المنشآت النووية الإيرانية تحت القصف.. صور الأقمار الاصطناعية تكشف الأضرار
تاريخ النشر: 21st, June 2025 GMT
أظهرت صور أقمار اصطناعية حديثة أن الهجمات الجوية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية تسببت بأضرار محدودة، رغم استمرار القصف منذ أكثر من أسبوع، ما يعكس تحديات العمليات العسكرية في استهداف بنى تحتية شديدة التحصين، وسط تصاعد وتيرة الحرب بين إيران وإسرائيل منذ 13 يونيو الجاري.
الصور، التي قدمتها شركة Planet Labs الأميركية ونشرتها وكالة “بلومبرغ”، كشفت أن المنشآت النووية لم تُصب بأضرار تذكر إلا بعد أربعة أيام من بدء الغارات، ما دفع خبراء إلى تقدير أن أعمال الإصلاح قد تستغرق عدة أشهر، دون التأثير المباشر على القدرات الأساسية لمنشآت التخصيب.
وبحسب صور التُقطت في 17 يونيو، تركز الضرر في منشأة نطنز النووية – الواقعة على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب طهران – على ساحات التبديل والمحولات الكهربائية، بينما بقيت قاعات التخصيب المحصنة تحت الأرض، والتي تتمتع بحماية تصل إلى 40 متراً من الخرسانة والفولاذ، دون ضرر يُذكر.
وتعتمد هذه القاعات على أجهزة طرد مركزي تحتاج إلى تغذية كهربائية مستقرة. وتكررت أوجه الضرر المشابهة في حادثة تخريب سابقة عام 2021، تمكنت إيران من إصلاح آثارها خلال أشهر قليلة.
وفي مجمع أصفهان للأبحاث النووية، رصدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أضراراً طالت المختبر الكيميائي المركزي ومحطات تصنيع وقود المفاعلات وتحويل اليورانيوم، وفقاً لتقرير صدر الخميس. لكن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن تأثير الغارات الإسرائيلية كان أقل بكثير مما أُعلن عنه.
يُذكر أن مجمع أصفهان، الذي يقع على بعد 450 كيلومتراً جنوب العاصمة، يضم سبع منشآت تُعد مركز العمليات الكيميائية الحيوية للبرنامج النووي الإيراني، وتتم فيه معالجة خام اليورانيوم إلى مواد قابلة للتخصيب.
أما منشأة فوردو النووية، المقامة تحت جبل على عمق يصل إلى 100 متر، بقيت الهدف الأكثر تعقيداً بالنسبة للمخططين العسكريين، نظراً لتحصينها الشديد. ورغم استهداف محيطها، كشفت الصور أن الغارات الجوية ركزت على مناطق يُعتقد أنها تضم مقار لكبار المسؤولين وليس قلب منشأة التخصيب.
وقال المفتش الدولي السابق روبرت كيلي إن إسرائيل لا تمتلك الذخائر الكافية لاختراق هذا النوع من المنشآت، مشيراً إلى أن تدمير فوردو يتطلب استخدام قنابل خارقة للتحصينات من نوع GBU-57، التي لا تملكها سوى الولايات المتحدة، وهو ما يطرح احتمال انخراط أميركي مباشر إذا تصاعد الصراع.
بدورها، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها فقدت الاتصال بموقع تخزين مخزون اليورانيوم عالي التخصيب الإيراني، والذي يُقدر بـ409 كيلوجرامات، أي ما يعادل وقوداً لصناعة نحو 10 قنابل نووية، بعد تعليق عمليات التفتيش نتيجة الهجمات العسكرية الإسرائيلية.
وأشارت الوكالة إلى أن طهران أبلغت دبلوماسيين، في مايو الماضي، بنيتها اتخاذ “تدابير خاصة” لحماية مخزونها في حال وقوع هجوم، لكنها لم تفصح عن طبيعة تلك التدابير أو موقع المخزون الجديد.
وقال المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، هذا الأسبوع إن “الحرب عطلت جميع آليات الرقابة، ولا توجد حالياً زيارات تفتيش أو مراقبة داخل المنشآت النووية الإيرانية”، مؤكداً أن الوكالة اضطرت إلى إعادة تقييم معلوماتها بناءً على صور الأقمار الاصطناعية فقط.
وفي خضم تصاعد التوتر، قالت المتحدثة باسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الرئيس سيحسم قراره خلال أسبوعين بشأن مشاركة الولايات المتحدة في الهجمات ضد إيران، وسط استمرار الغارات الإسرائيلية على مواقع حساسة في العمق الإيراني.
ويُسلط المشهد الضوء على تعقيد البنية التحتية النووية الإيرانية، والتي شُيدت خصيصاً لتحمل الهجمات، انطلاقاً من تجربة حربها الطويلة مع العراق في الثمانينيات، ما يجعل استهدافها تحدياً عسكرياً واستراتيجياً يتجاوز القدرة على الحسم السريع.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: إيران المنشآت النووية الإيرانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية منشأة فوردو النووية منشأة نطنز النووية النوویة الإیرانیة المنشآت النوویة
إقرأ أيضاً:
القصف في غزة لا يتوقف.. ونتنياهو يبحث عن مزيد من الدم
غزة- «عُمان»- بهاء طباسي:
في مساء خانق من أوائل أغسطس، جلست النازحة فاطمة الزهار، خمسينية العمر، على أطراف خيمتها الممزقة في مخيم النزوح شرق خان يونس، وعيناها ترويان حكاية موت لا ينتهي. كانت تحاول أن تجمع ما تبقى من ألعاب حفيدها الذي قضى قبل ساعات تحت قصف صاروخي باغت الأطفال وهم يلهون قرب الخيمة، إذ لا مكان لترفيههم إلا بضع أمتار ترابية تحيط بمكان نزوحهم.
تقول بصوت مرتجف: «ضربوا الصاروخ والصغار يلعبون هنا، ليس لهم مكان آخر، الموت يطاردهم في كل زاوية، الصاروخ قتل الصغار والكبار في لحظة واحدة».
بين الموت والركام
لم تكد تنتهي من حديثها حتى ارتفعت سحب الدخان من منطقة مجاورة، أصوات الانفجارات تتوالى، والناس يركضون حاملين أطفالهم الملطخين بالغبار والدماء. وسط هذه الفوضى، تجلس فاطمة مصدومة، تعيد سرد تفاصيل المأساة التي عاشتها: «كنت أعد لهم طعامًا بسيطًا، فجأة ارتجت الأرض وانطفأ كل شيء. هرعت لأجد الخيمة ممزقة والدماء تغطي الأرض. لم أجد حفيدي، وحين وجدوه كان بلا روح، وجيرانه الصغار تناثرت أشلاؤهم أمامنا».
تلتقط أنفاسها وتواصل حديثها لـ«عُمان»: «هربنا من بيتنا المهدّم في الشمال إلى هذه الخيام بحثًا عن الأمان، لكن الموت كان أسرع منا. لا أحد يحمينا، السماء تسقط علينا نارًا، والبحر يحاصرنا، والحدود مغلقة في وجوهنا».
الليلة تحولت خيام النزوح إلى مقبرة مفتوحة، الأهالي يحملون أطفالهم نحو مقابر جماعية ارتجالية. تحكي فاطمة وهي تنظر إلى صفوف الأكفان البيضاء: «لا أعرف كم بقي لنا من الأحبة، كل يوم نودع أحدهم. غزة كلها تبكي، والسماء لا ترحم». وفي عيونها دموع لا تجد وقتًا للسقوط، فهي مشغولة بمحاولة النجاة في أرض ضاقت بأهلها.
وبينما تخفت أصوات البكاء قليلًا، يعود صدى الانفجارات من جديد، ليكشف أن هذه الحكاية ليست استثناء، بل فصل من مشهد أشمل لغزة كلها، حيث القصف لا يعرف نهاية.
حرب بلا هدنة
بعد هذه المأساة، يتضح أن القصف المتواصل ليس صدفة بل نتيجة مباشرة لفشل مفاوضات وقف إطلاق النار، وفق ما أعلن مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف في 24 يوليو الماضي.
مصادر دبلوماسية بينها رجل الأعمال الأمريكي الفلسطيني بشارة بحبح والمقرب من ويتكوف، أرجعت هذا التعثر إلى التعنت الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا، ورفض الاحتلال خرائط الانسحاب التي قدمتها المقاومة، والتي تطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي خارج المناطق المكتظة سكنيًا، رغم ما أبدته المقاومة من مرونة في عدة نقاط أساسية أبرزها الأسرى.
وفي ظل هذه الأجواء، بدا واضحًا أن انهيار المفاوضات فتح الباب أمام تصعيد دموي، حيث ضاعفت إسرائيل غاراتها على مختلف مناطق القطاع، مستهدفة البيوت والخيام ومراكز الإيواء والمدارس بلا تمييز؛ لتتداخل السياسة بالدم، وتُستخدم حياة المدنيين كورقة ضغط على طاولة تفاوض لا تعرف الرحمة.
وما بين أزيز الطائرات وغياب التوافق السياسي، تتحول غزة إلى مسرح للعنف اليومي، مما يمهد لقصص رعب أخرى، مثل شهادة النازحة التالية التي تروي لجريدة الأيام ما عاشته بنفسها.
شهادة الخوف
النازحة الأربعينية أميرة شاهين، التي لجأت إلى إحدى المخيمات في شمال القطاع، تحكي وهي تحتضن طفلها الوحيد: «كنا نجلس في خيمتنا، لا نملك بيتًا بعد أن هُدم في أول القصف، فجأة دوى انفجار هائل، الصاروخ أصاب خيمة مجاورة، رأينا الجثث تتطاير، أطفال ونساء بلا ذنب. لماذا يستهدفون خيمة لا تحوي سوى النازحين الهاربين من الموت؟».
تمسح دموعها وتضيف لـ«عُمان»: «لا يوجد مكان آمن هنا، حتى المدارس التي احتمينا بها من قبل قصفوها، الخيام لا تحمينا من الرصاص أو النار. كل ليلة أضع طفلي بين ذراعي وأتوسل إلى الله أن يحميه».
وتواصل بصوت مبحوح: «منذ أن تعثرت المفاوضات، ازدادت الطائرات فوق رؤوسنا، لا تهدأ لحظة، كأنهم يريدون قتلنا جميعًا حتى نصبح ورقة ضغط على العالم. لكن العالم صامت، والعدالة غائبة».
أميرة فقدت شقيقها قبل أسبوعين في قصف استهدف طابورًا للمساعدات الغذائية قرب مراكز التوزيع الإسرائيلية الأمريكية، واليوم تخشى أن تفقد ما تبقى من عائلتها في أي لحظة: «لا نعرف إن كان غدًا لنا أم سنكون مجرد رقم آخر في قائمة الشهداء».
وشهادتها هذه تمهد للحديث عن الأرقام الباردة التي توثق حجم هذه المأساة اليومية التي تتكرر بلا توقف، بعد كل تعثر للمفاوضات.
حصيلة الدم
تشير إحصائيات وزارة الصحة في غزة إلى أن الأسبوعين الأخيرين، منذ 24 يوليو وحتى 6 أغسطس 2025، شهدا واحدة من أدمى موجات القصف منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023. فقد ارتفع عدد الضحايا من نحو 59,600 إلى أكثر من 61 ألف قتيل، أي أن ما يقارب 1400 فلسطيني قُتلوا خلال 14 يومًا فقط.
وتؤكد الأمم المتحدة أن الكارثة الإنسانية تتفاقم، حيث توفي ما لا يقل عن 152 مدنيًا بسبب سوء التغذية ونقص الدواء في يوليو وحده. وفي ظل انعدام ممرات آمنة وغياب أي بوادر تهدئة، تبقى عشرات الجثامين تحت الأنقاض لأسابيع بلا قدرة على انتشالها.
التقارير الحقوقية توثق أن القصف استهدف بشكل متكرر طوابير انتظار المساعدات ومراكز الإيواء، ما ضاعف أعداد القتلى بين النازحين الذين هربوا من بيوتهم طلبًا للسلامة. ومع كل غارة، تتبدد الآمال في أي حل سياسي قريب.
هذه الأرقام المروعة تفتح الباب أمام التساؤل السياسي حول ما إذا كان التصعيد مجرد رد فعل أم سياسة ممنهجة.
قراءة سياسية
يرى المحلل السياسي عاهد فروانة أن ما يحدث بعد تعثر مفاوضات التهدئة ليس صدفة، بل هو استراتيجية إسرائيلية ممنهجة لإبقاء الضغط العسكري في أقصى مستوياته. ويقول: «كلما تعثرت المفاوضات، رأينا تصعيدًا ميدانيًا واسعًا، استهداف المنازل والمخيمات ومراكز الإيواء والمدارس، وجعل غزة شعلة من نار لتفرض إسرائيل شروطها بالقوة».
ويضيف فروانة، في تصريح لـ«عُمان»، أن إسرائيل تستخدم التصعيد لإرسال رسائل سياسية للوسطاء وللفصائل الفلسطينية على حد سواء: «هي تريد أن تقول إنه لا وقف لإطلاق النار إلا بالشروط التي تفرضها، حتى وإن كان الثمن آلاف الأرواح».
ويحذر من أن استمرار هذا النهج سيقود إلى مجازر أوسع وأزمات إنسانية غير مسبوقة، مشيرًا إلى أن الاحتلال يختبر صبر المجتمع الدولي، الذي بدا عاجزًا عن كبح آلة الحرب أو فرض وقف لإطلاق النار.
ويرى فروانة أن التصعيد الميداني ليس سوى مقدمة لمخططات أوسع قد تشمل اجتياح القطاع بالكامل، وهو ما يدور فعلًا في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية في المرحلة الراهنة.
تحذير للمقاومة
بدوره يحذر الكاتب إياد جودة، الفصائل الفلسطينية، من «ألاعيب نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة»، قائلاً: «على الفصائل أن تدرك أن الاحتلال يسعى إلى جر غزة إلى مواجهة مفتوحة، يريد تصعيدًا بلا أفق ليبرر مزيدًا من الدم والمجازر، تحت غطاء الأمن والسيطرة العسكرية».
ويضيف، في تصريح لـ«عُمان»: «المطلوب اليوم وحدة الموقف الفلسطيني، وتشكيل جبهة ضغط موحدة على المجتمع الدولي، للبحث عن هدنة توقف النزيف وتحمي المدنيين، لأن استمرار الصراع بالوتيرة الحالية لن يخدم سوى مشروع الاحتلال الذي يريد محو غزة من الوجود وتشريد القلة القليلة المتبقية من أهلها».
ويشدد جودة على أن إسرائيل توظف القصف كأداة مفاوضات، ترفع سقف النار كلما اقترب الحديث عن التهدئة، لتفرض شروطها بالقوة، فيما يظل الغزيون يدفعون ثمنًا باهظًا بلا ذنب سوى أنهم ولدوا على هذه الأرض.