عربي21:
2025-08-03@21:05:19 GMT

موسم المطالبة بـنزع سلاح المقاومة

تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT

في أحد حوارات الدكتور طه حسين (ت: 1973م)، سُئل رحمه الله عما إذا كان قد تأثر بالمستشرقين في أدبه وعطائه الفكري، فقال: تأثرت بمناهجهم تأثرا شديدا جدا، ولم أتأثر بآرائهم! هذا التحديد الفاصل، جميل من العميد، ومهم أيضا، فالمنهج اصطلاحا يعني الطريقة التي يصل بها الإنسان إلى حقيقة أو برهان أو معرفة، ومن أهم خصائصه التحرر من التحيز، والالتزام بالموضوعية.



ولو طبقنا رأى الدكتور طه حسين على تكرار الدعوة في الأيام الأخيرة الماضية، ومن أطراف كثيرة، إلى نزع سلاح المقاومة، لرأينا أن "الدعوة العربية" في المؤتمر الدولي بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، برئاسة السعودية وفرنسا، لنزع السلاح، تأثرت تأثرا شديدا بـ"آراء" المعسكر الغربي الصهيوني، بالنظر لجوهر "المسألة الشرقية"، إذا جاز توظيف هذا الوصف القديم الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، مع بداية النهاية للإمبراطورية العثمانية، على عكس ما فعل الراحل الكبير د. طه، والذي يحسب له هذا التمييز الدقيق، الذي أعانه وأعاننا أيضا على معرفة مواطئ أقدامنا، أين نقف من أنفسنا ومن الآخرين.

* * *

ولو اتسعت بنا "دائرة المعنى" سنرى أن المسألة لا تتصل فقط بالاستشراق، في جانبه الفكري والحضاري، بل تتسع لتشمل العلاقة التاريخية كلها، في إطار المواجهة التي بدأت بالحروب الصليبية (1095م)، ولم تنته كما ادعى اللورد إدموند اللنبي (ت: 1963م) بدخول القوات البريطانية القدس سنة 1916م، بل بدا وجه جديد لها.

فقد كان الترتيب وقتها على ألف قدم وألف ساق لإقامة "إمارة صليبية" جديدة، بإخراج ديني وتاريخي مثير، مختلف في النوع والدرجة عن الإمارات الصليبية التي استمرت قرنين في الشرق المسلم، حتى اقتلع المصريون آخر إمارة سنة1291م على يد السلطان الأشرف صلاح الدين بن خليل بن قلاوون.

* * *

لكن الزعيم مصطفى كامل (ت: 1908م) رحمه الله، سيأخذ هذا التوصيف (المسألة الشرقية) ويضعه في إطار واضح، يركز فيه على عداوة بريطانيا لمصر، وللدولة العثمانية، وللعالم الإسلامي! وقد كان مصيبا تماما في استخلاصه لهذا الوضوح الاستراتيجي والتاريخي الممتد، وصاغ توصيف "المسألة المصرية" وقت الاحتلال البريطاني لمصر، ورأى أن هذه المسألة لم تكن إلا حلقة فيما في سلسال المسألة الشرقية، والتي لا زالت كما هي، باختلاف بعض المواضعات التي تترتب على حركة الزمن والتاريخ وتطور الدنيا والناس.

أمريكا تسلمت الراية من بريطانيا، في رعاية الإمارة الصليبية الجديدة، وسيكون الموقف من مصر هو ذات الموقف القديم، والموقف من العالم الإسلامي هو.. هو ذات الموقف القديم أيضا، وإن زاد التجمل والكلام.

* * *

سننتبه هنا إلى أن الدعوة العربية لنزع سلاح المقاومة تسير في نفس سياق النظام العربي الرسمي بعد الحرب العالمية الثانية (1945م).. والذي تم فيه التوافق على وجود "إمارة" غربية في فلسطين، ترعى شئون ومصالح الغرب، وفلسطين تحديدا وتأكيدا..! ليس لأنها من 300 قرن كان فيها تجمعات وممالك لبني إسرائيل.. لا.. ليس هذا صحيحا، وإن تكرر القول به بالليل وبالنهار.

السبب الحقيقي هو أن فلسطين تفصل شرق عالم الإسلام عن غربه، مصر التاريخية عن الشام التاريخي، وسيتم "شق قلب" وادي النيل بفصل السودان عن مصر، وسيتم "شق قلب" الشام بنحت لبنان نحتا من سوريا التاريخية، وفصل الأردن عن فلسطين.

وسنجد أنفسنا أمام هكذا خريطة تتوسطها "إمارة صليبية"، وسيتم تسكين "أبغض الناس" إلى أوروبا والغرب في هاتك الإمارة، وسيتم تدشين ديباجات وسرديات وحكايات لا حصر لها، حول هذه الإمارة المثيرة، من أيام مملكة إسرائيل ويهوذا سنة 700 قبل الميلاد، وحتى النكبة 1948م، مرورا بتأسيس "الصهيونية" ووعد بلفور ومحارق هتلر.

ستكون العلاقة الوطيدة بين الإمارة الجديدة ومنشئيها، فيما يمكن أن يتشابه بعلاقة "المعلم والصبي"، وبالطبع سيكون هناك "أخذ ورد" في تلك العلاقة "وثيقة العُرى"، وفقا لأهواء البشر وتغير الأحداث، لكن ضمن إطار محكم في حفظ هذه العلاقة، كالذي يكون بين أي "معلم فتوة" أنشأ وربّى ورعى "صبيا" لخدمته والقيام بكل طلباته، و"أهل الحتة" جميعا يعلمون أنه جدل في إطار مصالح الطرفين.

* * *

"طوفان الأقصى" ستفك تلك "العُرى الوثيقة" عروة عروة، وأخطرها على الإطلاق عروة الرأي العام الدولي واحتكار الرواية التاريخية، وبثمن بالغ التكلفة، نراه الآن ومن 22 شهرا في غزة، مع آثاره ونتائجه التاريخية الكبرى، التي سنراها تشق طريقا طويلا جديدا، لأجيال كان قد ضاع من قدميها الطريق من زمن طويل.

* * *

وسيتكشّف لنا أن ما تعيشه المنطقة العربية الآن شيئا جديدا وفريدا من نوعه على تاريخنا الحديث، في مدار صنع الأحداث والوقائع. والفرادة هنا ستكون في إجبار العدو بقرار ومبادرة منك، على اتخاذ مواقف لم تكن في حساباته الاستراتيجية.

ذلك أن أكبر حدثين عاشتهما المنطقة العربية في السنوات الستين الماضية، كانا بتخطيط وتنفيذ غربي صهيوني في الصميم، وكانا يدوران في فلك المصالح المٌرتَبة، ترتيبا دقيقا.

الحدث الأول 5 حزيران/ يونيو 1967م بكل ما ترتب عليه من هزائم شاملة، على مستوى الأرض والإنسان، وما تبع كل ذلك من حرب وسلام.

والحدث الثاني غزو الكويت (2 آب/ أغسطس 1990م)، وضياع العراق بعدها من خريطة القوة العربية، بكل ما ترتب عليه من هزائم شاملة على مستوى الأرض والإنسان أيضا، وزاد على ذلك اشتعال "تنور" الطائفية الحارق المُحرِق.

* * *

الحاصل أن "التاريخ" التقط رجالا رآهم يتجهزون بصدق وعزم وقدرة وفهم، وأعطاهم زمام المبادرة في "الفعل الأول" و"الحركة الأولى"، على غير ما هو معتاد طوال عقود طويلة طول الليل على أمرؤ القيس. وفوجئ الغرب الصهيوني، وأُسقط في يديه، ووقع في اضطراب عميق ورهيب. وهو الآن يعيش "فصاما" تاريخيا حاسما، بين ادعاءات حضارية كذوبة، ووقائع دموية رهيبة يرتكبها بشراسة وعنف بالغين "وكيلُه" التاريخي في ديار الشرق.

وهو إذ فوجئ بكل هذا الصبر المجيد لدى أهل المقاومة، وكل هذه القوة الشاملة لدى أبطال المقاومة، فأخذ يمعن في الأكاذيب تلو الأكاذيب، حتى أصبح في حالة من "سعار الكذب" الملفوف بالعار والخزي من كل جوانبه، وعلى شهادة شهود الدنيا كلها، من الناس العاديين والقادة والرواد، من أمين الأمم المتحدة، إلى وكالات الغوث والمؤسسات الأممية، مرورا بمنصات الإعلام الضخمة، التي طالما عاشت وأعاشت، على تلك الأكاذيب طبقا فوق طبق.

حتى كانت "طوفان الأقصى" بكل ما مثلته من "عنفوان شامل" في إزاحته لكل الأوثان القديمة، التي كانت تملأ المكان كله؛ وثن الردع الباطش واليد الطويلة، وثن احتكار الإعلام والرواية، ثم أخطر الأوثان: وثن تفوق الإنسان الغربي.. الذي لم يعد متفوقا ولم يعد إنسانا.

لكن فات الجميع (عربا وغربا)، أن "سلاح المقاومة" المراد نزعه، ليس فقط الياسين والشواظ، سلاح المقاومة الأهم، هو قلوب الفولاذ، وعزم الأفذاذ.

x.com/helhamamy

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المقاومة فلسطين الغربي إسرائيل إسرائيل فلسطين مقاومة الغرب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة سلاح المقاومة

إقرأ أيضاً:

فتح: نرفض تطاول حماس على الأردن ومصر ونثمن مواقف البلدين التاريخية

فتح: نرفض تطاول حماس على الأردن ومصر ونثمن مواقف البلدين التاريخية

مقالات مشابهة

  • نزع سلاح المقاومة خط أحمر
  • ألوية الناصر تقصف حشود الاحتلال وترد على مطالب نزع سلاح المقاومة
  • ماكرون:نطالب بنزع السلاح من حماس وإبعادها عن الحكم
  • نكوسي سيكليل أفريكا.. الترنيمة التي حررت جنوب أفريقيا
  • فلسطين تجدد المطالبة بضغط دولي على إسرائيل لفتح معابر غزة
  • حماس ترد على مزاعم أمريكية: لا حديث عن نزع السلاح في ظل الاحتلال
  • حماس تنفي تصريحات المبعوث الأميركي: لا تخلي عن سلاح المقاومة إلا بزوال الاحتلال
  • فتح: نرفض تطاول حماس على الأردن ومصر ونثمن مواقف البلدين التاريخية
  • جيل الطوفان‎