لجريدة عمان:
2025-11-19@19:27:32 GMT

هل يمكن أن تستمر أوروبا المُجَزَّأة في الازدهار

تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT

ترجمة قاسم مكي

ما الذي حققه الرومان لنا (نحن الأوروبيون)؟

في فيلم «حياة برايان» للفرقة الكوميدية البريطانية «مونتي بايثون» شملت الإجابات على هذا السؤال قنواتِ الري والحمّامات والسلام. لكن ماذا إذا كانت الإجابة الصحيحة هي أن ما حققوه لنا هو سقوطُ إمبراطوريتهم؟

باختصار، يعود دور أوروبا في تغيير تاريخ العالم إلى غياب إمبراطورية أوروبية على امتداد القارَّة.

أوجد ذلك الوضع ما يدعوه مؤرخ التاريخ القديم والتر شيدل التشظي التنافسي لأوروبا الغربية (تفتتُها من إمبراطورية رومانية موحَّدة إلى دول محلية متنافسة- المترجم) أفضى التنافس فيما بينها إلى التحولاتِ التجارية والفكرية والتقنية والقانونية والسياسية التي قادت في النهاية إلى الثورة الصناعية، وعقب ذلك تغيّر كل شيء.

الفائدة التي تحققت من تجزئة أوروبا تشكل الفكرةَ المركزية في كتاب شيدل «الهروب من روما» والذي نشر في عام 2019. إنها ليست فكرة جديدة.

لكن شيدل بعث فيها الحياة بتجذيره تقدم أوروبا الغربية في عدم قدرة أي قوة لاحقة على تكرار ما فعلته روما، فخلافا لما حدث في الصين والشرق الأوسط والهند لم تتأسس في أوروبا أبدا إمبراطورية أخرى تلمّ شملها.

طوال 1500 سنة نافست الدول الأوروبية بعضها البعض، ويمكن تصوّر هذه الدول «كعقارب في زجاجة» خلال هذه الفترة من تاريخ أوروبا. كانت هذه العقارب بحاجة إلى تطوير لدغات سامة لكي تظل على قيد الحياة وتزدهر في هذه البيئة الضارية. لقد فعلت ذلك في الحقيقة إلى حدّ أن جزيرة أوروبية صغيرة (بريطانيا) أخضعت جزءا كبيرا من العالم وابتدرت الثورة الصناعية.

خرجت بعض الدول من المنافسة، لكن الابتكارات والأفكار التي قُمِعَت في بعض الأماكن انتقلت ببساطة إلى أماكن أخرى.

أسس الأوروبيون إمبراطوريات في باقي العالم ولكن ليس في أوروبا. وذلك هو الشيء المهم كما يقول شيدل.

يقارن شيدل التنافس الأوروبي بالركود الإمبراطوري في أماكن أخرى. وكتب أن الإمبراطوريتين الرومانية والصينية تشتركان «في قدر من التكامل في السوق والنمو غير المتكافئ الذي قيَّده ضعف قدرة الدولة وانتشار تعدِّي النخب على الموارد والافتقار الدائم لكل من الابتكار وتشكيل رأس المال البشري والنمو الشومبيتري الذي يقوده الابتكار» (النمو الذي ينتج عن التدمير الخلاق على نحو ما شرح ذلك الاقتصادي شومبيتر- المترجم).

تُقدِّم الإمبراطوريات السلام لبعض الوقت، لكنها «آلات» لاستخراج الريع، وفي أوروبا مثل هذه الأنظمة هزمتها تلك التي نجحت في تعزيز الابتكار.

السؤال: لماذا ظلت أوروبا مجزأة؟ الإجابة كما يبدو هي الجغرافيا وتحديدا الجبال والبحار. فالمناطق الخصبة والتي يمكنها إعاشة أعداد كبيرة من السكان وبالتالي دفع ضرائب مرتفعة لم تكن كبيرة ولا قريبة بما يكفي. كما لم تُستنسخ الكفاءة العسكرية النسبية لروما.

في القرنين التاسع عشر والعشرين شهدت اقتصادات أوروبا الغربية نمو مثيرا. ففي عام 2022 كان الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد في أوروبا الغربية يساوي 19 ضعف حجمه قبل 200 سنة مضت. وارتفع متوسط العمر أيضا من 36 سنة في عام 1820 إلى 82 سنة في عام 2020. لقد انتشرت الثورة (الصناعية) من أوروبا عبر العالم. وصار اقتصاد الولايات المتحدة قائد الركب في العالم منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وفي وقت أقرب تعاظم ازدهار الصين. لقد تغير العالم. إنه أكثر ثراءً إلى بعيد.

أيضا فتحت الاختراقات التقنية المجال لتنافس عالمي حامي الوطيس. ولذلك دلالات ضخمة. فحتى وقت قريب كان الاقتصاد الوحيد المتقدم تقنيا وبحجم قارة هو اقتصاد الولايات المتحدة. حاول الاتحاد السوفييتي أن يكون كذلك، لكنه فشل باستثناء تقدمه في المجال العسكري. غير أن الصين قوة مثلها. وقد تكون الهند قوة أخرى أيضا. واليوم «الزجاجة» هي العالم وليست أوروبا. وأخطر العقارب بنفس حجم الإمبراطوريات القديمة. في الواقع إحداها، وهي الصين، المثال النموذجي لإمبراطورية قديمة.

أين موضع أوروبا، أصل هذه الثورة، من كل هذا؟

يبلغ عدد سكان أوروبا 450 مليون نسمة وهو أقل كثيرا من عدد سكان الصين. هذا إذا لم نذكر سكان الهند. لكنه أكبر بقدر مهم من سكان الولايات المتحدة. واقتصادها على أساس تعادل القوة الشرائية أصغر من الاقتصادين الأمريكي والصيني. مع ذلك يظل كبيرا جدا. لكن، وكما جاء في تقرير ماريو دراغي وأيضا في ورقة حديثة بعنوان «دستور الابتكار» من إعداد لويس جاريكانو وبينجت هولمستروم ونيكولا بيتي، الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو يتخلفان في الإنتاجية.

كما تجد أوروبا أيضا صعوبة في تحريك مواردها الاقتصادية والديموغرافية (رغم إنها أكبر بكثير من موارد روسيا) لضمان أمنها بدون حماية المظلة الدفاعية الأمريكية.

ربما باستطاعة الاتحاد الأوروبي فعل ما يجب عليه فعله على الرغم من أن تاريخ تشظي سياساته سيجعله دائما رابطة كيانات سيادية متنازعة أكثر منه دولة ذات سيادة. لقد كان ما يجب عليه تحقيقه، كما تحاجج الورقة المذكورة، وهو الوعد بإقامة «السوق الموحدة» عليه فقط أن يحاول ذلك أكثر وأكثر. ويمكن القول إن ذلك يصح أيضا بالنسبة للتحدي الذي يشكله الأمن الأوروبي.

لكن هذا القول ليس مقنعا تماما؛ فالسيادة والهوية الوطنية والسياسة والضرائب (وهي تعبير عن هذه العناصر) تظل «وطنية» بشكل راسخ، وهذا هو السبب في صعوبة استكمال السوق الموحدة، وهو يصح أكثر بالنسبة للدفاع؛ فانعدام التنسيق بين الدول الأعضاء يجعل الانتفاع المجاني لبعضها من (الترتيبات الدفاعية) مسألة حتمية.

إلى ذلك، تلعب ضخامة الإنتاج وتنوعه وفوق ذلك تركُّزه المكاني دورا كبيرا في تعزيز معظم التقنيات الحديثة الأكثر تقدما.

وبالتأكيد ليس مصادفة، كما يذكر بول كروجمان، أن الثورة الرقمية تركزت في منطقة وادي السيليكون بالولايات المتحدة.

هل سيقبل الأوروبيون مثل هذا التجمع الصناعي العملاق؟ أو هل سيكون في مقدورهم هندسته؟ على المرء أن يشك في ذلك.

إذا كان هذا هو الوضع وإذا كان يؤثر ليس فقط على إنتاجية أوروبا ولكن أيضا على قدرتها على الدفاع عن أمنها قد يعني ذلك أن أوروبا تعاني الآن من «مفارقة» لتاريخها. فالتجزئة التي جعلت دولها قوية وغنية تشكل في العالم الجديد حاجزًا لبقائها كذلك. وفي عصر القوى العظمى التي هي بحجم قارة قد يكون تفتت أوروبا إلى دول مستقلة عائقا لا يمكن تخطيه.

مع ذلك هنالك أيضا إمكانية تدعو إلى قدر أكبر من التفاؤل. فالتحجّر الإمبراطوري يظل مهددا للدول الكبيرة.

نحن نرى ذلك في التمركز المفرط للسلطة الصينية ومحاولة إيجاد أوتوقراطية فاسدة في الولايات المتحدة. على الأوروبيين أن يسعدوا دائما بسقوط (إمبراطورية) روما وبأنها -رغم كل المحاولات- لم تَعُد أبدا.

مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة أوروبا الغربیة فی أوروبا فی عام

إقرأ أيضاً:

هل تجلب الفيدرالية الازدهار لسوريا أم تؤدي إلى انهيارها؟

قال موقع "جيوبوليتيكال مونيتور" إن تفكيك السلطة المركزية في دمشق لن يسهم في ازدهار البلاد، بل قد يؤدي إلى انهيارها مسلطا الضوء على الدعوات إلى تحويل سوريا إلى دولة فيدرالية بعد سقوط حكم الأسد.

وقال الموقع في تقرير ترجمته "عربي 21"، إن التحول الذي شهدته سوريا كان استثنائيًا بكل المقاييس. ففي الأشهر التي تلت إسقاط الثوار لحكومة الأسد، رُفعت العديد من العقوبات المفروضة على اقتصادها، وتصدرت الحكومة الجديدة والرئيس أحمد الشرع عناوين الصحف عالميا، لكن الدعوات إلى فدرلة البلاد لا تزال تلقى صدى واسعًا.



ويرى أن الحجج المؤيدة لفدرلة سوريا قوية بالنظر إلى تاريخ الدكتاتورية والطائفية في البلاد، إلى جانب الحرب الأهلية التي مزقت المجتمع وأوقعت مناطق واسعة من سوريا تحت سيطرة مليشيات محلية، لا يزال الكثير منها يشكك في الحكومة الجديدة.

وتخوض الحكومة منذ فترة مفاوضات مع ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي لدمج الفصائل الكردية، لكن الأمور لم تتضح بعد.

ويضيف الموقع أن خيار الفدرلة يكتسب زخمًا في الغرب، مدفوعا بما تروجه وسائل الإعلام الإسرائيلية ومراكز أبحاث بارزة في واشنطن، ويُنظر إليها كحل وحيد لحماية الأقليات وتجنب "دوامة لا نهائية من الصراع".

لكن المقارنات مع النظام الفدرالي الأمريكي غير منطقية -وفقا للموقع- لأن الظروف مختلفة في الشرق الأوسط، ما يجعل فدرلة سوريا حلًا قصير النظر بالنسبة للتحديات التي تواجهها البلاد.

تقييد الحكومة

أوضح الموقع أن الفيدرالية قد تعني تقييد الحكومة في دمشق، مما قد يجعلها عاجزة عن كبح جماح الجهات التي تريد تمزيق البلاد، حيث لا تزال هناك شبكة معقدة من المليشيات التي تجوب سوريا، وهي لا تقل ضررًا عن أي بيروقراطية في دمشق.

ويرى أن نجاح الحكومة السورية في تجنب هذا السيناريو يتطلب التركيز على توفير الأمن والخدمات وضمان المساءلة وتطوير الاقتصاد.

وفي وقت تحتاج فيه البلاد إلى إعادة ربط مكونات المجتمع الذي مزقته الحرب، لا تستطيع سوريا تحمل حكومة عاجزة أمام المليشيات والفساد والقوى الأجنبية.

والأدلة على ذلك واضحة حسب الموقع ، إذ لا توجد تقريبًا دول لا مركزية في الشرق الأوسط، وقد أظهرت التجارب في العراق ولبنان أن التسويات التي تفرض تقاسم السلطة بين المكونات العرقية ليست وصفة للسلام أو النمو.

مساوئ الفدرلة

وأكد الموقع أن العنف في سوريا لن ينتهي بتحولها إلى فيدرالية، بل سيتحول مرتكبوه إلى عصابات منظمة، وهي سمة من سمات الدول الفيدرالية.

ففي العراق يضيف الموقع لم تنجح الحكومة الفيدرالية في بغداد في تمكين المجالس المحلية والمجتمع المدني، بل سمحت لشبكة معقدة من المليشيات باستخدام العنف لممارسة السياسة، والسيطرة على الخصوم، وقمع النشاط السياسي.

ويرى أن السيناريو لن يختلف في سوريا، حيث تُظهر التقارير أن العصابات والمليشيات ما تزال تمارس سلطتها خارج نطاق القانون، حتى في المدن التي تقع تحت سيطرة الحكومة مثل حمص وحماة، ومن المتوقع في ظل استمرار هذا الوضع أن تظهر فصائل منافسة لحماية الضحايا.



ويوضح أن بعض المليشيات في سوريا تفرض الضرائب والرسوم، وتستغل قطاعات مثل النفط والزراعة والمخدرات والآثار لتمويل عملياتها، وكل هذه القطاعات يجب أن تكون خاصة لسلطة الدولة من أجل أن تبني اقتصادا قويا.

كما أن ترسيخ الفدرلة وتمزيق البلاد في هذه المرحلة الانتقالية سيُبقي خطر التدخل الأجنبي قائمًا وفقا للموقع، حيث أن الكثير من المليشيات مرتبطة بالخارج، ما يعني احتمال أن تندلع حرب أهلية جديدة خدمة لأجندات خارجية.

أفضل الحلول

ويخلص الموقع إلى أن الفيدرالية ليست حلًا لإعادة إعمار سوريا، فهي لن تعزز العلاقات بين الأقليات، ولن تحفز النمو، ولن تعيد بناء اقتصاد البلاد أو بنيتها التحتية، ولن توفر الرعاية الصحية، ولن تعالج الفساد، بل ستزيد الوضع سوءًا.

ويختم بأن الغرب مطالب بأن يعمل مع الحكومة السورية الجديدة إذا أراد أن يرى دولة موحدة ومزدهرة، لا أن يعرقلها، ويبدأ ذلك بحث الحكومة على اتخاذ خطوات ملموسة لإدماج الأقليات، لأن أفضل أمل لسوريا الآن يكمن في حكومة قوية ومركزية.

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست: صراع على تسلّم روسي مرتبط بشحنات الطرود التي هزت أوروبا
  • سلام من مؤتمر بيروت 1: خطة الجيش تنصّ على احتواء السلاح ليس فقط في جنوب الليطاني إنما شماله أيضاً
  • هدافو تصفيات أوروبا بـ المونديال.. هالاند يتصدر وهاري كين الوصيف
  • تعرف على قدرات F-35 الأكثر تطوراً وفتكاً في العالم.. المقاتلات التي تثير رعب الحوثيين في اليمن
  • هل تجلب الفيدرالية الازدهار لسوريا أم تؤدي إلى انهيارها؟
  • موعد مباراة إسبانيا وتركيا في تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم 2026
  • ما هي الدروس التي يمكن أن يتعلمها ممداني من تجربة خان في لندن؟
  • هالفورد ماكيندر.. عرّاب حروب العالم
  • منتخب فرنسا يختتم مشواره في تصفيات المونديال بالفوز على أذربيجان