أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية تحليلية بعنوان: "انعكاسات الهجوم الأمريكي الإسرائيلي على إيران على مستقبل المكانة الإقليمية الإيرانية"، من إعداد خبير الدراسات المستقبلية الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، حاولت استشراف المسارات المستقبلية لإيران في ضوء الهجوم المشترك الذي نفذته كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل" ضد منشآت إيرانية في حزيران/ يونيو 2025.



الورقة تناولت، بقراءة معمّقة، تقديرات عدد من مراكز الفكر والدراسات الدولية غير العربية، في محاولة لفهم آثار هذه الضربات على البرنامج النووي الإيراني، وعلى موقع إيران في الخريطة الإقليمية الجديدة، وعلى مواقف الحلفاء والخصوم على حد سواء.

ووفقًا للدراسة، فإن الضربات الإسرائيلية في 13 حزيران، ثم الأمريكية في 22 من الشهر نفسه، والتي استهدفت منشآت نووية إيرانية، أعقبتها ردود إيرانية مباشرة على أهداف في تل أبيب، ومواقع أمنية واقتصادية إسرائيلية، دون أن تؤدي إلى انهيار شامل في البنية النووية الإيرانية أو إلى تصعيد مفتوح.

وأظهرت الورقة تباينًا في تقدير حجم الضرر الذي تعرضت له المنشآت الإيرانية. فقد أكد مركز كارنيجي للسلام الدولي أن الهجوم أضر بالبنية التحتية النووية لإيران دون أن يوقف برنامجها، مشيرًا إلى بقاء قدرات حيوية تمكنها من الاستئناف السريع، مثل المخزون عالي التخصيب وأجهزة الطرد غير المركبة، إلى جانب الإرادة السياسية للتصعيد.

أما معهد دراسة الحرب الأمريكي فرأى أن إيران لا تزال تحتفظ بقدرتها على تخصيب اليورانيوم، رغم تدمير عدد من أجهزة الطرد المركزي، مشيرًا إلى تعقيدات الدعم الروسي والصيني، والاتجاه الإيراني نحو الصين أكثر من موسكو.

وركّز المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية على هشاشة الداخل الإيراني، لكنه قلّل من فعالية المعارضة، في حين نبه إلى مخاطر التوتر مع أذربيجان وتحالفها مع "إسرائيل"، مقابل دعم طهران لأرمينيا، مما قد يفتح جبهة جديدة للصراع.

إيران، رغم الضربات، لا تزال قادرة على الحفاظ على موقعها الإقليمي، لكنها بعيدة عن بلوغ مكانة "الدولة المركز" في الشرق الأوسط، نتيجة استمرار التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء.أما تحليل موقع "تفكير الصين" السنغافوري، فلفت إلى تقارب إيراني متسارع مع بكين، خصوصًا بعد تراجع المراهنة على الحماية الروسية، متوقعًا أن تستفيد طهران من التجربة الكورية الشمالية في الردع النووي العلني.

بدوره، اعتبر معهد بريماكوف الروسي أن دوافع الهجوم الأمريكي كانت مرتبطة بالانتخابات الأمريكية أكثر من اعتبارات استراتيجية، محذرًا من انزلاق واشنطن في مستنقع إقليمي موسع.

من جهته، حذّر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) من أن تقييد إيران دون إشعال حرب شاملة بات مهمة معقدة، خصوصًا مع تآكل آليات التفتيش الدولي، وتوسع الدور الصيني في المنطقة بما يضغط على النفوذ الإسرائيلي.

وفي ما يخص الداخل الإيراني، رصدت الورقة توقعات المراكز الإيرانية بأن النظام سيستمر في نهج "الغموض الاستراتيجي" بشأن قدراته النووية، ملوّحًا بخيارات تفاوضية دون انسحاب من معاهدة حظر الانتشار. كما رجّحت هذه المراكز أن تعمد إيران إلى تعزيز موقعها الإقليمي رغم فقدانها بعض الزخم في سوريا ولبنان والعراق، وظهور تحالفات مناوئة في أذربيجان والهند.

وخلص الدكتور عبد الحي إلى أن النظام الإيراني سيبقى متماسكًا على المدى القريب رغم الضغوط، وأن احتمالات التخلي عن البرنامج النووي ضعيفة، مقابل إصرار إيراني على تطويره ضمن سياسة تحوّط مدروسة، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.

كما شدد على أن احتمالات استمرار الصراع الأمريكي الإسرائيلي مع إيران تفوق احتمالات التسوية، مرجّحًا استمرار سياسة التطويق المتبادل بالتحالفات الإقليمية، دون الوصول إلى الغزو المباشر، ومشيرًا إلى أن التهديدات الموجهة لإيران ستُقابل باستراتيجية دفاع مرنة تمنع الانهيار الداخلي رغم الاضطرابات العابرة.

وخلصت الورقة إلى أن إيران، رغم الضربات، لا تزال قادرة على الحفاظ على موقعها الإقليمي، لكنها بعيدة عن بلوغ مكانة "الدولة المركز" في الشرق الأوسط، نتيجة استمرار التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الإسرائيلي إيران الضربات إيران إسرائيل امريكا تداعيات ضربات كتب كتب كتب كتب كتب كتب سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

شعب العفر.. بين التضاريس القاسية والمطامع الإقليمية

في قلب منطقة القرن الأفريقي، يعيش شعب العفر وسط تضاريس قاحلة وموارد شحيحة، موزّعين على ثلاث دول هي إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي.

ورغم امتلاكهم هوية ثقافية موحدة، فإن الجغرافيا السياسية التي رسمتها حقبة الاستعمار قسمت أراضيهم، وألقت بهم في هامش الاهتمام الرسمي، لا يُذكرون فيه إلا عند اشتداد النزاعات أو تصاعد المطامع الإقليمية.

ومع تصاعد التوترات في المنطقة، بدأ العفريون يدركون أنهم يُستخدمون أدوات لتمرير أجندات لا تمثلهم، ما دفعهم إلى إعادة التفكير في مستقبلهم السياسي، المحفوف بمخاطر تتجاوز الحلول التقليدية المتعارف عليها لدى القبائل والعشائر، وقد تجرّهم إلى صراعات تهدد وحدة نسيجهم الاجتماعي.

منطقة بركانية في عفر إحدى أسخن أماكن العالم (الجزيرة)سلاطين البحر الأحمر بين أنظمة قمعية ومصالح اقتصادية

في الآونة الأخيرة، أعادت إثيوبيا طرح ملف الوصول إلى منفذ بحري، بعد أن أصبحت دولة حبيسة إثر استقلال إريتريا عام 1993، وهو ما يُعد أحد أسباب التوتر بين البلدين، إلى جانب تداعيات حرب تيغراي.

وتتركز أنظار أديس أبابا على الساحل الإريتري الممتد من خليج زولا قرب مدينة مصوع، مرورا بميناء عصب، وصولا إلى العمق الجيبوتي، وهو ما يُعرف بـ"المثلث العفري"، نظرا لوجود العفريين في الدول الثلاث.

ويُطلق على العفريين لقب "سلاطين البحر" لعلاقتهم التاريخية بالموانئ، لكن هذا الامتداد الجغرافي اليوم محل أطماع إقليمية، يرى فيها بعضهم محاولة إثيوبية لاحتواء المنطقة بأكملها، بينما يؤمن آخرون بأن اللحمة العفرية أقوى من أي محاولات لتمزيق كيانهم.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في العلوم السياسية عمر إبراهيم للجزيرة نت، إن "الأدوار العفرية قبل وبعد تحرير إريتريا معروفة بمواقفها الوطنية، ولا يمكن اختزالها بدعاوى تقرير المصير".

وشدد إبراهيم على أن "العقل الجمعي العفري لا يزال يحفظ نضالات أبنائه في الحفاظ على الوحدة الوطنية، ولا أحد يزايد على دورهم في تحرير إريتريا برا وبحرا، وفي دعم الثورة الإريترية عبر قنوات عربية كان العفر في طليعتها".

مدينة سمرا عاصمة إقليم العفر الإثيوبي (الجزيرة)بين الحكم الذاتي وتقرير المصير

لكن استمرار الرغبة الإثيوبية في الحصول على منفذ بحري أثار قلق دول الجوار، إذ يعتبره الصومال تدخلا في سيادته، بينما يراه بعضهم في إريتريا توغلا استعماريا جديدا.

إعلان

وفي ظل هذا الصراع، عاد الملف العفري إلى الواجهة، بين من يؤمن بوحدة شعب العفر على أرضه، ومن يرى في النظام الفدرالي وسيلة لضبط التعايش، وبين من يدعو إلى عهد جديد يضمن حق تقرير المصير.

هذا الطرح الأخير يتبناه "التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر"، الذي تأسس عام 1999، حيث صرّح الناطق باسمه نصر الدين أحمد علي للجزيرة نت، أن "المطالبة بحق تقرير المصير ليست جديدة، فقد بدأت منذ تأسيس التنظيم".

وقال علي إن الشعب العفري فقد الثقة في النظام الإريتري بسبب ما سماه ممارساته تجاه القوميات، واستهدافه العقيدة واللغة والثقافة على حد قوله.

وأضاف "الشعب العفري جزء أصيل من النسيج الإريتري، وما يطالب به هو ضمان حقوقه، بما فيها الحق في تقرير المصير، ليكون ذلك صمام أمان وجوده في المنطقة".

جنود ومجندات من القوات العفرية (الجزيرة)رؤية عفرية للقرن الأفريقي

ورغم ما اعتبره بعضهم تهميشا وغيابا للاستقرار، يؤمن الباحث عمر إبراهيم بقدرة الشعب العفري على التعايش في الدول الثلاث، مشيرا إلى مشاركتهم الفاعلة في الحكم بجيبوتي، وفي النظام الفدرالي بإقليم العفر في إثيوبيا.

ودعا إبراهيم العفريين في إريتريا إلى النضال من أجل حقوقهم، مؤكدًا أن "التكامل والتعاون هو ما يتطلع إليه الشعب العفري في القرن الأفريقي، بما يعزز شراكات إقليمية ناجحة بعيدًا عن الحروب والنزاعات".

كما طالب النخب الحاكمة بتحويل التجاذبات السياسية إلى مشاريع تنموية مشتركة، رافضا في الوقت ذاته ما وصفه بالتهميش الذي ينتهجه النظام الإريتري تجاه العفريين، والذي يدفعهم إلى التمسك بمشروعهم الوطني.

من جهته، يقول نصر الدين، إن إريتريا تمارس ضغوطا وعمليات تهجير ممنهجة، تحرم الشعب العفري من حقوقه، في وضع وصفه بأنه "أسوأ مما كان عليه زمن الاستعمار".

رجلان من العفر يرتديان الزي العفري (الجزيرة)العفر.. أكراد القرن الأفريقي؟

يُعرف العفر أيضا باسم "الدناكل"، ويعيشون في واحدة من أكثر المناطق حرارة وجفافا على وجه الأرض.

وقد أطلق عليهم مجازا لقب "أكراد القرن الأفريقي"، نظرا لتشابه وضعهم الجغرافي بالأكراد المحاطين بالعراق وسوريا وتركيا وإيران.

ويشتهر العفريون بالشجاعة والانضباط القبلي، حيث يرتدي الرجال "الفوطة" التقليدية ويحملون السكاكين المنحنية، بينما تتزين النساء بالأثواب الزاهية والفضة.

وقد لعبوا دورا بارزا في مقاومة الاستعمار الأوروبي، لكن تقسيم أراضيهم على ثلاث دول جعلهم في قلب صراع جديد، وسط مخاوف من اندلاع حرب جديدة بين إثيوبيا وإريتريا، رغم تأكيدات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في خطابه الأخير في البرلمان احترام سيادة إريتريا وعدم نية بلاده الدخول في أي حرب.

مقالات مشابهة

  • دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!
  • بالتفاصيل.. هذا مضمون الورقة الأميركية بشأن لبنان!
  • الهلالي: اليوم نفتح الباب نحو مستقبل من التعاون، يقوم على أسس من القانون والشفافية، ويستند إلى إرادة السوريين وعزيمتهم التي لا تكسر.
  • صورة: لا تشمل مستشفى ناصر - الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء جديدة في خان يونس
  • شعب العفر.. بين التضاريس القاسية والمطامع الإقليمية
  • لليوم الـ191 تواليا: استمرار العدوان الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها وسط تعزيزات عسكرية وتصعيد مستمر
  • حزب الله: لا نقبل التخلي عن قوتنا مقابل استمرار العدوان الإسرائيلي
  • دراسة جديدة تكشف وجود حياة خفية تحت الأرض.. ما علاقة الزلازل؟
  • معهد التخطيط القومي يعلن استمرار قبول دفعة جديدة من الطلاب للالتحاق ببرامجه الأكاديمية والمهنية