الأقصر تبكي رحيل نجل الساحة الجيلانية الأصغر في مشهد حزين
تاريخ النشر: 4th, September 2025 GMT
خيمت حالة من الحزن العميق على محافظة الأقصر اليوم بعد وفاة السيد أحمد محمد أحمد الجيلاني النجل الأصغر للشيخ محمد أحمد الجيلاني رائد وقائد الساحة الجيلانية بالمحافظة وذلك إثر هبوط مفاجئ في الدورة الدموية باغت الفقيد ليرحل تاركًا خلفه سيرة عطرة ومكانة راسخة بين محبيه وأتباع الطريقة الصوفية
الخبر المفجع وقع كالصاعقة على أبناء الساحة الجيلانية الذين ارتبطوا بالراحل بعلاقات إنسانية وروحية قوية حيث كان يمثل امتدادًا لمسيرة عائلته العريقة التي رسخت حضورها في المشهد الديني والاجتماعي بالأقصر وصعيد مصر لعقود طويلة
وتحظى الساحة الجيلانية بمكانة خاصة في قلوب أبناء المحافظة لما تمثله من منارة للذكر والتلاوة وحلقات العلم والتواصل الإنساني وقد ساهم الفقيد بدوره في ترسيخ هذه القيم إذ عُرف بين أقرانه بالتواضع والطيبة والالتزام بالنهج الصوفي الأصيل
ومنذ اللحظات الأولى لانتشار خبر الوفاة عمّت أجواء الحزن القرى والنجوع المحيطة حيث تسابق الأهالي وأبناء الطرق الصوفية لتقديم العزاء والمواساة مؤكدين أن رحيله يمثل خسارة فادحة ليس لأسرته فحسب بل للأقصر بأكملها
ويؤكد المقربون من العائلة أن الفقيد كان حاضرًا في كل المناسبات الدينية والشعبية داعمًا لنهج والده ومساندًا لأنشطة الساحة التي لطالما احتضنت المريدين والباحثين عن السكينة والروحانية وهو ما جعل محبته راسخة في القلوب.
بهذا الرحيل المفاجئ تفقد الأقصر واحدًا من أبنائها البارزين الذين حملوا على عاتقهم رسالة عائلية ممتدة ارتبطت بتراث صوفي عريق وخلّفت بصمة لا تُمحى في الوجدان الجمعي لأبناء المحافظة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الاقصر اخبار الاقصر الطرق الصوفية الساحة الجیلانیة
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: رحيل العلامة أحمد عمر هاشم: دموعُ العالِم وبصيرةُ الأزهري
حين يرحل العلماءُ الربانيون، لا تفقد الأمةُ مجرد اسمٍ بارزٍ في سجلها الأكاديمي، بل ينطفئ مصباحٌ من مصابيح الهداية التي كانت تهدي القلوب والعقول في ليل التيه. هكذا بدا رحيل الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم –عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق– صباح الثلاثاء 7 أكتوبر 2025، كفقدان ركنٍ من أركان الأزهر الذي ظل لعقود يُبشّر برسالة الوسطية، ويصدع بالحق، ويذود عن السنة النبوية.
لقد جمع أبو هاشم بين سمتِ المحدثين، وحرارة الخطباء، وبصيرة الأزهري الذي لا يساوم على أصول الدين، ولا يُخضِع الحقائق لعابرات الأهواء. عُرِف في محافل مصر وخارجها، وكان صوته المجلجل في الجامع الأزهر أو في مسجد عمرو بن العاص صدى لروحٍ تحمل على كاهلها ميراثًا نبوياً يَعتبر المنبر رسالةً لا وظيفة.
ولعل من أبرز المواقف التي تكشف عمق معدنه ما جرى في مارس 2010، في رحاب مؤتمر الجنادرية الثقافي بالرياض، حين احتدم النقاش بينه وبين بعض المثقفين ذوي الاتجاه العلماني اللاديني. كان أبو هاشم –كما عهدناه– ثابتًا في حجته، صادقًا في دفاعه، لا يتكلم بحدة الخصومة بل بصلابة الحارس الذي يعلم أن أي تفريط في العقيدة هو خيانة للأمانة. وقف يردّ ببيانٍ رصين عن رسالة الإسلام في بناء الإنسان والمجتمع، وعن أن الدين ليس قيدًا على الحرية بل هو الذي يُعطيها معناها، وأن محاولات إقصاء الدين عن الحياة لن تثمر إلا خواءً روحيًا لا يُعمِّر حضارة.
غير أن اللحظة التي خلّدت صورته في ذاكرة الحاضرين لم تكن في المطارحة الفكرية وحدها، بل في المشهد الإنساني الجليل الذي أعقبها؛ إذ جاءه خبر وفاة الإمام الأكبر الشيخ محمد سيد طنطاوي –شيخ الأزهر الشريف آنذاك– فغلبه البكاء، بكى بدموعٍ صافية كالطفل الذي فقد أباه. لم يجد حرجًا في أن يُظهر ألمه أمام الجمع، وكأنما أراد أن يعلّم الأجيال أن العلماء مهما علت منازلهم تبقى قلوبهم معلقة بالوفاء والرحمة. ثم غادر على عجل ليعود إلى القاهرة لحضور الجنازة، وإلقاء النظرة الأخيرة على أستاذه وشيخه، في وفاءٍ قلّ نظيره.
ذلك الموقف يلخص شخصية أحمد عمر هاشم: جمع بين حزم العالِم في الحجة ورِقّة القلب في الفقد، بين هيبة الأزهر في المناظرة وخشوعه في المحبة، بين المواقف الصلبة في الدفاع عن الدين والانكسار البشري أمام لوعة الموت. هو العالِم الذي يُذكّرنا بأن الدين ليس جدلًا نظريًا بل عاطفةً حيّةً تشدّ المرء إلى أخيه برباطٍ من الرحمة.
لقد عاش أبو هاشم أربعةً وثمانين عامًا يسقي الأمة من معين السنة والوسطية، يكتب ويخطب ويدرّس، يوازن بين تراث المحدثين وحاجات العصر، ويفتح للأزهر مكانةً في ساحات السياسة والثقافة والدعوة. بوفاته تُطوى صفحةٌ من صفحات العلم، لكن تبقى آثارُه في تلامذته، وخُطَبه، وكتبه، ومواقفه، شواهدَ على أن الرجل لم يعش لنفسه، بل للأمة كلها.
رحم الله أبا هاشم، فقد رحل جسدًا، وبقي أثرًا. رحل عن الدنيا، لكن بقيت دموعه على شيخه، وخطبه في الأزهر، وكلماته في الجنادرية، وصوته المجلجل في البرلمان؛ كلّها شواهد على أن العالِم لا يموت بموت جسده، بل يظل حيًّا بذكره، وبالرسالة التي حملها بصدقٍ وإخلاص.