فيليب ميسمر وفيليب بونص

الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز

لقد أدّى تعزيز العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، والذي تقرّر يوم الجمعة 18 أغسطس الجاري في كامب ديفيد (ولاية ميريلاند، الولايات المتحدة)، إلى الكثير من التعليقات حول القطب الجيوستراتيجي الجديد الآخذ في التشكّل في شمال شرق آسيا.

إن هذا التقارب قد أصبح أسهل في ظل السياق الدولي المتدهور بالنظر إلى الحرب في أوكرانيا، والتهديد الصيني لتايوان، والتوترات الناشئة عن نزاعات بيجين الإقليمية مع جيرانها، والتطور العسكري في كوريا الشمالية. يدفع هذا السياق بإدارة بايدن إلى تشبيك تحالفاتها الثنائية: هذا هو الحال مع الحوار الرباعي من أجل الأمن، الذي يجمعها مع كلّ من أستراليا واليابان والهند، أو تحالف أوكوس (Aukus) مع المملكة المتحدة وأستراليا، أو، أيضا، تحالف الرقائق بخصوص سوق أشباه الموصلات الاستراتيجية للغاية، مع كلّ من تايوان وكوريا الجنوبية واليابان.

لطالما كان التعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة وحلفائها كوريا الجنوبية واليابان يعاني من العيوب. ولقد سعت واشنطن على مدى عقود إلى إضفاء الطابع المؤسسي على تعاونها العسكري مع سول وطوكيو. وتمثل اتفاقية كامب ديفيد خطوة مهمة إلى الأمام في هذا الصدد، حيث تنص هذه الاتفاقية على عقد اجتماعات ثلاثية سنوية وإجراء مناورات عسكرية مشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

ومع ذلك، فإن هذا التقارب يبدو هشّا للغاية، ومن المحتمل أن يزيد من مخاطر التوتر. لقد وصف كلّ من الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا (Fumio Kishida) قمة كامب ديفيد بأنها قمة «تاريخية». غير أن التاريخ هو بعينه عامل من عوامل عدم اليقين التي تلقي بثقلها على هذا التحالف الثلاثي. يذكّرنا كريستوفر جونستون (Christopher Johnstone)، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن «العلاقات بين البلدان الثلاث متأرجحة لا تستقر على حال، وتشهد فترات من التقدم الحقيقي التي سرعان ما تنتكس بسبب التغيرات في المحيط الأمني أو التطورات السياسية في اليابان وكوريا الجنوبية».

سعى جو بايدن، منذ وصوله إلى السلطة، إلى تعزيز التعاون الأمني مع حليفيه في شرق آسيا. وقد أصبح تحقيق هذا الهدف أيسر بوصول المحافظ يون سوك يول (Yoon Suk-yeol) إلى الرئاسة في كوريا الجنوبية في مايو 2022. عمل هذا الأخير على الرغم من كل الصعوبات على تحقيق التقارب مع اليابان من خلال السعي إلى إسكات «حرب الذكريات»، التي تسمّم العلاقات بين البلدين الجارَين من حين إلى آخر. ولقد أعانه على ذلك مشروعه المتمثل في تعويض ضحايا العمل القسري من الكوريين إبّان فترة الاستعمار الياباني (1910-1945) من أموال خاصة، وبالتالي وضع حد للدعاوى القضائية المرفوعة ضد الشركات اليابانية التي استغلتهم آنذاك، والتي تعترض عليها طوكيو. لكن الأمر لم يمر من دون إثارة استياء شديد لدى جزء من الرأي العام في كوريا الجنوبية.

إن الماضي الاستعماري لليابان، والذي انتهى بسبب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، لم يكن أبدا موضع بحث بشكل حقيقي، ولقد ترك ندوبا دائمة في الكوريتين وفي جنوب شرق آسيا وفي الصين.

ويظل نصيب هذا الماضي الاستعماري من الانتهاكات والإهانات، متجذّرا في الذكريات في كوريا الجنوبية. لا ريب أن اليابان قد أعربت مرارا وتكرارا عن ندمها، لكنها لم تتجاوب قطّ مع انتظارات الكوريين بالاعتذار عن وقائع محددة. ومن الأمثلة المعروفة التي تشهد على ذلك ما سُمي بـ«نساء المتعة» اللواتي تم إجبارهن على أن يصرن «فتيات للجنود» في الجيش الإمبراطوري. وتشكل المذبحة التي وقعت في أعقاب زلزال كانتو الكبير (الأول من سبتمبر 1923) والتي راح ضحيتها عدة مئات من الكوريين المتهمين بتسميم الآبار، مثالا آخر.

إن مشاعر الضغينة التي يحملها الكوريون لليابان تتلاشى بين الأجيال الشابة، غير أن العداء يظل كامنا ومن السهل إشعاله من جديد. كما أن بإمكان تغير الأغلبية في سول جعل تطبيق الاتفاقية التي رعتها واشنطن أمرا إشكاليا. يتساءل سكوت سنايدر (Scott Snyder)، المتخصص في الشؤون الكورية داخل مجلس العلاقات الدولية، «هل ستصمد هذه الاتفاقية إذا وصل تقدّمي إلى السلطة في كوريا الجنوبية؟» ويذكّر بأن علاقات كوريا الجنوبية مع اليابان نادرا ما تدهورت إلى الحال الذي كانت عليه خلال ولاية الرئيس مون جاي إن (Moon Jae-in) (2017-2022)، بينما كانت اليابان تحت قيادة رئيس الوزراء شينزو آبي (Shinzo Abe) (2012-2020). وهناك أيضا المجهول المتمثل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2024. إذ ما مصير الاتفاقية الثلاثية إذا عاد دونالد ترامب -أو رئيس انعزالي- إلى البيت الأبيض؟

وإلى جانب أسئلة الذاكرة وعدم اليقين المرتبط بإفرازات العملية الانتخابية، ثمة رهان جيوسياسي. فإذا كان تعزيز التحالفات مع كوريا الجنوبية واليابان يصب بشكل واضح في مصلحة الولايات المتحدة، فهل يخدم مصالح شركائها بالقدر نفسه؟ تعدّ هذه الاتفاقية إلى حدّ ما تأمينا أمنيا إضافيا لكل من اليابان وكوريا الجنوبية، ولكنها تثير ثائرة الصين. يقول المحلل نيكولاس سيتشيني (Nicholas Szechenyi) من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «إن اليابان، شأنها شأن العديد من الدول المتواجدة على خطوط المواجهة، تنتهج استراتيجية الموازنة بين الردع والتفاعل من أجل الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية». وينطبق الشيء نفسه على كوريا الجنوبية.

هل بإمكان هذين البلدين الجارين للصين، التي تقلق بالهما ولكنها تظل شريكا اقتصاديا أساسيا لكل منهما، أن يتبنوا موقف المواجهة المفتوحة مع الصين من دون المجازفة بإلحاق الضرر بمصالحهما الوطنية؟ هكذا تساءل كاتب افتتاحية صحيفة أساهي اليابانية اليومية.

وبعيدا عن الضمانات الأمنية الجديدة، فإن من مصلحة سول وطوكيو إيجاد صيغة للتعايش مع الصين. إن قربهم الجغرافي وعلاقاتهم الاقتصادية مع الصين إلى جانب وثقل بيجين وتأثيرها على النظام الحاكم في كوريا الشمالية يدفعهم إلى عدم الانجراف وراء الموجة المناهضة للصين التي تقودها واشنطن. وحتى لو تم تقديم اتفاقية كامب ديفيد باعتبارها لا تشكل بأي حال من الأحوال مقدمة لحلف شمال أطلسي آسيوي، فإن سول وطوكيو تخاطران بإيجاد نفسيهما في موقف صعب مقارنة بجارتهما الكبرى، التي لن تترك الفرصة تمر دون التعبير عن استيائها.

فيليب ميسمر صحفي مراسل لجريدة لوموند الفرنسية في طوكيو.

فيليب بونص صحفي مراسل لجريدة لوموند في طوكيو.

عن لوموند الفرنسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کوریا الجنوبیة والیابان فی کوریا الجنوبیة الولایات المتحدة وکوریا الجنوبیة کامب دیفید

إقرأ أيضاً:

مجموعة قانونية: الاتفاقية البحرية بين لبنان وقبرص الرومية خرق دستوري

بيروت - حذرت مجموعة "رواد العدالة" القانونية، الجمعة، من تمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة مؤخرا بين لبنان وقبرص الرومية خارج الأطر الدستورية، واعتبرت ذلك "جريمة خرق للدستور وإخلال بالواجبات الوزارية".

جاء ذلك في بيان للمجموعة تعليقا على توقيع لبنان وقبرص الرومية، الأربعاء، اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، بحضور الرئيس اللبناني جوزاف عون ورئيس إدارة جنوب قبرص الرومية نيكوس خريستودوليدس في قصر الرئاسة بالعاصمة بيروت.

وأعربت المجموعة الحقوقية عن قلقها من تكليف الحكومة اللبنانية وزير الأشغال العامة فايز رسامني، بتوقيع الاتفاقية، معتبرة ذلك "خطوة تتجاوز الأصول الدستورية الواجب اتباعها في هذا النوع من الاتفاقات"، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء اللبنانية.

وقالت "رواد العدالة" إن "أي تفاوض أو اتفاق لا يصبح نافذا إلا بمصادقة مجلس النواب عليه".

وأوضحت أن توقيع الحكومة اللبنانية للاتفاقية دون العودة إلى مجلس النواب "يمثّل تجاوزاً للدستور ومخالفة لصلاحيات السلطة التشريعية".

وأشارت إلى أن "أي اتفاق يمس الحدود البحرية ويترتب عليه آثار مالية واقتصادية يُعدّ معاهدة سيادية لا يمكن إبرامها دون مصادقة البرلمان وفق المادة 52 من الدستور".

وتعد "روّاد العدالة" مجموعة مدنية قانونية تضم محامين، وتتدخل في قضايا عامة تتعلق بالعدالة ومكافحة الفساد وحقوق المواطنين.

وأوضحت المجموعة أن ترسيم الحدود مع قبرص الرومية "يعد تعديلاً للحدود الاقتصادية اللبنانية ويمس بثروات الدولة البحرية والنفطية"، ما يجعل تمريره من دون رقابة مجلس النواب "اعتداءً على مبدأ الفصل بين السلطات وخرقاً دستورياً".

ولفت البيان إلى أن أي تفاوض أو توقيع خارج هذا الإطار "لا يترتب عليه أثر قانوني ملزم".

وحذّرت المجوعة القانونية من أن تجاوز البرلمان في مثل هذه الملفات "قد يفتح الباب أمام سوابق خطيرة تسمح بتمرير معاهدات سيادية دون رقابة أو مساءلة".

واعتبرت ذلك "جريمة خرق للدستور والإخلال بالواجبات الوزارية، استناداً للمادتين 60 و70" من الدستور اللبناني".

كما أشارت إلى أن الصيغة المتداولة للاتفاقية، بحسب تقارير صحفية محلية ودولية، "قد تلحق ضرراً كبيراً بحقوق لبنان البحرية وتفضي إلى خسارة مساحات اقتصادية غنية بالنفط والغاز".

وقالت "رواد العدالة" إن "أي تفاوض غير مدروس يعد تفريطاً بالثروة الوطنية وتخلياً عن جزء من الحقوق الجغرافية للبنان، خلافاً للمادة الثانية من الدستور التي تمنع التنازل عن أي جزء من الأراضي اللبنانية بما فيها الإقليم البحري".

وطالبت الحكومة بالإفصاح عن "كامل حيثيات الاتفاقية" للرأي العام، وإحالتها فوراً إلى مجلس النواب المختص دستورياً بالتصديق، ووقف أي إجراءات تفاوضية أو تنفيذية خارج الأطر الدستورية.

وأكدت المجموعة أن "حماية الحقوق البحرية اللبنانية وثرواتها الطبيعية واجب وطني"، وأن "سيادة لبنان ليست مجالاً للاجتهاد أو التجربة".

وشددت على أن الدستور "ليس نصاً استشارياً بل إطار إلزامي لممارسة السلطة".

وتعاني قبرص منذ 1974 انقساما بين شطرين تركي في الشمال ورومي في الجنوب، وفي 2004 رفض القبارصة الروم خطة قدمتها الأمم المتحدة لتوحيد شطري الجزيرة.

والخميس، أعلنت وزارة خارجية جمهورية شمال قبرص التركية، رفضها الاتفاقية الموقعة بين لبنان وإدارة جنوب قبرص الرومية بشأن تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما.

وقالت في بيان: "جميع الاتفاقيات الأحادية المتعلقة بالمناطق الاقتصادية البحرية التي أبرمتها أو تواصل إبرامها إدارة قبرص الرومية مع أطراف ثالثة، بما في ذلك لبنان، تعدّ بحكم العدم بالنسبة لجمهورية شمال قبرص التركية، كما هو الحال في الاتفاقيات المماثلة السابقة".

مقالات مشابهة

  • هل أشعلت اليابان للتو فتيل الحرب العالمية الثالثة؟
  • الاتحاد الأوروبي يسعى لضمانات في اتفاق الرسوم الجمركية الأمريكية
  • الجدة الروبوت.. دمى أنيسة تخّفف من وطأة عزلة كبار السن في كوريا الجنوبية وترعاهم
  • قراءة تحليلية للمواجهة الأمريكية لتنظيم الإخوان المسلمين
  • ترامب يُعلن إلغاء الأوامر التنفيذية التي وقعها بايدن بالقلم الآلي
  • مجموعة قانونية: الاتفاقية البحرية بين لبنان وقبرص الرومية خرق دستوري
  • كوريا الشمالية تتوعد بالرد على الإجراءات الأمريكية
  • كوريا الجنوبية تعفي الأجانب المقيمين بصورة غير شرعية من الغرامات عند تقدمهم بطلب الخروج
  • كاتب سياسي: العلاقات السعودية الأمريكية تاريخية أسسها الملك عبد العزيز
  • كوريا الجنوبية واليابان تدرسان تقديم ملف مشترك لاستضافة كأس آسيا 2035