أعاد التصعيد العسكري غير المسبوق بين إسرائيل وإيران ترتيب أوراق الاقتصاد العالمي، ليفتح الباب أمام موجة من التقلبات العنيفة طالت أسواق الطاقة والمعادن والعملات والأسهم. وبينما سجلت بعض القطاعات أرباحًا هائلة مدفوعة بالمخاوف الجيوسياسية، انزلقت أخرى إلى خسائر عميقة نتيجة تصاعد التوترات واحتمال امتداد النزاع إلى ساحة إقليمية أوسع.

ورغم أن الضربات المتبادلة بين الجانبين لم تطل بعد المنشآت الحيوية للطاقة أو الممرات الملاحية، إلا أن الأسواق تصرفت كما لو أن المنطقة تقف على أعتاب انفجار واسع، ما خلق بيئة مثالية لـ”اقتصاد الحروب” بأرباحه المفاجئة وخسائره المؤلمة.

المنتفعون من اقتصاد الحرب
شركات الطاقة أول المستفيدين، حيث ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد خلال الأيام الأولى من الحرب، مدفوعة بمخاوف من تعطل إمدادات الخام عبر مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 20% من الطلب العالمي، وصعد خام برنت إلى 94.5 دولارًا للبرميل في ذروة التصعيد، قبل أن يتراجع تدريجيًا إلى حدود 90 دولارًا، محافظًا على مستوى أعلى بكثير من متوسطاته قبيل اندلاع النزاع.

كما شهدت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعًا بنسبة 6% عالميًا، نتيجة توقعات باضطراب محتمل في إمدادات الشرق الأوسط، رغم استقرار الشحنات حتى الآن.

فيما حلقت شركات الدفاع والصناعات العسكرية تحلق عالياً، حيث حققت أسهم كبرى شركات التصنيع العسكري الأميركية مكاسب قوية. ارتفع سهم “رايثيون” بنسبة 7% منذ بداية الأسبوع، وقفزت “نورثروب غرومان” بنحو 6.5%، مدفوعة بتوقعات بزيادة إنفاق إسرائيل وحلفائها في الخليج على منظومات الدفاع الجوي والصواريخ الاعتراضية.

وقفزت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى لها في التاريخ، متجاوزة حاجز 2,450 دولارًا للأونصة، مع إقبال المستثمرين على الأصول الآمنة في ظل تصاعد المخاطر. كما سجلت صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب تدفقات ضخمة، ما يشير إلى تحوّل في شهية المستثمرين بعيدًا عن الأصول عالية المخاطر.

الضحايا الماليون للصراع
الأسواق الناشئة في الشرق الأوسط تحت الضغط، حيث تكبّدت البورصات الإقليمية خسائر ملحوظة، خاصة تلك ذات الصلة بأسواق النفط غير المستقرة أو القريبة من مسرح العمليات، فقد المؤشر العام لبورصة تل أبيب أكثر من 5% خلال الأسبوع، فيما هبطت بورصتا دبي وقطر بنحو 2.7% و1.9% على التوالي، وسط قلق من تداعيات محتملة على السياحة والاستثمارات الأجنبية.

وتعرض قطاع الطيران العالمي لضغوط كبيرة، حيث ارتفعت أسعار الوقود وتفاقمت المخاوف من إغلاقات للمجال الجوي أو تأجيلات طويلة للرحلات. انخفض سهم “لوفتهانزا” الألمانية 3.2%، وهبطت “طيران الإمارات” و”القطرية” بشكل غير رسمي في تداولات خاصة، في ظل غياب إدراج رسمي لهما، نتيجة توقعات بانخفاض الطلب وارتفاع التكاليف التشغيلية.

كما شهدت البنوك الكبرى في إسرائيل ودول الخليج تراجعًا في أسهمها، بفعل المخاوف من تباطؤ النشاط الاقتصادي وارتفاع كلفة التأمين على الديون السيادية، وارتفعت تكلفة مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) في المنطقة، ما يعكس قلق الأسواق من احتمالات التخلف عن السداد في حال اتساع رقعة الصراع.

قطاعات تتأرجح بين المكاسب والخسائر
التكنولوجيا: فائز في وادي السيليكون، خاسر في تل أبيب، رغم الضغوط العامة، استفادت شركات التكنولوجيا الأميركية من توجه رؤوس الأموال إلى شركات النمو الكبرى، حيث صعد سهم “إنفيديا” بأكثر من 3%، وارتفعت “مايكروسوفت” بنسبة 2.1%. بالمقابل، هبطت أسهم شركات التكنولوجيا الناشئة في إسرائيل، مثل “ويلتكس” و”نايس”، بنسبة تجاوزت 6%، بفعل مخاوف من تعطل العمليات أو فقدان التمويل الدولي.

أسواق العملات: شهدت أسواق الصرف طلبًا قويًا على الدولار والفرنك السويسري، حيث ارتفع مؤشر الدولار الأميركي إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر الماضي، في حين تراجعت عملات الأسواق الناشئة، خاصة في الشرق الأوسط، وسط نزوح لرؤوس الأموال باتجاه العملات الآمنة.

ورغم تراجع المخاوف مؤقتًا بعد توقف الضربات المتبادلة، فإن معظم المحللين يرون أن الأسواق لم تدخل بعد في مرحلة “الاستقرار”، وأن أي هجوم كبير على منشآت نفطية أو إغلاق فعلي للمضائق قد يدفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.

وتبقى المخاطر الجيوسياسية محددًا رئيسيًا لحركة الأسواق في المرحلة المقبلة. وإذا لم تتطور الحرب إلى مواجهة مباشرة شاملة بين أطراف إقليمية كبرى، فقد نشهد هدوءًا نسبيًا يعيد بعض الثقة إلى المستثمرين. لكن أي تطور مفاجئ قد يطيح بهذه الآمال، ويفتح الباب أمام موجة جديدة من الاضطرابات المالية.

آخر تحديث: 20 يونيو 2025 - 11:55

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: أسعار الذهب أسعار النفط أسواق العملات إيران وأمريكا إيران وإسرائيل البورصات

إقرأ أيضاً:

رئيس الأركان الإيراني: إسرائيل فقدت قوتها.. ونتنياهو يشعل الحروب لإنقاذ نفسه

قال رئيس الأركان الإيراني إن إسرائيل فقدت قوتها ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشعل الحروب لإنقاذ نفسه، وذلك حسبما أفادت قناة "القاهرة الإخبارية"، في نبأ عاجل.

نتنياهو يتعهد بتهجير آلاف الفلسطينيين من غزة لإرضاء بن غفير والحفاظ على تماسك حكومتهنائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: نتنياهو يقود حملة تدميرية ضد شعبنا

وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم الخميس، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدّم تعهداً لوزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، يقضي بالشروع في تنفيذ خطة لتهجير آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وذلك في حال تعثرت المفاوضات مع حركة حماس ولم تُفضِ إلى صفقة.

وأفادت الصحيفة بأن نتنياهو شرع مؤخراً في اتخاذ خطوات عملية تهدف إلى الدفع بمشروع "الهجرة الطوعية" لسكان غزة، في مسعى منه للحفاظ على استقرار ائتلافه الحكومي عبر استرضاء بن غفير.

وأوضحت أن رئيس الحكومة يعقد اجتماعات دورية — بمعدل لا يقل عن مرة أسبوعياً — لمتابعة هذا الملف، وسط تنسيق بين مختلف الأجهزة الإسرائيلية، بما في ذلك جهاز الموساد ووزارة الخارجية، حيث طُلب منهما تسريع الاتصالات مع عدد من الدول المرشحة لاستقبال الفلسطينيين.

طباعة شارك إسرائيل رئيس الأركان الإيراني وزراء الاحتلال نتنياهو بنيامين نتنياهو

مقالات مشابهة

  • وول ستريت جورنال: نقص القوى البشرية يعرقل خطة إسرائيل لاحتلال غزة
  • إغلاق صيدليات في عدن احتجاجًا على رفض شركات الأدوية خفض الأسعار
  • تغييرات ترامب في "الفيدرالي" تدفع العقود الآجلة في وول ستريت للارتفاع
  • حضرموت على صفيح ساخن.. صراع نفوذ يشعل فتيل الاحتجاجات ويهدد بتفكك السلطة المحلية
  • أسواق النفط والأسهم تتحرك وسط توترات جيوسياسية ورسوم جمركية
  • الاقتصاد الألماني يتعثر مجددا وسط انخفاض الإنتاج الصناعي
  • ارتفاع جماعي لأسواق الأسهم العالمية رغم تصاعد التوترات التجارية
  • رسوم ترامب الجمركية تدخل حيز التنفيذ في اختبار جديد للاقتصاد العالمي
  • رئيس الأركان الإيراني: إسرائيل فقدت قوتها.. ونتنياهو يشعل الحروب لإنقاذ نفسه
  • ارتفاع أسعار النفط بقوة يعزز آمال الاقتصاد العالمي