حين تلفظ الأرض غرباءها تحت النار
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
أحمد بن محمد العامري
في كل حقبة من التاريخ تُختبر الشعوب وتُختبر الأرض أيضًا، فبعضها يحتمل الغزاة مؤقتًا ثم يلفظهم كما يلفظ الجسد شيئًا غريبًا دُسّ فيه عنوة.
هذا تمامًا ما نراه اليوم في فلسطين المحتلة حيث يتساقط الزيف وتتكشف الحقيقة التي لطالما حاول الإعلام الموجّه والنفوذ الدولي إخفاءها: المستوطنون لا ينتمون لهذه الأرض، وهم في الحقيقة ضيوف غير مرغوب فيهم منذ اللحظة الأولى، جاءوا على ظهر السفن حينها، وها هم اليوم يغادرون تحت أزيز الصواريخ وصفارات الإنذار، لا لأنهم يريدون، بل لأن الأرض نفسها لم تعد تتسع لكذبهم.
الصور تتحدث ببلاغة لا تحتمل التأويل. عائلات بأكملها تحزم حقائبها على عجل، تتزاحم عند المعابر الحدودية تنتظر رحلات الهروب لا العودة، تبحث عن مفرّ من نار الحرب التي بدأت تطرق أبوابهم بقوة الضربات الإيرانية الأخيرة التي طالت عمق الكيان، لم تكن مجرد رد عسكري أو جولة جديدة في لعبة التوازنات الإقليمية، بل كانت لحظة فارقة كشفت عن هشاشة الكيان من الداخل. صواريخ تخترق ما قيل لنا يومًا إنه "أكثر نظام دفاع جوي تطورًا في العالم"، فتتساقط فوق المدن التي قامت على أنقاض القرى الفلسطينية.
تلك المدن -التي طالما رفعت أعلامًا وادعت السيادة- بدت فجأة كبيوت من ورق تعصف بها الريح من كل صوب، هروب المستوطنين لم يكن فقط هروبًا من الصواريخ، بل كان فرارًا من مواجهة الحقيقة: أن هذه الأرض ليست أرضهم، وأنهم مهما زرعوا من مستوطنات وشقّوا من طرق، وبنوا من جدران، ستبقى الغربة تلاحقهم. لم يستطيعوا بناء جذور لأنهم لم يزرعوا إلا الإرهاب.
بالأمس القريب، قالوا إنهم سيهجّرون أهل غزة. رسموا خرائط جديدة وهددوا بمحو الأحياء والمخيمات من الوجود وراهنوا على أن الفلسطيني سيُهزم، سينكسر، سيرحل. ولكن ها هو الفلسطيني باقٍ، يدفن أبناءه بيده ثم يعود ليحرس ركام بيته كأنه يحرس روحه. بينما الذي جاء من موسكو أو بروكلين، أو من ضواحي باريس، يحزم حقائبه هاربًا، عائدًا إلى ما يسمّيها "وطنه الاصل"، رغم أنه ادّعى يومًا أن هذه الأرض هي "الوطن الموعود".
هنا تتجلى عدالة التاريخ لا كمجرد سردية نروّج لها، بل كواقع بدأ يأخذ شكله. ما يحدث اليوم هو برهان عملي على ما نؤمن به منذ عقود: أن لا مستقبل لهذا المشروع الاستعماري، وأن كل ما بُني على الظلم لا يمكن أن يدوم. هذا هو جوهر ما أدعو إليه وأردده مرارًا: "حلّ العودتين". عودة الفلسطينيين إلى ديارهم وقراهم التي هُجروا منها قسرًا، وعودة الصهاينة إلى البلدان التي جاءوا منها، كأمر حتمي لا خيار فيه. إنه ليس شعارًا عاطفيًا، بل رؤية سياسية وأخلاقية تتجذر في الواقع كل يوم.
"حل العودتين" لا يعني فقط إنهاء الاحتلال؛ بل هو تصحيح لمسار التاريخ، واستعادة للتوازن الأخلاقي الذي اختلّ منذ عام النكبة. لا أحد يطلب من هؤلاء المستوطنين أكثر من أن يعودوا إلى أوطانهم الأصلية، حيث جوازاتهم لا تزال صالحة، وحيث هويتهم الثقافية والدينية والاجتماعية لم تتعرض لأي اقتلاع. بينما الفلسطيني لم يُترك له حتى هوية على ورق، ومع ذلك ظل متعلقًا بتراب وطنه، يحمله معه في الذاكرة والدعاء، وفي مفاتيح البيوت القديمة التي ورثها عن الأجداد.
لقد آن لهذا المشهد أن يكتمل: عودة الفلسطيني إلى أرضه، لا كلاجئ، بل كصاحب حق، وعودة الغزاة إلى حيث ينتمون. إنها ليست نكسة للمشروع الصهيوني فحسب، بل هي بداية النهاية. ومهما طال الزمن، ستبقى هذه الأرض تنطق بالحق، تميّز بين الغريب والأصيل، وتلفظ من لا ينتمي. ففلسطين ليست قضية، بل وطن حيّ لا يقبل القسمة، ولا يُقايض على ذاكرته، ولا يخون دماء شهدائه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
“الحركة الشعبية”: قواتنا ليست في الفاشر حاليًا
نفت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، أي وجود لقواتها حاليًا في مدينة الفاشر بشمال دارفور، مؤكدة أنها ستتواجد هناك في وقت لاحق بعد استكمال التشاور والتنسيق ضمن تحالف “تأسيس”.
وجاء بيان الحركة ردًا على اتهامات أصدرتها القوة المشتركة التابعة لحركات دارفور المتحالفة مع القوات المسلحة السودانية، والتي تحدثت عن مشاركة قوات الحركة في الهجوم الأخير على الفاشر إلى جانب قوات الدعم السريع.
وقالت الحركة في بيانها: “نتشرف بالقتال مع أي قوى ثورية تسعى إلى تحرير السودان وبنائه على أسس جديدة، لكن الحديث عن وجود قواتنا في الفاشر حالياً غير صحيح ومجرد أكاذيب مُغرضة تهدف إلى التضليل”.
وأضاف البيان أن تحالف “تأسيس” لا يزال في طور التشاور بين مكوناته بشأن آليات التنسيق والعمل العسكري المشترك، مؤكداً أن الجيش الشعبي غير موجود في الفاشر حتى الآن، لكنه “سيصلها قريباً”، وفق ما ورد في البيان.
كما اتهمت الحركة ما وصفتها بـ”حكومة بورتسودان” وحلفاءها، بفبركة الأخبار، في محاولة لصرف أنظار السودانيين عن “الأزمة السياسية وانعدام الشرعية”، حسب تعبير البيان.
من جانبها، كانت القوة المشتركة قد اتهمت قوات الحلو بالضلوع في حصار مدينة الفاشر وارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، وهو ما نفته الحركة بشكل قاطع.
التيار
إنضم لقناة النيلين على واتساب