هآرتس: حاخامان وعداهم بالسلامة وصواريخ إيران دكت بلدتهم
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
منذ تأسيس دولة إسرائيل، لم يسقط صاروخ واحد على ضاحية بني براك في شرق مدينة تل أبيب، هكذا نقلت صحيفة هآرتس عن أحد الأشخاص ممن هرعوا من باب الفضول لمشاهدة الأضرار التي لحقت بالحي جراء سقوط صاروخ واحد في الحرب الجارية الآن بين إسرائيل وإيران.
يقول مراسل الصحيفة جوش برينر في تقريره إن الدمار الذي أحدثه الصاروخ الإيراني أصاب سكان بني براك بالصدمة، خاصة عندما سمعوا بمقتل أحد الأشخاص.
دانيال: لم يسبق أن سقط صاروخ هنا، ولكن يبدو أن الوعد لم يعد ساري المفعول اليوم، حيث لم يعد الحاخام كانيفسكي معنا. فلطالما اعتقدنا أن المدينة محروسة، ذلك أنه حتى خلال حرب الخليج الأولى لم تسقط أي صواريخ هنا، بل كانت دائما تسقط في مدينة رامات غان أو في مستوطنة بتاح تكفا
كان من الصعب عليهم هضم خبر مقتل أحد سكان المدينة، لذلك افترضوا أنه لا بد أن يكون عاملا أجنبيا، أي أنه ليس يهوديا، لكن المراسل يقول إنهم كانوا مخطئين، فالرجل المقتول هو في الحقيقة من سكان الضاحية ويبلغ من العمر 84 عاما، كما أنه يهودي متدين ومتشدد مثلهم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"أمورفوس" نظام آلي لقيادة جيوش المسيّرات في حروب المستقبلlist 2 of 2فايننشيال تايمز: إلى متى تستمر حرب الاستنزاف بين إسرائيل وإيران؟end of listووفق الصحيفة، فقد أدت قوة الصاروخ الإيراني -الذي سقط في وقت مبكر من صباح يوم الاثنين- إلى انهيار مبنى مدرسة البنات في قلب بني براك بالكامل ولم يتبق منها شيء، وأصاب سكان هذه الضاحية من اليهود الأرثوذكس المتشددين بحالة من الصدمة.
ولم تكن مدرسة البنات وحدها هي التي دُمِّرت، بل عشرات الشقق في الحي الواقع شرقي تل أبيب أيضا التي لم تصمد أمام قوة الانفجار الهائلة.
وأشار المراسل برينر إلى أن ما حدث يوم الاثنين جاء مخالفا لوعد سبق أن قطعه اثنين من رجال الدين اليهودي -هما الحاخام شزون إيش ثم الحاخام حاييم كانيفسكي- اللذين أكدا للسكان أن مدينتهم "ستنجو من صواريخ العدو بفضل كثرة علماء التوراة الموجودين في بني براك".
والآن يتساءل السكان كيف حدث ذلك لهم. يقول رجل عرَّف عن نفسه للصحيفة باسم دانيال: "لم يسبق أن سقط صاروخ هنا، ولكن يبدو أن الوعد لم يعد ساري المفعول اليوم، حيث لم يعد الحاخام كانيفسكي معنا. فلطالما اعتقدنا أن المدينة محروسة، ذلك أنه حتى خلال حرب الخليج الأولى لم تسقط أي صواريخ هنا، بل كانت دائما تسقط في مدينة رامات غان (وسط تل أبيب) أو في مستوطنة بتاح تكفا".
إعلان
ونقلت هآرتس عن صديق لدانيال القول إن الحاخام كانيفسكي "قام بحمايتنا، والآن تغير شيء ما. عليك أن تفهم أن القدوس تبارك اسمه لا يعمل معنا".
وأرفقت الصحيفة صورا معبرة عن حجم الدمار الذي لحق ببني براك، مشيرة إلى أن حشدا كبيرا من الناس تجمعوا في الموقع الذي سقط فيه الصاروخ: رجال يرتدون ملابس اليهود المتشددين ونساء بسراويل قصيرة، وعمال أجانب من سريلانكا، وإسرائيليون علمانيون.
ومن بين هذه الجموع، شاب هندي يدعى هارناك شاند يعيش في إحدى الشقق المتضررة مع 7 من أصدقائه السريلانكيين وجميعهم عمال آسيويون يشتغلون في مجال البناء بإسرائيل.
وقال شاند للصحيفة إنه ترك بنطاله في شقته، ولم يُسمح له بالعودة إلى الداخل واستعادته، وإن كل ما تبقى في حوزته هي الحقيبة الصغيرة التي كان يحملها على ظهره.
ومنذ الجمعة الماضي، قُتل 24 إسرائيليا وأصيب نحو 600 آخرين بجروح جراء الضربات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت إسرائيل، من بينهم ذلك اليهودي المتشدد من سكان بني براك، الذي لقي حتفه يوم الاثنين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات بنی براک سقط فی لم یعد
إقرأ أيضاً:
من عالم العقارات إلى الدبلوماسية الفظة.. كيف انعكست النزعة الفوقية في هفوات خطاب توم براك؟
أكثر اللحظات دلالة على هذا الأسلوب جاءت خلال ظهوره على منبر القصر الجمهوري في بيروت، حين وصف سلوك الصحافيين بأنه "حيواني".
في الدبلوماسية، لا يقتصر الاهتمام على ما يقال، بل على الكيفية التي يقال بها. فطريقة التعبير، واختيار المفردات، تؤدي دورا أساسيا في كيفية تلقي التصريحات وتفسيرها، ولا سيما عندما تصدر عن مسؤول يتولى أدوارا حساسة.
في هذا السياق، يبرز خطاب توم براك، السفير الأميركي في تركيا، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا، بوصفه حالة إشكالية بحد ذاتها. فتصريحاته العلنية، التي تكررت على امتداد الأشهر الماضية، لم تعكس فقط أسلوبا مباشرا، بل كشفت سلسلة هفوات دبلوماسية متراكمة، أظهرت نبرة تفوق واضحة في مقاربته لقضايا سيادية وتاريخية شديدة الحساسية، خصوصا في لبنان.
من عالم الصفقات إلى لغة السياسةدخل براك الحياة العامة من بوابة عالم الأعمال، حيث تُدار العلاقات بمنطق الحسم، وتُقاس النتائج بلغة الربح والخسارة. هذا الانتقال إلى المجال السياسي لم يكن مصحوبا بتحول مماثل في الأدوات اللغوية أو في طريقة النظر إلى الدول والمجتمعات. في كثير من تصريحاته، بدت الأزمات السياسية أقرب إلى ملفات إدارية، والدول إلى كيانات قابلة لإعادة الترتيب، لا إلى مجتمعات لها تاريخ طويل من الصراعات والذاكرة والرمزية.
هذا المنطق انعكس في لغة مباشرة، غالبا ما تجاهلت التعقيدات المحلية، واختزلت المشهد السياسي في عناوين كبرى، من دون مراعاة ما تحمله بعض الكلمات من حساسية تاريخية أو سيادية.
في لبنان، اصطدم هذا الأسلوب بجدار الحساسية القصوى. حين قال براك إن "لبنان يواجه تهديدا وجوديا، وإذا لم يتحرك فقد يعود إلى بلاد الشام"، لم تُقرأ العبارة كتشخيص سياسي مجرد، بل كإعادة إحياء لمفاهيم تاريخية لطالما اعتُبرت تهديدا مباشرا لفكرة الكيان اللبناني واستقلاله. لاحقا، عاد ليذهب أبعد من ذلك، متحدثا في تصريح مستجد عن إمكانية ضم لبنان إلى سوريا، في مقاربة بدت وكأنها تتعامل مع الحدود والسيادة كعناصر قابلة لإعادة الصياغة.
هذا الخطاب، في بلد قام تاريخه الحديث على رفض الاندماج القسري داخل كيانات أوسع، أثار ردود فعل غاضبة، ليس فقط بسبب مضمونه، بل بسبب بساطته المفرطة في التعامل مع مسألة وجودية معقدة.
أكثر اللحظات دلالة على هذا الأسلوب جاءت خلال ظهوره على منبر القصر الجمهوري في بيروت، حين وصف سلوك الصحافيين بأنه "حيواني". لم تكن المسألة هنا مجرد اختيار كلمة غير موفقة، بل لحظة كشفت علاقة ملتبسة مع الإعلام والرأي العام. فبدلا من استخدام اللغة لاحتواء التوتر، تحولت الكلمة إلى عامل استفزاز مباشر، ورسخت صورة دبلوماسي يتحدث من موقع فوقي.
هذه الحادثة تحديدا أصبحت مرجعا دائما في أي نقاش حول خطاب براك، لأنها لخصت، في مشهد واحد، الفجوة بين الدور الدبلوماسي المفترض، واللغة التي اختار استخدامها.
اقتراح فجّضمن سلسلة تصريحاته المثيرة للجدل، برز كلام براك الداعي إلى أن "يرفع الرئيس اللبناني جوزاف عون السماعة ويتصل برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وننهي المهزلة" بوصفه واحدة من أكثر العبارات استفزازا في السياق اللبناني. هذا التصريح لم يطرح كاقتراح سياسي مدروس، بل جاء بصيغة مباشرة اختزلت علاقة معقدة ومشحونة بالحروب والذاكرة والدم باتصال هاتفي عابر.
في بلد لا تزال فيه العلاقة مع إسرائيل مرتبطة بالصراع والاحتلال والانقسام الداخلي، اعتُبر هذا الكلام تجاهلا كاملا للحساسية السياسية والوطنية المحيطة بالملف، وتجاوزا فجا لموقع الرئاسة اللبنانية ودورها. كما عكس مقاربة تتعامل مع النزاعات كعقبات إجرائية، لا كقضايا سيادية وإنسانية متشابكة، ما عمّق الانطباع بأن خطاب براك ينطلق من منطق الصفقات لا من فهم واقع المنطقة.
لم تقتصر هذه المقاربة على لبنان. فحين قال براك إن "لا يوجد شرق أوسط، بل قبائل وقرى"، قدم توصيفا عاما للمنطقة اختزل فيه بنيتها السياسية والاجتماعية. هذا الكلام، الصادر عن مبعوث مكلف بملفات سوريا ولبنان، أثار نقاشا واسعا حول دلالاته، ولا سيما لجهة ما يعكسه من نظرة تقلل من وزن الدولة الوطنية، وتعيد توصيف المجتمعات من خارج سياقها التاريخي والسياسي.
في منطقة عانت طويلا من تدخلات خارجية استندت إلى مثل هذه السرديات، جاءت هذه العبارة لتغذي شكوكا عميقة حول طبيعة النظرة الأميركية لبعض ملفات الشرق الأوسط.
خارج لبنان، واجه براك انتقادات واسعة بسبب تصريحاته ذات الطابع التاريخي. إشادته بما يعرف بـ"نظام الملل" في الدولة العثمانية، وتقديمه كنموذج ناجح لإدارة التعددية، أثارت اعتراضات رأت في هذا الطرح قراءة انتقائية لتجربة تاريخية معقدة، تجاهلت جوانب القمع والاختلال البنيوي.
كذلك، أثار جدلا حادا بسبب تبنيه لغة قريبة من الرواية التركية الرسمية في ما يتعلق بمجازر عام 1915، وهو ما اعتُبر تقليلا من شأن توصيفها كإبادة جماعية بحق الأرمن. هنا، لم يعد الخلاف سياسيا فقط، بل أخلاقيا وتاريخيا، يتعلق بكيفية مقاربة ذاكرة جماعية ما زالت حية.
ما يجمع بين هذه المواقف، على اختلاف ساحاتها، هو النبرة. خطاب براك اتسم بثبات لغوي لافت، قائم على المباشرة، والتبسيط، والتوصيف من أعلى. هذه النبرة لم تتغير بتغير الموضوع أو المكان، ما جعلها تبدو أقرب إلى قناعة راسخة منها إلى زلات منفصلة.
في الدبلوماسية، حيث تُقاس الكلمات بميزان حساس، تحولت هذه النبرة إلى عبء، وأصبحت التصريحات بحد ذاتها عائقا أمام أي دور وساطي محتمل.
في المحصلة، لا يمكن فصل خطاب توم براك عن المناخ السياسي الذي أتى به إلى الواجهة. فحدّة لغته، ومباشرته الصادمة، واستخفافه بحساسية الكلمات، تعكس أسلوبا قريبا من نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، القائم على الصراحة الفظة وكسر الأعراف باسم الواقعية.
غير أن ما قد يحقق صدى في السياسة الداخلية أو في عالم الصفقات، يتحول في الدبلوماسية إلى عبء ثقيل، حيث للكلمات تبعات تتجاوز نوايا قائلها. وفي حالة براك، لم تكن المشكلة في غياب الرسائل، بل في طريقة إيصالها، إذ بدا الخطاب امتدادا لأسلوب سياسي يتعمد الصدمة، من دون أن يحسب كلفة اللغة حين تُستخدم في ساحات مشحونة بالتاريخ والسيادة والنزاعات المفتوحة.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة