العُمانية: رست سفينة البحرية السلطانية العُمانية (شباب عُمان الثانية) اليوم بميناء مدينة إيسبيرغ بمملكة الدنمارك ضمن مسار رحلتها الدولية السابعة /أمجاد البحار/ للمشاركة في مهرجان ختام سباقات السفن الشراعية الطويلة لعام 2025م.

وتسعى سفينة "شباب عُمان الثانية" لإيصال رسالتها المتمثلة في مد أواصر الصداقة والإخاء بين سلطنة عُمان ومختلف دول العالم من خلال التعريف بالثقافة العُمانية الأصيلة في مختلف محطاتها الدولية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

اللهجات العُمانية والأمثال الشعبية.. هُــويّة تنــطق بلسان الأرض والمـــكان

حاوره - أسيد بن أحمد البلوشي -

في بلدٍ يتّسع بتنوعه الجغرافي والثقافي، تمثّل اللهجات العُمانية أكثر من مجرد اختلاف في النطق أو المفردة؛ إنها المرايا التي تعكس الشخصية المحلية للمجتمع، وتنقل الحكمة الجمعية المتراكمة عبر الزمن. فلكل محافظة، بل لكل ولاية أحيانًا، لحنها اللغوي الخاص، ونكهتها في التعبير الشعبي الذي يتجلى بوضوح في الأمثال المتداولة بين الناس، والتي تحمل في طياتها صورًا من الحياة اليومية، وتفاصيل دقيقة عن البيئة والعادات والوجدان الجمعي.

في عُمان، لا تُختزل الهوية في اللغة الفصحى وحدها، بل تتفرّع لتُلامس خصوصيات محلية متجذرة، تتجسد في لهجات تُروى بها الحكايات وتُحفظ بها الأمثال وتُنقل من جيل إلى جيل، فتُصبح بذلك خزائن للذاكرة المجتمعية وصدىً لتجربة الإنسان العُماني في مختلف بيئاته: الساحلية، والبدوية، والجبلية. كما تسهم هذه اللهجات، من خلال مفرداتها وتراكيبها وأمثالها، في صياغة حسٍ جمعي بالانتماء، وتؤدي دورًا محوريًّا في تشكيل التصورات والسلوكيات داخل المجتمعات المحلية.

في هذا الحوار، نتحدث مع الدكتور عامر بن عدلي الكثيري، الباحث في اللهجات العُمانية، لنسلط الضوء على كيفية تشكيل هذه اللهجات والأمثال لملامح الهوية الثقافية للمحافظات، وما الذي يعنيه تراجع تداولها في ظل اللهجة الموحدة المتزايدة بين الجيل الجديد، وما السُبل الممكنة لحمايتها من التآكل والنسيان؟

في البداية دكتور عامر.. كيف تشرح لنا العلاقة بين اللهجة المحلية والهوية الثقافية للمحافظات العُمانية؟ هل تتجاوز كونها مجرد وسيلة تواصل؟

تمثل اللهجات المحلية في المحافظات العُمانية أكثر من مجرد وسيلة للتواصل؛ إذ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالهوية الثقافية والانتماء الاجتماعي للمجتمع المحلي، فهي تجسد خصوصيات كل منطقة وتعكس تاريخها وتفاعلاتها المختلفة. وتُعد اللهجات مرآةً لذاكرة جماعية غنية، تحمل في طياتها الأمثال الشعبية، والحكايات التراثية، والمفاهيم والتصورات المرتبطة بالبيئة والمكان، مما يجعلها أداةً فعالة في حفظ التراث الشفهي وتعزيز الإحساس بالانتماء.

كما تسهم في تشكيل الشعور بالتميز والفخر المحلي، إذ يستخدمها الأفراد كرمز للهوية ووسيلة لإثبات الانتماء للمجتمع والبيئة التي نشأوا فيها. وقد تكتسب اللهجة في بعض السياقات دلالات اجتماعية أو رمزية، فترتبط بالأصالة أو الهيبة والبرستيج. إن اللهجات العُمانية حاملة للثقافة والتاريخ والوجدان الجمعي، ومكون أساسي لا يمكن فصله عن فهم الهوية الوطنية المتنوعة في سلطنة عُمان.

ما أبرز العوامل التي أسهمت في تشكل هذا التنوع الكبير في اللهجات داخل عُمان؟

يُعزى التنوع الكبير في اللهجات العُمانية إلى موقع عُمان الجغرافي الاستراتيجي المطل على طرق التجارة البحرية، مما جعلها على تماسّ دائم مع حضارات متعددة كالفارسية والهندية والإفريقية، فضلًا عن التواصل المستمر وغير المنقطع مع الناطقين بالعربية من مختلف مناطقهم الجغرافية، وقد أسهم هذا التواصل في إدخال عناصر لغوية وثقافية متنوعة.

وفي الوقت ذاته، فإن التواصل المستمر بين أبناء عُمان من مختلف البيئات الساحلية والجبلية والبدوية، بخاصة عبر الأسواق الموسمية، والمناسبات القبلية والدينية، شكّل بيئة تفاعلية لغويًّا ساعدت على تبادل الخصائص اللهجية. ورغم التباين الظاهري بين اللهجات العُمانية، فإن هناك سمات لغوية مشتركة، سواء في البنية الصرفية أو الصوتية أو المعجمية، تعكس وحدة النسيج الاجتماعي العُماني وتاريخه الطويل في التواصل الداخلي، مما يجعل اللهجات الحضرية والبدوية تشترك في خصائص مميزة تُفرِّد اللهجات العُمانية، في وقت نجد الفصل شبه الحاد بين اللهجات البدوية والحضرية في مختلف الدول الخليجية والعربية الأخرى.

هل يمكن القول إن لكل محافظة «شخصية لغوية» تعكس ثقافة سكانها؟ وهل تظهر هذه الشخصية في الأمثال الشعبية أيضًا؟

نعم، يمكن القول إن لكل محافظة عُمانية «شخصية لغوية» تعبّر عن طبيعة سكانها وثقافتهم المحلية، وتظهر هذه الشخصية في الخصائص اللهجية المميزة وفي الأمثال الشعبية التي تعكس أنماط العيش والتفاعل مع البيئة. ورغم هذا التنوع، فإن النسيج المجتمعي العُماني المتماسك والتواصل التاريخي بين سكانه جعل من الممكن ملاحظة قدر كبير من الاشتراك في السمات اللغوية بين اللهجات المختلفة، وهو ما أشار إليه باحثون مثل هولز ودومينيك، مؤكدين أن التمايز اللهجي في عُمان لا يتسم بالحدة الموجودة في بعض الدول العربية الأخرى. تُعد الأمثال مثالًا حيًّا على هذه الخصوصية، فهي مرآة لعادات الناس وتصوراتهم، وتختلف باختلاف المكان؛ إذ نجد أمثالًا تتناول طرائق إعداد الطعام المحلية أو تفاصيل الحياة اليومية التي تميز كل محافظة أو حتى ولاية، ما يدل على حضور «الشخصية اللغوية» في المستويين اللفظي والثقافي.

ومن أمثلة ذلك ما يأتي: في بادية ظفار مثلًا، تُستعمل الحصى بعد تسخينها (تسمى محليًّا «صخنة») في غلي الحليب، فيُقال: «كل معذاب يييك بصخنة»، والمقصود أن كل عود من أعواد الخشب تُمسِكُ به صخنة واحدة لا أكثر. وهناك أيضًا أمثال تعكس الخصوصية اللهجية على المستويات اللغوية المختلفة، ومثال ذلك: «لا تجلس تحتّ الغموس ولا تحتّ الجحلة»، وكلمة «تحتّ» تعني «بجانب» في الشرقية بشكل عام، ويقابلها «عدّال» في شمال الباطنة، و«حيت» في الداخلية.

كيف تسهم الأمثال الشعبية في تعزيز الانتماء المحلي؟ وهل هناك أمثال لا تُفهم إلا ضمن سياق لهجوي خاص؟

تؤثر الأمثال الشعبية في تعزيز الانتماء المحلي أو الإقليمي؛ لأنها تنبع من بيئة الإنسان ومعيشته اليومية، فالمرء ابن بيئته، وكل ما يحيط به من عناصر طبيعية واجتماعية ينعكس في الأمثال التي يتداولها مجتمعه. فالمجتمعات الزراعية مثلًا تُنتج أمثالًا تعبّر عن علاقتها بالأرض والمطر والحصاد، بينما تعكس أمثال البدو الرحّل خبراتهم في الترحال والصبر والمروءة، وتُظهر أمثال سكان الساحل ارتباطهم بالبحر ومخاطره.

ومن الطبيعي أن توجد أمثال لا تُفهم إلا في سياق لهجوي خاص؛ لأنها تعتمد على مفردات وتراكيب تعبّر عن خصوصية مجتمعية. بعض هذه الأمثال قد لا يكون له معنى واضح خارج نطاق استخدامه الأصلي، كالأمثال المرتبطة بالتنقل على الجمال أو الحمير، أو التي تصف سلوكًا اجتماعيًّا بعُرف محلي. ومن الجوانب المهمة أيضًا أن بعض اللهجات العُمانية ارتبطت بفنون شعبية خاصة بها، مثل لهجة محافظة مسندم التي تُستخدم في فن «الندبة»، وهو أسلوب أدائي فريد يعكس ثقافة المنطقة، وقد تُوظَّف مفردات تشير إلى هذا الفن العُماني الخاص في أمثال لا تُفهم إلا في هذا السياق المحلي.

هل هناك محافظات تبدو أكثر غزارة في إنتاج الأمثال من غيرها؟

السؤال عن مدى تفوّق بعض المحافظات في إنتاج الأمثال الشعبية دون غيرها يُعد من الأسئلة الصعبة؛ لأنه يتطلب دراسات ميدانية دقيقة، تشمل زيارات موسعة واستنطاق كبار السن الذين يحتفظون بمخزون كبير من الأمثال المتداولة شفهيًّا.

ومع ذلك، ومن خلال المشاهدات والملاحظات العامة، يمكن القول إن بعض المحافظات تُظهر غزارة ملحوظة في إنتاج الأمثال، ويبدو أن هذا يرتبط بتنوّعها اللهجي والثقافي. فعلى سبيل المثال، محافظات مثل جنوب الشرقية وشمال الشرقية والداخلية وشمال الباطنة وظفار تمتاز بتعدد لهجاتها وتنوّع بيئاتها الجغرافية والاجتماعية، ما ينعكس على تعدد الأنشطة الاقتصادية كالرعي والزراعة والصيد، وعلى ثراء التجربة المجتمعية، وهو ما يُغذّي خزّان الأمثال ويُسهم في إنتاج صور تعبيرية متنوعة تنبع من صميم الحياة اليومية لهذه المجتمعات.

هل هناك أمثال محلية اندثرت بفعل تغيّر نمط الحياة وتأثير وسائل الإعلام؟

نعم، هناك أمثال محلية اندثرت أو بدأت تختفي بالفعل نتيجة تغيّر نمط الحياة وتأثير وسائل الإعلام، وهو واقع يعبّر عنه مفهوم التقادم الثقافي (Cultural Obsolescence)، حيث يتراجع ارتباط الإنسان ببيئته المحلية وعناصرها، مما يؤدي إلى اندثار العديد من الحقول الدلالية التي كانت فاعلة في السابق. فمع التحديث المتسارع والتحولات الاقتصادية والاجتماعية، بدأت الأمثال المرتبطة بأنشطة تقليدية كالرعي، والزراعة اليدوية، والصيد البحري التقليدي، والتنقّل على الدواب، تفقد تداولها بين الأجيال الجديدة.

وغالبًا ما تبقى هذه الأمثال محفوظة في ذاكرة كبار السن، بينما يعجز الشباب عن فهمها أو استخدام مفرداتها، بخاصة إذا كانت تحتوي على ألفاظ أو إشارات إلى أدوات أو عادات لم تعد موجودة. كما أن وسائل الإعلام بخطابها شبه الموحد ساهمت في تقليص حضور اللهجات المحلية، ومن ثم تراجعت الأمثال التي تحمل هذه الخصوصية، لتحل محلها تعبيرات أكثر عمومية لا تحمل العمق البيئي والثقافي الذي كانت تحمله الأمثال التقليدية.

مع ظهور لهجة موحدة لدى الشباب، هل يمكن القول إن اللهجات المحلية في خطر؟

في ظل تزايد التواصل بين جميع المحافظات، وسهولة التنقّل، وانتشار وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، برزت بين أوساط الشباب لهجة «عُمانية عصرية» شبه موحدة تمزج بين مفردات ولهجات عدة، وتتسم بالسهولة والانتشار، بخاصة في البيئات التعليمية والحضرية. ورغم أن هذه الظاهرة تُسهّل التواصل، فإنها تُثير تساؤلات عميقة حول مصير اللهجات المحلية، التي تشكّل رصيدًا ثقافيًّا هائلًا يعكس تاريخ المناطق وبيئاتها. فقدان هذه اللهجات يعني خسارة طبقات كاملة من الذاكرة الثقافية والتاريخية، وانقطاع الصلة بتجارب الأجداد ونظرتهم إلى العالم.

إننا بذلك لا نخسر فقط لهجة، بل نخسر منظومة رمزية كاملة تعبّر عن الإنسان العُماني في تنوعه، وعلاقته ببيئته، وإبداعه في تشكيل لغته بحسب حاجاته ومعيشته. ويعبّر عن ذلك العالم فيشمان بقوله: «إن فناء لغة هو فناء هوية متجذرة» (Fishman, 1991). أخيرًا نقول إن الجهات الحكومية تولي عبر قنواتها المختلفة جهودًا مقدّرة لتوثيق اللهجات والتعريف بها ودعم الدراسات العلمية المتعلقة بالمرويات الشعبية والتاريخ المروي.

هل وُثّقت الأمثال العُمانية بلهجاتها الأصلية في دراسات أكاديمية أو مشاريع بحثية؟

نعم، وُثّق عددٌ من الأمثال العُمانية بلهجاتها الأصلية في بعض المشاريع البحثية، لكن هذه الجهود لا تزال محدودة مقارنة بغزارة المادة وتنوّع اللهجات وتوزّعها الجغرافي. من أوائل الدراسات المعروفة في هذا المجال دراسة جياكار (1900) بعنوان «الأمثال العُمانية»، وهي محاولة مبكرة لجمع بعض الأمثال وتفسيرها. كما صدر في تسعينيات القرن العشرين كتاب مهم بعنوان «أقوال عُمان لكل الأزمان» في أربعة أجزاء للمؤلف العُماني خليفة بن عبدالله الحميدي، و«معجم الأمثال العُمانية الشعبية» للدكتور سالم بن محمد الرواحي، صدر في 2023م.

وهناك أيضًا أبحاث متفرقة نُشرت في مجلات أكاديمية مثل «مجلة الخليل» الصادرة عن جامعة نزوى، فضلًا عمّا قدمتهُ أنا نفسي في أطروحتي للدكتوراة (2023) بجامعة السلطان قابوس، حيث اقترحتُ تصنيفًا للمجموعات اللهجية العُمانية بناءً على معايير محددة، من ضمنها اختلاف الأمثال وتمايزها الدلالي والثقافي. ورغم هذه الجهود، فإن الأمثال العُمانية لا تزال بحاجة إلى عمل ميداني موسّع لجمعها وتوثيقها ودراستها في سياقاتها الأصلية، لما تمثله من قيمة ثقافية كبرى، إذ يُعد توثيقها مساهمة أساسية في تعزيز الهوية الوطنية، والحفاظ على الذاكرة الجمعية، وتمكين الأجيال القادمة من فهم أنماط التفكير والتعبير التي شكّلت وعي المجتمع العُماني في ماضيه القريب والبعيد.

وأخيرًا، ما الذي تنصح به الأجيال الجديدة للحفاظ على اللهجات والأمثال المحلية؟

أنصح الأجيال الجديدة بأن يدركوا أن اللهجات والأمثال المحلية ليست مجرد أدوات لغوية عابرة، بل هي أوعية ثقافية تختزن تاريخ مجتمعاتهم، وتجارب أسلافهم، ورؤيتهم للحياة. فاللهجة هي امتداد لصوت البيئة، والمثل الشعبي هو تعبير مكثّف عن الحكمة الجمعية المتراكمة عبر قرون. وفي زمن التغيرات المتسارعة والتواصل العالمي، يصبح من الضروري أن تتبنى الأجيال الجديدة مشروعًا وطنيًّا واعيًا لحماية هذا التراث اللامادي، يبدأ بالاعتزاز بالهوية اللهجية وعدم التنكّر لها في الخطاب اليومي، ويمتد إلى التوثيق الرقمي والتدوين الصوتي والمرئي للأمثال باللهجات الأصلية. كما يُستحسن دعم البحوث الجامعية والمبادرات الطلابية التي تُعنى بدراسة اللهجات والأمثال، وتحفيز المدارس والجامعات على إدماجها في الأنشطة الثقافية، وتنظيم مسابقات لجمع وتفسير الأمثال من كبار السن، مع إنشاء منصات إلكترونية تفاعلية تحفظ هذا التراث وتتيح تداوله بين الأجيال. إن المحافظة على اللهجات والأمثال ليست مهمة لغوية فقط، بل هي واجب حضاري يتصل بالحفاظ على التنوع الثقافي العُماني، ويُعد من صُلب مقوّمات الهوية الوطنية. ومن دون هذا الوعي، قد نفقد تدريجيًّا مفاتيح فهم ذواتنا وتاريخنا الاجتماعي العميق.

مقالات مشابهة

  • مشاركةٌ عُمانية في مهرجان الفيلم العربي بكوريا
  • بعثة الحج العُمانية: 96 % نسبة الرضا عن الخدمات في مخيمي منى وعرفات
  • حديقة حيوان بالدنمارك تطلب حيوانات أليفة لإطعام الحيوانات المفترسة.. ما القصة؟
  • اللهجات العُمانية والأمثال الشعبية.. هُــويّة تنــطق بلسان الأرض والمـــكان
  • وصول سفينة المساعدات الإماراتية الثامنة “سفينة خليفة الإنسانية” إلى ميناء العريش
  • ترميم يعكس هوية عُمانية أصيلة
  • وصول سفينة المساعدات الإماراتية الثامنة سفينة خليفة الإنسانية إلى ميناء العريش
  • الكشف عن مسار سفينة شحن تجارية متجهة من ميناء جدة إلى ميناء ايلات في فلسطين المحتلة