تحدث كثير من المعاصرين عن "الحرية" كمقصد من مقاصد الشريعة، ومنهم: علّال الفاسي، الطاهر بن عاشور، يوسف القرضاوي، راشد الغنوشي، وأحمد الريسوني إلخ.. لكنني أعتقد أن الحرية تأتي نتيجة إزالة نوعين من الاستبداد:

الأول ـ  استبداد داخلي نتيجة تحكم الشهوات بالإنسان.

الثاني ـ استبداد خارجي نتيجة وجود سلطة خارجية تفرض على الإنسان سلوكاً وقيماً وأفكاراً معينة مرتبطة بأيدلوجية معينة، رغم عدم قناعته بها، وبهذا تلغي هذه السلطة الخارجية حريته.



أما الاستبداد الأول فهي الشهوات وقد تحدث القرآن الكريم عنها فقال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) (سورة آل عمران) من الواضح من خلال الآية السابقة أن أبرز الشهوات هي: النساء والبنون والأموال بمختلف أصنافها سواء أكانت ذهباً أم فضة أم أنعاماً أم بساتين إلخ.. ويمكن أن تستهلك هذه الشهوات عمر الإنسان وطاقته ولا يشبع منها، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " لَوْ كانَ لاِبْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لابْتَغَى وادِيًا ثالِثًا، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ"(صحيح مسلم).

شرع الإسلام العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج من أجل أن تساعد الإنسان على أن يوجه تكبيره وتعظيمه لله وليس لشهواته، ويخضع لأمر الله في الحلال والحرام فيأخذ ما هو حلال ويبتعد عما هو حرام، وتساعده على أن يحب الله أكثر من كل محبوبات الدنيا، ويخاف عقاب الله وناره، ويرجو عطاءه وجنتهوإذا استغرقت هذه الشهوات الإنسان فإنها تستعبده، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عَبْدُ الدينار، تَعِسَ عَبْدُ الدرهم، تَعِسَ عَبْدُ الخَمِيصَة، تعس عَبْدُ الخَمِيلَة، إن أُعْطِيَ رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانْتَكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انتَقَشَ"(رواه البخاري). وإذا استغرقت هذه الشهوات الإنسان واستعبدته فإنه لا يملك حينئذ فضلاً من وقت وجهد لأي إعمار أو بناء حضاري أو اجتماعي أو سياسي أو ثقافي، لأن الإنجاز والبناء يحتاجان إلى فضل وقت وجهد ومال.

لذلك شرع الإسلام العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج من أجل أن تساعد الإنسان على أن يوجه تكبيره وتعظيمه لله وليس لشهواته، ويخضع لأمر الله في الحلال والحرام فيأخذ ما هو حلال ويبتعد عما هو حرام، وتساعده على أن يحب الله أكثر من كل محبوبات الدنيا، ويخاف عقاب الله وناره، ويرجو عطاءه وجنته، وكل صلاة يصليها المسلم تنمي هذه الطاقات الخمس: تعظيم الله والخضوع له، وحب الله والخوف من ناره وعذابه، ورجاء جنته، كذلك العبادات الأخرى من صيام وزكاة وحج تبني هذه الطاقات الخمس وتجعله يسيطر على شهواته ويقودها، وتنمي إرادته وتجعله متحكماً في ذاته، وبالتالي يصبح حراً وليس عبداً لشهواته.

أما الاستبداد الخارجي فلا بد من مدافعته كما فعل موسى عليه السلام مع فرعون، عندما طلب منه أن يكف عن استعباد بني إسرائيل، ويطلقهم معه، لكنه رفض ذلك وبدأ الصراع بينهما، بمشهد حشد سحرة فرعون ألاعيبهم، ثم أخرج موسى عليه السلام عصاه فإذا هي تلتهم حبال السحرة، وهنا بلغ غضب فرعون ذروته بعد أن آمن السحرة بموسى عليه السلام، لأنهم علموا صدقه وأنه ليس ساحراً مثلهم، وحرّض الملأ فرعون على موسى عليه السلام وقالوا له: " أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض"، وهنا هدد فرعون بني إسرائيل بأنه سيقتل ذكورهم ويستحيي إناثهم، ثم خاطب موسى عليه السلام قومه بأن عليهم الصبر لأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده المتقين، ثم أنزل الله على فرعون وقومه عذابات متتالية منها: القحط والجدب والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، ثم أنجى الله موسى وقومه وأغرق فرعون وجيوشه في البحر، وأورث الله بني إسرائيل الجنات التي كان يملكها فرعون في بلاد الشام.

وهكذا انتهت المواجهة بين الرسولين موسى وهارون عليهما السلام وفرعون بانتصار الرسولين عليهما السلام وتحرير بني إسرائيل من استعباد فرعون، وذلك من أجل أن يعبدوا الله بحرية، لذلك كانت الحرية نتيجة لإزالة الاستبداد.

ثم إن هذه المواجهة ليست خاصة بموسى عليه السلام مع فرعون، بل هي سنة ومنهج مع كل الأنبياء مع اختلاف في صور المواجهة ونتائجها وأدواتها، فإننا نجد في سور الأعراف وهود والشعراء تفصيلاً لهذه المواجهة مع كل الأنبياء تقريباً بدءاً من نوح ومروراً بهود وصالح وشعيب ولوط وانتهاءً بموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام. نجد أن هناك خطاباً واحداً يقول فيه النبي: "يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"(سورة هود: 84)، فيتصدى له الملأ الذين استكبروا. ويبدأ صراع بين طرفين هما: الرسول من جهة، والملأ المستكبرون من جهة ثانية، من أجل انتزاع الحرية التي تعني القدرة على اختيار الدين للرعايا الموجودين مع النبي.

وبعد أن انتهت المواجهة بين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه من المسلمين مع سلطة قريش المتمثلة بأبي جهل وأبي لهب بالهجرة إلى المدينة، وأقام الإسلام دولته في المدينة، شرع للمسلمين أن يواجهوا المستبدين المحيطين بهم من دولتي الفرس والروم، من أجل أن يحرروا شعوبهم، ويعطوها حرية اختيار الدين والعقيدة التي تريدها، وقصة ربعي بن عامر تعبّر عن هذا الفهم خير تعبير، فقال عندما أرسله سعد بن أبي وقاص إلى رستم عظيم الفرس عندما سأله رستم: ما الذي جاء بكم؟ قال: "لقد جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة".

وبهذا يتبين لنا أن الطريق للحرية هو إزالة الاستبدادين: الداخلي والخارجي، لذلك أصبح من الأحق والأصح والأصوب أن تكون "إزالة الاستبداد" هي المقصد، لأن الحرية نتيجة، وتأتي حصيلة "إزالة الاستبدادين".

ولو أجرينا الآن مقارنة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية في الوصول إلى الحرية، لنرى أيهما أصدق وأصوب في تحقيق هذه الحرية، لرأينا في العرض السابق أن الإسلام يزيل الاستبدادين: الداخلي والخارجي من أجل تحقيق هذه الحرية، فكيف تحقق الحضارة الغربية هذه الحرية لهذا الإنسان؟
تعتبر الحضارة الغربية أن الحرية مرتبطة بتحقيق شهوات الإنسان دون قيد أو شرط وإلى أبعد حد، وقد جاء هذا الموقف انعكاساً ورداً على الكنيسة التي كانت تعتبر أن جميع الشهوات دنس وأولها شهوة النساء، وتأمر بالابتعاد عنها.

يتبين لنا أن الطريق للحرية هو إزالة الاستبدادين: الداخلي والخارجي، لذلك أصبح من الأحق والأصح والأصوب أن تكون "إزالة الاستبداد" هي المقصد، لأن الحرية نتيجة، وتأتي حصيلة "إزالة الاستبدادين".ولا شك أن هذا التوجه يقود إلى استعباد الإنسان لشهواته، فهي قد أطلقت له شهوات الجنس أن يحققها بجميع الطرق دون قيود أو حدود حتى نكاح المحارم، وأطلقت له حرية كسب المال وإنفاقه دون قيود أو حدود، وكذلك أطلقت له حرية الطعام والشراب دون قيود أو حدود إلخ...، وبهذا تحول الإنسان إلى "حيوان استهلاكي" يلهث وراء تحقيق شهواته وأبرزها "الجنس"، وبهذا أصبح مستعبداً لهذه الشهوات، لذلك أصبح مرهوناً ومرتبطاً من داخله بالاستبداد الخارجي وهو السلطة الحاكمة، التي بيدها إتاحة هذه الشهوات أو منعها، لذلك أصبح الإنسان في الغرب مستعبداً من قوتين:

الأولى ـ الاستبداد الداخلي وهو استبداد الشهوات.

الثانية ـ استبداد السلطة الحاكمة التي بيدها سلطة منع الوصول إلى هذه الشهوات.

لذلك أصبحت "الحرية" السياسية التي منحتها الحضارة الغربية للإنسان الغربي لا قيمة لها، لأن الإنسان مقيد بالشهوات من جهة، ومضطر أن يستجدي السلطة الحاكمة من أجل أن تحقق له شهواته من جهة ثانية، ثم يأتي دور الإعلام فيقوم بدور المثير للشهوة الاستهلاكية عند الإنسان وأبرزها "شهوة الجنس" حتى تصل إلى درجة "السعار الاستهلاكي" فيزداد استبداد الشهوات، ويزداد خضوعه للسلطة الحاكمة، وتصبح شعارات الحرية كلمات جوفاء يقوم به الإنسان المقيد بكل أصناف الاستبداد، وهو الذي يلهث ويركض وراء ما يحقق له شهواته.

ومما يؤكد ذلك أن الناخب الغربي في كل من أوروبا وأمريكا، يهتم بالمرشح الذي سيرخص له سعر البنزين والمشروبات الكحولية ويخفض له الضرائب ويحقق له دخلاً أكثر إلخ.....، ولا يهتم بالسياسة الخارجية مطلقاً.

من خلال هذه المقارنة نستطيع أن نجزم بأن الحضارة الإسلامية أكثر صدقاً في تحقيق الحرية للإنسان.
الخلاصة:

جعل بعض الكتاب "الحرية" مقصداً من مقاصد الشريعة، والأولى في نظري أن يكون "إزالة الاستبداد" هو المقصد لأن الحرية نتيجة لإزالة  الاستبدادين الداخلي والخارجي، وقد شرع الإسلام العبادات من أجل أن يعبّد المسلم ذاته لله، ولا تستعبده شهواته، وليصبح لديه القدرة على تحقيق ذلك، وقد أنتجت الحضارة الغربية إنساناً بصورة "حيوان استهلاكي" لأنها قامت على إطلاق الشهوات بكل طريق وبأية صورة، وقد جاء الإعلام ليلعب دوراً كبيراً في إثارة "الشهوات الاستهلاكية" وأبرزها ما يتعلق بالجنس ليزيد في سطوة استعباد الشهوات للإنسان. وبهذا تكون الحضارة الإسلامية أكثر صدقاً من الحضارة الغربية في جعل الإنسان حراً.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب الذاكرة السياسية تقارير الحرية الدين المقصد حرية رأي دين مقصد أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الداخلی والخارجی موسى علیه السلام الحضارة الغربیة الحریة نتیجة بنی إسرائیل أن الحریة لذلک أصبح من أجل أن من جهة على أن

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة الأزهر: ضعف الصلة بالله سبب قلق الشباب.. والإيمان يمنح العزة

عقد الجامع الأزهر اليوم الثلاثاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة تحت عنوان: دور العقيدة في بناء الإنسان". 

وجاء ذلك بحضور كل من د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، ود. حبيب الله حسن، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء أ. كمال نصر الدين، الإعلامي بإذاعة القرآن الكريم.

تفاصيل ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة

في بداية الملتقى، قال الدكتور سلامة داود، أن العقيدة الراسخة هي الأصل الثابت لليقين الذي يستقر في القلب، ولا يتطرق إليه الشك أو التزعزع؛ فلو اجتمعت قوى الدنيا بأسرها لما استطاعت أن تزحزح هذا اليقين من قلب المؤمن. 

وأشار إلى أن بناء الإنسان الحقيقي يعتمد على محورين متوازيين لا ينفصلان: بناء الجسد وبناء الروح، وقد تكفل المولى عز وجل ببيان هذين البنائين في مطلع سورة الرحمن، حيث قال تعالى: "الرَّحْمَٰنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ"، جاعلاً تعليم القرآن (بناء الروح) مقدماً على خلق الإنسان (بناء الجسد)، دلالةً على أهمية الجانب الروحي كأصل للحياة المستقيمة. 

رئيس جامعة الأزهر: الإيمان منظومة سلوكية متكاملة والإيمان بالغيب هو الركيزة لمكارم الأخلاق

وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن الإيمان هو النور الحقيقي الذي يحيى به الإنسان ويضيء مساره، كما وصفه تعالى: "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ"، وقد فسر العلماء النور هنا بالهداية الإلهية التي تنقل المؤمن من موت الغفلة إلى حياة اليقين؛ لذلك، من الواجب على المؤمن أن يديم شكر المولى على نعمة الهداية للإيمان؛ لأن الإيمان حقاً هو سبب الحياة الروحية والنور الذي لا ينطفئ.

وشدد رئيس جامعة الأزهر على أن الإيمان ليس مجرد كلمات تنطق أو طقوس تؤدى، بل هو منظومة سلوكية متكاملة وأخلاق تمارس في الحياة، وهذا ما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، هذه الأخلاق الكريمة ليست إلا ثمرة يغرسها الإيمان الراسخ في نفس المؤمن. 

ونوه رئيس جامعة الأزهر بأن القرآن الكريم مليء بالتوجيهات التي تحث المسلم على حسن التعامل والتجمل بمكارم الأخلاق، ولو تأملنا في الآيات الأولى من سورة البقرة: "الم (١) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ"، لتبين لنا أن الإيمان بالغيب هو الركيزة الأساسية والباعث الجوهري الذي يدفع المؤمن للتحلي بمكارم الأخلاق والاهتداء بسلوكه وأفعاله في كل حين. 

وألمح رئيس جامعة الأزهر إلى أن العقيدة الصحيحة مبناها هذا الإيمان بمرجعية غيبية، ولذلك، لكي تظل صلة الإنسان قوية ومستدامة بالله سبحانه وتعالى، يجب أن يكون متجسداً لهذه الأخلاق الفاضلة في واقعه العملي، لتكون الأخلاق دليلاً على صدق إيمانه.

وأكد رئيس جامعة الأزهر أن الاقتراب من ساحة القرآن الكريم هو الملاذ الذي يوفر الحل لكل معضلة ويزرع الأمن التام في القلب؛ فالمؤمن لا يخاف ولا يخشى سواه سبحانه، مصداقًا لقوله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"، وهذه الآية تفسر بوضوح كيفية تحقيق هذه الطمأنينة الروحية العميقة. 

وتابع رئيس جامعة الأزهر "قد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم للاعتصام بالله واللجوء إليه لدرء الخوف، معلماً إيانا هذا الحصن النبوي المنيع: "اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم"، فمن تحصن بحصن الله تعالى، الذي بيده مقاليد كل شيء، لا يمكن أن يناله أحد بمكروه، ويظهر هذا المفهوم الشامل للأمن في منهج القرآن نفسه". 

وأضاف رئيس جامعة الأزهر "نجد في سورة البقرة يحدثنا المولى سبحانه وتعالى عن الأمن: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا" وفي الجزء الأخير من المصحف الشريف في سورة قريش: "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ"، ليصبح الأمن حاجة أساسية، وكد وضع النبي صلى الله عل وسلم معايير كمال الأمن بقوله صلى الله عليه وسلم: "من بات آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".

وفي ختام كلمته، أكد رئيس جامعة الأزهر على أن الأصل في بناء الإنسان هو تحقيق السكينة النفسية والاطمئنان الداخلي الثابت، بعيداً عن أعراض الاكتئاب والتوترات النفسية المعاصرة التي يعاني منها بعض الشباب اليوم، ويرجع سبب هذه الاضطرابات إلى ضعف الصلة بالله سبحانه وتعالى، فلو وثق الإنسان صلته بربه حقاً، وتحقّق لديه اليقين الصادق، لما خاف إلا الله ولما ضره شيء أبداً في الدنيا والآخرة؛ لأن الإيمان يمثل نجاة وفوزاً عظيماً. 

واستشهد بما جاء في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، لأن الإيمان هو جوهر أخلاق وسلوك وعمل، فإنه يكسب المؤمن عزة نفس وكرامة تمنعه من إذلال نفسه لغير الله سبحانه وتعالى الذي قال: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين"، وهذه العزة تستدعي العمل والإنتاج، تطبيقاً لمبدأ اليد العليا الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى"؛ فالإيمان يرفع الهمة ويحول المؤمن إلى طاقة بناء وعطاء لا استجداء.

الدكتور حبيب الله حسن:  البشرية اليوم في أمس الحاجة إلى مبادئ الإسلاممنظمة خريجي الأزهر تطلق مسابقة “الأصوات الحسنة” بالتعاون مع مؤسسة أبو العينين الخيريةالأزهر يحيي اليوم العالمي للفن الإسلامي بالتعريف برائد الآثار محمد مرزوقعالِم أزهري: الطلاق «ليس أبغض الحلال» في كل الحالاتملتقى الجامع الأزهر: مقارنة المهور الوقود الذي يشعل نيران التكلف في الزواج

من جانبه، أكد فضيلة الدكتور حبيب الله حسن، أن البشرية اليوم في أمس الحاجة إلى مبادئ الإسلام الذي يحمل في طياته الهدي والنور لكل مناحي الحياة، ليخرجها من ظلمات الجهل والاضطراب إلى نور اليقين والاستقامة، ولتأكيد هذه الشمولية، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان منظومة متكاملة، فقال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"، هذا الحديث الشريف يوضح أن الإيمان لا يقتصر على الاعتقاد القلبي أو النطق اللساني فحسب، بل يمتد ليصبح سلوكا عمليا يراعي حقوق الإنسان والبيئة معا؛ فإماطة الأذى عن الطريق تمثل حس المسؤولية تجاه المجتمع، بينما يمثل التوحيد "لا إله إلا الله" أصل العقيدة، وهكذا، تتكامل أركان الإيمان لتشكل دستوراً عملياً يضمن صلاح الفرد والمجتمع ويوفر حلولاً شاملة للقضايا المعاصرة.

وأوضح أن اعتدال الإنسان في حياته الدنيا واستقامته في سيره هما الترجمة العملية لقوله تعالى: "اهدنا الصراط المستقيم"، هذا الذي نردده في كل ركعة من صلاتنا، ليس مجرد طلب لسلوك الطريق الصحيح، بل هو تعهد دائم بالاتزان في جميع الأمور. 

ونوه بأن الإيمان الراسخ باليوم الآخر هو القوة الدافعة التي تحث الإنسان على السير في الدنيا ملتزماً بأصل إيمانه؛ فلا يسلك طريق الظلم، ولا يقع في الفساد، ولا يؤذي أحداً، بل يكون سلوكه وأفعاله انعكاساً صادقاً لإيمانه، فاستحضار المسؤولية أمام الله تعالى يجعل المؤمن يقدم المنفعة على المفسدة، ويتجنب الإفراط أو التفريط، محققاً بذلك الاعتدال والكمال في تعامله مع نفسه ومع الخلق.

طباعة شارك الجامع الأزهر ملتقى الأزهر ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة تفاصيل ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر دور العقيدة في بناء الإنسان بناء الإنسان

مقالات مشابهة

  • الإفتاء تفند شبهات الصلاة في مساجد الأضرحة وتوضح حكم قراءة القرآن عند الدفن
  • داعية يحذر من القنوط واليأس من كبائر الذنوب ويكشف طريقة علاجها
  • خالد الجندي: استحضار الله علاج للذنوب والكبر والهموم وضيق الرزق
  • علامات إخلاص العبادة لله.. 4 دلائل واضحة يستدل بها الإنسان
  • ما حكم قراءة سورة يس عند دفن الميت؟.. اعرف فضلها وثوابها
  • رئيس جامعة الأزهر: ضعف الصلة بالله سبب قلق الشباب.. والإيمان يمنح العزة
  • عالِم أزهري يوضح سبب حذف وإثبات اللام في آيات الصبر بالقرآن الكريم
  • أذكار الصباح كاملة مكتوبة.. حصن المسلم من الشرور والشياطين
  • ندوة البحوث الإسلامية تسلِّط الضوء على مفهوم الحُريَّة المسئولة ودورها في بناء الحضارة