ما بين إقرار القيادة الإسرائيلية خطة احتلال غزة عسكريا بالكامل، رغم التحديات التي تواجهها في هذا الجانب، أو الاتجاه إلى اتفاق شامل يُنهي الحرب، وهو الاحتمال الأضعف، يتراوح الموقف الإسرائيلي وسط تصدع داخلي حول الحرب والتجنيد، واستنزاف اقتصادي، وعزلة خارجية.

ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان: "رهان نتنياهو: إخضاع القطاع بالاتفاق أو بعربات جدعون 2"، للأكاديمي والمحلل السياسي مهند مصطفى، تناول فيها رهانات الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، بين خيارين متضادين: التوصل إلى اتفاق سياسي يفضي إلى هدنة مؤقتة، أو المضي قدما في تنفيذ خطة عسكرية واسعة تُعرف باسم "عربات جدعون 2″، تهدف إلى السيطرة الكاملة على مدينة غزة وفرض وقائع جديدة بالقوة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2التكيّف الإيجابي أم الانفتاح المتدرّج؟ خيارات دمشق في مواجهة ضغوط التطبيعlist 2 of 2اللجنة الاستشارية الليبية.. 4 سيناريوهات تصطدم بجدار الانقسامend of list

وتُسلط الدراسة الضوء على التحولات في الخطاب السياسي الإسرائيلي، والانقسامات الداخلية، وتكلفة الحرب المتزايدة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب تراجع الدعم الدولي ومخاطر العزلة المتنامية.

كما تستعرض موقف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الوساطات الدولية، واحتمالات المسار التفاوضي في ظل إصرار إسرائيل على شروط تعجيزية.

تسوية شبه مستحيلة

وفي ظل الجهود الدولية لوقف الحرب على غزة، وافقت حركة حماس على مقترح هدنة تمتد لـ60 يوما بوساطة مصرية قطرية، وهو مقترح مشابه إلى حد كبير للمبادرة التي وافقت عليها إسرائيل سابقا، والمعروفة باسم "مقترح ويتكوف".

ورغم ذلك، لم تُصدر الحكومة الإسرائيلية موقفا رسميا بالقبول أو الرفض، واكتفت بالإشارة إلى أن موافقة حماس جاءت نتيجة الضغط العسكري والخوف من احتلال القطاع.

وشدد مكتب نتنياهو على أن إسرائيل ترغب باتفاق شامل لا جزئي، وفق 5 شروط أساسية أقرها المجلس الوزاري المصغر، وهي:

نزع سلاح حماس. تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح. فرض سيطرة أمنية إسرائيلية. إدارة القطاع من جهة لا تتبع لا لحماس ولا للسلطة الفلسطينية. إطلاق جميع المحتجزين الإسرائيليين. إعلان

ويمثل هذا الموقف تحولا في السياسة الإسرائيلية؛ إذ إن تل أبيب كانت سابقا تدفع نحو صفقات جزئية لإطالة أمد الحرب ومنع التوصل إلى تسوية شاملة. فبعد رفض نتنياهو لمقترح الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في مايو/أيار 2024، والذي كان يدعو إلى وقف شامل للعمليات العسكرية، يبدو أنه غيّر خطابه السياسي ليقبل بـ"اتفاق شامل" ولكن بشروط يصعب على أي طرف فلسطيني قبولها، مما يجعل فرص التوصل إلى تسوية حقيقية شبه مستحيلة.

وتعكس هذه السياسة الإسرائيلية حالة المماطلة المقصودة، والتي تتغذى على الدعم غير المشروط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لا يزال يشكل مظلة سياسية لنتنياهو.

فترامب عبّر مرارا عن تأييده له، كما واصل فرض العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بعد إصدارها مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، مستهدفا 6 قضاة و3 مدّعين في المحكمة.

في المقابل، تزداد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف الحرب، إلا أن الدعم الأميركي يشكل الرافعة الوحيدة التي تتيح لحكومة نتنياهو مواصلة تجاهل هذه المطالب.

عملية "عربات جدعون 2"

صادق وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس على الخطة العسكرية الجديدة لاحتلال مدينة غزة، والتي أُطلق عليها اسم "عربات جدعون 2″، والتي تتضمن تهجير سكان المدينة والنازحين فيها إلى جنوب القطاع، وقد أعلن كاتس أن "غزة لن تعود كما كانت بعد هذه العملية".

وأكدت مصادر عسكرية أن العملية ستمتد حتى عام 2026، مع حملة تجنيد واسعة تشمل 130 ألف جندي احتياط، وتمديد فترات خدمتهم، وتجنيدا جديدا في نوفمبر/تشرين الثاني، وآخر في أوائل عام 2026.

وتهدف العملية إلى القضاء على آخر كتيبتين لحماس وتدمير ما يُعرف بـ"الأنفاق الإستراتيجية". ويحاول الجيش الإسرائيلي تلطيف حدة الانتقادات الدولية عبر التنسيق مع مؤسسات إنسانية لتقديم مساعدات وبناء مستشفيات ميدانية داخل القطاع.

وعلى عكس عملية "عربات جدعون" الأولى -التي سعت إلى تحسين شروط التفاوض وإجبار حماس على القبول باتفاق عبر الوساطة في الدوحة– فإن "عربات جدعون 2" تُركّز على الحسم العسكري الكامل دون أي نية للتوصل إلى تسوية سياسية حتى لو وافقت حماس على وقف القتال. ووفقا لتصريحات نتنياهو، فإن العملية العسكرية ستستمر ولن تتأثر بأي اتفاق.

وتشير أوراق بحثية من داخل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى غياب أي أفق سياسي للعمليات، حيث يقترح الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، ورئيس معهد دراسات الأمن القومي الحالي تامير هيمان إستراتيجية بديلة تتضمن 3 محاور:

الأول: وقف خطة احتلال قطاع غزة وإلغاء فكرة "المدينة الإنسانية" وتهجير السكان. الثاني: تجميد العمل العسكري من خلال إنشاء منطقة أمنية عازلة واستخدامها لضرب أهداف لحماس. الثالث: إطلاق خطة سياسية تستند إلى المبادرة المصرية العربية، تشمل تحرير الأسرى وضمان المصالح الأمنية الإسرائيلية. ما سيخسره الاحتلال

اقتصاديا:

حذر اقتصاديون إسرائيليون بارزون من أن احتلال غزة سيُكلّف إسرائيل 20 مليار شيكل سنويا، دون احتساب تكاليف الاحتياط والتسليح. تدهور الاقتصاد مع ارتفاع العجز المالي إلى 5.2%، نتيجة رفع ميزانية الدفاع، التي وصلت إلى 140 مليار شيكل. إعلان

داخليا:

تعميق الانقسام الداخلي؛ حيث تشهد إسرائيل احتجاجات متزايدة رفضا لاستمرار الحرب، فيما تتهم الحكومة المعارضين بـ"خدمة حماس"، رغم أن الحركة قبلت فعليا مقترح هدنة كانت إسرائيل قد وافقت عليه سابقا. تصاعد غضب عائلات الأسرى بسبب تجاهل الحكومة للوساطات، ما يُهدد حياتهم ويعرّض القيادة العسكرية لانتقادات حادة. تواصل استنزاف الجيش وتوالي خسائره البشرية.

خارجيا:

ستُفاقم العملية العسكرية الأزمة الإنسانية وتزيد من عزلة إسرائيل دوليا، وقد بدأت موجة مقاطعة دولية متصاعدة، أبرزها انسحاب صندوق الاستثمار النرويجي من 61 شركة إسرائيلية، مع احتمال توسعها لتشمل قطاعات حساسة. قرار حاسم

تواجه إسرائيل لحظة حسم إستراتيجية في حربها على غزة، إذ تقف بين خيارين لا يمكن الجمع بينهما:

إما المسار السياسي عبر المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار. أو الاستمرار في الحسم العسكري عبر عملية "عربات جدعون 2" واحتلال مدينة غزة.

يدرك صانعو القرار أن اختيار أحد المسارين يعني إغلاق أفق الآخر، فالخيار العسكري سيقضي على أي إمكانية للتفاوض، ويهدد حياة الأسرى، ويفتح الباب أمام تهجير واسع وفرض حكم عسكري على القطاع. في المقابل، فإن القبول بالهدنة سيطلق ديناميكيات داخلية ودولية نحو وقف دائم للقتال.

ورغم موافقة حماس على هدنة جزئية، يصر نتنياهو على طرح اتفاق شامل بشروط إسرائيلية غير قابلة للتطبيق، تُستخدم كغطاء لرفض الحل السياسي.

بذلك، يبدو أن إسرائيل تميل إلى خيار الحسم العسكري، مع تحميل حماس مسؤولية فشل الاتفاق وإطلاق جميع المحتجزين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات دراسات عربات جدعون 2 حماس على

إقرأ أيضاً:

خطة غزة تكشف من "يدير اللعبة".. نتنياهو أم ترامب؟

نسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لنفسه، خلال عطلة نهاية الأسبوع، الفضل الأكبر في الخطة الجديدة التي يُفترض أن تؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين لدى حماس وإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين في غزة.

لكنّ المشهد بدا واضحا بالنسبة للإسرائيليين، وللفلسطينيين، وللمنطقة بأسرها: من يوجّه الدفة فعلاً هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

في خطاب مقتضب ومتلفز مساء السبت، قال نتنياهو إن الخطة جاءت نتيجة تحرك دبلوماسي منسق مع الرئيس ترامب وفريقه على مدى أسابيع.

لكن ترامب قدّم رواية مغايرة تماما. ففي مقابلة أجراها السبت أوضح أنه اضطر للضغط على نتنياهو لقبول شروط الخطة.

وأضاف: "لقد وافق في النهاية، عليه أن يوافق، لا خيار أمامه. معي، يجب أن توافق".

يقول محللون بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" إن نتنياهو لم يعد في موقع يسمح له بتحدي ترامب، في وقت تواجه فيه إسرائيل إدانات دولية متزايدة بسبب سلوكها في الحرب، وعزلة سياسية متنامية تجعلها أكثر اعتمادًا على الدعم الأميركي.

وكتب الصحفي الإسرائيلي البارز نحوم برنياع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقالا تحت عنوان "هو الرئيس الفعلي: ترامب لا يهدد نتنياهو، بل يأمره".

وقال برنياع أن مجريات الأيام الأخيرة "أظهرت بوضوح هذه الحقيقة للجميع"، في إشارة إلى الإنذار الذي وجهه ترامب لحماس يوم الجمعة بقبول الخطة، ثم إعلانه بعد ساعات أن الحركة وافقت دون شروط، رغم أن ردّها كان مشروطًا.

ترامب يعلن تفاصيل الخطة... قبل إسرائيل

تعرّف الإسرائيليون على تفاصيل الاتفاق الأولي ليس من حكومتهم، بل من منشور لترامب على وسائل التواصل الاجتماعي يوم السبت، حيث كشف أن إسرائيل وافقت على خط انسحاب أولي داخل غزة، في المرحلة الأولى من الخطة.

وتنص الخطة على تبادل نحو 20 رهينة أحياء و28 جثة يُعتقد أنها تعود لرهائن قُتلوا، مقابل 250 أسيرًا فلسطينيًا محكومين بالسجن المؤبد ومئات آخرين اعتُقلوا خلال الحرب.

وقال ترامب إن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ "فورًا" بعد توقيع حماس على الاتفاق.

على مدى أشهر، حاول نتنياهو تحقيق معادلة شبه مستحيلة: المضي في الحرب لتحقيق "نصر كامل" على حماس – كما وعد بعد هجوم الحركة على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 – مع الحفاظ على استقرار ائتلافه اليميني المتطرف الرافض لأي اتفاق يُبقي حماس قائمة.

لكن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وانتشر الجوع، أثارت غضبًا دوليًا واسعًا.

وأظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الإسرائيليين تفضل إنهاء الحرب مقابل استعادة الرهائن، بينما نفد صبر ترامب على ما يبدو من تعثر الميدان.

وقال المحلل الإسرائيلي ميتشل باراك، وهو مستشار سابق لنتنياهو: "يبدو أن بيبي أدرك أن رصيده لدى ترامب قد نفد. لم تعد وعود النصر تُقنع أحدا، لا في الداخل ولا في واشنطن".

نتنياهو تحت ضغط "رئيس لا يمكن مقاومته"

على عكس مواقفه المتحدّية تجاه إدارات بايدن وأوباما، يرى باراك أن نتنياهو اليوم لا يستطيع تجاهل أوامر ترامب، موضحا: "لأول مرة، لا يمكنه تحدي رئيس أميركي، لأن ترامب ببساطة لا يمكن التنبؤ بردوده، ولن يسير وفق الموقف الإسرائيلي".

قبل شهرين فقط، وافقت حكومة نتنياهو على توسيع الحرب نحو السيطرة الكاملة على مدينة غزة، رغم معارضة الجيش الإسرائيلي لذلك، معتبرة المدينة "آخر معاقل حماس". لكن التقدم الميداني كان بطيئا وتركّز على دفع المدنيين جنوبا.

ومع ذلك، أعلن نتنياهو السبت أن الضغط العسكري والدبلوماسي هو ما أجبر حماس على القبول بالخطة.

لكن مع بقاء التفاصيل التقنية غامضة قبل انطلاق محادثات القاهرة الإثنين المقبل، كان ترامب قد أمر فعليا بوقف التقدم الإسرائيلي نحو غزة.

وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي الجمعة: "يجب على إسرائيل أن توقف القصف فورا، حتى نتمكن من إخراج الرهائن بأمان وسرعة.”

وبحلول السبت، حصر الجيش الإسرائيلي عملياته بما سماه "إجراءات دفاعية" وردا على "تهديدات فورية"، متراجعا عمليا عن مبدأ "المفاوضات تحت النار" الذي تمسك به نتنياهو طويلًا.

مع ذلك، يرى محللون أن نتنياهو، أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاءً في الحكم، يملك قدرة فريدة على امتصاص الصدمات السياسية.

وتقول الكاتبة السياسية مازال معالِم من موقع المونيتور ومؤلفة سيرة نتنياهو: "بيبي يعرف بالضبط ما الذي يحتاجه الطرف الآخر، ومتى يُظهر ضبط النفس. وقد أقنع حزبه وجمهوره بأن الصفقة انتصار لإسرائيل، وأنه صاحب الفضل فيها".

وتضيف: "نتنياهو ينظر إلى الأمور بمنظار التاريخ، ويعلم أن الدخول في مواجهة مع ترامب سيضر به، لا بترامب".

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: الحرب على الجبهات السبع مصيرية من أجل إسرائيل
  • نتنياهو: غيرنا وجه الشرق الأوسط لنضمن استمرار إسرائيل
  • نتنياهو: أعتقد أننا قريبون من إنهاء الحرب في غزة
  • باحث سياسي: المجتمع الإسرائيلي لا يرغب في الحرب على غزة ويحمل نتنياهو مسئوليتها
  • ارتفاع التأييد الإسرائيلي لوقف حرب غزة
  • رهان نتنياهو
  • نيويورك تايمز: ترامب أذلّ نتنياهو.. روبيو: حرب غزة أضرّت بمكانة إسرائيل عالمياً
  • جدعون ليفي: العالم لن ينسى إبادة غزة وسيتوارث الناس ذكراها جيلا بعد جيل
  • رهان نتنياهو على مواقع التواصل
  • خطة غزة تكشف من "يدير اللعبة".. نتنياهو أم ترامب؟