تابعتُ مثل الآخرين ما حدث مع أمامة اللواتي خلال الأيام الماضية. كانت أمامة قد قدمت في جلسة عامة بمقهى «هوم لاند» في المعبيلة الشهر الماضي، عرضًا عن أسطول الحرية وتاريخ مقاومة حصار غزة، تحدثتْ عن رحلة الأسطول القادمة خصوصا بعد أن صادفتْ مؤتمر الأسطول في زيارة شخصية لتونس، بتحفظ أشارت لأسطول خليجي، تمنيتُ لو استطعنا الحديث عن التفاصيل، لكن هذا غير ممكن، كنتُ بدوري متحفظة على عدم الإشارة لسبب عدم قدرة الكثير من الدول العربية والخليجية تسيير سفن إلى غزة، خصوصًا في ظل الحديث عن شجاعة النشطاء من كافة دول العالم مهما كانت امتيازاتهم، أمام الكيان الوحشي المجرم الإسرائيلي.
يعيدني هذا لمسألة المشاركة الشعبية والتمثيل الشعبي، يحكى أن حاكم دولة عربية لم يخضع لضغوط التطبيع مع إسرائيل مسوغًا ذلك بعدم امتلاكه الصلاحية لفعلها، إذ إن البرلمان الذي يُشرع القوانين لن يمرر هذا القرار، كأنما الشعب سيحول دون تحقيق التطبيع، فأخلى مسؤوليته من ذلك، لم يكن هذا واقعيًّا، إذ إنه وبطريقة ما، يستطيع الالتفاف على البرلمان الذي مثل حصانة مهمة في هذا السياق. دولة عربية أخرى كُشف فيها عن وثائق تثبت تورط دول أجنبية بالحيلولة دون وجود مجتمع مدني مستقل فيها، هذه الدول نفسها تريد أن تفرض علينا الديمقراطية وتدعي أنها ستنتزعها لنا انتزاعًا من الديكتاتورية، وستضمن وجودها دومًا، ما يؤكد أن الديمقراطية لم تكن سوى أداة إمبريالية غاشمة.
أصدرت وزارة الخارجية ومؤسسات عمانية أخرى بيانًا يُحمّل إسرائيل المسؤولية عن أي ما يمكن أن يمس العمانيين المشاركين بسوء، خصوصًا وأن الأسطول كان في المياه الإقليمية الدولية فيما يمثل اختراقًا للقانون الدولي. منذ بداية الإبادة الجماعية في غزة وحكومتنا تعكس موقفًا شريفًا تجاه هذه الجريمة، حتى في لغة بياناتها الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية والتي تسمي إسرائيل بالكيان المحتل، وتحدد بشاعة جرائمه في غزة، وصولاً لتكريسها دون تردد منصاتها الرسمية مثل جريدة عُمان لمتابعة ما يحدث وتحديد موقف عمان شعبا وحكومة. تبادلنا الرسائل عن البيان، كنا فخورين بأننا في مكان لا يضمن لنا بالتفكير بهذا فحسب، لكنه يحمينا إذا ما قررنا تحويل هذا الفكر لفعل، ففي ظل مواقف مستفزة استطاعت عمان أن تحتفظ باستقلالية موقفها الرسمي.
منذ السابع من أكتوبر لا أتذكر أنني خرجتُ من دون «الكوفية» لأي مكان حتى في أوروبا، في قلب برلين كنت أتمشى بالكوفية وسط أعلام إسرائيل في كل مكان، لم يسألني أحد عنها، بدت كما لو أنها جزء من ملابسي، أتذكر أنه ومع بداية الإبادة الكثير من العمانيين يسيرون بها في كل مكان، زرت دولتين خليجيين إحداهما أوقفني فيها فلسطينيون مقيمون في المجمعات التجارية ليشكروني على هذا ويعتذرون عن عدم امتلاكهم الشجاعة للتعبير عن أدنى تضامن مع الغزيين، بصراحة لم أكن أتحدى السلطة هناك، لم أتخيل مطلقًا أن يمثل هذا تنويعًا صداميًّا، واستفزازًا للمكان! روعني ذلك للغاية، أما الدولة الخليجية الأخرى، والتي قدّمت لي دعوة رسمية لمؤتمر دولي كبير ينعقد فيها، وبينما أسير على سجادة حمراء للقاعة كضيف (vip) أوقفني حارس ضخم للغاية، من أولئك الذين لم أعرف بأنهم موجودون خارج الأفلام، وطلب مني خلعها بغضب، تفاجأتُ من ذلك جدًا، بدا قراره شخصيًّا، عكس ذلك تردده اللاحق حول المسألة، إذا سمح لي بالمرور بما يمثل رمزًا سياسيًّا ربما يُعرّض وظيفته ونفسه للخطر، وإن هو لم يسمح لي بذلك يخاف من عاقبة الأمر خصوصًا في محفل إعلامي ضخم، بعد أن استخدم ناقل الصوت ليسأل مسؤوله عن الموضوع حسم أمره بمصادرتها، ترجيته أنني لن أرتديها إذن، فهي عزيزة جدّا عليّ، جاءتني عبر صديقتي من يافا.
لكنني سأعود لموضوع الأسطول بعد الاستطراد حول الموقف الرسمي مما حدث لأمامة والآخرين. يحاج صحفيون يساريون في أمريكا بأن وصول هذه السفن قريبًا من غزة، واضطرار كيان الاحتلال إيقافها رغم اختراق القوانين الدولية يؤكد أن إمكانية فك الحصار عن غزة يمكن أن يتحقق ببساطة إذا أرادت دول العالم فعلًا أن توقف هذا الإجرام، وهي في الوقت نفسه تؤكد أن قوة إسرائيل ليست نهائية، وأن المسألة ترتبط بعدد هذه الأساطيل خصوصًا أنهم كادوا أن يفعلوها مع ٤٠ سفينة فإذا ما تمكنوا من إيقاف ٤٠ سفينة، هل يستطيعون إيقاف ٤٠٠ سفينة؟ أو ٤٠٠٠ سفينة؟
يوثق الصحفي جي ناثان روبنسون في مجلة current afairs لما أطلق عليها القضية النبيلة التي تبنّاها كل من على الأسطول في ظل فشل العالم كله في محاولة فك الحصار. إذ خاطر النشطاء بحياتهم لتقديم عزاء متواضع لأهالي غزة، بالإضافة للتعبير الرمزي عن التزام الإنسان تجاه الآخرين، أصر هؤلاء النشطاء على تكرار المحاولة للعودة للأسطول، حتى تصل المساعدات، كان أحد من شاركوا في الأسطول قد كتب رسالة جماعية عن زملائه للصحيفة عن: «حتى لو وصلت الإمدادات إلى غزة، سنعود لقبرص لإعادة التزود، وسنبحر مجددًا نحو غزة»، فيكتب روبنسون «لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لإنسان أن ينظر إلى مهمتهم، أو يستمع إلى شهاداتهم، ولا يدرك أنهم يجسّدون أنبل ما في الطبيعة البشرية. أن يخاطر المرء بكل شيء لإطعام غرباء في أرض بعيدة - أي فعل يمكن أن يكون أسمى من ذلك؟ وعندما ترى هؤلاء الناس يفعلون ما يفعلونه، ثم ترى الجيش يصفهم بالإرهابيين ويتوعد بوقف سفن المساعدات، يصبح جليًّا أيّ جانب هو الجدير بالانحياز إليه».
ما فعله النشطاء والناشطات على متن السفن كان تدخلًا مباشرًا بعد أن عشنا خلال سنتين فشل حكومات العالم المتواطئة إن بشكل مباشر أو غير مباشر. حتى الدول التي ادعت عبر مواقفها الرسمية مثل جنوب إفريقيا والبرازيل وإيرلندا، هل يمكن أن يتحرك أسطول منها؟ يخلص روبنسون إلى انعدام أي استعداد حقيقي لحكومات العالم لاستخدام مواردها في تحدي إسرائيل.
اغتالت إسرائيل بالفعل عشرة نشطاء على متن أسطول تحرك نحو غزة عام ٢٠١٠، هل يمكن أن نتخيل الخطر الذي لم يُخمد الغضب الأخلاقي لهؤلاء النشطاء الذي خرجوا الآن؟ هل يمكن أن نتخيل أن كثيرًا منهم ستنكر دولهم وجوده، وفي أحسن الأحوال إذا تم الإفراج عنه ربما يتعرّض لمحاكمة فيها؟
ما فعلته أمامة هو إيقاظ رغبتنا في أن نكون جزءًا مباشرًا من الحل، بدلًا من رفع اليدين باستسلام «يعني ايش نقدر نسوي، ولا شيء...» ولا يعني هذا أبدا الدعوة للانضمام لأساطيل بحرية قادمة، لكنه تحفيز لنتخيل تدخلًا مسؤولًا ومباشرًا.
أمل السعيدي كاتبة وقاصة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إسبانيا تعتزم تقديم شكوى بـ”إسرائيل” للجنائية الدولية بشأن أسطول الصمود
الثورة نت /..
قال وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، إن بلاده ستقوم بخطوة استباقية عبر تقديم شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية في أحداث أسطول الصمود العالمي.
ونقل موقع “الجزيرة نت”، اليوم الاثنين، عن الوزير الإسباني، أن أي اعتداء على أشخاص في المياه الدولية يُعد حرمانا من الحرية وفق القانون المحلي والدولي.
ووصل إلى العاصمة الإسبانية مدريد أمس الأحد 29 ناشطا من المشاركين في أسطول الصمود الذين تعرضوا لهجوم واحتجاز من جيش العدو الإسرائيلي في المياه الدولية أثناء توجه الأسطول إلى غزة لكسر الحصار.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن بعض الناشطين الإسبان أنهم تعرضوا إلى “إساءة معاملة جسدية ونفسية” من الكيان الإسرائيلي.
وقال أحد أفراد الأسطول، رافائيل بوريغو، للصحافيين عن احتجازهم من قوات الكيان الإسرائيلي: “تكررت الإيذاءات الجسدية والنفسية طوال هذه الأيام. ضربونا وجرونا على الأرض وعصبوا أعيننا وقيدوا أقدامنا وأيدينا”.