المولد في أم درمان.. دفوف ورايات على أنقاض الحرب
تاريخ النشر: 6th, September 2025 GMT
على وقع الدفوف، وبين خيام الذكر المضيئة في قلب أم درمان، استعاد السودانيون هذا العام تقليداً ضارباً في عمق تاريخهم، حين عاد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إلى ميدان الخليفة بعد توقف دام عامين بسبب الحرب.
أم درمان: التغيير
جمع المشهدين التناقضات، آثار الخراب والنزوح لا تزال ماثلة، لكن أصوات المدائح والتهليل بدت وكأنها محاولة جماعية لمداواة الجراح وإعلان أن الحياة أقوى من الموت.
و يُعَدّ ميدان الخليفة أحد أكثر الساحات رمزية في السودان، ليس فقط لكونه مركزاً دينياً، بل لأنه ارتبط منذ عقود بالذاكرة الشعبية والطقوس الجماعية المرتبطة بالمولد.
وكان توقف الاحتفال لعامين متتاليين بفعل الحرب حدثاً صادماً للناس، إذ بدا وكأن المدينة فقدت قلبها النابض.
غياب الزفةغياب الزفة والموكب وحلقات الذكر في تلك الفترة جعل المشهد أكثر قسوة، حيث بدت الساحة التي اعتادت أن تضج بالحياة خالية وصامتة، تتجاور فيها المآذن مع أصوات المدافع.
عودة الطقوس هذا العام جاءت لتكسر هذا الصمت وتعيد التوازن بين الروح والمكان. في المساء، اكتظت الساحة بالنساء والأطفال والشيوخ. ارتفعت أصوات الزغاريد مع دخول المواكب، فيما دوّت المدائح النبوية التي تردّدها الطرق الصوفية المتعددة.
حلقات الذكر اصطفّت متجاورة، وألوان الأزياء الصوفية أضفت على المكان بهجة بصرية قلّ نظيرها.
لكن المشهد لم يكن مكتمل البهاء؛ فالمباني الملاصقة للميدان ما تزال تحمل ندوب الحرب: جدران مثقوبة بالقذائف، نوافذ مكسورة، وأبواب متروكة مفتوحة بعد أن هجرتها العائلات.
وسط هذا المشهد العمراني المثخن بالدمار، كان الاحتفال بمثابة إعلان صريح بأن المكان لا يزال قادراً على احتضان الحياة. ملامح الحاضرين نفسها حملت آثار الحرب، وجوه متعبة، وأجساد أنهكها النزوح والحرمان.
ابتسامات الأطفالومع ذلك، فإن لحظة دخولهم الميدان بدت كأنها تزيل بعض الأثقال، ابتسامات الأطفال عند سماع المدائح، دموع النساء التي اختلطت بالزغاريد، وانحناءات الشيوخ في حلقات الذكر.
بدا وكأن الساحة تمنحهم استراحة قصيرة من القسوة اليومية، وفرصة لتجديد الصلة بما تبقى من الروح.
ورغم أن المولد في السودان اشتهر دوماً بالحلوى الملوّنة التي يحرص الأطفال على اقتنائها، إلا أن الأزمة الاقتصادية جعلت كثيراً من العائلات عاجزة عن شراء ما اعتادوا عليه.
باعة الحلوى في أطراف الميدان يشكون من ضعف الإقبال، وأطفال كُثُر وقفوا يتأملون ما لا يستطيعون حمله.
غير أن غياب الحلوى لم يمنعهم من مشاركة الأهازيج والجري بين الخيام، فالمكان وفّر بديلاً روحياً يوازن الفقد المادي، وأعاد لهم بعض الفرح المفقود.
علاقة وثيقةمنذ العهد المهدوي في أواخر القرن التاسع عشر، ارتبطت أم درمان والمولد النبوي بعلاقة وثيقة خيث اتخذ الخليفة عبد الله التعايشي من الميدان المحيط بمسجده مركزاً لتجمعات المريدين والأنصار، ومنها انطلقت تقاليد الزفة والاحتفال.
ومع مرور العقود، تحوّل المولد إلى مناسبة لا يقتصر حضورها على الجانب الديني، بل يشمل البعد الاجتماعي والثقافي أيضاً، فهو فرصة للقاء العائلات، ولتفاعل الأسواق الصغيرة التي تنشط في محيط الميدان، ولإحياء التراث الشعبي من أناشيد وممارسات فلكلورية.
الطرق الصوفية في السودان، من القادرية والتيجانية والختمية وغيرها، تلعب دوراً محورياً في إحياء المولد.
وتحضر كل طريقة بموكبها المميز وراياتها وألوانها الخاصة، لتصنع لوحة جامعة تعكس التدين الشعبي السوداني.
ومع أن الحرب فرّقت كثيراً من الطرق وأضعفت نشاطها في بعض المناطق، فإن حضورها في المولد هذا العام كان رسالة واضحة بأن التصوف ما يزال أحد أبرز مصادر التماسك الروحي والاجتماعي في البلاد.
الوسومآثار الحرب في السودان أمدرمان المولد النبوي الشريفالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان أمدرمان المولد النبوي الشريف فی السودان أم درمان
إقرأ أيضاً:
«البرهان» يبحث مع السفير الإسباني دعم السلام وإعادة الإعمار في السودان
قال السفير الإسباني في تصريح صحفي إنه نقل إلى رئيس مجلس السيادة رسالة من بلاده تؤكد دعمها لجهود تحقيق السلام في السودان بعد انتهاء الحرب..
التغيير: الخرطوم
التقى رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الثلاثاء،، سفير إسبانيا لدى السودان إسيدرو أنتونيو، بحضور وكيل وزارة الخارجية بالإنابة السفير أحمد يوسف. وبحث اللقاء العلاقات الثنائية بين الخرطوم ومدريد وسبل دعمها وتطويرها.
وقال السفير الإسباني في تصريح صحفي إنه نقل إلى رئيس مجلس السيادة رسالة من بلاده تؤكد دعمها لجهود تحقيق السلام في السودان بعد انتهاء الحرب، وحرصها على عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم.
وأوضح أن اللقاء تطرق إلى مسار العلاقات بين البلدين، والدور الذي يمكن أن تضطلع به إسبانيا في جهود إعادة الإعمار لما بعد الحرب.
وأعرب السفير الإسباني عن تمنياته بعودة السودان إلى مسار الانتقال المدني الديمقراطي، وإتاحة الفرصة للمدنيين للاضطلاع بأدوارهم في مختلف المجالات، مؤكداً وقوف بلاده إلى جانب الشعب السوداني حتى يتجاوز المحنة الراهنة، مشيراً إلى أهمية وقف الحرب التي دمّرت البنى الأساسية والمرافق الحيوية في البلاد.
واندلعت الحرب الحالية في السودان في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ومنذ اندلاعها امتدت المواجهات إلى معظم أنحاء البلاد، خاصة الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة والنيل الأزرق،
وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين داخليًا وخارجيًا، لتتحول إلى أكبر أزمة نزوح في العالم عام 2024–2025 بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وأدت الحرب إلى نهب واسع وتوقف الخدمات الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء، كما انعكست مباشرة على حياة المواطنين عبر معاناة شديدة في استخراج الأوراق الثبوتية مثل الجوازات والبطاقة القومية، في ظل شلل إداري ومؤسسي متواصل.
الوسومإسبانيا السودان حرب الجيش والدعم السريع