إيران وفيتنام وأمريكا والـ «بي 52»
تاريخ النشر: 21st, June 2025 GMT
يُعيد الربطُ بين فرضيّة الحرب الأمريكية على إيران والحاجة لاستخدام وسائل تدمير عملاقة لاستهداف مفردات البرنامج النوويّ الإيرانيّ المحصّنة، خصوصاً منشآت موقع فوردو، مشاهدَ الحرب الفيتناميّة قبل أكثر من نصف قرن، حيث كانت قاذفات الـ “بي 52” وقنابل العمق عنوان المحاولات التي لجأت إليها قوات الاحتلال الأميركي لحسم الحرب وتحقيق الانتصار الكامل، الذي يتحدّث عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بلغة الرئيس ريتشارد نيكسون ذاتها قبل أن يستسلم لقرار وقف الحرب والانسحاب، واليوم يتجدّد الحديث عن الـ “بي 52” و”بي 2” في سياق مشابه.
شهد العام 1972 أوسع عمليّات القصف التدميريّ التي استخدمت فيها واشنطن قاذفاتها الاستراتيجيّة وقنابل العمق، حيث في شهر كانون الأول وحده وخلال 11 يوماً عُرفت بعمليّات عيد الميلاد تمّ استهداف أنفاق الإمداد للقوات الفيتناميّة والعاصمة هانوي وميناء هايفونغ وطريق هوشي منه، لكن الحصيلة كانت نجاح الفيتناميّين بإسقاط 15 طائرة وأسر وقتل عشرات الطيارين، وكانت القوات الفيتنامية تعتمد على آلاف قطع المدفعيّة الرشاشة من عيار 100 ملم، إضافة إلى رادارات وصواريخ مضادة للطائرات من الدرجة المتوسطة، لكنّها اعتمدت على قدرة تحمل خسائر مكلفة شعبياً وعسكرياً جراء الغارات التي بلغت 126000 طلعة للقاذفات الاستراتيجيّة ألقت خلالها 2.7 مليون طن من المتفجّرات، قُتل خلالها ربع مليون مدنيّ على الأقل.
المقارنة ضروريّة بين فيتنام وإيران، حيث لا تشكل مساحة فيتنام أكثر من 20% من مساحة إيران، وعدد سكان موازٍ لعدد سكان إيران، لكن مع فوارق عديدة لصالح إيران، أهمها أن إيران تملك مقدرات صاروخيّة هائلة ونوعيّة، وهي في بقعة جغرافيّة يقع ضمن مرمى صواريخها، كيان الاحتلال الضيّق جغرافياً والمكتظ في مساحة ضيقة بالمؤسسات والمنشآت الاستراتيجيّة، والقواعد الأمريكية التي تستضيف أكثر من 40000 جندي أمريكي، ومياه الخليج والبحر الأحمر والمحيط الهنديّ، حيث تنتشر قطع بحريّة وحاملات طائرات أميركيّة هي أهداف يمكن الوصول إليها بالصواريخ والقطع البحريّة الإيرانيّة خصوصاً الزوارق السريعة الانتحاريّة، وإيران في قلب المنطقة العالميّة الأهم في توريد الطاقة، وتمسك بمضيق هرمز الذي يخرج منه كل يوم أكثر من نصف تجارة العالم من النفط والغاز، هذا إضافة لفرضيّة قيام إيران بتعديل عقيدتها النوويّة واستخدام مخزون اليورانيوم المخصّب لديها على درجة عالية لتصنيع قنابل نووية تكتيكية تدخل عبرها وعبر صواريخ تحملها عالمَ السلاح النوويّ، الذي يقول الرئيس الأمريكي إن هدف الحرب هو منع إيران من امتلاكه.
ما نحن أمامه ليس فرضيّة تدخل أمريكي، بل انتقال أمريكي من درجة من التدخل إلى درجة أخرى، درجة التدخل الحاليّة هي تقديم كل مستلزمات التخريب في إيران عبر تفعيل المعارضات المسلّحة المعادية لنظام الجمهورية الإسلاميّة في إيران، وقد سبق لها ولعبت الدور ذاته خلال الحرب التي شنّها نظام الرئيس العراقيّ السابق صدام حسين على إيران ونفّذت اغتيالات وتفجيرات شكلت نصف الحرب يومها، وإضافة لهذه الميليشيات قدّمت أمريكا طائرات التزوّد بالوقود والأسلحة والذخائر والدعم الاستخباريّ وصور الأقمار الصناعيّة على مدار اللحظة، ولم تلجأ واشنطن إلى هذه الدرجة من التدخل والتردّد بالانتقال إلى الدرجة الأعلى، أي الانخراط المباشر في الحرب إلا لأنّها تتهيّب تداعيات هذا الانتقال، لمعرفتها بما يمكن أن يحدث على الضفة الإيرانيّة مع هذا الانتقال.
أن يتحوّل هذا الانتقال إلى حاجة ملحّة، ليس تقنياً بما يتّصل بمنشآت موقع فوردو النوويّ، والملف النوويّ برمّته ليس إلا رأس جبل الجليد في المعركة مع الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وهي معركة جوهرها خيار الاستقلال والتنمية وامتلاك التقنيات المتطوّرة ومصادر القوة والعداء الجذريّ لكيان الاحتلال والدعم اللامحدود لحركات المقاومة، هذا الانتقال صار ضروريّاً بالنسبة لأمريكا، لأن “إسرائيل” فقدت القدرة على الصمود ومواصلة الحرب ما لم تستطع الاستناد إلى المشاركة الأمريكية المباشرة، بحيث تجد واشنطن أمامها خيارين، أحلاهما مرّ، أن تدع كيان الاحتلال يواصل الحرب دون أفق وسقف للانتصار بعدما فقدت الصدمة فاعليّتها في خلق ديناميكيّة داخلية كانت هي الهدف، وهي حرب استنزاف طويلة ومؤلمة تؤدي فوارق الظروف والمعطيات بين إيران والكيان إلى جعلها انتحاراً إسرائيلياً بامتياز، وبالمقابل خيار الانخراط الأمريكي وما يحمل معه من تداعيات، خصوصاً أن التدمير ليس هو الانتصار، بل الحصول على التوقيع اللازم لإنهاء الحرب، بينما القواعد الأمريكية والأساطيل الأمريكية وتجارة النفط وكيان الاحتلال، كلها تشتعل، بما يشبه لكن بأضعاف مضاعفة ما مثلته الحرب التي خاضتها أمريكا مع اليمن في البحر الأحمر.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
تراجع الواردات الأمريكية أكثر من المتوقع في يونيو وسط مخاوف الرسوم
(رويترز) - أظهرت بيانات من الاتحاد الوطني لتجارة التجزئة أن الواردات إلى الولايات المتحدة انخفضت بأكثر من المتوقع في يونيو، إذ أثر القلق إزاء تغيير سياسات الرسوم الجمركية على تجار التجزئة مما قاد لمخاوف تتعلق بتقلص الخيارات أمام المتسوقين.
تأتي هذه البيانات في الوقت الذي دخلت فيه العديد من الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيز التنفيذ، واعتبارا من السابع من أغسطس، صارت الرسوم الجمركية تتراوح بين 10و50 بالمائة، وتواجه الهند والبرازيل وسويسرا بعضا من أعلى المعدلات.
ومنذ الإعلان عن رسوم أساسية بنسبة 10 بالمائة فيما أطلق عليه "يوم التحرير" في أبريل، وعدل ترامب الرسوم الجمركية عدة مرات. وأدت هدنة مؤقتة مع الصين في مايو إلى خفض الرسوم الجمركية إلى 30 بالمئة، لكن زيادات جديدة استؤنفت في يوليو.
وبالأرقام، تعاملت الموانئ الأمريكية التي يغطيها تقرير الاتحاد الوطني للموانئ مع 1.96 مليون حاوية مقاس 20 قدما أو ما يعادلها في يونيو، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 8.4 بالمائة على أساس سنوي، لكنه يمثل في الوقت نفسه ارتفاعا بنسبة 0.7 بالمائة عن مايو.
كان هذا الانخفاض أكبر من توقعات الاتحاد الوطني للموانئ التي أصدرها قبل شهر. وكان الاتحاد قد توقع آنذاك أن تستقبل الموانئ 2.06 مليون حاوية مكافئة في يونيو، بزيادة قدرها 5.9 بالمئة عن مايو، وبانخفاض قدره 3.7 بالمائة على أساس سنوي.
علاوة على ذلك، من المتوقع مبدئيا أن يكون حجم البضائع المستوردة عبر الموانئ الرئيسية للحاويات في الولايات المتحدة في نهاية عام 2025 أقل بنسبة 5.6 بالمئة عن حجمها عام 2024، وفقا لتوقعات الاتحاد الوطني لتجارة التجزئة.
وأبلغت شركات تجارة الملابس بالتجزئة، بما في ذلك أندر آرمور وديكرز أوتدور عن تأثيرات ترتبت على الرسوم الجمركية خلال الشهرين الماضيين، وتتخذ خطوات لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها لتجنب الرسوم على السلع القادمة من أو التي يتم نقلها عبر دول جنوب شرق آسيا مثل فيتنام.
وقال جوناثان جولد نائب رئيس الاتحاد الوطني لتجارة التجزئة لشؤون سلاسل التوريد والسياسات الجمركية "بدأت الرسوم الجمركية في دفع أسعار المستهلكين إلى الارتفاع، وسوف يؤدي انخفاض الواردات في نهاية المطاف إلى نقص السلع على أرفف المتاجر".
وأضاف "نحن بحاجة إلى اتفاقيات تجارية ملزمة تفتح الأسواق من خلال خفض الرسوم الجمركية، وليس رفعها".
وأضاف أن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، وانخفاض التوظيف، وانخفاض الاستثمار التجاري، وتباطؤ الاقتصاد.