لم أنم في الليلة التي استشهدَ فيها الصحفي الفلسطيني أنس الشريف. أدركُ أنني أعاقب نفسي حتى في اللحظات التي أشعر فيها بالانكسار والهزيمة جراء ما يحدث في غزة، كأنه من غير الممكن ولا الأخلاقي أن أشعر بما أشعر به، ربما لأن تلك المشاعر تعني قدرًا من «التنفيس» الذي أظن بأنني لا أستحقه. لكنني عرفتُ بأن هذا الحدث مختلف على نحوٍ ما عن تلك الجنازات التي أفجعتنا خلال هاتين السنتين، بدت هذه الجريمة المروعة كما لو أنها «ذروة».
أنس لم يكن مراسلًا رسميًّا للجزيرة، بل صحافي مستقل يعمل هنا وهناك، كان يصور المجازر بداية الحرب وينقلون إليه الصورة لوصوله إليها. قبل أن يُصبح مراسلًا ملأ بجدارة مكان الدحدوح بعد إصابته واستشهاد أبنائه ومآس أخرى، أنس ذو الثمانية والعشرين عامًا، لا يتوقف عن النشر في حساباته وهو هناك مُعلقٌ في مربع أحمر على الشاشة، أنس يبكي، أنس عندما كنا ننتظر خبر الهدنة قبل أشهر، قال بأنه ينتظر خلع خوذة الصحفيين التي يرتديها، تحيط به مجموعة من الشباب الذين يريدون أن يظهروا في الصورة، وآخرون يهللون، فيما يبدو بعضهم كما لو أنهم انتظروا طويلًا، انتظارًا لن نعرف طبيعته، انتظروا ماذا؟ ليس هذا ما يهم حقًا، وهذا ما تقوله أعينهم أيضًا. خلع أنس الخوذة فعلًا، وحملوه على الأكتاف، وكنتُ وغيري قد صنعنا أملًا كاذبًا بأن يخلعها مجددًا عما قريب، كأنما هو من سيعلن نهاية هذه المأساة، نصبناه هناك ولم يخطر على بالنا أن يُغتال هو الآخر، هل أستطيع كتابة فكرة مخزية، فظيعة، يصعب عليّ الاعتراف بها أمام نفسي، لكنني سأكتبها هنا: ألم يبدو أنس الشريف منيعًا من الموت؟ وباستشهاده ألا يعني ذلك أنه ما من نهاية لهذا؟
جاءت صديقتي «أ» إلى مسقط قبل ثلاثة أسابيع وكانت قد غادرت غزة بعد ستة أشهر من الإبادة، ووجدتْ نفسها مثل الكثيرين عالقة في مصر، من دون أي وثائق ولا فرصة للحصول عليها، يحاسبون من النظام على أي يوم يقضونه في البلاد بعد فسحة ٤٠ يومًا التي حدد فيها القانون المصري مدة فيزا سياحة الفلسطينيين والتي لا يحصلون عليها بسهولة.
تقضي صديقتي معظم وقتها معي، لا أعرف ما الذي يمكن قوله عما يحدث، وهي أيضًا لا تتحدث عن الأمر، وعندما أسألها عن بقية أسرتها التي ما زالت في «خيم» غزة، تقول إنهم بخير كمن يريد إنهاء الحديث. ليست وحدها من تفعل ذلك، معظم أصدقائي الغزيين يتصرفون بالطريقة نفسها. لا يمكن أن يشاركني محمد اللاجئ لإسطنبول منذ ٦ سنوات لم يستطع فيها العودة لغزة؛ لتعقيدات السفر اللانهائية، بأن عائلته تموت من الجوع في هذه الأثناء. ما زلتُ أتذكر هلِعة وقتًا كنا نقضيه معًا، رجالًا ونساءً لم يجدوا ملاذا لهم عدا إسطنبول عندما كانت تسمح للفلسطينيين وغيرهم ممن جاؤوا مما يسمونه «المناطق المنكوبة» بالإقامة فيها. كنا نعمل على حواسيبنا المحمولة، عندما تلقى خبر استشهاد قسم كبير من عائلته، تلك النظرة الفارغة، التي لم تصحبها أي كلمة، قبل أن يصل الخبر عبر جوالات بقية الأصدقاء، أغلق محمد نافذة صفحة الأخبار، أعاد فتح المتصفح على موقع يعمل على برمجته. ولم يتحدث أحد منا عن الأمر.
أسأل صديقتي عندما أتحلى بشيء من الجرأة، كيف تتعاملين مع الأمر؟ أقصد كيف تمشين، تأكلين، يمكن أن تتحدثي، إذا قضت الحاجة أن تعملي على كتابة ملف عن التغير المناخي وحقوق الإنسان، ستفعلين ذلك أيضًا. كان صمتها ثم تباطؤها في الرد بعد لحظة شرود، إجابة وافية، لكنها ترد: «مش عارفة». وفي الأوقات النادرة التي تبادر فيها للحديث عما يحدث هناك، تتحدث عن خلافات اجتماعية يومية عندما بدأت رحلة التنقل داخل غزة نفسها من منطقة لأخرى هربًا من القتل؛ فلانة خبأت التفاح لزوجها وأبنائها، كنا نتوقع أننا أسرة واحدة، ألا ينبغي أن تشاركنا؟ يصدر عن صديقتي بينما تتحدث عن هذا انفعال طفيف.
لا أعرف حتى هذه اللحظة كيف يمكن تفسير ذلك. أين هي الحرب؟ الأشلاء الممزقة؟ محمد مثلًا استشهدت أخته وأبناؤها في الأيام الأولى من الإبادة، «أ» فقدت الكثيرين وتدرك أنها ستفقد البقية عاجلًا أم آجلًا. والمفجع أن ذلك ليس هربًا من الواقع، لا توجد في هذا السلوك ذرة إنكار واحدة.
تنفعل صديقتي بشدة لأمر واحد فحسب، «مكتبتها». وحتى هذا الانفعال له طريقته الخاصة؛ إذ إنها لم تتوقف منذ أول يوم خرجت فيه من غزة عن شراء الكتب التي قرأتها بالفعل، لا يثير اهتمامها أي إصدار جديد، بعض الكتب قرأتها أكثر من مرة، لكنها تحاول بكل الطرق الحصول عليها، إذا لم تكن متوفرة في القاهرة، تطلب مني تسلّم الكتب من مواقع لبيع الكتب مقتصرة على دول الخليج. سُوِّي بيت صديقتي وعائلتها بالأرض في الأسبوع الأول، بعد أن تم حرقه.
تعرّفت على صديقتي هذه من سؤالها لي عن اقتباس شاركته على حسابي عام ٢٠١٩. سنصبح مقرّبتين بسبب ذوقنا المماثل تمامًا في الكتب. كنتُ أسبقها دومًا في قراءة الكثير من الكتب، إذ إنها في غزة المحاصرة لا يمكن أن تحصل عليها، تنتظر أحيانًا نسخة مقرصنة، أو خدمة مدفوعة للقلة الذين يتمكنون من مغادرة غزة والعودة إليها. لكنني الآن لا أعرف ما الطريقة المناسبة للتعامل مع مسألة القراءة هذه؟ أذعن لرغبتها في إعادة اقتناء الكتب نفسها، أبحث لها عن نسخة متوفرة لديّ إذ اعتدتُ على اقتناء أكثر من نسخة لكتاب أحبه.
عندما أُعلن خبر استشهاد أنس، كتبتْ لي عن الكتب «صرت أتعب من فكرة انه كانوا عندي وبرجع أجيبهم، وحاسة هلّق إني وقعت في حفرة وبدي أقعد أموت لحالي»، بعدها بساعات كنتُ معها، لم نتحدّث عن أنس، لكنها وبينما نتحدث كانت تضع في سلة مشتريات متجر كتب إلكتروني كتبًا لاستدراك ما حُرق؟ عدا أن ثمن الكتب باهظ جدًا فإن تكلفة شحنها غير معقولة. لذا استدركتْ حديثنا وقالت لي، أمل ما الذي أتنازل عنه الآن؟
تنتظر صديقتي مثل غيرها من الغزيين والغزيات أي فرصة للعبور إلى فردوس «أوروبا» لا لشيء سوى إمكانية الحصول على جنسية، وثيقة يتحقق بها وجودهم في عالمنا الوضيع هذا، كل الأماكن طارئة بالنسبة لهم، لا يشترون في العادة أي شيء، إذ إنهم سيخلفون ما يشترونه وراءهم. أخبرتني أنها غلّفت الكثير من الكتب التي اشترتها في مصر ووضعتها في مكان «آمن» في شقة والديها الفارين من غزة أيضًا. تُرى أين ستضع كتبها هذه؟ هل هي مشروع لاختراع مكتبة أبيدت، حتى تُباد ثانية؟ إعادةٌ لمشهد كان عليها أن تنتصر فيه؟ أم أن في ذلك العزاء الأخير الذي يقول لها عن تاريخها الشخصي شيئًا، أي شيء في الوقت الذي لم يعد في غزة أي شيء.
كانت معي بينما أفكّر فيما سأكتب لمقالي الأسبوعي هذا، قلتُ لها بعد أن جلسنا صامتتين وقتًا طويلًا، تُرى عن ماذا أكتب؟ هل يمكن قول أي شيء، كنتُ ومن الليلة الفائتة منذ خبر الاستشهاد أبكي بلا انقطاع، وفي بعض الأحيان أنفصل تمامًا عن الواقع، إذ لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًّا، وإن كان كذلك فكيف يمكن أن يكون معقولًا، كانت تلك ليلة تاريخ ميلادي، تلقيت الخبر بعد ثلث ساعة بتوقيت مسقط من بداية اليوم، ١٢:٢٠ صباحًا، كنتُ قد شاركتها قبل أيام عدم تحمّلي الإشارة للأمر، عرفت من حسابي الخاص على «إكس» أنني محطمة بتلقي الخبر، لكنها لم تقل شيئًا عن ذلك، بعثت لي في أول رسالة بيننا تخبرني فيها عن محبتها لي وامتنانها لهذا التاريخ الذي ولدتُ فيه. لم تكن لتعقّب على فاجعة أنس والآن بينما أكتبُ المقالة تقول: «عطيني خيارات لموضوعات حتى أساعدك» صمتنا، ثم قالت وهي محرجة للغاية ومترددة جدًا كما لو أنها شخص مُتطلب: «هو انتوا بينفع تكتبوا في عُمان وبيطلع بإعلامكم عن أنس؟ اكتبي إذا فيك عن أنس لكن ضروري كمان تحكي عن الشباب الصغار الإعلاميين برضو اللي استشهدوا معه، حزنانة انه محد بيحكي عنهم.. أوف بحسني سيئة وأنا بحكي هيك كأني بسيء لأنس.. خلص إذا فيك اكتبي عن أنس». كان هذا ما شرعت في كتابته، لم أستطع تقبُّل أيٍّ مما كتبت، ثم قادني أنس إليها، كما قادتني إلى الكثيرين من أنس، الكثيرين جدًا للحد الذي تُصر فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي على تصفيتهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: یمکن أن أی شیء عن أنس
إقرأ أيضاً:
أنس الشريف ورفاقه.. حكاية طاقم الجزيرة الذي قتل أمام العالم
في مساء الأحد، العاشر من أغسطس/آب 2025، تحوّلت خيمة صغيرة أمام مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة إلى رماد بعد استهداف مباشر، لتسقط معها 5 أسماء لم تكن مجرّد بطاقات صحفية، بل كانت قلوبا تنبض بالكلمة والصورة والحقيقة.
استشهد مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، والمصورون إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل، في لحظة صادمة كشفت حجم المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون في ميادين غزة، وحجم الثمن الذي تدفعه الحقيقة على أرض محاصرة.
كان الطاقم يوثق مشاهد المعاناة اليومية في محيط أكبر مستشفى في القطاع حين باغت الانفجار المكان، تاركا صدى صفير قصير أعقبه صمت ثقيل.
وأظهرت الصور التي تسربت من موقع الخيمة سترات صحفية زرقاء ملطخة بالغبار والدماء، وكاميرات تحوّلت إلى شواهد صامتة على ما جرى.
وقد وصف الصحفي والمراسل الميداني باسم الأغا الموقف قائلا: "كنا نعرف أن القصف يقترب، لكننا لم نتوقع أن يطال خيمتنا".
وروى المصور الميداني سالم أبو صقر المشهد قائلا: "سمعنا صوت الانفجار، ثم غبار كثيف يغطي كل شيء.. كنت أبحث عن الكاميرا التي سقطت من يد مؤمن عليوة".
وأشار مدير مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية إلى أن الاستهداف أسفر عن سقوط ضحايا آخرين في فناء المستشفى، وأن الوصول إلى المكان كان صعبا بسبب استمرار الاشتباكات في محيطه.
وفي منزل متواضع، جلست والدة أنس الشريف تحتضن صورته وتقول بصوت متهدج: "كان يخرج كل صباح ولا أعرف إن كان سيعود.. لكني كنت أعرف أنه سيعود بخبر من أجل الحقيقة".
وفي بيت آخر، روى أشقاء محمد قريقع آخر مكالمته معهم قبل نصف ساعة من القصف، حين طمأنهم قائلا: "لا تقلقوا.. نحن بجانب المستشفى". دقائق قليلة حولت المستشفى إلى ساحة مأساة.
إعلانوفي جنازات حاشدة اختلطت فيها الدموع بالهتافات، حمل المشيعون نعوش أنس الشريف ومحمد قريقع ورفاقهما وسط شوارع غزة، ورفرفت لافتات كتبت عليها عبارة "قتلوا الكلمة.. لكن الصورة باقية" فوق الجموع، في حين ردد المشاركون هتافات تطالب بمحاسبة من ارتكب الجريمة.
وكانت الكاميرات الملطخة بالدماء تتقدم المشهد، رمزا لصوت لم ينجح القصف في إسكات صداه.
صوت أنس الأخيرقبل دقائق من استشهاده، خط أنس الشريف على منصات التواصل "يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهد وقوة لأكون سندا وصوتا لأبناء شعبي.. لم أتردد يوما في نقل الحقيقة كما هي، بلا تحريف أو تزييف".
وأوصى بفلسطين التي وصفها بـ"درة تاج المسلمين، ونبضَ قلب كل حر في هذا العالم"، مضيفا "أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يمهلهم العُمر ليحلموا ويعيشوا في أمان وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران".
وخاطب الأحرار قائلا: "لا تدعوا القيود تُسكتكم، ولا الحدود تُقعِدكم، وكونوا جسورا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمس الكرامة والحرية على أرضنا السليبة".
وقبل النهاية، أوصى الشريف بأهله ابنته وابنه ووالدته وزوجته، ليختم وصيته بإقرار راض بقضاء الله ثابتا على المبدأ حتى آخر لحظة، داعيا أن يكون دمه نورا يضيء درب الحرية لشعبه، ومؤكدا أنه مضى على العهد دون تغيير أو تبديل.
لم تكن كلماته الأخيرة مجرد وصية، بل شهادة مهنية وإنسانية، تروي قصة مراسل واجه القصف والجوع والحصار، ليبقى نافذة غزة التي تطل على العالم.
القانون الدولي أمام اختبار الضميريؤكد خبراء القانون الدولي أن استهداف الصحفيين في مناطق النزاع يشكل انتهاكا صريحا لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية، التي تنص بوضوح على اعتبار الصحفيين المدنيين أشخاصا محميين ما لم يشاركوا بشكل مباشر في أعمال قتالية.
وشدد المحامي الفلسطيني المختص بالقانون الدولي سامر الدحدوح على أن "مجرد تواجد الصحفي في منطقة حرب لا يسقط عنه صفة الحماية القانونية"، موضحا أن أي ادعاءات بخلاف ذلك "تتطلب تحقيقات مستقلة وموثقة، وإلا فإنها تتحول إلى ذرائع لتبرير القتل".
وفي حين زعم الجيش الإسرائيلي أنه استهدف "قائد خلية" من حماس كان يتنكر بزي صحفي، مدعيا العثور على "وثائق" تثبت ذلك، طالبت منظمات حقوقية أممية بإثبات هذه المزاعم أمام تحقيق مستقل، مؤكدة أن استهداف الصحفيين المدنيين يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
ووفقا للمتحدثة باسم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف رافينا شامداساني أواخر عام 2023، أكدت أن استهداف الصحفيين "ليس فقط جريمة محتملة ضد أفراد، بل هو اعتداء مباشر على حق الجمهور في المعرفة".
وأشارت إلى أن القانون الدولي الإنساني يفرض على الأطراف المتحاربة "اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إصابة المدنيين، بمن فيهم الصحفيون، حتى في مناطق العمليات النشطة".
إدانة جرائم الاحتلالأدانت شبكة الجزيرة العملية ووصفتها بأنها "اغتيال متعمّد" و"هجوم مُسبق التخطيط على حرية الصحافة".
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، اليوم الاثنين، إن الاستهداف المتعمد للصحفيين لا يحجب الوقائع الفظيعة التي ترتكبها إسرائيل بشكل ممنهج في غزة.
إعلانوأضاف رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري -في تدوينة عبر حسابه على منصة إكس- أن هذا الاستهداف "يبرهن للعالم أجمع أن الجرائم المرتكبة في غزة فاقت كل التصورات، في ظل عجز المجتمع الدولي وقوانينه عن إيقاف هذه المأساة".
وكان المدير العام لشبكة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، في وقت سابق خلال منتدى الجزيرة الـ16، في فبراير/شباط 2025 أدان استهداف الصحفيين في مناطق النزاع، مؤكدا أن الصحفيين الذين يؤدون مهامهم المهنية لا يجب أن يُستهدفوا أو يُتهموا بالإرهاب لمجرد قيامهم بواجبهم.
وقال إن الجزيرة تعرضت لاستهداف مباشر، شمل قتل مراسليها وإغلاق مكاتبها، في محاولة لإسكات صوتها، مؤكدا في كلمته على أن تضحيات مراسليها لم تذهب سدى، ومشيرا إلى أن الشعوب حول العالم تحركت للتعبير عن تضامنها مع الفلسطينيين ضد المجازر التي يتعرضون لها، وذلك بفضل الصورة التي نقلها هؤلاء المراسلون بشجاعة ومهنية.
كما شدد على أن الشبكة ستواصل التزامها بنقل الحقيقة بأمانة واحترافية، رغم الضغوط والتحديات والتضحيات.
رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية @MBA_AlThani_ يتلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس وزراء هولندا#الخارجية_القطرية pic.twitter.com/TFQEWt4TQk
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) August 11, 2025
خوف لا يمنع الكلمةبعد استشهاد أنس الشريف ورفاقه، يعيش الصحفيون في غزة بين جرح الحزن وثقل الخوف، يبدأ كثير منهم يومهم بكتابة وصايا لأسرهم تحسبا لاحتمال عدم العودة، ومع ذلك يصرون على البقاء في الميدان لنقل الحقيقة.
وقد بات هذا الإصرار الذي يتحدى الخطر اليومي أشبه بمقاومة موازية للمقاومة المسلحة، لكنها بالكلمة والصورة، وفي مكاتب الجزيرة في الدوحة وغزة، تتجاور صور الشهداء مع كاميراتهم الملطخة بالدماء، في رسالة صامتة تؤكد أن المهنة لا تنتهي برحيل أصحابها.
استشهاد طاقم الجزيرة في غزة لم يكن مجرد خسارة مهنية، بل كان جرحا مفتوحا في ضمير الإنسانية. وهو يذكّر باغتيال شيرين أبو عاقلة وغيرها، ويؤكد أن الإفلات من العقاب يغذي تكرار الجرائم، ولقد تحولت الكلمة التي حملها أنس الشريف ورفاقه إلى وصية في عنق كل صحفي وكل إنسان حر: أن تبقى الحقيقة حيّة مهما حاول الرصاص إسكاتها.
وفي عالم تتباهى فيه المواثيق الدولية بحماية الصحفيين، يظل السؤال المرير قائما: ما قيمة هذه المواثيق إذا كان الصحفي يُقتل أمام الكاميرا بلا محاسبة؟