"المسرَّة" تداوي المضرة
تاريخ النشر: 10th, August 2025 GMT
سعيد بن حميد الهطالي
يقفُ مستشفى المسرة كواحة للسكينة وسط عواصف النفس البشرية وما يعتريها من متاعب، هناك حيث تهدأ الضوضاء الخارجية ليعلو صمت آخر أكثر صدقًا، وأكثر قسوة، وأكثر حاجة للإنصات، في المسرة لا يقاس وجع الإنسان بدرجة حرارته لكن بدرجة غربته عن ذاته، يعرف القائمون على ذلك المكان أن الداء لا يكمن دائمًا في الجسد، أحيانًا يسكن في فكرة خاطئة عششت في العقل طويلًا حتى ظنها صاحبها حقيقة، وأن الخوف لا يأتي من الظلام؛ بل مما نجهله عن أنفسنا حين نصبح غرباء عن دواخلنا، وكل عقل مكسور كان يومًا قلبًا لم يفهم.
ليس الاختلال النفسي كسرًا في العظام يرى بالعين، لكنه شق خفي في النفس يحمل في صمت، فكما لا يختار أحد أن يصاب بكسور جسدية كذلك لا يختار أن ينهك قلبه أو عقله، لكننا نتعاطف مع الجراح الظاهرة بينما نغفل عن الكسور التي تستتر في القلب والعقل، ليس كل من جلس في زاوية وحده مهزومًا، بعضهم فقط جلس ليرمم ما أفسده الضجيج من الداخل، من يبكي بلا سبب غالبًا يحمل في داخله ألف سبب لم يمنح فرصة شرحه!
العلاج النفسي لا يُعيد الإنسان إلى ما كان عليه إنما يساعده ليصير ما يفترض أن يكون قبل أن تكسره الحياة!، فالإنسان لم يخلق ليرضي العالم؛ بل لتحيا روحه حرة تتنفس دون قيود، كم منا يخاف أن يهمس بألمه فيختزنه في أعماقه كجرح لا دواء له سوى الاعتراف به بحرية!
إنَّ المجنون في أعين الناس قد يكون الوحيد الذي تجرأ على أن يصرخ بما نخشى نحن حتى أن نهمس به؛ فهناك ألم لا دواء له إلا الاعتراف بوجوده!
في أعماق كل واحد منا صمت طويل، سؤال ينتظر الاعتراف، هل أنا بخير؟ هل أنا على ما يرام؟ أحيانًا لا يحتاج الإنسان إلى نصيحة إنما إلى يد رحيمة أو كلمة حانية، أو حضن صادق يخبره أن ضعفه لا يقلل من قيمته، وإلى نفس عميق من الإيمان حتى ينهض، وأن القلب لا ينكسر لأنه ضعيف لكن لأنه تحمل أكثر مما يحتمل، الحياة لا تجرحنا بأحداثها تجرحنا بعجزنا عن قول " أنا أتألم" بصوت مسموع.
في أعماق كل إنسان منا مستشفى صغير فيه غرف للنسيان، وأخرى للأمل، وثالثة للصفح، ورابعة للجرح! بعضنا يقفل أبوابها ظنًا منه أن التجاهل سيذيب الألم لكن الجرح الذي لا يداوى يظل يطرق على أبواب وعينا حتى نلتفت إليه.
يا عزيزي! لا يجدي الدواء وحده ما لم يزك القلب بذكر الله، فهو القائل سبحانه "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28)، فنحن بحاجة إلى طمأنينة القلب التي لا تأتي من مسكنات الألم وحدها إنما من اتصالها بمصدر الحياة بذاته، من السجود الخاشع، ومن لحظة يقين أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، هو الشفاء الذي لا تمنحه المسكنات العابرة.
ليست رحلة الشفاء طريقًا نسير فيه وحدنا، حتى لو بدا كذلك؛ فهناك يد غيبية تمتد إلينا، وتمسك بنا في اللحظة التي نظن أننا بلغنا القاع، وهناك دومًا بصيص أمل ينتظر انفتاح القلب فرصة للعودة مهما ابتعدنا، المهم أن نفتح قلوبنا للنور، ونكسر جدار الصمت، ونمنح أنفسنا الحق في أن تشفى.
أتمنى أن أراكم دائمًا بخير...!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استطلاع: أغلبية الألمان يؤيدون الاعتراف فورا بدولة فلسطين
كشف استطلاع جديد للرأي أن أكثر من نصف الشعب الألماني يؤيدون اعتراف برلين فورا بدولة فلسطين خلافا للموقف الرسمي لحكومتهم.
وأظهر الاستطلاع -الذي أجرته شركة فورسا لصالح مجلة السياسة الدولية الألمانية- أن 54% من المشاركين فيه أجابوا بـ"نعم" على سؤال: هل ينبغي لألمانيا الآن الاعتراف بدولة فلسطين؟
بالمقابل، أظهرت نتائج الاستطلاع أن 31% فقط من المشاركين رفضوا فكرة اعتراف ألمانيا بدولة فلسطين.
وبحسب الاستطلاع، فإن نسبة الراغبين في اعتراف ألمانيا بدولة فلسطين في المدن الغربية للبلاد تبلغ 53%، في حين وصلت هذه النسبة إلى 59% بالمدن الشرقية.
استطلاع آخروكان استطلاع رأي آخر أجرته مؤسسة "دويتشلاند تريند" وصدرت نتائجه يوم الخميس الماضي أظهر أن 66% من الألمان يريدون من حكومتهم ممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل لتغيير سلوكها تجاه غزة.
وهذه النسبة أعلى مما كانت عليه في أبريل/نيسان 2024 حين أظهر استطلاع رأي أجراه معهد فورسا أن نحو 57% من الألمان قالوا إن على حكومتهم تشديد انتقادها لإسرائيل على أفعالها في غزة.
ويعتقد 47% من الألمان أن حكومتهم لا تفعل كثيرا للفلسطينيين، مقابل 39% يرفضون ذلك، حسبما أظهر الاستطلاع.
ويشعر 31% فقط من الألمان أن لديهم مسؤولية أكبر تجاه إسرائيل بسبب الأحداث التاريخية -وهو مبدأ أساسي في السياسة الخارجية الألمانية- في حين يرى 62% من الألمان غير ذلك.
يذكر أن الحكومة الألمانية ترى أن الاعتراف بدولة فلسطين هو إحدى الخطوات الأخيرة التي يجب اتخاذها على طريق تحقيق حل الدولتين.
ويتصاعد حراك الاعتراف بدولة فلسطين على خلفية حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل بدعم أميركي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وأواخر يوليو/تموز الماضي أطلقت 15 دولة غربية -بينها فرنسا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والبرتغال- نداء جماعيا للاعتراف بدولة فلسطين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، ونشرته الخارجية الفرنسية على موقعها الإلكتروني.
إعلانوقبل ذلك، قال رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر صحفي إن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول المقبل إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروع بقطاع غزة.
الدول المعترفة بفلسطين
وبلغ عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين 142، بما فيها فرنسا التي أعلن رئيسها إيمانويل ماكرون في 24 يوليو/تموز الماضي عزمه الاعتراف رسميا بها في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل.
ووفق إحصاء لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن 10 دول -آخرها فرنسا- قررت الاعتراف بدولة فلسطين بعد بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي عام 2024 أعلنت 4 دول من منطقة البحر الكاريبي (جزر البهاما وبربادوس وجامايكا وترينيداد وتوباغو) و5 دول أوروبية (أرمينيا وإسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا) الاعتراف بدولة فلسطين.
وألغت 4 دول اعترافها أو عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، اثنتان من الكتلة الشرقية السابقة هما المجر والتشيك اللتان تعتبران أنهما لا تعترفان أو لم تعودا تعترفان بدولة فلسطين كما كان الحال في عام 1988، تماشيا مع الاعتراف السوفياتي.
وبرز تيار شعبي ورسمي في العالم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة مناهض للاحتلال وداعم للقطاع تمثل في إعراب حكومات عدة نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، وفي مظاهرات طلابية وشعبية بدول كثيرة.