هل يقرأ الكتَّاب العرب أعمالهم بعد صدورها؟
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
بعد انتهاء الكتابة تأتي المراجعة، والاستماع إلى ملاحظات الأصدقاء المقرَّبين، ثم تحرير النص، وتطويره، وشد مواطن الترهل، أو شفط الدهون الزائدة، وبرغم تلك العملية الشاقة يظل الكاتب مسكوناً بالهواجس، ويعتقد أنه كان يجب أن يبذل مجهوداً أكبر، وقد يتعمد ألا يقرأ العمل بعد صدوره، خوفاً من العثور على خطأ نحوي أو ارتباك لفظي، أو صياغة معطوبة.
الكاتب العماني يحيى سلام يقول إن مجموعته القصصية الأولى "نافذتان لذلك البحر" نُشِرت وهو في سنته الدراسية الثالثة بجامعة السلطان قابوس، وبسبب فرحته بها قرأها عدة مرات بسعادة غامرة. يضيف: "أتذكر أنني استمررت في قراءة تلك المجموعة لفترة طويلة، باستمتاع بالغ، ولم أندم على نص نشرته فيها، لكنني كنت على وعي ونيَّة بأن أكتب أفضل مما نشرته".
يقرأ يحيى سلام كل كتاب ينشره باستمتاع، لكنه في بعض الأحيان يقرأه بعين الناقد، وقد راودته الكثير من الأفكار حول بعض النصوص، حيث كان يقول لنفسه: لو أنك كتبت هذا المقطع بهذه الطريقة، لو اختصرت تلك القصة، لو أسهبت في هذا المشهد، لو أجَّلت هذا النص، ولكنه يعود ليذكِّر نفسه بأن القصص نُشِرت في كتاب، وهي بيد القراء الآن، ولا يمكن أن يغيِّر فيها شيئاً. لقد صدرت في مرحلة زمنية معينة، ومثَّلت أسلوب كتابته وأفكاره في تلك المرحلة.
وفي العامين 2020 و2021 سنحت له فرصة قراءة مجموعاته القصصية الخمس للمرة الأخيرة، حين شرع في ضمها داخل كتاب واحد، نُشِر بعد ذلك بعام، أي في 2022، تحت عنوان "الحديقة بيضاء بالياسمين". أمضى رحلة شاقة، فقد طبع بعض النصوص القديمة المكتوبة بخط يده، ومشى في رحلة زمنية بدأت منذ 1993 وحتى 2016، مستمتعاً ومستغرباً بعض قصصه ومتأملاً أماكنها وشخوصها، وكان يتساءل في أحايين كثيرة: كيف كتبتُها؟ يستدرك: "لكنني لم أقرأ حتى الآن مجموعتي القصصية الأخيرة والسادسة "وقت قصير للهلع" منذ صدورها في عام ٢٠٢٢، واكتفيت بقراءة ما كُتِب عنها، وحتى الآن لا أعرف السبب الذي أبعدني عنها".
صلة بالقصائد
أما الشاعرة المصرية المقيمة في باريس زهرة يسري فنادراً ما تعيد قراءة دواوينها بعد صدورها، ومجرد التفكير في قراءة قصائد حتى وسط الأصدقاء يصيبها بالقلق والتوتر.
وتقول: "كل شيء في الحياة من الممكن أن يكون أفضل لكنه ليس كذلك. لا يوجد نص كامل في نظر صاحبه ومجرد نشره هو إعلان صريح بالتخلي عنه وتقديمه للحياة ليكتمل بقراءات الآخرين".
وتضيف: "نصحني صديق كنت أشكو إليه من أنه ليس لديَّ وقت للاشتغال على نصوصي بالتفرغ فقط عشر دقائق كل يوم لخلق صلة بيني وبينها ولتظل عالقة في ذهني طوال اليوم. في تلك المرحلة أعيد كثيراً قراءة ما أكتب وفي كل مرة أشعر بأنه سيئ لدرجة تدعو لليأس وفي نفس الوقت هناك بصيص أمل لأن هذا النقص قابل للإصلاح والتعديل. بالتأكيد تعوقني هذه العادة عن التقدم في الحياة والكتابة لكن بمجرد صدور الكتاب تنقطع صلتي به وأتجنب إعادة قراءته إلا فيما ندر من مناسبات. وانقطاع الصلة هذه شعور شائع بين الكُتَّاب نظراً للمجهود العاطفي والذهني الذي يبذلونه لإخراج العمل".
سلوك كلاسيكي
الشاعر المصري محمد خير يكتب عدة أنواع أدبية، ولذلك فإن السؤال احتاج منه إلى تأمل. يقول: "أكثر ما أقرأ من أعمالي هو مجموعاتي القصصية، لأن حبي للقصة القصيرة كبير، وهي الأكثر وجوداً في مكتبتي، وربما لأنها أهون في القراءة. يليها قصائد دواويني الشعرية لأنني أحب أن أحفظها وألا أنساها، فأنا أفضِّل قراءة القصائد من الذاكرة في الندوات الشعرية، وربما كان هذا طبعاً كلاسيكياً أو سلوكاً مسرحياً، لا أعرف".
أما بخصوص الروايات فلا يتذكر أنه قرأ إحدى رواياته كاملة بعد نشرها. يعلق: "رواياتي مرهقة في كتابتها، ومرهقة أكثر في إعادة قراءتها بعد أن تصدر. لكني أعود أحياناً إليها إذا قرأت نصاً نقدياً عنها يدفعني إلى مطالعة هذا الفصل أو ذاك. أعود أيضاً إذا داخلني هاجس أنني أكرر نمطاً أو حدثاً أو شخصية، العودة هنا مراجعة للتأكد أو لنفي الشكوك، ولكني هنا أتحدث عن ما قبل النشر غالباً".
ويضيف: "أعود لقراءة مقالاتي مراراً لأنها أكثر ما أشارك عادة على مواقع التواصل الاجتماعي (لا أفضِّل كثيراً مشاركة النصوص الأدبية؛ مكانها في الكتب). تدفعني التفاعلات والتعليقات للنظر في المقال مرات أخرى. أو يدفعني إلى ذلك مجرد وجود المقال على شاشة الهاتف، فنحن نقضي أوقاتاً متزايدة على مواقع التواصل. تفرحني تلك العودة أحياناً وفي أحيان أخرى أقول لنفسي كان من الأفضل لو أضفت هذا أو حذفت ذاك. لا تداخلني عادة تلك الشكوك حول كتبي المنشورة لأنني أقضي بالطبع وقتاً أطول في مراجعتها، ولأنها بمجرد أن صدرت صارت في حكم الماضي، لكن لا يمنع أن شعرت في بعض اللحظات أنه كان يمكن إجراء بعض التحسينات".
التساؤل لا الاستمتاع
الكاتب العماني محمود الرحبي يرى أن قراءة الكاتب لعمله لا ترتبط بالاستمتاع أبداً وإنما بالتساؤل، وهل وُفِّق في التعبير عما يشعر به أم هناك زلات؟ يقول: "طبعاً لا يوجد كتاب مكتمل ولكن هناك ما أسميه الشك الصحي الذي يرافق الكاتب بعد أن ينتهي من العمل وفي أثناء مراجعة البروفات. هذا القلق قد لا يختفي حتى بعد صدور العمل، فأنت تقرأه بنفس العين الفاحصة وتنتابك بعض الحسرات. الغريب أن هذا العمل حين يقرأه شخص آخر لا يلتفت إلى ما يلتفت إليه الكاتب، لأنه يقرأ بعين باردة ومحايدة ومستمتعة".
يكتب ويمحو
من جهته يقول الكاتب السعودي محمد العرادي إنه يقرأ المسوَّدة الأولى لعمله مرات ومرات، يتتبع السرد كلمة بعد كلمة، لا يغيِّر في النص تغييرات كبيرة لأنه من البداية يكتب ويمحو حتى يجد الجملة التي ترضيه ولا يترك الأمر للمراجعات اللاحقة، وبعد صفِّ الكتاب للطباعة، يعيد قراءة النص كاملاً حتى يمل منه، ويجد أيضاً برغم كل المراجعات بعض الكلمات أو الجمل التي تحتاج إلى استبدال أو بعض الأخطاء المنطقية أو المعرفية.
ويحكي: "في كتابي "قلق فوات الفرص السانحة" الذي صدر مؤخراً، كان العمل مضاعفاً، بسبب طبيعة النص، الذي ينقسم إلى متن وهوامش جانبية كثيرة تكاد تكون موجودة في كل صفحة، فكان عليّ إضافة لكل المراجعات أن أتتبع الهوامش وأضبط موقعها".
ويقول أخيراً: "بعد الطباعة أقرأ العمل مرة واحدة، وغالباً أجد ما أظن أني أحتاج إلى تعديله، يبدو لي هاجس التعديل والتحسين مثل وحش لا يموت ويطارد الكاتب. وتكون هذه هي القراءة الأخيرة التي لا أعود بعدها إلى العمل".
ليتني أبدلتها
الكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي يقول بدوره: "أرتاح لرؤية أغلفة إصداراتي على أرفف المكتبات، مثل أورهان باموق في بداياته، لكن إن تجرأت وفتحت وبدأت أقرأ، هنالك يكون سيناريو آخر. إذ أفكر وأنا أقرأ: من أين أتيت بهذه المعلومة؟ فطول العهد أنساني، وأظل متوتراً حتى أتأكد من صحتها، أو أواجه فقرة، أو عبارة، أو حتى كلمة، فأقول: ليتني أبدلها. لا يوجد عمل لا يمكن أن يكون أفضل عند الاشتغال عليه".
عبد الوهاب يتذكر أن محاوراً سأل نجيب محفوظ مرة: لو كان بإمكانك التفرغ للأدب ماذا كنت ستفعل؟ ورد عليه: "سأجد حينها وقتاً لأجوِّد أعمالي". يعلق: "لذا، في حقيقة الأمر، لا بد أن أُكرِه نفسي على تصفح أعمالي المنشورة بين حينٍ وآخر، لأنها، وبكل جرأة، ترشدني لعيوبي. وأراها حينها جلية، وأندم وأعزم ألا أقترفها ثانية. الأمر ليس سهلاً، بل يحتاج لشيء من الشجاعة. لذلك، عندما أشعر بتوفرها، أفتح الرواية وأبدأ في القراءة، بمزيج من الخجل، والإحساس بالتسرع في النشر، والندم على مصطلح معين، وأمور كثيرة، لكني أتعلم من أخطائي".
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
من الأذن إلى العقل.. ثورة كورية في قراءة الأفكار
#سواليف
طور #باحثون_كوريون جنوبيون، بدعم من شركتي #سامسونغ وMedical AI، نموذجا أوليا لسماعات أذن ذكية تستطيع تسجيل #النشاط_الكهربائي_للدماغ عبر #مستشعرات مدمجة داخلها.
وتهدف هذه التقنية المبتكرة إلى جعل مراقبة #وظائف_الدماغ أكثر سهولة وراحة في الحياة اليومية.
تعتمد #السماعات على أقطاب كهربائية جافة صغيرة الحجم مُثبَّتة داخل #الأذنين، لتقيس إشارات الدماغ المرتبطة بمستويات الانتباه، والنعاس، بل وحتى تفضيلات المستخدم. وخلافا لأجهزة تخطيط كهربية الدماغ (EEG) التقليدية التي تتطلب خوذات ضخمة وغير عملية، فإن تصميم هذه السماعات يجعلها مناسبة للاستخدام أثناء العمل، التنقّل، أو حتى أثناء النوم.
مقالات ذات صلةبمجرد جمع البيانات، تُرسَل إشارات الدماغ إلى الهاتف الذكي، حيث يحلّلها الذكاء الاصطناعي لاستخلاص معلومات مفيدة. وقد أظهرت الاختبارات الأولية أن النظام قادر على التنبؤ بدقة تصل إلى 100% بما إذا كان المستخدم يفضّل مقطع فيديو أو أغنية معينة، كما يمكنه تحديد لحظات انخفاض التركيز بدقة عالية.
وتحمل هذه التكنولوجيا وعودا كبيرة في مجالات متعددة؛ إذ قد تُستخدم لمساعدة السائقين على الحفاظ على يقظتهم، ودعم الطلاب وموظفي المكاتب في تحسين تركيزهم، فضلا عن تطبيقاتها المحتملة في تقييم جودة المحتوى الترفيهي، مراقبة فعالية أساليب التعليم، وحتى تشخيص اضطرابات النوم.
رغم أن المشروع لا يزال في مرحلة النموذج الأولي، إلا أن الأداء الذي أظهره يضاهي دقة الأجهزة الاحترافية المستخدمة في مختبرات الأعصاب، مما يفتح آفاقا واسعة لدمج مراقبة النشاط الدماغي في الأجهزة الاستهلاكية اليومية.