على العالم أن يوقف نتنياهو عن ملاحقة وهمه..
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
تعجز الكلمات أن تصف ما يعتري المرء من ألم إذ يرى أبناء شعبه يتحطمون على مدى أكثر من ستمائة وسبعين يوما. ويصعب على المرء أن يتصور تصعيدا إسرائيليا آخر بعد شهودنا على كل تلك المعاناة وكل تلك الجرائم المقترفة في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. كيف يتسنى حدوث هذا، طوال هذا الوقت، على مرأى ومسمع من العالم؟ وهل سيكتفي العالم بالمشاهدة؟
لقد أعلن مجلس إسرائيل الأمني هذا التصعيد حينما أقر خطة «الاحتلال الكامل» لقطاع غزة ومهاجمة تجمعات السكان ابتداء بمدينة غزة نفسها.
وكل هذه الأفعال تمثل انتهاكات لثلاثة أحكام متعلقة بالإبادة الجماعية صادرة عن محكمة العدل الدولية في يناير ومارس ومايو من عام 2024. لقد أشارت محكمة العدل الدولية إلى خطر الإبادة الجماعية في يناير من عام 2024 وحددت إجراءات يجب على إسرائيل اتباعها للحيلولة دون ارتكاب إبادة جماعية، من بينها توفير المساعدات الإنسانية بشكل غير محدود. ووفقا لجميع الروايات، انتهكت إسرائيل جميع هذه الإجراءات. وسيكون الهجوم على غزة آخر أطوار حملة إسرائيل للإبادة الجماعية في غزة.
في أعقاب السابع من أكتوبر مباشرة، قال قادة وساسة ومقاتلون وجنود إسرائيليون مرارا إنهم سوف يدمرون غزة ويحرقونها ويسوونها بالأرض. ومضوا إلى تنفيذ ذلك: فدمرت إسرائيل فعليا 90% من قطاع غزة، وأحالوها إلى أرض خراب، وكدسوا الشعب في 12% من الأرض، ملقين بهم في أتون ظروف غير إنسانية لا تلائم بقاء البشر. وبحصار القطاع وقصفه، لم تدع إسرائيل مكانا آمنا للمدنيين ولم تترك لهم مخرجا من غزة. وسوف يكون معنى الهجوم على بقية التجمعات السكانية في مدينة غزة أو دير البلح أو المواصي هو المزيد من المجازر والتشريد الجماعي وفرض المزيد من الظروف غير الإنسانية التجويعية اليائسة بما يفضي إلى الدمار المادي.
ما غاية إسرائيل النهائية من ذلك كله؟ تقول إسرائيل إن احتلال غزة سوف يكون «مؤقتا». ولكننا بتنا نعرف هذا الخطاب الأورويلي التي يخفي حقيقة النوايا. إذ عرفنا ذلك من قبل في عام 1967 حينما شرعت إسرائيل في «احتلال مؤقت» لأراض فلسطينية وسورية. وبات الاحتلال دائما. ولذلك السبب أعلنت محكمة العدل الدولية في يوليو من عام 2024 أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة غير شرعي وفيه انتهاك لأعراف القانون الدولي الإنسانية الأساسية ومنها حظر ضم الأراضي بالقوة، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وحظر الأبارتيد أو الفصل العنصري.
وفقا لمحكمة العدل الدولية، كانت إسرائيل تحتل غزة بالفعل حتى قبل السابع من أكتوبر 2023 حارمة الفلسطينيين من حريتهم حتى وهم في وطنهم. ويعني هذا أن نية «الاحتلال الكامل» لغزة في أغسطس 2025 لا يمكن إلا أن تكون تعبيرا آخر في سياق الإبادة الجماعية.
ويعني أن إسرائيل ترمي إلى تحقيق وهم مشيحاني ومشروع إجرامي هو مشروع «إسرائيل الكبرى»، بهدف الوصول إلى «القدر الأكبر من الأرض بالقدر الأدنى من العرب». ويتضح هذا الهدف أيضا في فرض النزوح القسري مرات عديدة في الضفة الغربية والدعوات إلى «إعادة استيطان» غزة. فبنيامين نتنياهو لا يسعى إلى تحرير غزة من حماس، وإنما يسعى إلى تفريغ غزة من الشعب الفلسطيني. ولقد قالت الأمم المتحدة بالفعل في يناير من عام 2024 إن غزة أصبحت غير صالحة للسكن. وفي أوائل نوفمبر من العام نفسه، قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق ـ المطلوب من محكمة الجنائية الدولية ـ يوآف جالانت مرارا إنه لم يبق من شيء في غزة يفعله الجيش. فلو أن الأمر كذلك، ما الذي يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة منذ ذلك الحين؟
إن نوايا إسرائيل واضحة. ففي يناير من عام 2024، شدد نتنياهو ـ الهارب الآخر من العدالة الدولية ـ رفضه الدائم لقيام دولة فلسطينية، وأيدت أغلبية كاسحة في الكينيست موقفه في يوليو من عام 2024. وفي أبريل من العام نفسه وبخت الأمم المتحدة إسرائيل لتوسيعها «المنطقة العازلة» في غزة لأن ذلك كان يعني الإجلاء الدائم للشعب.
في مايو 2025، وفقا لجريدة تايمز أوف إسرائيل، قال نتنياهو إن إسرائيل تدمر بيوت غزة لكي لا يكون للفلسطينيين ما يرجعون إليه فيضطرون إلى مغادرة وطنهم. وفي يوليو من عام 2025، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي إسرائيل كاتز خطة لأطلال رفح قارنها رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بـ«معسكر الاعتقال». وفي الأشهر الأخيرة، كان النشاط الأساسي لإسرائيل في غزة هو التدمير الممنهج للمباني من خلال مقاولين حصلوا على أجور جيدة.
في ضوء هذا، تفهمون معنى تصريح نتنياهو بأن «غزة» (لا حماس) «لن تمثل خطرا»، وتفهمون ما دعا مجلس الوزراء إلى أن يقرر رفض قيام السلطة الفلسطينية المطيعة التابعة لفتح بأي دور في غزة. فالأمر لا يتعلق بحماس، ولا بأي أهداف عسكرية، ولا بالرهائن الذين طالما خرب نتنياهو إطلاق سراحهم. وإنما الأمر بالأحرى حملة إبادة جماعية تستمر في إنكار الحرية على الفلسطينيين والسعي إلى فرض سيادة يهودية من النهر إلى البحر.
وفي حين تعد إسرائيل بالمزيد من التصعيد، فإنها تحقق وعد وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش الوحشي في أبريل من عام 2024 بـ«الدمار التام». ولقد فشل الغرب على مدى عقود في اختبار حقوق الإنسان والقانون الدولي، وظلت إسرائيل تزيد من وحشية احتلالها وتعزز نظام الأبارتيد على الشعب الفلسطيني. ولن تستطيع بلاد غربية من قبيل المملكة المتحدة أن تغسل يديها من التواطؤ مع أعمال إسرائيل الوحشية الجماعية في السنتين الأخيرتين. فبتوفير الحصانة لإسرائيل من المحاسبة وبتسليح دولة مارقة، ساعد الغرب إسرائيل في ارتكاب تلك الأعمال الوحشية. وما الإعلانات الأخيرة عن الاعتراف بدولة فلسطينية إلا حيلة دعائية وإلهاء يخفي هذه الحصانة فيبرز التقاعس عن العمل.
لقد بات ملحا للغاية، ومطلوبا من الناحيتين القانونية والأخلاقية، أن تقوم جميع الدول بأفعال فورية مجدية لإيقاف إسرائيل، ومن هذه الأفعال العقوبات وحظر الأسلحة وتعليق العلاقات التجارية والدبلوماسية ودعم المحاكم الدولية وتقديم المجرمين الإسرائيليين للعدالة. وما لم يحدث شيء، فإن غزة ـ مثلما قالها سموتريتش بوحشية في مايو من عام 2025، «سوف تتدمر». فهل سيستمر العالم في الوقوف والمشاهدة بينما الإبادة الجماعية جارية أمام العيون؟
نمر سلطاني باحث في القانون العام بجامعة صوص، وهو مواطن فلسطيني يعيش في إسرائيل.
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الشعب الفلسطینی من عام 2024 فی ینایر فی غزة
إقرأ أيضاً:
الأبعاد الاقتصادية لصفقة استيراد مصر للغاز من إسرائيل
الحديث عن التنمية، وتحقيق معدلات النمو الاقتصادي الإيجابي، تحكمه عوامل عدة، منها، بل من أهمها توفير الطاقة اللازمة لمشروعات التنمية.
وفي بلد مثل مصر، يصل عدد سكانه إلى نحو 110 ملايين نسمة تقريبًا، ويحتاج إلى معدل نمو لا يقل عن 5% سنويًا ولفترات ممتدة، حتى يمكن مواجهة مشكلة البطالة، واستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، يتطلب توفير الطاقة بشكل مستدام.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تحقق أفغانستان الاكتفاء الذاتي من الطاقة بعد توقيع الاتفاق الأكبر في تاريخها؟list 2 of 2الكويت توقع عقودا لمحطة توليد طاقة بـ3.27 مليارات دولارend of listولكن واقع الطاقة في مصر حاليًا، ومنذ سنوات، ينبئ بعجز في توفير الاحتياجات، وكانت الأزمات الدولية والإقليمية التي مر بها الاقتصاد العالمي، ذات تأثير سلبي على مصر من حيث تكلفة توفير الطاقة، حدث ذلك إبان أزمة الطاقة في عامي 2006 و2007، وكذلك في الفترة من 2003 إلى منتصف 2014، وبعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
كان ثمة ملمحان بارزان على عجز الطاقة في مصر، من بعد عام 2013:
الأول ما نفذته مصر من تحرر أسعار الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود والكهرباء للمنازل والمصانع والمنشآت التجارية، بمعدلات غير مسبوقة؛ فعلى سبيل المثال ارتفع سعر لتر بنزين 92 من 1.8 جنيه في عام 2013 إلى 12.5 جنيه في عام 2024. الملمح الثاني، عندما توقف تصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر، بسبب حربها على غزة، وتأثرت الصناعة في مصر تأثرا واضحا وأُعلن عن توقف بعض الصناعات، أبرزها صناعة الأسمدة.لكن ما أُعلن أخيرًا عن تمديد اتفاقية استيراد مصر للغاز الطبيعي من إسرائيل، إلى عام 2040، وبتكلفة مالية قدرها 35 مليار دولار، ترك العديد من الأسئلة عن التداعيات الاقتصادية لهذا الاتفاقية وأثرها على الاقتصاد المصري.
لا تزال الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر محدودة من حيث الأداء والتأثير، وتعتمد مصر بشكل كبير على الطاقة التقليدية من الوقود الأحفوري (النفط، والغاز الطبيعي، والفحم) شأنها شأن غالبية دول العالم، ووفق بيانات النشرة المعلوماتية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر تعاني من عجز وتراجع في إنتاج النفط والغاز مقارنة بحجم الطلب المحلي.
إعلانفي أبريل/نيسان 2024 بلغ إنتاج مصر من النفط والغاز 5.5 ملايين طن، وتراجع هذا الإنتاج في أبريل/نيسان 2025 إلى 4.7 ملايين طن، في حين زاد الاستهلاك في نفس الفترة من 6.2 ملايين طن إلى 6.3 ملايين طن.
ونلاحظ أنه في أبريل/نيسان 2024، حينما كان الإنتاج أفضل مما هو عليه في أبريل/نيسان 2025، كانت ثمة فجوة سلبية بين الإنتاج والاستهلاك، فالإنتاج كان 5.5 ملايين طن، بينما الاستهلاك 6.2 ملايين طن، بعجز يقدر بنحو 700 ألف طن.
والشاهد أن تراجع الإنتاج لم يكن مصحوبًا بتراجع في الاستهلاك، بل تزايدت فجوة عجز الطاقة خلال العام، وهي مرشحة للزيادة خلال الفترة القادمة في ضوء استمرار الصناعات كثيفة الطاقة في مصر، والتي تعتمد على الغاز الطبيعي بشكل رئيس، مثل الأسمدة والإسمنت والحديد، وكذلك حالة التوسع المنتظرة في مشروعات سياحية وعقارية لدول الخليج في مصر.
ما واقع الميزان البترولي لمصر؟في بعض الأوقات كانت عوائد تصدير النفط أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، ولكن مع مرور الوقت ومحدودية الموارد النفطية لمصر، تحولت الدولة إلى مستورد صاف للطاقة.
وحسب بيانات ميزان المدفوعات في مصر، يتضح أنه خلال الفترة من العامين الماليين 2019 /2020 – 2023 /2024، سجّل الميزان البترولي عجزا باستثناء عامين، هما 2021 /2022 بفائض قدره نحو 4.4 مليارات دولار، و2022 /2023 بفائض نحو 400 مليون دولار.
أما باقي الفترة فكان عجز الميزان البترولي هو الأصل، ففي عام 2023 /2024 بلغ العجز 7.6 مليارات دولار، وفي الفترة من يوليو/تموز 2024 – مارس/آذار 2025 بلغ العجز في الميزان البترولي 10.3 مليارات دولار، وفق بيانات وزارة المالية والبنك المركزي المصري.
ومن المهم في هذا الشأن، أن أرقام الصادرات البترولية، على الرغم من تواضعها أخيرًا، إلا أنها تتضمن حصة الشريك الأجنبي، وهو ما يعني أن العجز في الميزان البترولي أكبر مما هو معلن في ميزان المدفوعات.
ماذا جنت مصر من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص؟بعد عام 2013، تم التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، وبموجبها سُمح لكل من مصر وإسرائيل وقبرص عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وكان نصيب مصر في حقل ظهر، الذي دخل مجال الإنتاج في مطلع عام 2018، وساهم بجزء واضح في توفير احتياجات مصر من الطاقة.
ولكن الإنتاج تأثر سلبًا بهذا الحقل بشكل كبير، فبعد أن كانت إنتاجية الحقل 2.7 مليار قدم مكعب يوميًا في يناير/كانون الثاني 2024، انخفضت إلى 1.4 مليار قدم مكعب في يناير/كانون الثاني 2025، ويُرجع بعضُهم تراجع الإنتاج إلى عدم انتظام مصر في سداد التزاماتها تجاه شركة إيني الإيطالية، وثمة من يذكر سببًا آخر لتراجع الإنتاجية، لاعتبارات فنية متعلقة بالاحتياطيات المتاحة للحقل.
كانت التوقعات تذهب في بداية عمل حقل ظهر أنه يحقق لمصر الاكتفاء الذاتي من الطاقة، لكن واقع البيانات، أن مصر منذ عام 2023 /2024 تعاني من عجز في الطاقة، ترك أثره على ميزان المدفوعات.
ما مخاطر المدى الزمني للاتفاق؟الفترة الزمنية للاتفاقيات الخاصة بالنفط والغاز، لها اعتبارها، بشرط معرفة طبيعة التسعير خلال الفترات الطويلة، ولا بد أن يرتبط التسعير في هذه الاتفاقية بأداء الأسعار في السوق الدولية، ففي حالة تثبيت الأسعار في هذه الاتفاقيات، يكون لصالح طرف على حساب طرف، ففي حالة كون السعر أعلى من السوق الدولية، يكون في صالح البائعين على حساب المشترين، وإذا كان العكس والسعر أقل من السوق الدولية، يكون الأمر لصالح المشترين على حساب البائعين.
إعلانوللأسف لا تُعلم طبيعة الاتفاق الذي أبرم أخيرًا بين مصر وإسرائيل، وأن المعلن عن الاتفاق فقط قيمته المادية التي تصل إلى 35 مليار دولار، وأنه يمتد إلى عام 2040، ومن المهم أن تكون ثمة شفافية، في سعر المليون وحدة حرارية الذي أبرم على أساسه الاتفاق.
وثمة بند مهم تتضمنه الاتفاقيات المشابهة، وتمتد إلى فترات طويلة، وهو وجود هامش للتفاوض بين الطرفين في حالة تحرك السعر في السوق الدولية هبوطًا وصعودًا بشكل كبير.
ومصر لها تجربة سابقة سلبية إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك في تصدير الغاز المصري، إذ التزمت بعقد طويل المدى بتصدير الغاز لإسرائيل بسعر 1.2 دولار للمليون وحدة حرارية، في حين كانت أسعار السوق الدولية أعلى من ذلك طوال فترة التعاقد.
وبعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني واتخاذ قرار بوقف تصدير الغاز الطبيعي من مصر لإسرائيل، لاعتبارات أمنية وكذلك احتياجات مصر من الغاز الطبيعي، هددت إسرائيل باللجوء للتحكيم الدولي والمطالبة بتعويضات باهظة، ولم يُرجع إسرائيل عن اللجوء للتحكيم إلا توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص في عام 2013.
هل توفير خط الأنابيب يبرر استيراد الغاز من إسرائيل؟من المبررات التي يسوقها بعضهم لتمرير اتفاقية استيراد مصر للغاز من إسرائيل، وجود خط الأنابيب، الذي يسهل عملية النقل بشكل كبير، ولكن اللافت للنظر أيضًا أن مصر في الفترة الماضية تعاقدت على وحدتي تغويز (تحويل الغاز من الصورة السائلة إلى صورته الأصلية)، ترسيان الآن على الشواطئ المصرية، ولجوء مصر إلى تأجير الوحدتين، ينم عن حالة من عدم الثقة في استمرارية تدفق الغاز من إسرائيل.
وقد ترجع حالة عدم الثقة هذه لدى الجانب المصري، إلى ما تعيشه المنطقة من عدم الاستقرار، بسبب ممارسات إسرائيل العدائية على العديد من الدول العربية، وكذلك ممارساتها في غزة منذ عامين من حرب إبادة الشعب هناك.
ومن وجهة نظر اقتصادية، وجود وحدتي التغويز لدى مصر، تمكنانها من الإفادة من تعدد مصادر الاستيراد وعدم تركيزها في مصدر واحد وهو إسرائيل، فضلًا عن وجود علاقات جيدة لمصر حاليًا بدول عربية مصدرة للغاز، يمكن أن تكون بديلًا آمنًا من استيراد الغاز من إسرائيل.
جدير بالذكر أن خط أنابيب نقل الغاز بين مصر وإسرائيل تعرض غير مرة للتفجير، بعد ثورة 25 يناير 2011، وكذلك إبان عمليات العنف التي شهدتها المنطقة التي يمر بها خط الأنابيب في سيناء.
ثمة خطاب مصري ركز عقب العمل في حقل ظهر عام 2018، وكذلك توقيع اتفاقية مع إسرائيل لاستيراد الغاز، بأن مصر سوف تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، وبخاصة بعد إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، والذي شارك فيه 7 دول، منها إسرائيل، واعتبرت القاهرة مقرًا لهذا المنتدى.
ولكن الميزان التجاري للبترول في مصر من عام 2018 وحتى الآن، لا يظهر دلالات إيجابية، أو ثقل مصر في سوق النفط الإقليمية أو العالمية، وهو ما يعني أن حلم تصدير الغاز لأوروبا، أو أن تكون مصر مركزًا إقليميًا للطاقة لم يتحقق.
دور القطاع الخاص في الاتفاقمنذ عهد مبارك، الذي أبرمت فيه أولى الاتفاقيات الخاصة بتصدير الغاز المصري لإسرائيل، وتم إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز المصري لإسرائيل، تم تمرير الاتفاقية من بوابة القطاع الخاص، مثّل الجانبَ المصري فيها شركةُ غاز شرق المتوسط المملوكة لرجل الأعمال المصري حسين سالم، وفي عام 2018، انعكس الأمر، فأصبحت مصر من تستورد الغاز الطبيعي من إسرائيل، من خلال شركة قابضة باسم (دولفينوس القابضة) والمملوكة لرجل الأعمال المصري علاء عرفة.
وجاء توسيط القطاع الخاص لإنهاء هذه الاتفاقيات، لكي يتم البعد بها عن رقابة البرلمان المصري، لأن الدستور المصري -حتى أيام مبارك- ينص على عرض الاتفاقيات الدولية على البرلمان.
إعلانجدير بالذكر أنه في عام 2005 حين تم تمرير اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وجدت اعتراضًا كبيرًا، عليها من المجتمع المدني، برفع القضايا إلى القضاء المصري لمنع تنفيذ الصفقة، لكن لم يكتب للأمر النجاح.
والشاهد هنا، هو الإفصاح عن المعلومات الخاصة بالصفقة، فكون الاتفاقية بين طرفين من القطاع الخاص، يجعل الحصول على المعلومات الخاصة بها أمرا صعبا.