كمتاهة نزاعات

في الجغرافيا السياسية لا مكان للفراغ، وكل انسحاب، هو تقدم لخصم آخر. والشرق الأوسط، منذ قرن كامل، لم يكن إلا ساحة تصادم مصالح بين إمبراطوريات قديمة وجديدة، لكن اليوم لم يعد الصراع على موارد أو طرق ملاحية فحسب، بل بات صراع هويات وتحالفات تتقاطع وتتناقض مع كل شروق.

من حرب يونيو (حزيران ) إلى صفقات التطبيع، ومن غزّة إلى مضيق هرمز، من اليمن إلى كردستان، تتشظّى الرقعة واللاعبون لا يتوقفون عن تحريك بيادقهم. وإذا كان القرن العشرون قد شهد الحرب الباردة على الأرض العربية، فإن الحاضر يشهد صراع "الخصوم المتقاطعين" و"التحالفات المؤقتة" في شرق أوسط بلا ثوابت.

إيران: من خطاب الردع إلى خطاب الاشتباك

إيران باتت تخرج من خطاب الردع إلى خطاب الاشتباك، ضمن عقيدة عسكرية هجومية مغطاة بعباءة ثورية، تصريحات رئيس الأركان الإيراني تأتي في توقيت حرج، «تصعيد في الجنوب اللبناني، اختناق أمني في غزة، ضربات في سوريا والعراق، واحتقان إقليمي تقوده تل أبيب وواشنطن ضد "الهلال الشيعي»، كما يسمونه.

إسرائيل: هروب إلى الأمام أم ترتيب للمواجهة الكبرى؟

إسرائيل الغارقة في أزماتها السياسية والقضائية تبحث عن نصر تكتيكي يرمم صورتها الردعية بعد فشلها في غزة، وتدفع واشنطن نحو مواجهة إيرانية تُغلف بخطاب "التهديد النووي"، لكنها تعرف أن ضرب إيران يعني اشتعال الجبهات من اليمن إلى لبنان، مع آلاف الصواريخ على الجليل والساحل المحتل.

«طاجيكستان».. ما وراء الرسائل الجيوسياسية؟

أن تصدر هذه التصريحات من «دوشنبه» ليس تفصيلاً. فطاجيكستان، على تخوم أفغانستان، تقع في منطقة نفوذ صيني- روسي حساس. تنامي التعاون العسكري مع إيران يعني بناء جبهة جديدة في ظهر الحلف الأمريكي، وتكريس لحظة فارقة في شبكة التحالفات بين طهران وموسكو وبكين في قلب آسيا.

«أوروبا».. التردد السياسي وسط اضطراب المصالح

أما أوروبا، فتمضي على حد السكين، تخشى انفجارًا جديدًا في الشرق يهدد أمنها الطاقي واللاجئين، لكنها عاجزة عن رسم سياسة مستقلة بعيدًا عن الرغبة الأمريكية. برلين وباريس تراقبان المشهد اللبناني والسوري بقلق، وتحاولان الحد من الانفجار الكبير عبر رسائل خلف الكواليس، لكن بدون أدوات ضغط حقيقية.

«لبنان وسوريا».. الجبهتان المنسيتان في قلب العاصفة.

لبنان مرشح للانفجار في أي لحظة، حزب الله، الذي يُعد رأس الحربة في أي رد إيراني، بات جاهزًا لخوض معركة لا يريدها لكنه لا يتردد إن فرضت. الغارات الإسرائيلية تتكثف في الجنوب والضاحية، وتحركات الحزب تتوسع من الجليل إلى الجولان. أما سوريا، فهي الحلبة الصامتة التي تحتمل اشتعالًا مفاجئًا.

القصف المتكرر على مطارات دمشق وحلب ومحيط دير الزور هو رسالة واضحة بأن تل أبيب تعتبر الأرض السورية امتدادًا لجبهة الحرب المقبلة، بينما طهران تعيد تموضع قواتها على الأرض.

هل الحرب قادمة؟ قراءة في الاحتمالات

مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل «قائمة»، لكنها مؤجلة ما لم تُفتح جبهة فجائية تشعل الإقليم دفعة واحدة.

تصعيد بالوكالة في لبنان وسوريا والعراق، هو السيناريو الأقرب، عبر ضربات متبادلة ورسائل دموية دون مواجهة شاملة.

خليج محتقن وتوازنات هشة، «الرياض وأبوظبي» تراقبان عن كثب، وتلعبان على توازن بين الحوار مع طهران والتنسيق مع واشنطن

وفي الختام «الجغرافيا لا ترحم من يجهل التاريخ»، فالشرق الأوسط ليس مجرد رقعة شطرنج، بل متاهة من اللهب، تحكمها ذاكرة ملتهبة وخرائط متحركة. كل لاعب يتوهم أنه يمسك بالخيوط، لكنه غالبًا ما يكون جزءًا من خيط خفي في يد قوة أكبر، والحرب قد لا تقع غدًا، لكنها تُطبخ على نار هادئة، والجميع يتهيأ للانفجار الكبير!!

كاتب وباحث في الشؤون الجيوسياسية والصراعات الدولية. [email protected]

اقرأ أيضاً«عبد العاطي» يستعرض مع سيناتور أمريكي جهود مصر لدعم الاستقرار بالشرق الأوسط

أستاذ علوم سياسية: «الشرق الأوسط الجديد» يُعيد رسم خريطة الإقليم لصالح إسرائيل

مقالات مشابهة

  • الأونروا: مجاعة غزة نتيجة لمحاولة الكيان الإسرائيلي استبدال الأمم المتحدة بمنظومة بديلة ذات أهداف سياسية
  • وقفة طلابية في إب تنديدًا بجرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة
  • فيديو أممي يوثق إطلاق العدو الصهيوني النار على منتظرى مساعدات في غزة
  • “الرشق”: ترمب يكرّر أكاذيب الكيان الصهيوني وتحقيق أمريكي يفنّد مزاعم سرقة المساعدات
  • رئيس البرلمان الإيراني مخاطباً رئيس الكنيست الإسرائيلي: أنتم مصدر خزي وعار للبشرية
  • سلوفينيا تستدعي سفيرة الكيان الإسرائيلي للاحتجاج على الكارثة الإنسانية في غزة
  • كارثة تلوح في الأفق.. الرئيس الإيراني يحذر من جفاف سدود تزوّد طهران بالمياه
  • الرئيس الإيراني يحذر من جفاف سدود تزوّد طهران بالمياه
  • الرئيس الإيراني عن أزمة المياه: السدود قد تجف بحلول سبتمبر
  • الشرق الأوسط فوق رقعة النار.. هل تقترب الحرب الكبرى؟