غزة- يجابه محمد الشاعر مشقة يومية من أجل تدبير احتياجات أسرته من المياه للشرب والنظافة الشخصية والمنزلية، في ظل توقف خدمات بلدية خان يونس في جنوب قطاع غزة، لليوم الرابع على التوالي، نتيجة منع الاحتلال الإسرائيلي إمدادات الوقود اللازم لتشغيل مرافق ومضخات المياه والصرف الصحي وآليات تقديم الخدمات.

وكانت البلدية تضخ المياه مرتين أسبوعيا للسكان والنازحين في المربعات السكنية ومناطق مراكز ومخيمات الإيواء التي لم تطلها إنذارات الإخلاء الواسعة، التي باتت تشمل حاليا غالبية مساحة المحافظة الكبرى من بين محافظات القطاع الخمس، ويقطنها زهاء 900 ألف نسمة من سكانها والنازحين فيها.

يعيل الشاعر (54 عاما) أسرة مكونة من 10 أفراد، اضطروا للنزوح من منطقة "جورة اللوت" في شرق خان يونس إلى غربها، ويقول للجزيرة نت: "كنا نعاني من أجل توفير الطعام، والآن بتنا نعاني في توفير المياه، ونواجه في كل لحظة الموت بالقصف الذي لا يتوقف، أو جوعا وعطشا".

900 ألف نسمة في خان يونس يواجهون أزمة عطش جراء توقف خدمات البلدية ونقص الوقود (الجزيرة) أزمة عطش

قبل نزوحه، كان الشاعر يعتمد على صهاريج تابعة لهيئات ومبادرات خيرية توزع المياه العذبة للشرب بالمجان، ويتزود بالمياه المالحة المخصصة للنظافة الشخصية والاستخدامات المنزلية من خطوط تابعة للبلدية ويخزنها في براميل تكفيه حتى الموعد التالي لوصلها.

ويشكو حاليا من انقطاع تام للمياه في المنطقة التي ينزح بها غرب مجمع ناصر الطبي، وتتبع جغرافيًا لمنطقة المواصي، حيث يتكدس غالبية سكان خان يونس والنازحين فيها، ويقول هذا الرجل العاطل عن العمل منذ اندلاع الحرب عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 "نواجه أزمة كبيرة، ولا أملك المال لشراء الطعام، فما بالكم بالمياه؟".

ويشاطره النازح محمد سلطان المعاناة نفسها، ويقول للجزيرة نت إن إمدادات المياه تراجعت بشكل كبير خلال الأيام الماضية.

إعلان

ويقيم سلطان (61 عاما) وأسرته (27 فردا) في خيام داخل مخيم للنازحين في منطقة المواصي، منذ نزوحهم عن مدينة رفح في مايو/أيار الماضي، ومنذ نحو أسبوع يعاني هذا المخيم أسوة بكل المخيمات الأخرى من عدم توفر مياه الشرب والنظافة، حسبما يؤكد.

فلسطينيون في خان يونس يكابدون من أجل حمل المياه في غالونات لخيامهم (الجزيرة)

وفاقم إعلان البلدية عن توقف خدماتها الحيوية من تدهور الواقع المعيشي والإنساني لسكان المدينة والنازحين، الذين تقيم غالبيتهم في خيام ومراكز الإيواء في المواصي غير المؤهلة، والتي تتعرض للتقليص المستمر بسبب القصف المستمر وإنذارات الإخلاء، مما ينذر بوقوع كارثة بيئية وصحية وشيكة، حسب لجنة الطوارئ بالبلدية.

ويقول سلطان "نحن في غزة في سباق مع الموت، يلازمنا مثل ظل أجسادنا، ويلاحقنا في كل خطوة وفي كل مكان"، ويضيف -وقد فقد منزله في رفح ونجا قبل نحو 3 شهور من غارة جوية استهدفت خيمة مجاورة لخيمته- "الموت بات أقرب إلينا من أي وقت، وكل منا في غزة يشعر أنه يقف في طابور بانتظار الموت إما بالقصف أو الجوع أو العطش، أو بمرض حيث لا يتوفر الدواء".

وكالأغلبية يضطر الشاعر وسلطان يوميا لملاحقة صهاريج شحيحة ونقاط متفرقة توفر المياه، والوقوف في طوابير طويلة ومزدحمة من أجل الحصول على كمية قليلة لا تفي بالاحتياجات الأساسية.

حصار خانق

وقالت "لجنة الطوارئ" في بلدية خان يونس إن الأزمة التي تعصف بالمدينة ناجمة عن منع الاحتلال إدخال الوقود للجهات والمؤسسات الأممية، اللازم لتشغيل مرافق ومضخات المياه والصرف الصحي وآليات تقديم الخدمات.

وحسب مصدر مسؤول في اللجنة، فضل عدم ذكر اسمه لدواع أمنية، فإن هذه الأزمة تضر بنحو 425 ألف نسمة يقطنون في محافظة خان يونس وفي نطاق نفوذ بلدياتها السبع (مدينة خان يونس والبلدات الشرقية)، علاوة على زهاء 280 ألف نازح من مدينة رفح المجاورة، وآلاف النازحين من مناطق أخرى من وسط القطاع وشماله.

ولتزويد هذه الكثافة العالية بالمياه، كانت البلدية تعتمد على 5 آبار من أصل 45 تعرضت للتدمير والتجريف، وخزان مياه أرضي وحيد من أصل 5 دمر الاحتلال بنيتها الإنشائية والكهروميكانيكية، وفقا لحديث المسؤول للجزيرة نت.

وازداد الواقع المائي بالمحافظة سوءا مع أوامر الإخلاء الواسعة والتدمير الكبير للبلدات الشرقية (تشمل عبسان الكبيرة وعبسان الجديدة وبني سهيلا وخزاعة والقرارة والفخاري)، وتسببت في خروج خط ناقل للمياه من إسرائيل عن الخدمة.

ويضيف المصدر ذاته أن أزمات مركبة نجمت عن الإخلاء الكبير والواسع لغالبية المناطق والبلدات والمربعات السكنية في المحافظة، والتي تتجاوز 95% من مساحتها الإجمالية المقدرة بـ108 كيلومترات مربعة، ولم يعد بإمكان البلديات السبع ممارسة مهامها في هذه البلدات كون الاحتلال صنفها "مناطق قتال خطيرة"، علاوة على عدم توفر الوقود.

وتبرز من بينها أزمة تكدس 250 ألف طن من النفايات في مكبات مؤقتة، وأكبرها في "حي الأمل" غرب المدينة، ويتعذر الوصول إليها وترحيلها، مما يتهدد حياة المواطنين جراء انتشار المكاره الصحية والأمراض الفتاكة والأوبئة، حسب المسؤول البلدي.

الاحتلال يمنع البلديات من الوصول لمكبات النفايات الرئيسية القريبة من السياج الأمني شرق قطاع غزة (الجزيرة) دمار هائل

ومن بين عمليات عسكرية متكررة منذ اندلاع الحرب، تعرضت محافظة خان يونس في الفترة ما بين الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2023 والسادس من أبريل/نيسان 2024، لعملية عسكرية واسعة، واجتاحتها قوات الاحتلال بالكامل، وعاثت فيها فسادا وتدميرا، شمل المباني السكنية والمنشآت المدنية والبنى التحتية.

إعلان

وحوّل الاحتلال بلدات خزاعة وعبسان الجديدة والقرارة إلى مناطق منكوبة، يناهز التدمير فيها نسبة 100%، إضافة إلى دمار هائل في باقي البلدات الشرقية المجاورة لها، التي تشتهر بالزراعة، وتمثل السلة الغذائية لسكان المحافظة ومناطق أخرى في جنوب القطاع.

وفي نطاق نفوذ بلدية خان يونس، التي تبلغ مساحتها 54 كيلومترا مربعا من المساحة الإجمالية للمحافظة، يقول المسؤول في "لجنة الطوارئ" إن الدمار شمل:

300 كيلومتر من شبكات المياه. 4 خزانات مياه أرضية بسعة 20 ألف متر مكعب. 40 بئر مياه من أصل 45 بئرا. %80 من خطوط وشبكات الصرف الصحي. 34 كيلومترا من خطوط تصريف مياه الأمطار. 120 كيلومترا طوليا من الطرق. 20 آلية من أصل 26 تمتلكها البلدية تُستخدم في تقديم الخدمات الحيوية للسكان. استهدف الاحتلال البنية الإنشائية والكهروميكانيكية لـ7 محطات صرف صحي من أصل 9 محطات.

ويحتاج سكان المدينة لنحو 300 ألف متر مكعب من المياه يوميا، يؤكد المصدر نفسه أنه لا يتوفر منها حاليا أي شيء، جراء توقف خدمات البلدية، ويعتمدون لتوفير احتياجاتهم اليومية على صهاريج مياه عذبة، وما يستخرجونه بواسطة "غواطس" وهي آبار محلية غير كافية.

محافظة خان يونس تواجه تهديدات مستمرة ومتصاعدة بالإخلاء والتدمير (الجزيرة) مخطط ممنهج

وتتكدس الأغلبية بالمدينة في المواصي الساحلية التي تمثل ثلث مساحتها الإجمالية، وهي منطقة زراعية لا تتوفر بها طرق معبدة بنسبة تفوق 80%، وغير مؤهلة لاستيعاب الكثافة العالية من حيث عدم توفر البنية التحتية لتمديد شبكات المياه والصرف الصحي.

وتضم محافظة خان يونس قرابة 890 مخيم نازحين منتشرة في أنحائها المختلفة، خاصة في المواصي، وتحتوي هذه المخيمات على زهاء 78 ألف خيمة، حسب مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة.

ويقول الثوابتة -للجزيرة نت- إن النازحين في هذه المخيمات أُجبروا على الإقامة فيها جراء الدمار الهائل الذي يقارب 92% من المنازل والمباني السكنية والمنشآت في المحافظة، لافتا إلى أنها تفتقر لأبسط مقومات الحياة، من ماء وكهرباء وصرف صحي، مما يجعلها بيئة خصبة لتفشي الأمراض، وتشكل تهديدا حقيقيا لحياة المدنيين، خاصة الأطفال وكبار السن.

وبرأي الثوابتة، فإن الاحتلال يهدف من وراء تشديد الخناق على خان يونس إلى تحقيق جملة من الأهداف العسكرية والسياسية والإستراتيجية، أبرزها إحداث تفريغ سكاني واسع عبر سياسة التهجير القسري والتدمير الشامل، في إطار ما يعرف بمخطط "المنطقة العازلة" القائم على اقتطاع أجزاء من جنوب القطاع وتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي فيه.

وكون خان يونس من كبريات مدن القطاع وفلسطين عموما، وتتميز بموقع جغرافي حيوي وامتداد سكاني كبير، يجعلها -وفقا للثوابتة- هدفا مباشرا للاحتلال الذي يسعى من خلال تدميرها إلى فرض معادلة ردع شاملة، وإرسال رسالة تهديد لبقية مناطق القطاع مفادها أن "المقاومة ستُواجه بثمن باهظ يدفعه المدنيون".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات محافظة خان یونس للجزیرة نت من أصل من أجل

إقرأ أيضاً:

52 شهيداً في مجازر الاحتلال بغزة

صراحة نيوز- ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي، الخميس، مجازر جديدة بحق المدنيين في قطاع غزة، راح ضحيتها 52 شهيداً، بينهم 22 فلسطينياً كانوا ينتظرون المساعدات في وسط القطاع، بحسب مصادر طبية.

وأكدت المصادر الطبية وصول 16 شهيداً وعشرات المصابين إلى مستشفيي العودة وشهداء الأقصى، جراء إطلاق الجيش الرصاص وقنابل على المنتظرين قرب مركز توزيع المساعدات في منطقة نتساريم وسط القطاع.

وأفاد شهود عيان بأن قوات الاحتلال المتمركزة في محيط نتساريم فتحت نيران رشاشاتها على مئات الشبان الذين تجمعوا انتظاراً لفتح مركز المساعدات الأميركي. كما أطلقت طائرات مسيرة عدة قنابل على المتجمعين، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى.

واستمر إطلاق النار لفترات طويلة، مما حال دون تمكن طواقم الإسعاف من انتشال الشهداء والجرحى إلا بعد ساعات، حسب الشهود.

وفي سياق متصل، استشهد خمسة فلسطينيين جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلاً في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، كما فجّر الاحتلال منازل في منطقة شرق جباليا شمال القطاع.

كما نقلت مصادر طبية عن وصول 15 شهيداً وعشرات الجرحى إلى مستشفى الشفاء إثر غارات استهدفت مخيم الشاطئ وشارع الجلاء في مدينة غزة.

وفي خان يونس، قُتل 6 فلسطينيين وأصيب العشرات جراء قصف استهدف آلية إسرائيلية كانت بالقرب من منتظري المساعدات في شارع الطينة جنوب غرب المدينة.

بدون إشراف الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية، بدأت تل أبيب منذ 7 مايو/أيار تنفيذ خطة توزيع مساعدات عبر ما يُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، التي تحظى بدعم إسرائيلي وأميركي وترفضها الأمم المتحدة. وأدت هذه العمليات المرتبطة بـ”فخاخ المساعدات الأميركية الإسرائيلية” إلى استشهاد 300 فلسطيني وإصابة 2649، إضافة إلى 9 مفقودين منذ بدء الخطة.

وأفاد مصدر طبي اليوم أيضاً باستشهاد ثلاثة فلسطينيين وإصابة آخرين جراء استهداف طيران مروحي بصاروخ شقة سكنية قرب مسجد فلسطين وسط غزة.

ويقوم جيش الاحتلال بدعم عصابات منظمة لنهب المساعدات في القطاع، معترفاً رسمياً بتمويلها وتسليحها وحمايتها أثناء عملياتها.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ينفذ الاحتلال الإسرائيلي حملة إبادة جماعية في قطاع غزة تشمل القتل، التجويع، التدمير، والتهجير القسري، متجاهلاً كل النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

أسفرت هذه الحملة، المدعومة أميركياً، عن أكثر من 185 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين الذين يعانون من المجاعة، مما أودى بحياة الكثيرين بينهم أطفال.

مقالات مشابهة

  • إنقاذ عائلة حوصرت 37 يوما تحت نيران جيش الاحتلال شرقي خان يونس
  • قوافل الغضب التي هزّت عروش الصمت
  • كمين خان يونس .. مقتل ضابط وجندي من جيش الاحتلال الإسرائيلي
  • عاجل | الجزيرة تعرض بعد قليل مشاهد حصلت عليها لكمين مركب نفذته كتائب القسام ضد قوات الاحتلال شرق خان يونس
  • القسام تقصف تجمعات وآليات للاحتلال جنوب خان يونس
  • القسام تستهدف جنود وآليات الاحتلال جنوب خان يونس
  • شاهد.. سرايا القدس تستهدف قوة إسرائيلية راجلة شرقي خان يونس
  • 52 شهيداً في مجازر الاحتلال بغزة
  • استشهاد 18 فسلطينيا في مخيم «الشاطئ» بغزة ومنتظري المساعدات في خان يونس