التفكير الجماعي في الحرب الإسرائيلية-الإيرانية
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
كشفت المواجهة الأخيرة بين إيران و(إسرائيل) عن خلل عميق في بنية الوعي لدينا، إذ تحوّل النقاش من تحليل استراتيجي إلى معركة اصطفاف وانفعال، غاب فيها التقدير العقلاني، وتقدّم فيها التحيّز الأعمى. وفي لحظة واحدة، خبا صوت العقل، وارتفع صراخ القطيع. وانقسم الرأي العام إلى معسكرين متقابلين: فريق رأى في إيران طرفا مقاوما للهيمنة الإسرائيلية، وفريق قابل الحدث بشماتة، معتبرا كل ضربة تتلقاها خسارة لمحور يناقض مصالح الأمة.
لفهم هذا الميل الجماعي نحو الاصطفاف والانفعال، يمكن الاستعانة بما طرحه الباحث النفسي الأمريكي إرفينغ جانيس في نظريته المعروفة بـ”التفكير الجماعي”(Groupthink)؛ إذ يشرح كيف تنشأ هذه الحالة حين تطغى الرغبة في الانسجام داخل الجماعة على الحاجة إلى التفكير العقلاني. حينها يُهمّش النقد، وتُضخّم صورة المرجعية أو القيادة، ويصبح الولاء الجمعي بديلاً عن الفهم المستقل. وتحت ضغط الأزمات، يغلق الأفراد على أنفسهم داخل سردية واحدة، ويتولد مناخ نفسي يرفض التعدد، ويقصي الاختلاف، ويصنّف كل رأي مغاير على أنه تهديد. وهذا ما تجلّى بوضوح في المشهد العربي، حيث جرى إقصاء كل من رفض المساواة بين الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الإيراني، وأُلصقت به تهم الخيانة أو العمالة.
لم يكن ذلك سلوكا فرديا عفويا، وإنما نتاج مناخ ضاغط أنتج جمهورا إلكترونيا متحفزا، لا يحتمل التمايز ولا يقبل التدرج في المواقف. أسكت هذا الجمهور الأصوات المتزنة، وخنق كل محاولة لفرز العدو من الخصم. فمن انتقد طهران اتهم بتأييد تل أبيب، ومن هاجم الاحتلال دون مهاجمة إيران اتهم بالانحياز لها. هكذا غابت فلسطين عن الخطاب، وتحولت إلى ورقة في لعبة الولاءات، بينما توارى الوعي النقدي خلف شعارات صاخبة، تفتقر إلى البصيرة في الرأي وإلى الرشد في الموقف.
إن التمييز في لحظات احتدام المعارك واختلاط الأوراق، شرط للوعي السليم، لا صلة له بالتبرئة أو الإدانة؛ فليس من ينتقد سياسات إيران الطائفية مدافعا بالضرورة عن (إسرائيل) الاستيطانية، ولا من يرفض ميليشيات القهر في صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت متخليا عن غزة والضفة. وبما أن من حق الشعوب أن تتحرر من نير الاحتلال، فمن حقها أيضا أن تنعتق من قيد الطغيان.
إن الوعي بطبيعة الصراع الراهن لا ينشأ من الانفعالات العابرة، ولا يتأسس على منطق القطيع، ولا يستقر وسط صخب الشعارات والهتاف.. إن الوعي ينبني على التحليل الرشيد، وعلى القدرة على التمييز بين عدو ينكر وجودك ويسعى لاجتثاثك، وخصم ينازعك النفوذ أو يسعى لتغيير نسيجك وهويتك، والتمييز بينهما لا يعني مصالحة أحدهما أو معاداة الآخر، وإنما يعكس وعيا بالواقع، ويعيد توجيه البوصلة نحو الأولويات الحقيقية للأمة: تحريرا للأرض، وإسقاطا للطغيان، وصيانة لكرامة الشعوب. ومن يُخفق في ذلك، يهوي في بئر الهزيمة والانكسار.
*نشرت في صفحة الباحث على منصة فيسبوك.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةللأسف لا توجد لدينا رعاية واهتمام بالفنانين واصبحنا في عالم...
انا لله وانا اليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل...
أنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...
المصدر: يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
فزع في إسرائيل بعد الكشف عن اعداد الجنود الإسرائيليين المنتحرين بسبب صدمة غزة
إسرائيل – كشفت وثيقة صادرة عن مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست الإسرائيلي، عن ارتفاع حالات الانتحار في الجيش منذ اندلاع الحرب على غزة.
ووفقا للبيانات، فقد انتحر 124 شخصا يخدمون في الخدمة الإلزامية والدائمة والاحتياط النشط خلال فترة تقارب ثماني سنوات، دون احتساب أولئك الذين انتحروا بعد تسريحهم. كان معظم المنتحرين من جنود الخدمة الإلزامية، لكن حصة جنود الاحتياط زادت بشكل كبير، لتصل إلى ما يقرب من حالة واحدة شهرياً منذ بدء الحرب.
تفاصيل وإحصائيات:
النوع الاجتماعي: يتبين من التصنيف الجندري أن جميع الذين انتحروا تقريبا هم من الرجال.
طبيعة الخدمة: فيما يتعلق بطبيعة الخدمة، كان جزء كبير من المنتحرين في السنوات التي سبقت الحرب من المقاتلين، لكنهم لم يشكلوا الأغلبية المطلقة. مع اندلاع الحرب، انخفضت نسبة المقاتلين بين المنتحرين، ثم ارتفعت مرة أخرى في العام التالي حتى أصبح معظم المنتحرين في ذلك العام من المقاتلين.
يشير مركز البحث إلى أنه لا يملك بيانات حول حجم تعداد المقاتلين في تلك السنوات، ولذلك لا يمكن معرفة ما إذا كانت الزيادة تعكس ارتفاعاً في الخطر أم تغييراً في تركيبة القوات.
الرعاية النفسية والرد الرسمي
فقط حوالي 17% من المنتحرين التقوا بضابط صحة نفسية في الشهرين اللذين سبقا انتحارهم. ويشير تقرير أمين شكاوى الجنود، المذكور في الوثيقة، إلى انتظار دام أشهراً للحصول على موعد وعدم تفعيل إجراءات المراقبة في بعض الحالات.
بدأ الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة أيضا بجمع بيانات عن محاولات الانتحار. تم توثيق 279 محاولة في عام ونصف، حوالي 12% منها خطيرة. مقابل كل جندي انتحر، تم تسجيل حوالي سبع محاولات انتحار لجنود آخرين.
أفادت وزارة الدفاع بفتح مركز مساعدة، لكن فحص مركز البحث أظهر أن المركز لا يقدم استجابة نفسية كاملة على مدار الساعة، ويتم تحويل بعض المراجعين مرة أخرى إلى قادتهم. كما أُبلغ عن تجنيد مئات من ضباط الصحة النفسية (القبنيم) في الاحتياط، وتعزيز ملاكات الوحدات الأمامية والتدريبية، وتعيين متخصصين في الصحة النفسية في كل لواء ووحدة أمامية. وفي الوقت نفسه، أُفيد عن إجراءات تدريب للقادة وتعزيز الاستجابة لأفراد الخدمة الدائمة وأفراد أسرهم.
وعلى الرغم من ذلك، بيبن مركز البحث أن وزارة الدفاع لم تقدم جزءا كبيرا من المعلومات المطلوبة: لا يوجد تفصيل حول العمر، مدة الخدمة، بلد الميلاد، الجنود غير المتزوجين (العازبين)، حاملي السلاح الشخصي، إجراءات التحقيق بعد حالات الانتحار، والتسلسل العلاجي لجنود الاحتياط. كما لم يتم الرد على الطلبات السابقة بالكامل، ونتيجة لذلك، تظل الصورة العامة حول حجم الظاهرة وكيفية معالجتها جزئية.
المصدر: “معاريف”