(29 أغسطس 2023)

في الخامس عشر من أبريل من العام الجاري اندلعت حرب السودان العبثية التي يدرك الجميع فداحة تكلفتها من الأرواح التي أُزهقت، وملايين المواطنين الذين اضطروا للنزوح داخلياً أو اللجوء إلى دول الجوار. وقد خرّب العنف المتبادل بين طرفي الاقتتال البني التحتية للخدمات الأساسية كما دمّر القاعدة الصناعية للبلد.

بل أدت الحرب إلى انهيار كل أجهزة إنفاذ القانون من أجهزة إشرافية وشرطية وقضائية بما ينبئ بانهيارٍ وشيك للدولة اذا لم يُوضَع حد لهذه الحرب المدمرة.

أبدي المختصون في مجال البيئة والناشطون الحقوقيون، في خضم هذه الفوضى العارمة، انزعاجاً شديداً إزاء تنامي المخاطر البيئية الكبيرة التي تواجه وستواجه البلد التي يمثل الذهب أبرز مواردها. ولسخرية القدر، فلقد كان المرصد السوداني للشفافية والسياسات بصدد نشر هذه الورقة في يوم اندلاع الحرب، لكنا أخّرنا نشرها حتي نتمكن من تقييم آثار الحرب علي قطاع تعدين الذهب التقليدي والتحولات الكبيرة التي أفرزتها الحرب، ممّا فرض ضرورة التحقّق من التطورات اللاحقة ومدى تأثيرها على الواقع الجديد.

تسبّبت الحرب في حدوث انفلات كارثي فيما يتعلق بالمواد الكيميائية شديدة السُّميّة المستخدمة في التعدين، بما في ذلك مادتي السيانيد والثيوريا، التي لم تجد مخازنها أي درجة من الحماية. وفي هذا الوضع خطورة شديدة، وفي ظل انشغال الرأي العام بما يدور في ميادين المعارك، شهدت تجارة السيانيد والثيوريا انفلاتاً كبيراً، وأصبحت شحنات هذه المواد الخطيرة تُنقل بحرية في الولايات التي لم تتأثر بالحرب وهي ولايات شرق السودان (البحر الأحمر، كسلا، والقضارف) والولايتين الأكثر نشاطاً في تعدين الذهب التقليدي (أي الشمالية ونهر النيل) إضافة إلى النيل الأزرق، وبدرجة أقل ولايات كردفان ودارفور. وأصبحت هذه المواد عالية السمية تباع عبر مواقع التواصل الاجتماعي[1] بدون أي رقابة. على سبيل المثال، يعتبر الحصول على شحنات السيانيد والثيوريا والزئبق في مدينة عطبرة الواقعة في وسط السودان – وهي إحدى مراكز خدمات التعدين في ولاية نهر النيل، أسهل من الحصول على شحنة من الأسمنت أو مواد البناء الأساسية، وفق شهادات المدافعين عن البيئة. بل أن تقتني أحواض معالجة غير قانونية لمخلفات التعدين التقليدي المعروفة محلياً بـ"الكرتة" أسهل من حصول النازحين من ويلات الحرب على غرفة للإيجار. وقد زاد هذا المستوى العالي من السيولة المُصاحَب بالانهيار التام للأجهزة الرقابية في قطاع تعدين الذهب من أهمية اصدار هذه الورقة. إننا أمام حالة كارثية فريدة عالمياً مما ينذر بالمزيد من المخاطر البيئة التي ستنعكس على حياة ومعاش المواطن في مقبل الأيام، وهو السيناريو الأسوأ الذي تحذر منه هذه الورقة.

اقرأ الورقة من هنا

https://mcusercontent.com/b3101ea3866029414729ab5e5/files/a24fa4d9-a103-d723-cbdb-5ac489169f5b/TickingTimeBombAR.pdf

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الحرب وتفشي الكوليرا ومصادرة حقوق الإنسان

الحرب وتفشي الكوليرا ومصادرة حقوق الإنسان

تاج السر عثمان بابو

1

تستمر جرائم الحرب اللعينة والخسائر في البنيات التحتية، ومقتل وفقدان  الآلاف من الأشخاص، ونزوح الملايين، اضافة لاستمرار استهداف محطات توليد الكهرباء والماء ومستودعات الوقود والمطارات. الخ من المؤسسات التي تؤثر على حياة المواطنين اليومية مثل: توقف خدمات الكهرباء والماء والاتصالات، وارتفاع اسعار الوقود الذي يؤدي إلى المزيد من ارتفاع تكاليف المعيشة والخدمات، كما حدث في بورتسودان وعطبرة، وأخيرا في كوستي الثلاثاء حيث استهدفت ضربة لـ«قوات الدعم السريع» قصفت مستودعاً للوقود ومقر الفرقة 19 بمسيَّرة استراتيجية، ما تسبب في إشعال النار بالمستودع». إضافة لأزمة النزوح، بعد أكثر من عامين من القتال، أصبحت أزمة النزوح في السودان هي الأكبر في العالم، حسب منظمة الصحة العالمية، حيث أُجبر 14.5 مليون شخص على الفرار من ديارهم، من بينهم ما يقرب من أربعة ملايين شخص التمسوا اللجوء في دول مجاورة، بما في ذلك مصر وجنوب السودان وتشاد وإثيوبيا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

كما يستمر الفساد والنهب وتهريب الذهب والمحاصيل النقدية والثروة الحيوانية للخارج، والصرف  الضخم على الحرب على حساب الخدمات الصحية والإنسانية، مما فاقم من تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية. إضافة لدور المحاور التي تسلح طرفي الحرب بهدف نهب ثروات البلاد،وايجاد موطئ قدم لها على ساحل البحر الأحمر.

2

كما يستمر التدهور في الأوضاع الصحية، كما في تفشي مرض الكوليرا الذي تحاول حكومة الأمر الواقع التقليل منه كما نفت من قبل وجود مجاعة ، فقد دعت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان إلى إعلان حالة طوارئ صحية عاجلة في كافة مناطق تفشي الكوليرا، وفتح مراكز عزل متخصصة في المستشفيات، وناشدت في بيان، الثلاثاء، المنظمات الإنسانية والصحية الدولية بالتدخل السريع، وتوفير المحاليل الوريدية، وأدوات التعقيم، وأدوية الطوارئ.

وطالبت السلطات الصحية المحلية والمركزية للقيام بدورها تجاه المواطنين، وتكثيف حملات التوعية والرش البيئي.

ودعت الكوادر الطبية والتمريضية والمتطوعين إلى الوقوف بحزم أمام هذا الوباء، والعمل على احتوائه رغم الظروف القاسية.وأشارت إلى أن صمت المجتمع الدولي والجهات الرسمية أمام هذه الكارثة يمثل خذلانًا جديدًا للشعب السوداني، الذي يواجه الموت ليس فقط برصاص الحرب، بل والأمراض التي كان يمكن الوقاية منها.

3

من جانب اخر تستمر الحكومة الانقلابية غير الشرعية، في مصادرة الحريات والحقوق الأساسية، كما تم في تعديل الوثيقة الدستورية لتكريس الحكم الإسلاموي الديكتاتوري العسكري، بواجهة مدنية كما في تعيين د. كامل إدريس رئيس للوزراء، وتعديل قانون النقابات لإعادة نقابة المنشأة التابعة للدولة، وفي إلغاء لاستقلالية وديمقراطية الحركة النقابية.

إضافة لمحاولة إدخال تعديلات على قانون الصحافة، بهدف مصادرة حرية النشر والتعبير، وتكميم أقلام وافواه الصحفيين كما في حملة الاعتقالات الجارية وسطهم، كما رصدت نقابة الصحفيين 500 منها، بجانب 30 شهيدًا، حسب البيانات الصادرة، ومصادرة الحريات، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير، مما يشير الي محاولة بائسة لتكرار تجربة الإنقاذ في مصادرة الحريات والتي أسقطتها ثورة ديسمبر، ومن المستحيل عودة عجلة التاريخ للوراء.

إضافة لمواصلة الاعتقالات والتعذيب الوحشي للمعتقلين السياسيين ولجان المقاومة والناشطين في لجان الخدمات، والحملات المجيدية كما جاء في بيان من محامي الطواريء ، للتبليغ عن المتعاونين مع الدعم السريع، بهدف استهداف المعارضين للحرب والناشطين السياسيين وفي لجان المقاومة والخدمات و”التكايا” وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحربَ. إضافة كما أشار بيان محامي الطوارئ انهم  وثقوا “انتهاكات خطيرة” ارتُكبت نتيجة هذه الحملات، من بينها التصفية الميدانية، والإخفاء القسري، والاعتقالات التعسفية.

4

كل ذلك يتطلب أوسع عمل  لمقاومة جماهيرية لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة، ووقف تفشي مرض الكوليرا والوقوف سدا منيعا أمام مصادرة الحريات من حكومة الأمر الواقع غير الشرعية، وإسقاط تلك التعديلات ووقف حملات الاعتقالات الجزائية الهادفة لقمع وإرهاب الحركة الجماهيرية المتصاعدة، من الصحفيين والقوى السياسية والنقابية ولجان المقاومة، وجلب أوسع حملة تضامن مع شعب السودان، ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها.

الوسومالحرب الدعم السريع السودان الكوليرا المستودعات المطارات بورتسودان تاج السر عثمان بابو عطبرة قانون الصحافة كوستي

مقالات مشابهة

  • للحرب وجوه كثيرة
  • عقوبات ستارمر لإسرائيل.. ورقة انتخابية أم سعي جاد لوقف الحرب؟
  • الإمارات.. جهود بارزة لدعم القطاع الزراعي في السودان
  • إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان
  • غزة على شفا المجاعة .. اقتحام مستودع أممي واستشهاد مدنيين وسط فوضى توزيع الغذاء
  • الحرب وتفشي الكوليرا ومصادرة حقوق الإنسان
  • دمار كبير في القطاع الصناعي سببه الحرب في السودان
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • حوارات تجارة تستكشف آفاق الابتكار والاستدامة في قطاع التعدين العُماني
  • فوضى وازدحام في توزيع مساعدات تشرف عليها شركة أمريكية برفح الفلسطينية